هل يكون الحوار الوطني طوق نجاة تونس من أزمتها السياسية؟

هل يكون الحوار الوطني طوق نجاة تونس من أزمتها السياسية؟


14/11/2021

يتجه الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو تنظيم حوار وطني "مع الشباب" في كل محافظات البلاد، في محاولة جديدة لحل الأزمة السياسية في البلاد، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أشهر من إعلان قراراته بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، فيما تؤكد معلومات من مصادر متطابقة أنّ الحوار سيركّز في نقاشاته على النظامين السياسي والانتخابي في البلاد.

اقرأ أيضاً: تونس تلغي اتفاقيات الشراكة مع الذراع الديني للإخوان.. ما المغزى والدلالات؟

دعوة سعيد ركّزت على مصطلح الشباب فقط ولم تذكر الأطراف والأحزاب السياسية، وهو ما يطرح تساؤلات حول نجاعة هذه المبادرة الاستثنائية، والتي لن تشمل الأحزاب السياسية لأّول مرّة، خصوصاً أنّ سعيّد قبل انتخابه، وحتى الآن، غير مقتنع بالأحزاب والجمعيات والنقابات، ويرى أنّ بعضها متورط في تمويل خارجي وشبهات فساد.

حوار وطني مختلف

ولا يبدو بحسب تصريحات سعيّد أنّ الحوار الذي ينوي إطلاقه ينتمي شكلياً إلى الحوارات الكلاسيكية السابقة التي تعتمد على لقاءات مع الأحزاب السياسية، حيث اشترط أن يكون الحوار صادقاً ونزيهاً يشارك فيه الشباب في كامل التراب التونسي، وأن يكون مختلفاً تماماً عن التجارب السابقة.

وشدّد على أنّه سيستثني كلّ من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمّته إلى الخارج، وقد كلّف وزارة تكنولوجيات الاتصال، بإحداث منصات للتواصل الافتراضي لتمكين الشباب وجميع فئات الشعب التونسي من المشاركة في حوار وطني حقيقي عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في جميع المجالات.

مراقبون يرون أنّ الرئيس التونسي يسعى من خلال دعوته إلى فتح حوار وإنشاء منصات إلكترونية لتمكين الشباب وسائر فئات الشعب من المشاركة في إنتاج حياة سياسية جديدة

 ويراهن خصوم الرئيس التونسي بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي لم تغادر الحكم منذ 2011، وحلفائها على فشل المبادرة، عبر الترويج إلى أنّه لا أفق مفتوحاً للحوار الوطني، دون مشاركة الأحزاب خاصة في ظل الضغوط الخارجية التي يواجهها سعيّد، والتي تطالب بالعودة إلى المسار الديمقراطي، وإعادة المؤسسات التشريعية للعمل، فيما يتمسك سعيّد بعدم الرجوع إلى ما قبل قرارات 25 تموز (يوليو)، معلناً أنّ لا هدنة  في حربه مع الفساد.

تاريخ مع الحوار الوطني

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها البلاد إلى إطلاق حوار وطني كلما وصلت أزماتها إلى طريق اللاعودة، ولم تنجح أغلبها في حلّ الإشكاليات التي اُطلقت لأجلها، باستثناء الحوار الوطني الذي قاده الرباعي الراعي للحوار عام 2013، والذي يضم كل من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس والذي أدى حينها إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، بقيادة مهدي جمعة، إثر موجة اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية، شهدتها تونس، وأفضى أيضاً إلى تخلي الترويكا عن الحكم (ائتلاف بين النهضة وحزبين علمانيين).

وفشلت كل المبادرات الأخرى، بدءاً من وثيقة قرطاج الأولى والثانية فيما يعرف باتفاق قرطاج وهو عبارة عن وثيقة تحدّد أولويات الحكومة، وقع عليها في تموز (يوليو) 2016، كل من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (الأعراف)، واتحاد المزارعين (مستقل)، وأحزاب سياسية، أبرزها حركة النهضة ونداء تونس، وانقسمت لاحقاً إلى وثيقتين بعد أشهر من المفاوضات بين عدد من الأطراف السياسية والنقابية في البلاد، نتيجة عدم الحسم بالتوافق في الكثير من النقاط الخلافية.

الباحث التونسي محمد ذويب لـ "حفريات": تغييب هذه الكفاءات الشبابية واعتبارها مجرد ورقة انتخابية، هو من أهم الأسباب التي أدت إلى حالة الانسداد السياسي التي عرفتها البلاد

وتوجه الاتحاد العام التونسي للشغل مطلع كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، بمبادرة  حوار وطني للرئيس التونسي "تقوم على حوار تشاركي شامل يُرسي أسس عدالة اجتماعية، ويعدل بين الجهات ويساوي بين التونسيين ويحد من الفقر والحيف الاجتماعي"، غير أنّ هذه المبادرة لم تلاقي استحسان الرئيس قيس سعيد.

  حوار أم استفتاء شعبي؟

ويرى عديد الفاعلين السياسيين في تونس أنّ الرئيس التونسي يسعى من خلال دعوته إلى فتح حوار وإنشاء منصات إلكترونية لتمكين الشباب وسائر فئات الشعب من المشاركة، إلى تحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية في سباق الانتخابات الرئاسية الماضية بتغيير نظام الحكم في تونس عبر استفتاء شعبي سيقوده الشباب، بعدما فقد التونسيون ثقتهم بالأحزاب السياسية، خاصة بعد أن تحول البرلمان إلى حلبة للصراع السياسي والحزبي.

 

اقرأ أيضاً: التونسيون يرحبون: 10 نساء في حكومة تقودها امرأة

ويقول الباحث التونسي محمد ذويب في تصريح لـ "حفريات" إنّ تشريك الشباب في مبادرة الرئيس التونسي جيّد ومهم نظراً للتصورات التي يمتلكها الشباب التونسي وما يزخر به من طاقات لم تجد حظها في العهود السابقة، مؤكداً أنّ تغييب هذه الكفاءات الشبابية واعتبارها مجرد ورقة انتخابية، هو من أهم الأسباب التي أدت إلى حالة الانسداد السياسي التي عرفتها البلاد.

الباحث التونسي محمد ذويب: هذا الحوار يختلف عن سابقيه تماماً

ويضيف ذويب أنّ هذا الحوار يختلف عن سابقيه تماماً، لأنّه يعتمد بشكل أساسي على الشباب، بعكس الحوارات السابقة التي تمت في السنوات السابقة، والتي اعتمدت على الأحزاب السياسية والمنظمات، مشيراً إلى أنّ رئاسة الجمهورية يتوجب عليها تشريك الجميع في النقاشات والتصورات التي ستشهدها تونس ولكن على رئاسة الجمهورية توضيح آليات اختيار الشباب المشارك في الحوار ومن هم المعنيون بهذه المبادرة وطريقة إدارة هذا الحوار وتاريخ إنجازه.

 

اقرأ أيضاً: هل أعلن قيس سعيّد وفاة مشروع الإسلام السياسي في تونس؟

ويعتبر ذويب أنّ هذا الحوار سيكون بمثابة البديل لفشل المنظومة الحزبية والسياسية في تحقيق طموحات الشعب التونسي، مشدّداً على أنّ هذه الأحزاب ساهمت في تفاقم أزمة تونس وشعبها وهو ما جعل مشروع رئيس الجمهورية يلقى تجاوباً كبيراً مع كفاءات وقطاعات واسعة من التونسيين التي تريد تغييراً جذرياً يقطع مع العشرية السوداء.

نوايا الرئيس

ولئن ثمنت عديد الجهات السياسية خطوة قيس سعيّد بتشريك الشباب، خاصّةً بعد فشل التحالفات السياسية القائمة على المصالح السياسية في أكثر من مناسبة، فإنّ جهات سياسية أخرى اعتبرت أنّ إعلان الحوار جاء بطريقة منفردة من الرئيس التونسي دون التشاور مع الأطراف السياسية، بما يكرس رؤيته الفردية ومواصلة ذر الرماد على العيون، خصوصاً في ظل الضغوط التي يواجهها سعيد، من بعض الجهات الأجنبية لإعادة عمل البرلمان.

 

اقرأ أيضاً: تونس تحبط مخططاً إرهابياً وتحارب الممولين له

اتحاد الشغل من جهته، عدّل مواقفه من الرئيس، حيث طالب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في تجمع عمالي ونقابي في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 ، بتوضيح مضامين خيارات سعيّد السياسية، ومضامين الحوار الوطني، مشيراً إلى أنّه لا توجد ديمقراطية في العالم تبنى من دون أحزاب، وأنّ منظمته "لن تقدم صكاً على بياض لأيّ طرف كان".

المحلل السياسي عبد الجبار المدوري: الدعوة لحوار وطني هو مطلب نادت به جميع القوى السياسية والأحزاب في تونس

ولفت المحلل السياسي عبد الجبار المدوري في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ المهم خلال المرحلة الحالية هو أن  يفضي الحوار الوطني إلى نتائج إيجابية، وأن لا ينتج أزمة جديدة بالبلاد، مشيراً إلى الدور المهم الذي يلعبه اتحاد الشغل والمنظمات الوطنية في إنجاح عملية التوافق الوطني، من أجل ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، والذي لابد للرئيس قيس سعيّد استثماره، لاسيما في ظل خلافه مع النهضة وحلفائها من جهة، ومعارضة الرئيس السابق المنصف المرزوقي من جهة أخرى.

ويعتبر المدوري أنّ الدعوة لحوار وطني هو مطلب نادت به جميع القوى السياسية والأحزاب في تونس، وفي مقدمتها المركزية النقابية، لأنّه الأمل الوحيد للتونسيين لحل الأزمة السياسية والوضع الاقتصادي الصعب بالبلاد، على أن لا يكون حواراً شبيهاً بحوار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2010، الذي عجّل في إسقاطه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية