تبدو سياسة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيال إيران في غاية الحزم نظرياً، لكنها عملياً تعاني من الثغرات الكبيرة ما يجعلها أحياناً تبدو بعيدة عن الهدف المعلن: استرداد هدايا إدارتي بوش الابن وأوباما للجمهورية الإسلامية.
في الأسبوع الماضي نظّمت إدارة ترامب اجتماعاً وزارياً في العاصمة البولندية وارسو، لمناقشة "تهديد إيران لأمن الشرق الأوسط"، انطلاقاً من رؤية وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى "تغيير مسار تاريخ الشرق الأوسط، الذي شهد خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص بروز إيران كقوة تهدد بشكل متزايد، حلفاء أمريكا في المنطقة" كما يورد الكاتب، سايمون هندرسون، في مقالة له على موقع "معهد واشنطن" لسياسات الشرق الأدنى.
في عهد بوش الابن أسقطت الولايات أبرز عدوين قويين لإيران نظام "طالبان" في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق
ولكن هذه الرؤية تبدو "مفرطة" في طموحها، لجهة أنّها تريد استرداداً سريعاً لهدايا قدمتها واشنطن لطهران طوال 16 عاماً، هي زمن رئاستيْ بوش للدورتين 2000-2008 وأوباما للدورتين 2008-2016.
ففي عهد الرئيس جورج بوش الابن، أسقطت الولايات أبرز عدوّين قويّين لإيران: من الشرق نظام "طالبان" في أفغانستان العام 2001، ومن الغرب نظام صدام حسين في العراق العام 2003. ليس هذا وحسب؛ بل إنّ واشنطن -بدراية أو بدونها- دافعت عن نظامين جديدين في كابول وبغداد، يقومان على قوى موالية بقوة لنظام "آيات الله" في طهران.
اقرأ أيضاً: هل ينسحب الأوروبيون من الاتفاق النووي الإيراني؟
إلى ذلك لم يواصل الرئيس أوباما الدفاع عن النظامين القريبين لإيران في أفغانستان والعراق وحسب؛ بل رفع مستوى الهدايا المقدمة لنظام طهران إلى مستوى دولي، حين وقع معه وبمظلة غربية واسعة اتفاقاً نووياً رفع بموجبه العقوبات من جهة، مثلما أطلق اليد الإيرانية لتتحرك بأقصى قوة وفاعلية وحرية في المنطقة، وبالتزامن مع الحرب الدولية على نظام داعش، الذي كانت حركته العدوانية والوحشية منذ صيف العام 2014 بمثابة الإطار الرسمي والشرعي لهيمنة القوة الإيرانية.
اقرأ أيضاً: بالأرقام.. تقرير يكشف انتهاكات النظام الإيراني خلال 40 عاماً
لا يبدو مسرح تحرك إدارة الرئيس ترامب لاسترداد تلك الهدايا الجبارة، التي قدمتها واشنطن طوال 16 عاماً لطهران، متناسباً مع ضخامتها وتأثيرها، وبحسب تصريح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، أنّ الحلفاء الأوروبيين الأقوياء ليسوا في وارد ركوب موجة التصعيد ضد إيران، كما أنّه ليس من الوارد تخلي "حلفاء" واشنطن في بغداد وكابول عن بوصلة الولاء لطهران، فضلاً عن كون البيت الأبيض ذاته يبدو مثقلاً بأزمات داخلية كبرى لا توفر له أي عون يرتجى في التصعيد مع إيران وصولاً إلى مواجهتها.
اقرأ أيضاً: لماذا تخشى إيران من سقوط النظام الفنزويلي؟
قد يكون الجانب الذي تعوّل عليه شخصيات قوية في إدارة ترامب في تقويض القوة الإيرانية المهيمنة على المنطقة، هو في الوضع الداخلي الذي يتصاعد صعوبة مع الطوق الذي تشكله العقوبات القوية، فإيران "قريبة جدّاً من الانهيار الداخلي، لكن هناك بعض المكوّنات الناقصة قبل أن يكون بالإمكان تحرُّك الوضع نحو تغيير النظام. ويتمثّل أحد هذه المكوّنات برفض واسع النطاق من قبل القوات شبه العسكرية والقوات المسلحة لقمع الاحتجاجات. وسوف تشتدّ مقاومة النظام بشكل كبير إذا قرّرت هذه القوات الانضمام إلى الشعب وأن تكون جزءاً من الحل بدلاً من كونها أدوات تعسفية" كما يذهب إلى ذلك رضا بهلوي، نجل الشاه السابق، الذي عاد للأضواء بقوة في الولايات المتحدة، بوصفه عاملاً ممكناً في تهيئة وضع داخلي ضاغط على الحكم في طهران.
رفع الرئيس أوباما مستوى الهدايا المقدمة لنظام طهران إلى مستوى دولي حين وقع معه وبمظلة غربية واسعة اتفاقاً نووياً
صحيح أنّ نجل الشاه بات حاضراً في النقاشات الأمريكية حول إيران، لكنه يؤكد "لم ألتقِ حتى الآن شخصيّاً مع الإدارة الأمريكية الحالية، لكنني أَنْضَم إلى شخصيات أخرى من المعارضة في الترحيب بالفرصة لإيصال أفكارنا واقتراح طرقٍ للتواصل مع المعارضة الديمقراطية داخل إيران وخارجها"، وهو ما يعكس اضطراباً وتشوشاً في النظر إلى مستقبل إيران، وغياباً لسياسة أمريكية "بعيدة النظر" حيال الحكم في طهران حتى وإن تصاعد الخطاب المعادي له.
الأرجح أنّ واشنطن "الترامبية" لن تكون في وارد مناقشة الإطاحة بنظام "آيات الله"، لكنها تطمح إلى ممارسة أقصى ضغط ممكن عبر التحالف مع طائفة دول تجد في نظام طهران تهديداً جدياً لها، من أجل الوصول إلى اتفاق جديد مع طهران ينتزع بعض الهدايا التي سبق لواشنطن "البوشية" و"الأوبامية" أن منحتها إياها.
اقرأ أيضاً: من يكسب رهان النزاع الأمريكي الإيراني في العراق؟
وهذا ما لا تبدو طهران قريبة للتنازل عنه، إلا في حال تأثير متزايد للعقوبات، مما يثير موجة غضب شعبي واسعة في الشارع الإيراني، لا تبدو السلطات في وارد التعاطي العنيف معه مجدداً كما فعلت في حالات سابقة.