هل تواصل لندن دفع ثمن إيوائها الإخوان والمتشددين الليبيين؟

هل تواصل لندن دفع ثمن إيوائها الإخوان والمتشددين الليبيين؟


24/06/2020

خيري سعد الله الشاب الليبي منفذ عملية الطعن في لندن لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فبريطانيا ومنذ عقود مضت وهي تستقبل الفارّين من ليبيا وغيرها سواء مدنيين أو إرهابيين، ويذهب الإرهابيون إلى لندن بحثاً عن الأمن والحماية، لكنهم سرعان ما يستغلون مناخ الحرية المتاح في بريطانيا وفي أوروبا عموماً في إعادة تدوير أفكارهم، وترتب على السياسة البريطانية أن أصبحت بعضُ المدن هناك حواضنَ للتطرف والإرهاب، مثل مدينة برمنغهام ومانشستر وغيرهما.

استمر كمون الإرهابيين عقوداً طويلة مستخدمين المراكز الإسلامية المنتشرة في أوروبا ستاراً لهم

وجد المتطرفون الليبيون في بريطانيا ملاذاً آمناً ومناخاً مناسباً؛ فتواصلوا ورتّبوا الخطط، وتوغلوا في المجتمع الأوروبي، وحسب وصف صحيفة "التايمز" شجع تساهل الحكومة البريطانية مع العناصر الليبية المتشددة أن يعيدوا إنتاج أفكارهم المتطرفة وتكوين تنظيماتهم السرية وتربية كوادرهم.

استمر كمون الإرهابيين عقوداً طويلة مستخدمين المراكز الإسلامية المنتشرة في أوروبا ستاراً لهم، لكن مع وصول ديفيد كاميرون إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا، لاحت لهم الفرصة لتنفيذ مخططهم الإرهابي، فقد تم السماح لمئات من المهاجرين الليبيين ببريطانيا للسفر إلى ليبيا، ليشاركوا في الحرب الأهلية الدائرة بوطنهم الأم.

أديب: حلفاء أطراف الصراع في ليبيا حريصون على بقائها منهكة ومشدودة الأطراف لمكاسب اقتصادية لم تُوزَّع بعد

ومن المتطرفين الذين استضافتهم بريطانيا وعادوا لليبيا رمضان أبو القاسم العبيدي أو "أبو إسماعيل" الضابط الهارب من حكم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، في العام 1993؛ انتمى العبيدي إلى تنظيم الإخوان المسلمين في بدايته، ثم إلى الجماعة الليبية المقاتلة الموسومة بالإرهاب، وهو والد الإرهابي "سلمان" منفذ هجوم حفل مانشستر في العام 2017، هرب من ليبيا العام 1993، وطلب اللجوء السياسي له ولزوجته، ثم استقر في مانشستر حيث توجد أكبر جالية ليبية في بريطانيا، عمل كمؤذن في مسجد في ديدسبري في العام 2008، وبدأت الجماعة الليبية المقاتلة مراجعاتها الفكرية، فسمحت له بريطانيا بالعودة إلى ليبيا، استقر في طرابلس وكمن هناك ومارس أعمال التجارة الى أن قامت ثورة شباط (فبراير) 2011، من خلال تواجده في غرف نشاط الجماعة المتجدد في تونس، ومنها إلى الجبل الغربي لينتهي به المقام مجدداً في طرابلس إثر سقوط النظام.

انضم العبيدي الى مجلس ثوار ليبيا العسكري بقيادة عبد الكريم بلحاج، ثم انشق عنه مع سامي الساعدي وكوّنوا حزب الأمة، تمكن العبيدي من احتواء المفتي المعزول الصادق الغرياني وشخصيات قاعدية أخرى مثل؛ عبد الوهاب القايد شقيق أبو يحيى الليبي، نائب أسامة بن لادن في تنظيم القاعدة.

اقرأ أيضاً: هل حسمت تركيا موقفها في ليبيا نحو التصعيد؟.. مؤشرات جديدة

وفي العام 2014 كان العبيدي من ضمن الشخصيات المحرضة على انقلاب عسكري في طرابلس، الذي عرف فيما بعد باسم عملية فجر ليبيا، عمل مدير لقوات الأمن المركزية التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، إلى أن اتُّهم ابنه سلمان في حادث تفجير حفل مانشستر العام 2017، بعدها تم توقيفه من قبل قوات ردع ثم تم الإفراج عنه، وشوهد في اسطنبول حسب جريدة "ديلي تلغراف"، ويواجه ابنه الآخر هاشم إدانة في 22 تهمة بالقتل والتآمر في عملية إرهابية.

اقرأ أيضاً: الإرهاب في ليبيا.. ما علاقة بريطانيا؟

ومن الشخصيات المثيرة للجدل والمنضمة لحكومة الوفاق أيضاً محمد العماري زايد، الذي وصفه العقيد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني في وقت سابق، بأنّه "بوق الجماعات الإرهابية في المجلس الرئاسي" حسب شبكة "الحرة".

والعماري غادر ليبيا إلى ألمانيا بجواز سفر مزور، ثم استقر في مانشستر البريطانية العام 1998، انضم وهو في سن الثامنة عشرة لحركة التجمع الإسلامي (الإخوان المسلمين) العام 1991، وفي مانشستر عمل خطيباً بمسجد الحكمة وكان من أنصار الأعمال الإرهابية لضرب الدولة الليبية من الداخل طوال فترة تواجده بالخارج ضمن التيارات الإخوانية ذات العلاقة بتنظيم القاعدة.

التقى بالإخواني يوسف القرضاوي أكثر من مرة وحصل على الدكتوراه العام 2005 في تقنيات الهندسة المتقدمة من جامعة مانشستر البريطانية، وبقي في الخارج إلى أن عاد إلى ليبيا بعد الإطاحة بالنظام، وبعد عودته، حسب تقارير إعلامية ليبية؛ ساهم بدور فعال في تكوين حزب "رسالة"، الذي أنشأته حركة "التجمع الإسلامي الإخوانية".

اقرأ أيضاً: الغرياني يحرض مرة أخرى على القتل.. ما أبرز الردود على مفتي أردوغان والوفاق؟

ورغم خسارة الحزب في الانتخابات في مدينة بنغازي إلا أنّه تمكن من الفوز بعضوية المجلس التشريعي (المؤتمر الوطني العام السابق) وتم تكليفه برئاسة لجنة المواصلات والاتصالات، ثم رئيساً للجنة السياسية، وتم اختياره عضواً في المجلس الرئاسي الذي تشكل بعد اتفاق الصخيرات في العام 2015، ولكونه عضواً في المجلس الرئاسي تعزّز نفوذه، ليتواصل مع ممثلي الدول المتدخلة في الشأن الليبي مثل؛ تركيا وقطر وغيرها.

تقرير جينكينز: الحركات الإسلامية متعددة ومتنوعة لكنها جميعاً متشابهة للغاية ويغذي بعضها بعضاً

حاول العماري عبر اللقاءات والاجتماعات التي يقوم بها لتوفير الدعم السياسي اللازم للكتائب والميليشيات المسلحة التي تتمركز في طرابلس، ومحاولة تضليل الدول المعنية بالأوضاع في ليبيا حول طبيعة ما يجرى في عاصمة بلاده، وكان حلقة الوصل في توفير المال والسلاح من قطر وتركيا للإخوان والقاعدة لتسليح الجماعات الإرهابية المسلحة في العاصمة طرابلس.

عُرف عن العماري استماتته في الدفاع عن تلك الجماعات وتوجيه المساعدات لهم، مثل مجلس مجاهدي درنة ومجلس شورى ثوار بنغازي وهما من الجماعات الإرهابية المعروفة، وقدّم على صفحة "الفيسبوك" المنسوبة إليه، نعياً لأحد قادة مجلس شورى بنغازي "أحمد أبو سعدة " الذي قتل في المعارك ضد الجيش الوطني الليبي بوادي الربيع في رمضان الماضي.

يعلن العماري عداءه للجيش الليبي الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، ويظهر ولاءه لكل الميليشيات المسلحة في طرابلس ومصراتة، ومؤخراً تم تكليفه بمهام وزير التعليم مؤقتاً، بموجب قرار رئيس المجلس الرئاسي رقم 2 لسنة 2019!

اقرأ أيضاً: هل أصبح شاطئ البحر في غزة للأغنياء فقط؟

وحول قيام المتطرفين الليبيين باستغلال مناخ الحريات في بريطانيا لنشر أفكارهم المتطرفة يقول البروفيسور التونسي باسل ترجمان، الباحث والكاتب في السياسة الدولية: "في البداية يجب أن نعلم، أنّ التيارات الإرهابية المستترة خلف الإسلام كلها تعمل ضد أوطانها، وأنهم يلجؤون إلى أوروبا وغيرها من البلدان ليس للفرار بدينهم، بل للاستعداد للانقضاض على أوطانهم".

وأكد ترجمان في حديثه لـ "حفريات" أنّ "جماعة الإخوان هي أصل الإرهاب والتطرف في العالم العربي والإسلامي، مارست الاغتيالات والإرهاب ضد كل مناوئي السياسة البريطانية المحتلة في ذلك الوقت، وهم من قاموا بمحاولة اغتيال عبد الناصر أثناء مفاوضاته مع الإنجليز للجلاء، يهدفون إضعافه وإرهابه".

اقرأ أيضاً: إرهابي وزيراً في حكومة الوفاق الليبية.. تعرّف إليه

ولفت أنّ "هناك علامات استفهام قوية حول إصرار بريطانيا على سياساتها باستضافة الإرهابيين من كل انحاء العالم، وتعمدهم إغلاق أي تحقيق يتناول الإضرار بوجودهم في لندن، أو البحث عن كيفية حصولهم على تأشيرات الدخول، والتي يصعب على أي معارض في العالم أن يحصل عليها، فقط الإسلامويون من يحصلون على تلك الميزة".

ويذهب ترجمان أنّ بريطانيا "ربما مازالت تستغلهم كإحدى أوراق الضغط السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ولأنّهم جماعات يسهل استخدامها وتأجيرها ضد أوطانهم، مثلما نشاهد كثيراً من حكومة الوفاق وهم لا يهمهم الشأن الليبي قدر اهتمامهم برضا مشغليهم في لندن وأنقرة عنهم".

وأضاف ترجمان أنّه من غير المتوقع أن تعدل لندن من سياستها، رغم تعالي أصوات برلمانية وتقارير بحثية عن خطورة بقاء هؤلاء الإرهابيين في لندن، مثل عمليات التفجير التي وقعت في أنفاق مترو لندن العام 2005 ومانشستر 2017، "فهذه العلميات تمت وفق تخطيط تنظيمي إرهابي واضح، وتختلف تماماً عن عمليات الطعن والدهس واطلاق النار العشوائي الذي شهدته العاصمة البريطانية خلال الفترات الماضية، والتي قام بها متطرفون أيضاً"، مؤكداً أنّ "الجماعة الليبية المقاتلة والإخوان المسلمين هما جماعات إرهابية تم رعاية بعض عناصرهما والدفع بهم للوصول لحكم ليبيا لبقاء هذا البلد ممزقاً منهوب الخيرات".

من جهته، يرى الكاتب والباحث في الحركات الإسلام السياسي الدكتور منير أديب أنّ "استضافة لندن للإرهابيين لم تكن السبب الوحيد في وصولهم للحكم، بل التواطؤ الدولي الذي يطال أوروبا التي تتغاضى عن علاقة تركيا بالجماعات المسلحة والمتطرفة والإرهابية ويطال أمريكا التي تتلكأ في اتخاذ موقف واضح حول استقرار ليبيا، ورفض بقاء الميليشيات والمرتزقة حملة السلاح ضمن حكومة الوفاق".

وأوضح أديب لـ "حفريات" أنّ "حلفاء أطراف الصراع في ليبيا حريصون على بقاء ليبيا منهكة ومشدودة الأطراف لمكاسب اقتصادية لم يتم توزيعها بعد"، وحول استغلال الإرهابيين لتواجدهم في لندن لتكوين شبكة علاقات، أكد أنّ "طبيعة التنظيمات السرية والمسلحة، تميل للتنسيق فيما بينها، وأنها تعمل بطريقة تكاملية فمنهم من يتولى الإنفاق والتغطية على التمويل، ومنهم من يقوم بالدعاية والترويج، وآخرون يُعنَون بالاتصالات والتنسيق فيما بينهم، ومنهم من يقوم بحمل السلاح وتنفيذ المخطط النهائي؛ كلهم بدون استثناء مشاركون في العمليات الإرهابية".

اقرأ أيضاً: إخوان ليبيا يهاجمون الرئيس التونسي لهذه الأسباب.. ماذا قالوا؟

وأبدى أديب دهشته من كون لندن كعاصمة للحريات وللمدنية، لم تتخذ موقفاً مناهضاً لهم، بل اعتبرتهم ضحايا الأنظمة السياسية السابقة، "وهم استغلوا هذه الثغرة وتوسعوا في تنظيمهم حتى قدّموا أنفسهم كبديل لإدارة أوطانهم، لا من أجل أبناء شعبهم ولكن لصالح أوروبا ولندن".

وكان المجتمع البريطاني على موعد للحديث مجدداً عن تقرير السفير البريطاني السابق في الرياض السير جون جينكينز "عن خطر الجماعات الإسلامية والإخوانية على الدولة البريطانية" والذي يؤكد فيه أنّ ظاهرة التعصب الديني والمذهبي بالمملكة المتحدة تظهر في المجتمعات شديدة الانغلاق في أحياء محددة ومناطق محددة يعيش أفرادها معاً، وفشلت بطرق ما في الاندماج.

اقرأ أيضاً: هجوم ريدينغ يكشف تغلغل التشدد في بريطانيا

ورغم عدم إتاحة هذا التقرير للجمهور إلا أنّه تحدث في أكثر من مناسبة عن بعض محتوياته، ولعل أهم ما فيه هو تأكيده على أنّ الحركات الإسلامية متعددة ومتنوعة "لكنها جميعاً متشابهة للغاية ويغذي بعضها بعضاً، كما يحدث مع صور متنوعة من التيار الأصولي منذ الستينيات من القرن الماضي. ويؤدي ذلك إلى مزيج أيديولوجي مسموم، يؤثر علينا داخلياً إلى جانب تأثيره على استقرار العالم بأسره"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية