هل تنهي خريطة عقيدة "الوطن الأزرق" الصراع بين تركيا واليونان؟

هل تنهي خريطة عقيدة "الوطن الأزرق" الصراع بين تركيا واليونان؟


كاتب ومترجم جزائري
17/11/2020

ترجمة: مدني قصري

هذا الأدميرال، الذي أمضى ثلاث سنوات في السجون التركية، هو الذي أسّس عقيدة "الوطن الأزرق"، التي يعتمد عليها "الريس" أردوغان.

شهد العقد التالي من القرن الحادي والعشرين نهاية آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عندئذ ضاعف أردوغان من القمع داخل البلاد

هناك، خلف مناورات البحرية التركية بشرق البحر المتوسط ​​يختبئ رجل، وهذا ليس بالضرورة من نفكر فيه على مدى عامين، برّر رجب طيب أردوغان، باسم "مافي فاتان" (Mavi Vatan)  "الوطن الأزرق"، التدخلات المتكررة للبحرية التركية في المياه الإقليمية اليونانية والقبرصية، مما أثار استياء أوروبا، ومع ذلك؛ فإنّ هذا المفهوم الذي ينصّ على توسيع السيادة البحرية التركية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، ​​ليس مرتبطاً بالرئيس التركي، أو حتى بحاشيته، لقد تمّ وضع النظرية عام 2006 من قبل الأدميرال التركي، الذي أمضى ثلاث سنوات في السجن، من 2011 إلى 2014، عندما كان أردوغان في السلطة بالفعل.

 يبلغ جيم غوردينيز (Cem Gürdeniz) مع العمر الآن 62 عاماً، وهو جندي متقاعد وحرّ، يحرص على أن ينأى بنفسه عن استخدام رجب طيب أردوغان لها.

 "أنا لست مرتبطاً بشكل وثيق، أو عن بُعد بالحكومة التركية، وليس خطأي إذا كانت هذه الحكومة تستخدم تصوّري"، هكذا يؤكد في مقابلة مع صحيفة "Le Point"، أجريت عن بُعد عبر تطبيق "Zoom".

 تهدف "ماف ي وطن" (الوطن الأزرق) إلى الوصول إلى حقوق ومصالح تركيا وتأمينها وتطويرها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، هذه المسألة تتجاوز الاعتبارات الحكومية، والحزبية في تركيا".

قانون البحر

يستخدم جيم غوردينيز، الشغوف بالجغرافيا السياسية، الخرائط لتوضيح كلّ نقطة لديه، "ليست لدينا مشكلة في البحر الأسود؛ حيث قمنا بالفعل بترسيم حدود منطقتنا البحرية مع روسيا"، هكذا يوضح هذا الرئيس السابق للتخطيط في القوات البحرية التركية، وفي المقابل؛ نجد أنفسنا محاصرين ومختنِقين في البحر الأبيض المتوسط؛ ​حيث لا توجد لدينا حرية من حيث المساحة.

يطرح جيم غوردينيز خريطة توضح عقيدة "الوطن الأزرق": تقسيم بحر إيجة إلى منطقتين اقتصاديتين حصريتين متساويتين، تكون حدودهما متساوية البعد عن اليونان وتركيا

قدّم الأدميرال خريطة تستند إلى دراسة أجرتها جامعة إشبيلية، عام 2000، من المفترض أن تحدّد الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​وفق قانون البحر، وفي رأيه فإنّ الحصّة المخصصة لتركيا ضئيلة مقارنة باليونان، وقبرص، أو إيطاليا.

 "هل تدركون؟ تركيا، التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون نسمة ومساحتها أكثر من 1600 كيلومتراً من الخطّ الساحلي، تُمنَح فقط الحدّ الأدنى من الجرف القاري، بينما هي أراضينا تحت الماء! فهذا غير مقبول"، هكذا قال جيم غوردينيز في غضب؛ "لا نريد مهاجمة أيّ شخص، لكن، ببساطة، ندافع عن جرفنا القارّي ونمنع تنفيذ خريطة إشبيلية هذه".

تمنح اتفاقية قانون البحار لعام 1982 لكلّ دولة مياهاً إقليمية تصل إلى 12 ميلاً بحرياً (22,2 كم) من سواحلها، إضافة إلى ذلك؛ تمتلك كلّ دولة أيضاً منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) ، في حدود 200 ميل (370 كم) من سواحلها؛ حيث تمتلك فيها الموارد الطبيعية المكتشَفة. يمكن للمنطقة الاقتصادية الخالصة أن تمتدّ حتى 350 ميلاً (650 كيلومتراً) إذا تمكّنت أيّة دولة من إثبات أنّ جرفها القاري، استمرار للقارة تحت المحيط، يتجاوز 200 ميل. ومع ذلك، لم توقع تركيا على اتفاقية، عام 1982، فهي ترفض ترسيم حدود مياهها مع قبرص واليونان على النحو المحدّد في قانون البحار، مع الأخذ في الاعتبار الجزر اليونانية في حساب المناطق الاقتصادية الخالصة، التي يقع بعضها على بعد كيلومترات قليلة فقط من الساحل التركي، فإنّ اتفاقية عام 1982 تقلّل بالفعل من حصّة أنقرة إلى الحدّ الأدنى.

اقرأ أيضاً: هل تراوغ تركيا اليونان حول حوار المتوسط؟

لا يمكننا إعادة كتابة التاريخ، لقد غادرت القوات اليونانية تركيا، عام 1922، واستعادت في المقابل جميع جزر بحر إيجه. يقول المؤرخ، بيير رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر الأبيض المتوسط ​​للدراسات الإستراتيجية (FMES)؛ "لذلك ظلّ هذا البحر بحيرة يونانية وأوروبية بالمعنى الواسع، وهو ما تمّ توثيقه في معاهدة لوزان، عام 1923، والتي تحاول تركيا التشكيك فيها اليوم.

اقرأ أيضاً: خلاف تركيا واليونان يعود إلى الواجهة... ماذا استجد؟

على العكس من ذلك، يوضح مُنظِّر "الوطن الأزرق"، فإنّ "تطبيق قانون البحار يعتمد على اتفاق الطرفين، ولا يمكن أن يتعارض مع مصالح أيّ بلد"، في حالة حدوث نزاع بين البلدين، يدعو القانون الدولي الأطراف المختلفة للاتفاق على اتفاقيات ثنائية.

محاولة انقلاب

منذ عام 1936، اتفقت أثينا وأنقرة على تحديد 6 أميال بحرية لمياههما الإقليمية، مما يسمح لتركيا بمواصلة الإبحار في بحر إيجه.

من ناحية أخرى؛ ما يزال البلدان غير مُتّفقَين حول منطقتهما الاقتصادية الخالصة، "في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أهمل حزب العدالة والتنمية (حزب أردوغان) هذه الأهداف الجيوسياسية؛ لأنّه كان مهووساً بدمج تركيا في الاتحاد الأوروبي"، هكذا يشرح جيم غوردينيز. لكن شهد العقد التالي نهاية آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عندئذ ضاعف رجب طيب أردوغان من القمع داخل البلاد".

اقرأ أيضاً: لمنع تدفق اللاجئين.. مشروع يوناني لتوسعة السياج الحدودي مع تركيا

تمّ القبض على جيم غوردينيز، عام 2011، مع مئات من كبار ضباط الجيش التركي، فقد اتهِموا بالتحريض على محاولة انقلاب عسكري، عام 2003، الهوس الاستحواذي لـ "الريس" التركي (الرئيس).

 "إنّ تنظيم فتح الله غولن (الحليف الإسلامي السابق للرئيس التركي الذي أصبح عدوّه الرئيسي)، الذي كان له العديد من المؤيدين داخل الإدارة القضائية، هو الذي أعدّ ملفات مزوّرة ضدّ الأدميرالات، وضباط مؤيدين للكماليين"، هكذا يؤكّد الأدميرال اليوم، الذي لا يخفي تعاطفه مع مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس الدولة التركية الحديثة، في هذا التطهير، تمتع أتباع غولن بالدعم الكامل من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان".

اقرأ أيضاً: اللاجئون في اليونان: أطفال يعانون صدمة نفسية وينامون في العراء

أخيراً؛ أطلق سراح الجندي، عام 2014، وتمّت تبرئته في العام التالي، بعد أن أمضى ثلاثة أعوام خلف القضبان، ومع ذلك؛ ففي عام 2016، تعرّض رجب طيب أردوغان هذه المرة لانقلاب حقيقي، بتحريض من حليفه السابق، فتح الله غولن، الذي أفلت منه بأعجوبة؛ "اعتقد أردوغان وأعضاء حزب العدالة والتنمية، حقاً، أنّهم سيفقدون استقلال تركيا، وبدؤوا يهتمون أخيراً بالمسائل الجيوسياسية لحماية الجمهورية"، هكذا يحلّل المسؤول الرفيع السابق، بعد تحرّره من الضغط الغربي، شعر سيّد أنقرة بالحرية في دفع مصلحته إلى ما وراء حدوده.

مصادر طاقة

لتبرير تصرفاتها، تتظاهر أنقرة بغياب اتفاق لترسيم حدود مناطقها البحرية مع أثينا ونيقوسيا، كما تطرح أيضاً الدفاع عن حقوق الجالية التركية في قبرص. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ذهبت تركيا إلى حدّ التوقيع مع الحكومة الليبية في طرابلس، وهي الدولة الوحيدة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، على وثيقة حول الاستغلال المشترك للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع ليبيا. كانت المناورة أكثر إثارة للدهشة؛ لأنّها تعتمد هذه المرة على اتفاقية قانون البحار التي لم توقعها أنقرة أصلاً.

تزعج إستراتيجية الفوضى التركية كلاً من نيقوسيا وأثينا، وتوضح عجز الاتحاد الأوروبي، على الرغم من انتهاكات سيادته؛ فإن وقفت فرنسا إلى جانب اليونان، وزادت تعاونها العسكري مع الجيش اليوناني (بما في ذلك بيع 18 طائرة مقاتلة من طراز رافال)، فلن تتمكن من الحصول على عقوبات أوروبية ضدّ تركيا، لا سيما بسبب رفض ألمانيا إدارة ظهرها لأردوغان.

 ما تزال المفاوضات بين أنقرة وأثينا في طريق مسدود، ويبدو أنّ مواقفهما غير قابلة للتوفيق، حيث أعادت تركيا، الشهر الماضي، سفينتها البحثية الزلزالية "Oruç Reis"، برفقة سفن حربية، إلى عرض البحر قبالة اليونان.

يطرح جيم غوردينيز خريطة أخرى، توضح هذه المرة عقيدة "الوطن الأزرق": فهو يقترح تقسيم بحر إيجة إلى منطقتين اقتصاديتين حصريتين متساويتين، تكون حدودهما متساوية البعد عن اليونان وتركيا، وهو منظور غير مقبول من قبل أثينا، لكن، بحسب الأدميرال السابق؛ فإنّ قضية الغاز ليست مجرد ذريعة لمعالجة قضية جيوسياسية أكبر بكثير، مكانة تركيا في شرق البحر المتوسط.

 "ليست مسألة هيمنة، أو عثمانية جديدة"، بحسب ادعاء جيم غورديريز، لقد استبعدت اليونان تركيا من البحر الأبيض المتوسط ​​بمساعدة دول غربية، ولن تقبل أيّة حكومة تركية بذلك".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lepoint.fr/monde



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية