رغم مرور 7 أشهر على تولي مصطفى الكاظمي مهامه كرئيس للوزراء في أيار (مايو) الماضي، والوعود التي قطعها في ذلك الحين للتحقيق في حالات الاختفاء القسري واتّباع آلية جديدة لتحديد مكان الضحايا ومعاقبة المتورطين في هذه الجرائم، يبدو أنّ حالات الاختفاء ما زالت مستمرة، وسط تقصير حكومي واضح.
تواجه ميليشيات أبرزها (كتائب حزب الله العراقي) اتهامات باعتقال آلاف النازحين الفارين من المحافظات الغربية وخصوصاً الأنبار
وحذّرت الباحثة المتخصصة بالشؤون العراقية في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، بلقيس والي، في تقرير نشرته المنظمة أمس الثلاثاء، من استمرار حالات الاختفاء القسري في العراق، مشيرة إلى عدم إحراز الحكومة أي تقدّم يُذكر في هذا الملف.
وأكّدت بلقيس والي في تقريرها أنّ الاختفاء القسري ما زال ظاهرة شائعة جداً في العراق، لافتة إلى أنّها جريمة خطيرة جداً بموجب القانون الدولي.
وأضافت أنّها وثّقت عشرات الحالات من الاختفاء القسري، التي شملت أطفالاً أعمارهم 9 أعوام، ورجلاً عمره 70 عاماً، لكن أغلب الحالات هي لشباب في الثلاثينيات من عمرهم، وأوضحت أنّ أغلب هذه الحالات من مناطق العرب السنّة والتي كان بعضها يخضع لسيطرة داعش بحجة محاربة الإرهاب.
خطف بذريعة الماسونية وتنظيم الحفلات الماجنة
أشارت والي في تقريرها، إلى ظروف اختفاء المواطن "أرشد هيبت فخري" البالغ 31 عاماً، والذي اعتقلته مجموعة من المسلحين المجهولين، مع ابن أخ وزير عراقي لم تذكر اسمه، في 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، من "فندق عشتار" في بغداد، بحسب شقيق فخري.
اقرأ أيضاً: هل تنجح الحكومة العراقية في تقويض نفوذ إيران هذه المرة؟.. كيف؟
وبتاريخ 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أفادت صحيفة محلية أنّ الرجلين اعتُقلا، دون تحديد الجهة التي اعتقلتهما، بتهمة تنظيم "حفل ماسوني" وحيازة نصف كيلوغرام من الهيروين، وهو الأمر الذي نفاه شقيق فخري، مشيراً إلى أنّ كل المسؤولين الذين تحدثوا إليهم زعموا أنّ فخري نظم حفلاً للمثليين وكانت بحوزته مخدرات، مؤكداً أنّ كلا الادعائين غير صحيحين.
حذّرت منظمة (هيومن رايتس ووتش) من استمرار حالات الاختفاء القسري في العراق، مشيرة إلى عدم إحراز الحكومة أي تقدّم يُذكر في هذا الملف
وأضاف شقيق فخري أنّه تحدّث مع الرجل الآخر الذي اعتُقل مع فخري، والذي أطلق سراحه في 22 تشرين الثاني (نوفمبر)؛ فأخبره أنّه لا يعرف سبب اعتقالهما أو مكان احتجازهما، وأنّه تمّ تعصيب عينيه وتسليمه إلى مكتب عمه الوزير، حيث أُفرج عنه دون أية معلومات إضافية.
وكانت عائلة فخري قد راجعت منذ 20 تشرين الثاني، مقرات 5 أجهزة أمنية مختلفة، وتحدّثت إلى العديد من قادة الأحزاب السياسية وكبار المسؤولين الحكوميين، لكنّ المسؤولين يفيدون بعدم امتلاكهم أية معلومات عن مكان فخري.
قوانين ولجان مُعطّلة
وكانت الأمم المتحدة قد دعت مؤخراً في بيان لها، السلطات العراقية إلى إدراج جريمة الاختفاء القسري في التشريعات الجنائية المحلية، وضمان عدم احتجاز أي شخص في مكان سري.
ولمواجهة هذه الظاهرة، أنشأت السلطات العراقية لجنتين لتقصّي الحقائق خلال عامي 2016 و2018 وصياغة مشروع قانون حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، لا يزال يجري التداول بشأنه في مجلس الوزراء، وفق ما أورد موقع "الحرة".
وقالت المنظمة الأممية في تقرير لها، إنّها "تُرحّب بتلك الإجراءات" لكنّها "تأسف بشدة لاستمرار نمط الاختفاء القسري في معظم أراضي العراق، مع الإفلات من العقاب"، معربة عن قلقها إزاء عدم وجود بيانات موثوقة عن حالات الاختفاء القسري في العراق، وعن أعداد الجثث مجهولة الهوية والمقابر الجماعية.
طالبت الأمم المتحدة السلطات العراقية بإنشاء قاعدة بيانات موحّدة على الصعيد الوطني تشمل جميع حالات الاختفاء التي حدثت في البلاد
وطالبت المنظمة، السلطات العراقية بإنشاء قاعدة بيانات موحّدة على الصعيد الوطني تشمل جميع حالات الاختفاء التي حدثت في البلاد منذ عام 1968.
وأشارت المنظمة إلى امتلاكها معلومات تشير إلى وجود 420 مكاناً للاحتجاز السري في العراق، داعية السلطات العراقية إلى "إجراء تحقيق في هذه الادعاءات، وإغلاق هذه المرافق أو تحويلها إلى مراكز احتجاز عادية ومسجّلة وخاضعة للإشراف، فضلاً عن اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان عدم احتجاز أي شخص بصورة سرية، في المستقبل".
الميليشيات الموالية لإيران في دائرة الاتهام
وفي تقرير آخر نشرته "هيومن رايتس ووتش" بتاريخ 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قالت المنظمة إنّ السلطات العراقية لم ترد على رسالة وجّهتها إليها بتاريخ 5 تشرين الثاني (نوفمبر) وطلبت فيها معلومات عن 8 حالات إخفاء حدثت بين كانون الأول (ديسمبر) 2019 وتشرين الأول (أكتوبر) 2020.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تصفّي تركيا حساباتها خارج إقليم كردستان العراق؟
وأشارت المنظمة الحقوقية في تقريرها إلى تورّط "قوات الحشد الشعبي" بجميع حالات الاختفاء الثمانية، مشيرة إلى أنّ هذه الحالات ليست سوى جزء صغير من إجمالي حالات الاختفاء التي يُعتقد أنّ هذه الجماعات نفّذتها خلال العام الماضي.
وفي إحدى حالات الاختفاء التي تتابعها "هيومن رايتس ووتش"، قال أحد أقارب "عمار زيدان مخلف"، والذي عمل نقيباً في الحرس الجمهوري وقائد شرطة، إنّ مخلف مفقود منذ 25 كانون الأول (ديسمبر) 2019.
ويقول أحد أقارب مخلف، إنّ رجلاً قدّم نفسه على أنّه عضو في مديرية الأمن التابعة للحشد الشعبي، دعا مخلف في 24 كانون الأول (ديسمبر)، وقال له إنّ لديه إذناً بالعودة إلى العمل، ويجب أن يذهب إلى مكتب مديرية أمن الحشد الشعبي في بغداد في اليوم التالي، ليقدّم له مزيداً من المعلومات، وهو ما فعله مفلح، ليختفي بعد ذلك دون توافر أية معلومات عنه.
ازدادت حدة الاختفاء القسري خلال أعوام الحرب على تنظيم داعش الإرهابي بين عامي 2014 و2017، في مناطق شمال العراق وغربه
وفي حالة أخرى، قال صديق الناشط، "سجاد ستار شنان"، وهو متظاهر بارز ضد الحكومة في الناصرية، إنّه في 19 أيلول (سبتمبر)، كان في السيارة مع شنان وأربعة أصدقاء آخرين متجهين إلى قرية خارج مدينة الناصرية، وعلى بعد حوالي 4 كيلومترات خارج المدينة، أوقفت شاحنتان فيهما 8 رجال مسلحين سيارتهم، وأمروا شنان بالخروج من السيارة.
وقال صديق شنان، إنّه تعرّف على أحد المسلحين كعضو في "منظمة بدر"، وهي وحدة في الحشد الشعبي، وفق ما أوردت "هيومن رايتس ووتش".
وسبق أن اتهم سياسيون عراقيون ميليشيات مسلحة مرتبطة بإيران بالوقوف وراء عمليات الاختفاء القسري في العراق، والتي ازدادت حدتها خلال أعوام الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي بين عامي 2014 و2017، في مناطق شمال البلاد وغربها.
اقرأ أيضاً: هل يشهد إقليم كردستان العراق "ربيعاً كردياً"؟
وتواجه ميليشيات أبرزها "كتائب حزب الله العراقي" اتهامات باعتقال آلاف النازحين الفارين من المحافظات الغربية وخصوصاً الأنبار بسبب الحرب على تنظيم "داعش"، وإخفائهم في سجون سرية في بلدة جرف الصخر (شمالي محافظة بابل) التي لا تزال الميليشيات تفرض سيطرتها عليها وتمنع القوات العراقية النظامية من دخولها رغم تحريرها من سيطرة "داعش" قبل أعوام.
يشار إلى أنّ العراق يُعتبر واحداً من المناطق التي يوجد فيها أكبر عدد من المفقودين في العالم، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر.
يُذكر أنّ ناشطين وحقوقيين وكتَّاباً وصحفيين عراقيين قد دشنوا، في الأشهر الماضية، وسم "وينهم"، طالبوا فيه حكومة بلادهم بالكشف عن مصير المعتقلين والمغيبين قسراً.
ويعرّف القانون الدولي الاختفاء القسري على أنّه "توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلاء للدولة، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته".