هل يطوي القرار الأمريكي ضد قادة الأكراد صفحة الخلاف بين واشنطن وأنقرة؟

أمريكا

هل يطوي القرار الأمريكي ضد قادة الأكراد صفحة الخلاف بين واشنطن وأنقرة؟


28/11/2018

يبعث القرار الأمريكي الذي أعلنت عنه السفارة الأمريكية، خلال الشهر الجاري، ورصدت فيه مكافآت مالية ضخمة، لمن يكشف عن معلومات حول أماكن تواجد ثلاثة من قادة حزب العمال الكردستاني، أسئلة عديدة حول موقف الولايات المتحدة من المجموعات التركية، التي تدعمها في سوريا، من ناحية، ومآلات علاقاتها الإقليمية بتركيا، من ناحية أخرى، خاصة وأنّ الأخيرة، لديها موقف من المجموعات الكردية، وتشكيلاتها السياسية والعسكرية، ومن بينها، حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية منذ التسعينيات، ووحدات الشعب الكردي.

الملف الكردي وصناعة الأزمات والمصالح

وفي ما يتصل بالموقف الإقليمي، فإنّ الملف الكردي يشكل حجر عثرة في العلاقة بين أنقرة وواشنطن، والذي خلق توتراً بينهما، بسبب دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردي، وقوات سوريا الديمقراطية، في منطقة شمال شرق سوريا، وإمدادهما بالأسلحة الثقيلة، حيث خاض كلاهما عدة معارك مهمة؛ كان أبرزها استعادة المناطق التي تتمركز فيها داعش، وهو ما تنظر إليه الدولة التركية بخشية وحذر شديدين؛ لأنه يقلقها ظهور قاعدة عسكرية، ومنطقة كردية مستقلة على حدودها، تتشكل من خلالها منصة لشن هجمات ضدها.

هناك اتهامات دائمة مدعومة من أنقرة وناشطين عرب تقول بأنّ للكرد أطماعاً سياسية لبناء دولة كردستانية في المنطقة

وضعت واشنطن مبالغ متفاوتة لكل واحد من هؤلاء القادة، الذين أعلنت عنهم؛ حيث عرضت 5 ملايين دولار، في سبيل الحصول على معلومات عن مكان تواجد "مراد قره يلان"، و4 ملايين مقابل "جميل بايك"، و3 ملايين مقابل "دوران كالكان".

شكل إطلاق سراح القس الأمريكي، آندرو برانسون، انزياحاً لحالة التوتر في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، والتي تراجعت حدتها بين البلدين؛ حيث جاء القرار الأمريكي ضد القادة الأكراد في حزب العمال، في سياق تلك الانفراجة؛ فتعاونا في تشكيل دوريات مشتركة، في مدينة منبج السورية، بعد الإعلان عن خريطة طريق وافقت عليها الدولتان، بالإضافة إلى رفع البلدان العقوبات المتبادلة بينهما، رداً على احتجاز القس الأمريكي خلال الفترة الماضية.

تصريح السفارة الأمريكية عبر تويتر بشأن القادة الأكراد الثلاثة

الأزمة لم تنته بعد بين أنقرة وواشنطن

وبعد سلسلة من التصريحات التركية ضد دعم الولايات المتحدة لوحدات الشعب، والتي سبق أن وصفتها بـ "الخطأ الكبير"، حيث تعتبرها الحكومة في أنقرة الذراع المسلح لحزب العمال، الذي صعد من عملياته العسكرية ضد تركيا، منذ العام 1984، جاء تصريح الخارجية التركية ليعكس ارتياحاً يشوبه بعض القلق بصدد هذه الخطوة، لذا، فإنها طالبت واشنطن بدعم هذا القرار، من خلال الإقدام على خطوات ملموسة، ضد المنظمة الإرهابية في العراق وسوريا.

اقرأ أيضاً: كيف تدير واشنطن حساباتها في شرقي الفرات بين النظام السوري وتركيا والأكراد؟

درويش: أمريكا تدرك أنّ الأكراد شركاء وأنّ المقاتلين الكرد والعرب عماد قوي لتكوين جيش مستقبلي في سوريا

وبحسب الناطق بلسان الخارجية التركية فإنّ "دعم هذه الخطوة، يكون عبر إجراءات ملموسة في سوريا والعراق، فيما يتعلق بالحرب ضد حزب العمال الكردستاني، والأذرع التابعة له".

بيد أنّ ماثيو بالمر، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية، لم يكشف عن توقف تلك المساعدات التي توجهها الولايات المتحدة بوحدات الحماية في سوريا، فضلاً عن فك ارتباطه بها، وصرح بأنّ "الولايات المتحدة تثمن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع تركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، وأنّ المكافآت رصدت في إطار برنامج وزارة الخارجية كمكافآت من أجل العدالة".

حزب العمال الكردستاني.. النشأة وتاريخ العنف

تعود نشأة حزب العمال الكردستاني، بحسب العديد من المصادر المختصة بدراسة الملف الكردي، في العام 1978، حيث تشكل كمجموعة سرية، تتبنى الماركسية اللينينية، من خلال مجموعة من الطلبة الجامعيين، في الأوساط الكردية، واتخذوا من عبدالله أوغلان، سكرتيراً عاماً للحزب، وأعلنوا في أدبياتهم عن طموحهم السياسي لـ "بناء دولة كردستان الكبرى المستقلة".

اقرأ أيضاً: تركيا تشنّ حملة اعتقالات ضدّ حزب العمال الكردستاني

بيد أنّ مواقفهم السياسية ومطالبهم التي مارسوا في سبيلها ضغوطاً عديدة، من ناحية، وتصعيدهم العسكري، من ناحية أخرى، قد شهد جزراً ومداً كثيراً، ولحظات خفوت وصعود متفاوتة، على إثر الضربات التي تعرضوا لها من الدولة التركية، سواء كانت اعتقالات وإعدامات بحق عناصر من المنتمين لهم، أو شخصيات كردية، فضلاً عن شن غارات، استهدفت المدن والقرى الكردية، ما تسبب في نزوح المئات من الأكراد، إلى مناطق بعيدة عن تمركزاتهم، في جنوب شرق تركيا.

القيادي الكردي عبدالله أوغلان

وشهد عقدا الثمانينيات والتسعينيات، صراعاً دموياً، بين القوات العسكرية لحزب العمال والجيش التركي، فيما تصاعدت العمليات العسكرية بين الطرفين، ما تسبب في وقوع قتلى بين الطرفين، بلغوا نحو 40 ألف شخص.

سوريا وخطر التقسيم

الصراع الدموي وما أسفر عنه من نتائج دموية، وتهجير الأسر الكردية، الذي بلغ ذروته في أواسط التسعينيات، ثم اعتقال عبدالله أوغلان، في نهاية العقد ذاته، في العاصمة الكينية نيروبي، أثناء توجهه إلى مطارها، جعل حزب العمال يتراجع عن بعض مطالبه، ويدخل في تسويات مع النظام التركي.

درويش: بالرغم من أنّ الإدارة الحالية في شمال سوريا تقدم نفسها بمنظور سوري محض، لكن يبقى فتيل الصراع القومي قائماً

ومن بين الأمور التي تراجع عنها، كانت فكرة استقلال المناطق الكردية داخل تركيا، والذي يعد أحد المطالب الرئيسة للحزب، وطرح بدلاً منها حصول الأكراد على الحكم الذاتي، ثم بدأت مبادرات ما عرف بـ "وقف العنف".

وفي تقدير الباحث والصحافي الكردي، ملا درويش، فإنّ واشنطن تحاول العمل باتجاه حصر الأمور ضمن الإطار السوري أكثر، بينما تدفع المبررات التركية في ما يخص تواجد حزب العمال الكردستاني، وأطماعه في سوريا، كلا من التحالف الدولي والولايات المتحدة نحو خلق توازن، عبر العمل على دحض الدعاية التركية المضادة، وتشكيل قوى محلية من مكونات المنطقة المختلفة، خاصة، أنّ هناك اتهامات دائمة، مدعومة من أنقرة وناشطين عرب، تقول بأنّ للكرد أطماعاً سياسية لبناء دولة كردستانية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: إلى متى سيبقى الكردي السوري صديق الريح والجبل؟

يقول درويش لـ "حفريات"، بأنّه بالرغم من أنّ الإدارة الحالية، في شمال سوريا، تقدم نفسها بمنظور سوري محض، لكن يبقى فتيل الصراع القومي قائماً، ليفتح الطريق لمزيد من التدخلات الإقليمية والمحلية. ويضيف: "اليوم، الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أنّ الأكراد شركاء، وأنّ المقاتلين الكرد والعرب؛ هما عماد قوي لتكوين جيش مستقبلي في سوريا؛ حيث إنّ الجيش الحر بات تابعاً، بشكل تام، للدولة التركية، التي تقوده لمصالحها، وبدلاً من أن يكون مدافعاً عن السوريين، أصبح، على العكس، محتلاً مع أنقرة لأراض سورية".

شهد عقدا الثمانينيات والتسعينيات صراعاً دموياً بين حزب العمال والجيش التركي

وفي النهاية، لن يستطيع كل من التحالف والولايات المتحدة، بناء تحالفات مع قوى محلية، لكن من الممكن أن يكون هناك توافق أمريكي- تركي ليتم إدارة الشمال السوري (يشمل منطقي قسد ودرع الفرات)، من قبل القوى المدعومة من طرفيها، قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الحر.

الصفحة الرئيسية