هل كان رأس البغدادي الثمن الذي قبضه ترامب من عملية "نبع السلام"؟

هل كان رأس البغدادي الثمن الذي قبضه ترامب من عملية "نبع السلام"؟


27/10/2019

ربّما لم يشكّل الإعلان الأمريكي، من البيت الأبيض، عن مقتل خليفة "داعش"، إبراهيم السامرائي، المعروف بالبغدادي، خبراً جديداً، خاصّة بعد القضاء على التنظيم وبنيته الأساسية في العراق وسوريا، وبعد نجاحات حقّقها في العراق، إثر انشقاقه عن تنظيم القاعدة "الأم"، عام 2014، لخلافات مرتبطة بالتوافق مع إيران من جهة، وأساليب التنظيم لتحقيق هدفه في إنجاز الخلافة من جهة أخرى، بما في ذلك فكرة السيطرة على الأرض؛ حيث سيطر تنظيم داعش على ما يزيد عن ثلث مساحة العراق، وامتدّ إلى الجزيرة السورية، واتّخذ من الموصل العراقية والرقة السورية عاصمتين له.

اقرأ أيضاً: هل قُتل البغدادي؟
الإعلان عن مقتل البغدادي، ليس مفاجئاً؛ فقد جرى منذ عام 2015، تحديد مكان إقامته، ولاحقاً بث خبر مقتله أكثر من خمس مرات، من قبل أمريكا وروسيا وإيران، إضافة للعراق، وقد ثبت أنّ تلك الإعلانات لم تكن دقيقة، فسرعان ما ظهر البغدادي بعدها عبر تسجيلات "صوت وصورة"، لا تؤكّد بقاءه على قيد الحياة فقط؛ إنّما استمرار قيادته للتنظيم وإصدار التعليمات والتوجيهات لأتباعه، فيما كان يتحلق حوله أبرز مساعديه، في رسالة واضحة باستمرار قوة التنظيم، بما في ذلك المعركة الكبرى التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية ضدّ تنظيم داعش في "الباغوز"، قبل عدة أشهر، بدعم من التحالف الدولي، والتي أعلنت بداية النهاية للتنظيم، بصيغته التنظيمية وهيكلياته، ولكن دون انتهاء خطر التنظيم، وتداعيات تلك المعركة، بما فيها سيناريوهات مستقبله، ومستقبل عائلات التنظيم، خاصة ممّن يحملون جوازات سفر أوروبية.

الإعلان عن مقتل البغدادي ليس مفاجئاً فقد جرى منذ 2015 تحديد مكان إقامته وبث خبر مقتله أكثر من 5 مرات

سياقات الإعلان الأمريكي عن تصفية البغدادي، يبدو أنّها مؤكدة، هذه المرة، وتسير معطياتها إلى جملة من الحقائق، هي:
أولاً:
إنّ عملية بهذا الحجم هي عملية أمنية استخبارية بامتياز، استغرقت وقتاً في إدارة العمليات والتخطيط، وصولاً لمرحلة التنفيذ، بما في ذلك جمع المعلومات وتحليلها، واتخاذ القرارات، وبناء سيناريوهات "تقدير موقف"، وعلى غرار العملية التي نفِّذت ضدّ زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، وتصفيته في باكستان، فإنّ المؤكّد أنّ تصفية البغدادي تمت بمساعدة استخباراتية من جهة أو جهات، لديها إمكانية الوصول لمعلومات حول البغدادي، بما فيها النطاقات الجغرافية التي يتحرك فيها، وقد أكّدت قوات سوريا الديمقراطية وأجهزة استخبارات عراقية دورها في إتمام العملية ضدّ البغدادي، وتقديرنا أنّ إعلانات "قسد والاستخبارات العراقية" عن تلك المساعدة والدور، ليست دقيقة، أو على الأقل، ليست هي الأساس، وإن كان لدى "قسد" أفضلية بهذا الخصوص، وهو ما يعني أنّ الجهة الحقيقية التي قدمت المساعدة لأمريكا في إنجاز عمليتها، لم تعلن عن نفسها ولن تفعل.

اقرأ أيضاً: غزوة "نبع السلام" ومخاطرها الكبرى على سوريا وكُردها
ثانياً:
على وقع "تفاهمات" تركية وأمريكية وروسية، تمّ إنجاز الجزء الأكبر منها في عملية "نبع السلام"، وتحقيق كافة الأطراف المعنية أهدافها من العملية، خاصة تركيا وروسيا، ومعها الحكومة السورية، جاء الإعلان الأمريكي عن تصفية البغدادي، وربما تفسر تلك التفاهمات الصفقة بأنّ جهة ما قدمت مساعدة حقيقية لأمريكا، في ظلّ التساؤلات المطروحة حول الثمن الذي حصل عليه ترامب، مقابل تنازلاته بالتخلي عن حلفاء أمريكا الأوثق، وهم الأكراد، وإصراره على سحب القوات الأمريكية من مناطق شرق الفرات، التي تمّ التعامل مع التواجد الأمريكي فيها بوصفه مقدمة لتقسيم سوريا.

عملية بهذا الحجم هي عملية أمنية استخبارية بامتياز استغرقت وقتاً في إدارة العمليات والتخطيط وصولاً لمرحلة التنفيذ

ثالثاً: في التفاصيل، وتحديداً مكان تصفية البغدادي، وهو محافظة إدلب، والمنطقة التي قتل فيها البغدادي، تبعد فقط 5 كيلومترات عن الحدود السورية التركية، في الوقت الذي تسيطر فيه تركيا على محافظة إدلب، ولها فيها 9 نقاط مراقبة، تمّ إنشاؤها بالاتفاق مع روسيا وإيران، عبر اتفاقات سوتشي وأستانا، فإنّ مكان إقامة البغدادي في إدلب، وليس في مناطق الحدود السورية- العراقية، يطرح تساؤلات حول الدور التركي في العملية، خاصة مع المعلومات الموثوقة حول اطلاع تركيا على تفاصيل كافة التنظيمات "الإرهابية" في إدلب، وكيفية انتقال البغدادي من شرق الفرات إلى إدلب؛ هل كان من داخل سوريا، أم عبر حدودها مع تركيا؟
رابعاً: مقتل البغدادي يطرح تساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية لخليفة البغدادي، وأوضاع التنظيم، واحتمالات استمرار تماسك التنظيم ومستقبله، وسيناريوهات عودة المقاتلين من عناصره إلى بلدانهم، وفتح هذا الملف على مصراعيه، بما في ذلك احتمالات محاكمة عناصر التنظيم من كافة الجنسيات في العراق وسوريا، وهو ما يعمل عليه الأوروبيون بالنسبة إلى عناصرهم.

اقرأ أيضاً: ما الذي يخبئه الاتفاق التركي- الأمريكي على وقف "نبع السلام"؟
خامساً:
مقتل البغدادي من قبل أمريكا، وبإعلان من الرئيس ترامب، قبل المؤسسات الأمريكية المعنية، والتأكيد على أنّ ترامب صادق على تنفيذ العملية، يطرح تساؤلات حول كيفية مواجهة أمريكا للإرهاب، وفيما إذا كان رأس البغدادي هو الثمن الذي قبضه ترامب من عملية "نبع السلام"؟ خاصة أنّ مرجعيات الرئيس الأمريكي الحالية في غالبية قراراته هي الانتخابات القادمة، وضمان البقاء على كرسي الرئاسة، وبإنجازات يطرحها أمام الناخب الأمريكي، الذي لا يعرف الكثير عن الشرق الأوسط، لكن عنواناً بحجم نجاح ترامب بقتل البغدادي سيشدّه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية