هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟

هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟


13/12/2020

تسبب تأخر وانقطاع المرتبات بخروج تظاهرات في بلدات وقرى في محافظة السليمانية بكردستان العراق لأيام متتالية ضد سلطات إقليم كردستان وأحزابه الكبرى، فيما يثار تساؤل: هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟
ومنذ أوائل شهر كانون الأول(ديسمبر) الحالي ينظم السكان المحليون في هذا الجزء من المنطقة الشمالية المتمتعة بالحكم الذاتي في كردستان العراق احتجاجات مناهضة للحكومة المحلية، بدأت لأن السلطات المحلية لم تدفع كامل رواتب موظفي القطاع العام منذ شهر نيسان(أبريل) الماضي، بحسب (DW).

حسب مصادر عدة، فقد استخدمت قوات الأمن التابعة لحكومة كردستان الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية ضد المتظاهرين وقامت باعتقالات عديدة

وتظاهر أول من أمس، الجمعة، مئات الأشخاص أمام مبنى محافظة السليمانية. واتسمت تظاهرات الأسبوع الماضي بالعنف. وأضرم المتظاهرون، الذين يتهمون الساسة المحليين بالفساد والاختلاس والمحسوبية، النار في مقار الأحزاب السياسية المختلفة. ولم يبدُ على المتظاهرين بأنهم يهتمون لمن تعود مقرات هذه الأحزاب، إذ أحرقت مقار أحزاب غير مشاركة في الحكومة المحلية.

وحسب مصادر عدة، فقد استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية ضد المتظاهرين وقامت باعتقالات عديدة. وبحلول صباح الجمعة، لقي 10 أشخاص مصرعهم، من بينهم صبي يبلغ من العمر 16 عاماً، وأصيب حوالي 65 بجروح. وفُرض حظر تجول وحظر سفر بين مدن محافظة السليمانية.
 وألقى رئيس وزراء كردستان العراق مسرور بارزاني كلمة اتهم فيها "قوى خارجية" بالتسلل إلى وسط المحتجين. وتعرض صحفيون للمضايقة، وتم حجب الإنترنت، وحُجبت مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: قتلى وجرحى في احتجاجات كردستان العراق.. تفاصيل
وفي المقابل، أكّد نواب عراقيون أنّ السلطات الكردية تحاول تصدير أزماتها إلى بغداد. 
وندّدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، بعملية القتل التي طالت المتظاهرين ومنتسبين أمنيين في الاحتجاجات التي نشبت في السليمانية، فيما أكدت أنّ الحكومة المحلية شرعت في إغلاق مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في المحافظة، فضلاً عن منع التظاهر "غير المرخص" حكومياً، وهي خطوة منافية "للحريات العامة وحق التظاهر السلمي"، بحسب تعبيرها. 

روايات شهود عيان
عن كيفيّة اندلاع التظاهرات في محافظة السليمانية، الأربعاء الماضي، يروي خالد الجاف؛ أنّ "عدداً من المتظاهرين من الموظفين والمتقاعدين والشباب نظموا وقفة احتجاج أمام مقرّ الاتّحاد الوطني الكردستاني في ناحية تكية وسط مدينة السليمانية"، مبيناً أنّ "بعض الشباب تصادموا مع القوات الأمنية الحامية للمقر الحزبيّ، وأسفر فيما بعد عن إطلاق نيران في الهواء لتفريق التظاهرة". 

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري الإيراني يقصف حدود كردستان العراق... لماذا؟
وأضاف الجاف، لـ "حفريات": "إطلاق النيران أدّى في نهاية المطاف إلى قتل ثلاثة أشخاص؛ متظاهرَين وأحد الحرّاس الأمنيّين". 
أما شاهد عيان آخر، فروى لـ "حفريات"، كيفية اندلاع تظاهرات في مناطق أخرى من السليمانية، وقال إنّ "ناحية عربت قضاء بنجوين في المحافظة، شهدت تظاهرتَين واسعتَين طوّقتا مقرّ الحزبين الحاكمين (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيين)، وأضرم بعض المحتجين النيران فيهما"، وأشار إلى "سقوط عدد من الضحايا، بينهم ثلاثة قتلى في عربت، واثنين في بنجوين". 

جانب من المواجهة بين شباب محتج وقوى أمنية في إحدى المناطق من محافظة السليمانية

وأكّد حامد خورشيد، أنّ "مدناً أخرى من محافظة السليمانية، أمثال قضاء دربندخان وجمجال، أيضاً شهدت تظاهرات، وأسفرت عن حرق مقار أحزاب مشاركة في السلطة". 

تخوين حكومي
 من جانبه، اتّهم رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، أطرافاً باستغلال الاحتجاجات التي اندلعت في مدينة السليمانية ومدن أخرى، وحرفها عن مسارها.
وقال بارزاني خلال مؤتمر صحفي: "العنف لن يسهم بإطلاق الرواتب، ومشكلتنا لا تتعلق بها فقط، وإنما بالحقوق، والإقليم يوجه مرحلة صعبة وعلينا التكاتف والوحدة وندعم الحقوق الدستورية لشعبنا ونرفض التطاول على حقوق الآخرين".

النائب العراقي حامد الموسوي لـ "حفريات": الاحتجاجات تطالب بحقوق المواطنين المسلوبة ورواتبهم المتأخرة منذ أشهر، بسبب السياسات الفاشلة لحكومة كردستان، وكذلك الفساد المستشري 

ودعا بارزاني "كافة الأطراف إلى تفهّم خطورة الوضع والابتعاد عن التعرض للممتلكات العامة والمؤسسات التي تقوم بخدمتهم وتطالب بحقوقهم".
يذكر أنّ حكومة بغداد المركزية قطعت تمويل حكومة الإقليم الكردي بالرواتب الشهرية للموظفين، نتيجة عدم التزام كردستان ببنود الاتفاق بين بغداد و أربيل حول تسليم الأخيرة لعائدات النفط المصدرة من كردستان ومدخولات الضرائب المفروضة على البضائع التي تدخل من المنافذ الحدودية من الإقليم، علماً بأنّ هذه الأزمة المالية بين الإقليم والمركز قائمة منذ حكومات سابقة، ولم يتوصّل أيّ رئيس وزراء عراقيّ، سواء كان حليفاً للكرد أو مناوئاً لهم، إلى حلّها. 

نوّاب يعلّقون على الحدث
وفي إطار تصاعد الأزمة الداخلية في إقليم كردستان، عزا نواب عراقيون في البرلمان الاتحادي الأزمة إلى سياسة الزعماء الكرد في إدارة السلطة في الإقليم، وتعاملهم "غير السلس" مع الحكومة المركزية. 

موظفون يطالبون حكومة إقليم كردستان بدفع مرتباتهم الشهرية التي تعزو الحكومة انقطاعها إلى بغداد

وقال النائب نديم الطائي: إنّ "أغلب القوى السياسية المشاركة في إدارة السلطة في إقليم كردستان، تشوّه الحقائق على شعبها، من خلال إطلاق الاتهامات تجاه السلطة المركزية، وكيف أنّها تمنع الشعب الكردي من حقوقه". 
وأبلغ الطائي "حفريات"؛ بأنّ "الإقليم يعاني من منظومة حاكمة لا تكترث لاحتياجاته، ولا تستطيع أن تؤمّن حقوقه، كالرواتب والإعانات وغيرها، وذلك جراء الفساد المستشري، الذي تتَّهم الأحزاب الحاكمة نفسها بالوقوف وراءه".

اقرأ أيضاً: القصف التركي الإيراني على كردستان: "مخلب النمر" ينتهك سيادة العراق
أما النائب حامد الموسوي، فقد ذهب أيضاً إلى إدانة السلطة المحلية في الإقليم، وقال لـ "حفريات": "الاحتجاجات التي تشهدها بعض مدن إقليم كردستان تطالب بحقوق المواطنين المسلوبة ورواتبهم المتأخرة منذ أشهر، بسبب السياسات الفاشلة لحكومة كردستان، وكذلك الفساد المستشري في الإقليم".
وأضاف: "المسؤولون الكرد يحاولون تصدير الأزمة وتخفيف حدّتها من خلال توجيه الاتهامات إلى بغداد، لكنّ شعب كردستان أوعى بكثير من تلك الخطابات الرنانة التي كانت سبباً في تجويعهم".
وأشار إلى أنّ "بغداد التزمت بشكل تام بجميع الاتفاقات التي وقِّعت مع الإقليم، لكن، للأسف الشديد، حكومة أربيل لم تلتزم بأيّ اتفاق، بالتالي؛ تفاقمت مشكلات المواطنين الكرد".

رصد مفوضيّة حقوق الإنسان 
بدورها، ندّدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان بـ "الأحداث المؤسفة" التي رافقت التظاهرات التي شهدتها محافظة السليمانية، مؤكدة استخدام الطرف الحكومي "للرصاص الحي" في مواجهة المتظاهرين. 

اقرأ أيضاً: لماذا لم يعزف النشيد الوطني العراقي في مراسم تنصيب رئيس إقليم كردستان؟
وأكدت المفوضية في بيان؛ "حرق عدد من المتظاهرين لمقرات ودوائر ومؤسسات الدولة، إضافة إلى مقرات عدد من الأحزاب السياسية في المحافظة"، فيما أشار إلى "قيام الجهات الحكومية والأمنية  في المحافظة بقطع مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – فايبر – أنستغرام – وسناب شات)، وغلق مقرّ قناة "NRT" الفضائية، وهي خطوة تحدّ من الحريات العامة".

ودعت المفوضية الأطراف كافة إلى "ضبط النفس، وتغليب لغة العقل والحوار، كما تدعو المتظاهرين إلى التعاون مع القوات الأمنية لحماية الممتلكات العامة والخاصة".
رئيس الجمهورية : العنف ليس حلاً 
وإثر ذلك؛ تدخّل رئيس الجمهورية، برهم صالح، الذي ينتمي جغرافياً وسياسياً إلى مدينة السليمانية وحزبها الحاكم، على خطّ الأزمة، مؤكّداً أنّ "العنف ليس حلاً  لمواجهة مطالب المواطنين المعيشية". 

اقرأ أيضاً: هذا ما فعلته تركيا في كردستان العراق
وقال صالح، في بيان: "نتابع بقلق واهتمام بالغين تطورات الأحداث في مدينة السليمانية منذ أيام، من تظاهرات واحتجاجات شعبية، وما رافقها من أعمال عنف، أدّت إلى إصابة عدد من المواطنين والقوات الأمنية، وتعرّض عددٍ من المباني إلى الحرق والدمار". 
وأكّد صالح أنّ "التظاهر السلميّ حقّ دستوريّ مكفول يجب احترامه وعدم التجاوز عليه، ومن حقّ المواطنين التظاهر سلمياً للمطالبة بحقوقهم المشروعة، خصوصاً تلك المرتبطة بتأمين العيش الكريم لهم ولعائلاتهم من الرواتب وتحسين الأوضاع والخدمات العامة". 

اقرأ أيضاً: الأكراد في تركيا في قبضة فاشية دينية بحلة عثمانية
وتابع رئيس الجمهورية: "يجب على السلطات ذات العلاقة تلبية هذه المطالب، والعمل على حلول جذرية لمشكلة الرواتب وتحسين الأحوال المعيشية، وذلك عبر خطوات سريعة وجدية ترتكز على المصارحة وتوجيه موارد الشعب لخدمة المواطنين".
وأكّد رئيس الجمهورية؛ "نكرّر هنا، أنّ العنف ليس حلًا لمواجهة مطالب المواطنين المشروعة، ويجب احترام إرادة ومطالب المتظاهرين السلميين"، مطالباً القوات الأمنية "بالتصرف بحسب القانون والابتعاد عن استخدام العنف".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية