هل يصلح حمدوك ما أفسده التشظي السياسي في السودان؟

هل يصلح حمدوك ما أفسده التشظي السياسي في السودان؟


30/06/2021

أوشك العام الثاني على توقيع الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في السودان على الانقضاء، والتي بموجبها تقاسم المكوّن المدني، الممثَّل في إعلان قوى الحرية والتغيير (قحت) السلطة مع المكوّن العسكري الذي يضمّ الجيش والدعم السريع والقوى الأمنية، الذين شكّلوا المجلس العسكري الانتقالي عقب الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، في نيسان (أبريل) من العام 2019، بعد احتجاجات واسعة في البلاد.

اقرأ أيضاً: السودان يقرر تسليم البشير ورموز نظامه للجنائية الدولية

وشهدت العلاقة بين المكوّنين؛ المدني والعسكري تجاذبات عديدة، كان آخرها الخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، فضلاً عن إعادة هيكلة الجيش والمؤسسة الأمنية، لكنّ حجم هذه الخلافات بات لا يُقارن مع التصدّعات التي ضربت المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، ونتج عنها انسحاب عدّة أحزاب من المجلس، وانفصال أفراد عن أحزابهم، ما دفع أحزاب سياسية إلى طرح مبادرات لإصلاح مركزي قحت، وكان من أهمها مبادرة حزب الأمة القومي، بينما خرج الحزب الشيوعي عن إطار قحت، وتمسّك بدعوته لإسقاط الحكومة.

أزمة المكوّن المدني

يعيش المكوّن المدني في السودان أزمة بنيوية كبيرة، تعود إلى عقود حكم النظام السابق الذي عمل على تجفيف الحياة السياسية حتى صارت الأحزاب السياسية منفصلة عن قواعدها الشعبية، إلى جانب التشظي داخل كلّ حزب على حدة، وغياب التواصل البنّاء بينهم، حتى في الوقت الذي أُتيحت لهم فيه المشاركة بالسلطة خلال المرحلة الانتقالية الحالية؛ في مجلس الوزراء، والمجلس السيادي، ومجلس شركاء الفترة الانتقالية، ومن المنتظر أن تشارك هذه الأحزاب والمكونات المدنية، التي تُقدَّر بالعشرات في المجلس التشريعي الانتقالي، الذي تسبّبت خلافاتهم في تأخر تشكيله، وصولاً إلى المؤتمر القومي الدستوري، قبيل انتهاء الفترة الانتقالية بنهاية العام 2023.

من مليونية 30 يونيو في عام 2019

وشهدت الفترة السابقة، منذ العام 2020 وحتى اليوم، تصدعات داخل مركزي قحت، والذي تُمثّل فيه القوى السياسية المنضوية تحت تحالف قحت، وذلك بانسحاب الحزب الشيوعي وتجمّع المهنيين وحزب الأمة، وأدّى تداخل الأحزاب في تكتلات سياسية مشاركة في قحت إلى إرباك المشهد السياسي؛ بسبب غياب هيكلية واضحة تعبّر عن الموقف الرسمي للأحزاب أو الكتل.

السياسي السوداني نور الدين صلاح الدين لـ "حفريات": من الأشياء التي لازمها الإخفاق؛ عدم القدرة على التوافق حول سياسات عامة بشكل تفصيلي حول ملفات الفترة الانتقالية.

وطرحت قوى سياسية عديدة، منفردة أو مجتمعة، عدّة مبادرات لإصلاح مركزي قحت، كخطوة نحو إصلاح الفترة الانتقالية بشكل عام، بما فيها من ملفات متعددة، ذكرتها مبادرة حزب الأمة القومي الشهر الماضي، وهي؛ إكمال الهياكل السياسية للمرحلة الانتقالية؛ والمجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، ومفوضيات العدالة الانتقالية والسلام وغير ذلك، إلى جانب القضايا السياسية المستجدة، مثل: التطبيع والقضايا التي نجمت عن اتفاق جوبا للسلام، والمفاوضات مع الحركة الشعبية شمال - جناح عبد العزيز الحلو، وتوسيع هياكل المرحلة الانتقالية، وتعيين الولاة، وبحث النظام الإقليمي، وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: توتر تحت السيطرة في السودان: هل توجد خلافات بين البرهان وحميدتي؟

فضلاً عن ذلك؛ باتت الأزمة المعيشية تتصدر أجندة القوى السياسية في البلاد، وتتبنى عدة أحزاب، منها الشيوعي وحزب البعث، مساراً ثورياً يطالب بإسقاط الحكومة، والعدول عن السياسات الاقتصادية الإصلاحية التي تنتهجها الحكومة وفق برنامج إصلاحي مدعوم من صندوق النقد الدولي.

مبادرة حمدوك

ومع اقتراب الذكرى الثالثة لمظاهرات 30 حزيران (يونيو) التي نتج عنها اتفاق المكوّنين؛ العسكري والمدني على تشارك السلطة في الفترة الانتقالية، زادت الدعوات في السودان لإسقاط الحكومة، وكشفت مصادر رسمية وجود مخططات من النظام البائد لاستغلال الحراك الجماهيري ضدّ المرحلة الانتقالية، وفي هذه الأوضاع خرج رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في 22 من الشهر الجاري، بمبادرة لمعالجة اختلالات الفترة الانتقالية، ولاقت تأييداً واسعاً من قوى وأحزاب سياسية، بينما رفضتها عدّة قوى سياسية، من بينها الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان المقاومة، وتحفّظ حزب الأمة القومي عليها.

اجتماع للمشاركين في مبادرة حزب الأمة لإصلاح مركزي قحت

وقال حمدوك حول المبادرة؛ "رغم ما حققته الثورة في عامَين من السلام وفكّ العزلة الدولية، والسير في طريق التحوّل الديمقراطي، إلا أنّ وطأة الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه (مدني مدني مدني عسكريعسكري عسكري)، وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة، وأصبحت تعبّر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حالياً".

اقرأ أيضاً: هل تعيق الخلافات الحزبية المرحلة الانتقالية في السودان؟

وتضمّنت المبادرة عدة أسس للتسوية السياسية الشاملة، هي؛ توحيد الكتلة الانتقالية، وتحقيق الجيش القومي الواحد، وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة، والاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية، والالتزام بتنفيذ اتفاق السلام، والالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن، والتزام الجميع بنظام حكم ديمقراطي مدني يقوم على أساس المواطنة المتساوية، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وتقوية دعم الحكومة لعلاج الأزمة الاقتصادية ودعم الفقراء.

وخصّص حمدوك سبعة محاور للعمل عليها بشكل تفصيلي، هي؛ إصلاح الأمن والجيش، والاقتصاد، والسلام، والعدالة، والسياسة الخارجية، وإزالة التمكين، وأخيراً إنشاء المجلس التشريعي في مدة لا تتجاوز شهراً.

وانتقد حزب البعث والشيوعي والأمة وقوى مدنية مبادرة حمدوك، وقال زعيم حزب الأمة، مبارك الفاضل؛ إن المبادرة أغفلت ما أسماها "عيوب وقصور الوثيقة الدستورية والتعديلات غير الدستورية التي تمت عليها"، كما أغفلت تغييب المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء العالي ومجلس النيابة العامة.

خصص حمدوك سبعة محاور للعمل عليها بشكل تفصيلي، هي؛ إصلاح الأمن والجيش، والاقتصاد، والسلام، والعدالة، والسياسة الخارجية، وإزالة التمكين، وإنشاء المجلس التشريعي.

ورفض الفاضل دعوة حمدوك إلى توحيد الكتلة الانتقالية؛ "لأنّها القوى ذاتها التي تسبّبت في الأزمة السياسية والاقتصادية، وهي قوى هلامية تشكّلت من أحزاب صورية لا تملك برامج أو رؤى وليس لديها قاعدة اجتماعية".

ومن المرجّح أن تُطرح مبادرة حمدوك لنقاش أوسع بين القوى السياسية والمدنية للتوصل لتصوّر نهائيّ يحظى بإجماع واسع، ودون ذلك ستدخل البلاد في صراعات سياسية أوسع، تمنح النظام البائد الفرصة لاختراق المجال العام، وتؤدّي إلى زيادة غضب الشارع بما يهدّد المرحلة الانتقالية ذاتها.

مظاهرات سابقة تطالب بإسقاط حكومة حمدوك

وفي خطوة لها دلالة تكشف عن سأم حمدوك من أطراف في الحاضنة السياسية، التقى رئيس الوزراء برئيس الحزب الاتحادي الأصل، مولانا محمد عثمان الميرغني، الذي شارك في حكومة البشير قبيل الثورة، وحضر حمدوك فعاليات تدشين مبادرة الوحدة الاتحادية، التي تهدف إلى جمع شتات الحزب بعد الانقسامات الواسعة التي ضربت أكبر أحزاب البلاد منذ أعوام طويلة.

اقرأ أيضاً: الدائنون يتضامنون مع السودان: هل يتعافى الاقتصاد الجريح؟

وتلقت قوى سياسية رسالة حمدوك، وردّ عليها المستشار السابق بمكتب رئيس الوزراء، أمجد فريد، بوصف اللقاء بأنّه "تشويش للخطّ الواضح الذي وضعه حمدوك لمبادرته"؛ بسبب علاقات الحزب الاتحادي الأصل بنظام البشير السابق.

إدارة الخلافات

وتعليقاً على مبادرة حمدوك، يرى عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين؛ أنّها تحريك الساكن، و"جميع ما قاله حمدوك في مبادرته هي ملفات تضطلع الفترة الانتقالية والوثيقة الدستورية بها، وتعمل لأجلها قوى سياسية كثيرة تدعم الانتقال، وهناك تعثرات في الملفات السبعة، ويريد حمدوك أن يدفع بها للأمام لأنّ التعثر فيها، وكلها مهمة، له تأثير سلبي على الفترة الانتقالية والعبور الآمن بها".

وأردف صلاح الدين في حديثه لـ "حفريات"؛ من الأشياء التي لازمها الإخفاق؛ هي عدم القدرة على التوافق حول سياسات عامة بشكل تفصيلي حول ملفات الفترة الانتقالية، مثل الملفّ الاقتصادي وتكوين حكومات الولايات، ومسألة المجلس التشريعي الذي تتحمّل القوى السياسية مسؤولية الإخفاق في تشكيله منذ 8 أشهر.

عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين

وشدّد عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني؛ على أنّ وجود الاختلافات مسألة طبيعية؛ في ظلّ تحالف واسع يضمّ طيفاً واسعاً من القوى السياسية المتباينة، لكنّ القلق ينتج عن عدم القدرة على وضع منهجية لإدارة هذه الخلافات إذا ما حدثت؛ لذلك علينا الوصول لمنهجية تدير عملية صناعة القرار داخل مؤسسات التحالف الانتقالي الداعم لها، من أجل الحفاظ على وحدة قوى الثورة، وقطع الطريق أمام الثورة المضادة، والعمل على تسريع وتيرة إنجاز الأهداف التي قالت بها الوثيقة الدستورية.

وتتشكل قوى الحرية والتغيير من خمس كتل تشكل التحالف السياسي الذي قاد الحراك السلمي، هي: قوى الإجماع الوطني، وقوى نداء السودان والتجمّع الاتحادي، وتجمّع القوى المدنية، وتجمّع المهنيين السودانيين، وهي شريكة للمكوّن العسكري في السلطة الانتقالية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية