مع مرور شهر على مجيء إدارة أمريكية جديدة برئاسة جو بايدن، يكثر الحديث عن توجهٍ من قبل هذه الإدارة لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية في العالم والشرق الأوسط، لا سيما في منطقة الخليج، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية وإيران.
بعد شهر في البيت الأبيض قد يكون من السابق لأوانه التحدث عن "عقيدة بايدن"، لكنه بادر بسرعة إلى إلغاء سياسات "أمريكا أولاً" التي اتّبعها سلفه ترامب
وفيما يتناول الرئيس بايدن أزمات من إيران إلى بورما مروراً بالتغير المناخي، تكشف سياساته عن نهج متسق لافت قائم على التعاون الوثيق مع الحلفاء.
وبعد شهر في البيت الأبيض قد يكون من السابق لأوانه التحدث عن "عقيدة بايدن"، لكنه بادر بسرعة إلى إلغاء سياسات "أمريكا أولاً" التي اتّبعها سلفه دونالد ترامب؛ الذي كان يسرّ بإغضاب قادة ودودين، بحسب تحليل نشرته "وكالة الأنباء الفرنسية".
إعادة توجيه الأولويات
وفي أول خطاب له في محفل دولي، تعهد بايدن أول من أمس أمام اجتماع افتراضي لمؤتمر ميونيخ الأمني بالعمل "عن كثب مع حلفائنا وشركائنا". وقال: "دعوني أزيل أي شكوك متبقية: الولايات المتحدة ستعمل عن كثب مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والعواصم في أنحاء القارة - من روما إلى ريغا - للتصدي للتحديات المشتركة التي نواجهها".
وتقول "وكالة الأنباء الفرنسية" إنّ بايدن أعاد مجدداً الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، ووضع حدّاً لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، واعتبر التعاون الدولي ضرورياً لتحقيق أهم أولوياته المتعلقة بمكافحة جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي.
وفيما يتعلق بالخطوة الأولى لإدارته العودة لمسار دبلوماسي مع إيران، انطلقت وزارة الخارجية الأمريكية من مقترح للاتحاد الأوروبي يعرض عقد اجتماع غير رسمي بشأن الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي يكاد ينهار بعد انسحاب ترامب منه.
"فورين أفيرز": على الرغم من أنّ أمريكا يجب أن تحتفظ بشراكاتها الأمنية مع دول الخليج، إلا أنّ البصمة الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تكون أصغر
وبعد الانقلاب العسكري في بورما، سعى وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إقامة جبهة موحدة مع الشريكين الهند واليابان، اللتين ترتبطان بعلاقات أفضل مع الدولة التي تسعى الولايات المتحدة لإقناعها.
كما تخلى بايدن عن خطة لترامب تقضي بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا الحليفة، وسعى إلى تسوية خلاف مالي مع كوريا الجنوبية يتعلق بالدعم الذي توفره قاعدة أمريكية، وبدأ مشاورات مع اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفين اللذين تشهد العلاقات بينهما توتراً، لرسم خريطة طريق بشأن كوريا الشمالية.
اقرأ أيضاً: بايدن وأردوغان: هل يعمّق الرئيس الأمريكي عزلة الديكتاتور التركي
وحول مواجهة الصين المتنامية النفوذ والزعيم اليساري في فنزويلا نيكولاس مادورو، فإن سياسات بايدن لا تُعدُّ تغييراً لسياسات ترامب بقدر ما هي وعد لضمان مزيد من الدعم الدولي، وفقاً لـ"الفرنسية".
وقال مسؤول أمريكي بعد محادثة هاتفية بين بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ إن "الرئيس بايدن لم ينتقد إستراتيجية ترامب لأنها غير متشددة حيال الصين بشأن التجارة، بل لأنه كان يقوم بذلك بمفرده وفي الوقت نفسه يحارب حلفاءنا وشركاءنا".
اقرأ أيضاً: طهران ترى بايدن ضعيفاً
وبالعكس، تضيف "الفرنسية"، ابتعد بايدن رمزياً عن العديد من الحلفاء الذين دعموا ترامب لكن سياساتهم تختلف مع بعض أهداف سياسات إدارته، ومن بينهم قادة إسرائيل والسعودية وتركيا.
مبدأ كارتر الذي عفا عليه الزمن
وفي سياق نقاشها لموضوع توجه إدارة بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط، ومع دول الخليج، تعود مجلة "فورين أفيرز" في عددها الأخير إلى التذكير بـ"مبدأ كارتر"، مشيرة إلى أنه في في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1980، والذي جاء في أعقاب صدمات النفط في عامي 1973 و 1979، وصف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مخاطر فقدان الوصول الأمريكي والغربي إلى نفط الشرق الأوسط. وقال كارتر حينها: "أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سيعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية...وسيتم صد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية". أصبح هذا التعهد معروفاً باسم مبدأ كارتر، وظل سمة مميزة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين. وفي وقت تصريح كارتر، اعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على واردات النفط لتزويد اقتصادها بالطاقة، وجاء 29 في المائة من هذا النفط من الخليج. وحتى بعد عقدين من الزمن، لم يتغير شيء يذكر: في عام 2001، كانت الولايات المتحدة لا تزال تستورد 29 في المائة من نفطها من الخليج. لكنها الآن لم تعد كما كانت في 1980 أو 2001. فاليوم، تنتج الولايات المتحدة القدر نفسه من النفط الذي تحصل عليه من الخارج، ويأتي 13 في المائة فقط من دول الخليج. وتستورد الولايات المتحدة الآن نفطاً من المكسيك أكثر مما تستورده من المملكة العربية السعودية، بحسب "فورين أفيرز".
ومع ذلك، حتى عندما أصبح الأساس المنطقي وراء ما يسمى بمبدأ كارتر قد عفا عليه الزمن، فإنه يستمر في تشكيل نهج الولايات المتحدة تجاه الخليج - رمزاً لفشل أوسع لسياسة الولايات المتحدة في اللحاق بالتغييرات الأوسع للمصالح الأمريكية في المنطقة منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وفق المجلة الأمريكية العريقة، التي تنبّه إلى أنه يجب، برأيها، على الرئيس جو بايدن الاعتراف بالوقائع الجديدة وإعادة ضبط علاقات الولايات المتحدة في الخليج بطريقة تعزز القيم الأمريكية، وتبقي واشنطن بعيدة عن التشابكات الخارجية غير الضرورية، وتعطي الأولوية للسلام والاستقرار الإقليميين.
وتؤكد "فورين أفيرز" أنه على الرغم من أنّ الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بشراكاتها الأمنية مع دول الخليج، إلا أنّ البصمة الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تكون أصغر.