هل دفع الاتحاد الأوروبي تركيا تجاه التمدد نحو المحيط العربي؟

هل دفع الاتحاد الأوروبي تركيا تجاه التمدد نحو المحيط العربي؟


09/11/2020

وضع السقوط الدرامي للاتحاد السوفياتي الساسة الأتراك أمام معضلة حقيقية، فالدولة الوظيفية التي لعبت لعقود طويلة، دوراً مركزياً لصالح حلف الناتو، يرتكز على صد التمدّد الشيوعي، ومراقبة أنشطة المعسكر الشرقي في البحر الأسود، فقدت أهميتها لدى الغرب، بتحلّل المعطيات الأيديولوجية الضامنة لاستقرارها، ومن ثم كان عليها البحث عن أدوار جديدة، تكرس انخراطها في خدمة الأهداف الأمريكية، وبالتالي تستعيد من جديد أهميتها وبريقها السياسي.

 

 مع ظهور حزب العدالة والتنمية أصبحت المنطقة العربية بمثابة المجال الحيوي الجديد أمام التمدّد السياسي لأنقرة بعد إغلاق المجال الأوروبي

 

منذ إعلان قيامه، اتجهت تطلّعات أنقرة صوب الاتحاد الأوروبي، في محاولة للحصول على عضويّة كاملة، تضمن من خلالها وضعيّة مميزة في سياق السياسة الغربية، كعضو عامل وفاعل له كامل الحقوق والمزايا على كافة الأوجه، لكن الأمر لم يكن هيناً لجملة من الاعتبارات التي ترتبت على مجموع المسافات، التي تفصل تركيا عن المحيط الغربي من النواحي الساسية والاقتصادية والحقوقية، وبعد سلسلة من المفاوضات المضنية، فشلت أنقرة في استيفاء الشروط الموضوعية للانخراط في الاتحاد الأوروبي، ومع التحفظ الصارم، الصادر عن مؤتمر لوكسمبورغ العام 1997، على قبول عضوية تركيا في الاتحاد، بات واضحاً أنّ الآمال المعقودة ذهبت جميعها أدراج الرياح.

المجال العربي نافذة جديدة للمشروع التركي

مع ظهور حزب العدالة والتنمية، وصعوده كفاعل سياسي رئيسي في الداخل التركي، أصبحت المنطقة العربية بمثابة المجال الحيوي الجديد أمام التمدّد السياسي لأنقرة، بعد إغلاق المجال الأوروبي، وقد منحت حالة الارتباك التي عانت منها الدول العربية المركزية فرصة للاختراق التركي، الذي قدّم نفسه كنموذج إسلامي ديموقراطي، له جذور تاريخية ترتبط مباشرة بالتاريخ العربي والإسلامي.

اقرأ أيضاً: واجهة للتجنيد.. جامعة وهمية للإخوان في تركيا

تورّط أنقرة غير المسبوق في الصراعات الإقليمية، لتحقيق جملة من المكاسب، بهدف تعويض ما فاتها، جراء رفض قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لم يثن دوائر السياسة الخارجية التركية عن مراودة الحلم القديم، حيث واصلت تركيا محاولاتها الخجولة، علّها تلتمس طريقاً تتحقق من خلاله الشروط المطلوبة، أو تقترب منها؛ لقبول عضويتها في المنظمة الإقليمية الأكثر أهمية، حيث قدمت وعوداً في العام 2005، بإجراء إصلاحات اقتصاديّة وسياسيّة، وهي الوعود التي أطاحت بها مغامرات أردوغان فيما بعد.

 

أصبح الشرق الأوسط مجالاً حيوياً، أخيراً، للمغامر العثماني، الذي بات يؤدي عدة أدوار، عبر الانخراط المباشر في بؤر الصراع المتعددة

 

في تقريرها السنوي، العام الجاري، أكّدت المفوضية الأوروبية، بوصفها الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أنّ أنقرة قامت بتقليص مستوى الممارسات الديموقراطية إلى أبعد حد، ودان التقرير تدخل مؤسسة الرئاسة في شؤون القضاء، والإطاحة باستقلاله، وكذا تدهور الأوضاع الاقتصادية، بفعل المركزية المفرطة، التي قوّضت طموحات من افترضوا أنّ تركيا قد تصبح سوقاً ناشئاً وقوياً، مضيفاً أنّ "تدهور الأوضاع المتعلقة بحرية التعبير والسجون والبنك المركزي، جعل محاولات أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعيدة المنال".

اقرأ أيضاً: قرقاش ينتقد دور تركيا وإيران في المنطقة... ماذا قال؟

وربما لجأ أردوغان، مدفوعاً بجملة من الحسابات إلى ممارسة نوع من الضغط على الاتحاد الأوروبي، تارة من خلال ورقة اللاجئين، وأخرى عن طريق استفزاز اليونان، وتجميد أيّ تحرك سياسي قد يسهم في حل المسألة القبرصية، في مساومة مكشوفة، أتت لسوء حظه برد فعل سلبي، لتغدو أبواب الاتحاد الأوروبي شبه مغلقة في وجهه.

اقرأ أيضاً: لماذا سحبت تركيا نقاطاً عسكرية شمال غرب سوريا؟

وعليه، أصبح الشرق الأوسط مجالاً حيوياً، أخيراً، للمغامر العثماني، الذي بات يؤدي عدة أدوار، عبر الانخراط المباشر في بؤر الصراع المتعددة، من قرصنة مباشرة في شرق المتوسط، إلى تدخل استعماري فج في سوريا وليبيا، إلى سمسار حروب في القوقاز، هكذا أصبح أردوغان يتنقل في تهور، ربما يعكس نوعاً من الارتباك، بفضل عدم دقة الحسابات السياسية، وفي ظل تضييق الخناق على تدخلاته، بفعل قوى إقليمية، باتت سياسات أنقرة تزعجها إلى أقصى حد.

الإخوان المسلمون نصل السيف العثماني المكسور

رأت تركيا في حالة الفراغ السياسي، التي أصابت الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، فرصة سانحة، لإعادة صياغة علاقات القوى في المنطقة، وتشكيل أنماط جديدة وفق رؤية تمكنها من إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية، من خلال الهيمنة على السوق العربي، وإيجاد موضع قدم لأيديولوجيتها العثمانية، حيث أراد الرئيس التركي، لعب دور (متعهد العرب) لدى الدوائر الأمريكية والغربية، كما سعى نحو تطويق المنطقة العربية جنوباً، بمد النفوذ إلى منطقة شرق أفريقيا، وجنوب الصحراء، في محاولة لإعادة تشكيل موازين القوة، باستخدام القوى الناعمة، وربط المنطقة بجملة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية.

اقرأ أيضاً: هل تراوغ تركيا اليونان حول حوار المتوسط؟

يأتي إصرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مواصلة مساعيه الرامية إلى توطين جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي بالشرق الأوسط، في سياق الدعاية لنموذج إسلاموي ليبرالي، توهم القدرة على الدفع به نحو قيادة المنطقة، كبديل عن النموذج القومي، الذي تفكك بفعل عوامل سقوط الدول المركزية في المنطقة، بعد عقود من التحلل الذاتي البطيء.

 

يأتي إصرار أردوغان، على مواصلة مساعيه الرامية إلى توطين جماعة الإخوان في المشهد السياسي بالشرق الأوسط، في سياق الدعاية لنموذج إسلاموي ليبرالي كبديل للنموذج القومي

 

ويظل المشروع التركي، الذي أُبعد عن مناطق عمله الطبيعية في البلقان والقوقاز، وأغلقت في وجهه أبواب القارة الأوروبية، غريباً عن المحيط العربي، الذي يحاول أن ينشط فيه حالياً؛ لأنّه ببساطة يفتقد إلى مقوّمات الانخراط الطبيعي من كل النواحي، فبالإضافة إلى تناقضه الحادة مع معطيات الجغرافيا السياسية في الإقليم، فإنّ التجربة التاريخية، كذلك، لا تقف في صفه، نظراً لاستدعائه نموذجاً رديئاً من نماذج الاستعمار الإمبراطوري، بل وأسوأها سمعة في البني الثقافية العربية، ألا وهو النموذج العثماني، بالإضافة إلى افتقاده عضويّة الارتباط ما بين الاستراتيجية والثقافة السائدة في الإقليم.

اقرأ أيضاً: "الذئاب الرمادية".. ذراع تركيا لإرهاب المجتمعات الأوروبية

وعليه، تبدو هناك صعوبة في إنجاح المشروع التركي من الناحية السياسية، دون اللجوء إلى محاولات الإحياء العثماني، ليس فقط بوصفها أبرز تجلّيات أجندة أردوغان، وإنّما للفاعلية الناجزة للخطاب الأيديولجي المحمّل بالمقولات الدينية، ومن ثم كان خيار اللجوء إلى الغطاء الديني، بتوظيف مقولات التاريخ البائد، في ثوب مقدس، لاختراق المجتمع العربي، عبر التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، وأذرعها السياسية الممتدة في المنطقة، فيما يمكن أن نطلق عليه (عثمنة) المنطقة عبر إعادة تدوير الشعارات التاريخية والدينية، الحاملة بشكل ضمني لآليات الهيمنة السياسية.  



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية