هل سيكون روحاني كبش الفداء لإخماد ثورة الأسواق؟

هل سيكون روحاني كبش الفداء لإخماد ثورة الأسواق؟


27/06/2018

شهدت أسواق طهران وأصفهان وآراك وكرمانشاه إضراباً واسعاً، أمس لليوم الثالث على التوالي، وسط مناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن في مناطق متفرقة وسط العاصمة الإيرانية، بحسب مقاطع فيديو نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن الإيرانية في عدة مناطق بمحيط البازار الكبير

وحاولت قوات مكافحة الشغب منع تجمهر المحتجين واستخدمت الغاز المسيل للدموع، ووقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في عدة مناطق بمحيط البازار الكبير، فيما أظهرت المقاطع صور تصاعد الدخان والنيران وسط الشوارع بسبب إحراق الحاويات.

وذكرت تقارير أنّ أجزاء كبيرة من سوق طهران أغلقت الأبواب تلبية لنداء الإضرابات، وذلك احتجاجاً على موجة الغلاء، وتراجع المبيعات، بعد انهيار سعر العملة المحلية أمام الدولار.

وتناقلت وكالات الأنباء الإيرانية الرواية الرسمية لمسار الإضرابات، أمس، وقالت وكالة "فارس"، التابعة لـ "الحرس الثوري": إن "سوق طهران شهد إضراباً لليوم الثاني على التوالي"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية "إيرنا"، بأن السلطات أغلقت محطات مترو الأنفاق في الحد الفاصل بين سوق طهران الكبير ومقر البرلمان الإيراني في ميدان بهارستان.

عبّر الإيرانيون بطريقة رمزية عن سخطهم من إنفاق النظام على تدخلات إقليمية بشعار "الموت لفلسطين"!

"الموت لفلسطين"!

وتنوعت الشعارات التي رددها المحتجون، أمس، بحسب المقاطع المتداولة، وردّد متظاهرون في طهران شعارات مثل: "الموت (للمرشد علي) خامنئي"، و"الموت لروحاني"، و"إيران باتت مثل فلسطين، لماذا لا تنتفض أيها الشعب؟"، و"لا نريد دولة ملالي"، وشعارات تدعو الإيرانيين إلى النزول إلى الشوارع، مشبهين حالة الإيرانيين بحالة الفلسطينيين، وعبّر الإيرانيون بطريقة رمزية عن سخطهم من إنفاق النظام على تدخلات إقليمية، بشعار "الموت لفلسطين" الذي هتف فيه المتظاهرون في أصفهان، وفق مقطع نشره ناشطون.

المجلس الإسلامي يدعم المتظاهرين ضدّ حكومة روحاني

وناقش البرلمان الإيراني تطورات السوق الإيرانية خلف الأبواب المغلقة، كما أعلنت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان عن اجتماع حول الشأن ذاته، وتحدث الأعضاء المتشددون في المجلس الإسلامي، ومن بينهم: أحمد أمير عبادي، وفاطمة ذو القدر، وآية الله مجتبى ذو النور، بصراحة عن استجواب حسن روحاني أو إجبار حكومته على الاستقالة.

كما وقّع 71 عضواً متشدداً من أعضاء المجلس الإسلامي، أمس، على اقتراح يمنح الرئيس روحاني مهلة 15 يوماً للتقدم بسياسة جديدة أو مواجهة الاستجواب البرلماني.

وكان قد خرج العديد من رجال الدين المتشددين، ومن بينهم: آية الله نور همداني، وآية الله مكارم شيرازي، لدعم تجار البازار محذرين الرئيس روحاني وفريقه.

القضاء يتوعد المتظاهرين والقائمين على أزمة العملة

في سياق متصل، أعلن المدعي العام في طهران، عباس جعفري دولت آبادي "اعتقال عدد كبير من المحتجين بتهمة إثارة الشغب في منطقة البازار، خلال اليومين الماضيين، وأنه لن يطلق سراحهم لحين محاكمتهم".

من جهته، توعد رئيس القضاء، صادق لاريجاني، بملاحقة "المخلين" في الأسواق، ملوحاً بإصدار أحكام قضائية تشمل الإعدام والسجن 20 عاماً للموقوفين، لافتاً إلى أنّ "المخلين الاقتصاديين هم من يسببون احتراق الأسواق بجمع الدولار والسبائك الذهبية"، ونقلت وكالة أنباء "فارس" عنه قوله: "يحاول العدو الآن تخريب اقتصادنا عن طريق عملية نفسية".

أعضاء من المجلس الإسلامي اقترحوا منح الرئيس روحاني مهلة 15 يوماً للتقدم بسياسة جديدة أو مواجهة الاستجواب البرلماني

روحاني يحاول تبديد المخاوف

حاول روحاني تبديد المخاوف تجاه معيشة الإيرانيين، بإعلان تعهد حكومته بتقديم ما يلزم الإيرانيين من السلع المحلية، كما أبدى استغرابه من الانتقادات التي تطال حكومة في ظلّ ما وصفها بــ "الإنجازات الاقتصادية" قائلاً: "لدينا ما يكفي من السكر والقمح وزيت الطهي، لدينا ما يكفي من العملة الصعبة لضخها في السوق".

وقال روحاني مدافعاً عن سجله الاقتصادي: إنّ "دخل الحكومة لم يتأثر في الأشهر القليلة الماضية، وإن تراجع الريال سببه (دعاية الإعلام الأجنبي)".

وجدّد روحاني اتهامات سابقة إلى الإدارة الأمريكية بـ "شنّ حرب نفسية واقتصادية وسياسية لإخضاع الإيرانيين"، مؤكداً تمسك بلاده بالاتفاق النووي، عادّاً الانسحاب من الاتفاق النووي وعودة إيران إلى "الفصل السابع" في مجلس الأمن، من أهداف الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي.

ورفض روحاني مجدداً النظرة الأمنية إلى البرنامج النووي الإيراني، وقال: إن "النظرة الأمنية بعد الاتفاق النووي باتت غير مشروعة وفق القوانين الدولية"، وعدّ مبدأ خروج ملف إيران من الحالة الأمنية من بين أهداف "المرشد والنظام والشعب"، وأنّه وراء توقيع الاتفاق النووي مع (مجموعة 5+1)، كما رد روحاني ضمنياً على الدعوات التي تطالب بوقف إيران تنفيذ الاتفاق. وفي هذا الصدد، قال: إنه "اعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وفق القرار (2231)".

ودعا روحاني إلى "التنسيق والوحدة بين السلطات الإيرانية الثلاث (القضاء والبرلمان والحكومة) لمواجهة (مؤامرة الأعداء)"، مشدداً على أن الغاية الأمريكية هي "سلب الثقة والأمل من الناس تجاه المستقبل"، مشدداً على أن بلاده تواجه ظروفاً جديدة، منذ عام 2015 (توقيع الاتفاق النووي)، لافتاً إلى أنّها "تخطت منعطفاً خطراً، وتمكنت من استعادة إنتاج وبيع النفط ضمن (أوبك)، ورفع الحظر عن إقامة علاقات تجارية مع إيران".

روحاني أبدى استغرابه من الانتقادات التي تطال حكومة في ظل ما وصفها بالإنجازات الاقتصادية

البازار الكبير محرك ثورة الأسواق

إغلاق البازار الكبير ليس هيّناً، وهو أمر لم يحدث منذ الأيام العنيفة التي ميّزت الانتفاضة الشديدة ضد الشاه الراحل، والتي كانت في أوجها عامَي 1978 و1979.

ويتألف البازار الكبير في طهران من أكثر من 40 ممراً مترابطاً تغطي في مجموعها مساحة تبلغ 10.6 كيلومتر، وتنقسم الممرات إلى 20 قسماً، كل قسم منها متخصص في تجارة بعينها، من متاجر الأغذية، وورش الذهب والمجوهرات، ومعارض السجاد، وكل ما يمكن أن تحتاج إليه المدينة الكبيرة التي يتجاوز عدد سكانها 15 مليون نسمة.

ومع ذلك، فإنّ البازار الكبير ليس مجرد مركز ضخم للتجارة والتسوق؛ بل إنه جوهر الطريقة الكاملة للحياة في العاصمة الإيرانية.

ويحتوي البازار الكبير على 6 مساجد، و30 فندقاً، وأكثر من 20 مصرفاً، و6 مكتبات، و9 معاهد دينية، و13 مدرسة ابتدائية وثانوية، ومسرحين، و"بيت القوة" أو (الزورخانة) باللغة الفارسية؛ حيث يدخل الرجال الأشداء الفعليون، أو المفترضون، في مباريات المصارعة التقليدية، وممارسة رياضة بناء الأجسام.

ويوفر تجار البازار الكبير أيضاً جزءاً معتبراً من الدخل الذي يكسبونه لرجال الدين من علماء المذهب الشيعي، في صورة "الخُمس" من الأرباح، و"سهم الإمام"، ومجموعة كاملة من التبرعات الطوعية الأخرى.

ومن دون الأموال الصادرة عن البازار الكبير وغيره من المؤسسات التجارية الأخرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها، لم يكن لرجال المذهب الشيعي أن يتمكنوا من المحافظة على مكانتهم عبر التاريخ الإيراني المفعم بالتقلبات العاصفة.

وتعتمد أكثر من 500 جمعية خيرية إيرانية على الدعم المقدم من البازار الكبير، الذي يرتبط كذلك بعدد لا يُحصى من الأخويات الصوفية في البلاد.

والأهم من ذلك، ربما أن البازار الكبير هو مصدر العمالة، المباشرة وغير المباشرة، لأكثر من 600 ألف مواطن.

ويرجع التاريخ المبكر للبازار الكبير إلى نحو 400 عام في الحقبة الصفوية الإيرانية، غير أنّ الهياكل الرئيسة للشبكة الحالية قد أقيمت قبل قرنين من الزمان، تحت سلطان الأسرة القاجارية. وفي ظل حكم رضا شاه الكبير، مؤسس أسرة بهلوي الحاكمة، تبنى البازار الكبير منهجاً نقدياً حيال النظام الحاكم الجديد، نظراً إلى المشروع التحديثي الذي تضمن الحد من نفوذ رجال الدين، والترويج للتجارة والشركات على النمط الأوروبي، وفي عهد الشاه الأخير، تحسنت العلاقات في البداية، إنما بصورة طفيفة، واعتباراً من عام 1978 وما تلاه تحول الأمر إلى عداء صريح ومفتوح ضدّ السلالة البهلوية.

 ويوافق أغلب الخبراء في الشأن الإيراني على أنه من دون الدعم المالي القوي، والقوى البشرية الكبيرة من البازار الكبير، لم يكن لآية الله روح الله الخميني وحلفاؤه من الشيوعيين أن يسيطروا على السلطة في البلاد، دون قتال وسفك للدماء.

إن الأحداث الراهنة لا بدّ من أن تعدّ إشارة قوية على أنّ نظام الخميني قد بدأ يفقد إحدى قواعد الدعم الشعبي الرئيسة له في البلاد.

 وشارك على مدى اليومين الماضيين، آلاف الإيرانيين في الاحتجاجات، وسط إضراب "بازار" طهران.

وكان المحتجون قد أطلقوا، في كانون الثاني (يناير) الماضي، شعارات ضد ثورة الخميني، وطالبوا بسقوط خامنئي وروحاني، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يقف وراء تدخل إيران في الأزمات الإقليمية، والذي يتهم على نطاق واسع بأنه المساهم الأول في تبديد أموال الإيرانيين على معارك طائفية.

 

 

الصفحة الرئيسية