هل تنقذ محاولات "التيار الإصلاحي" نظام الملالي من الانهيار؟

هل تنقذ محاولات "التيار الإصلاحي" نظام الملالي من الانهيار؟

هل تنقذ محاولات "التيار الإصلاحي" نظام الملالي من الانهيار؟


19/02/2023

مع الذكرى الـ44 للثورة الإيرانية وتأسيس "الجمهورية الإسلامية"، يقع نظام "الولي الفقيه" تحت وطأة مخاطر وجودية حقيقية لم يسبق له مواجهتها، على مدار أربعة عقود، وذلك رغم الاحتجاجات المحلية العنيفة التي رافقته طوال مدة الحكم، وكذا المعضلات الإقليمية والدولية، سواء كانت الحروب التي خاضها الملالي، أو الصدام مع الغرب والولايات المتحدة، والمتسبب في عزلة دبلوماسية وعقوبات أممية. 

ما بعد مهسا أميني

السؤال المطروح، الآن، بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية "شرطة الأخلاق"، يتعلق بمدى فعالية التكتيك الإيراني التقليدي الممثل في استدارته للتيار الإصلاحي لتخفيف الضغط على النظام. غير أنّ الدعوات التي تخرج من رموز التيار الإصلاحي تتعرض لرفض تام وهجوم شرس، تلك المرة، من داخل الجناح المتشدد والأصولي القريب من المرشد الإيراني والحرس الثوري، لا سيما أنّ هناك عملية تأميم للسلطة قد جرت بواسطة هذا الجناح الذي قفز على أجهزة ومؤسسات الحكم، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

كما أنّ المحتجين في الشوارع منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي، لا تتوقف هتافاتهم المعارضة عن المطالبة بتغيير النظام وطرح بدائل سياسية مدنية، الأمر الذي بلغ درجاته القصوى مع رفض بالوانات اختبار الملالي في هذا الاتجاه، ومنها موقف المتظاهرين السلبي من إعلان المدعي العام الإيراني الغامض حل شرطة الـأخلاق.

ومع استمرار الاحتجاجات وخروج مظاهرات مضادة مؤيدة للنظام الإيراني، بينما تحتفل بذكرى ثورة 1979، اصطف أكثر من 300 ناشط سياسي إيراني مع زعيم الحركة الخضراء، مير حسين موسوي، وأعلنوا عن تأييدهم لإجراء استفتاء وتشكيل جمعية تأسيسية لإنهاء الأزمة الراهنة وتصفية "الاستبداد الديني"، وجاء في بيان لهم: "بعد يأس المجتمع من الإصلاح، لا يوجد خيار آخر سوى التخلص من الاستبداد الديني".

المعارض مهدي عقبائي: قطاعات واسعة من الإيرانيين بالخارج تدعم الانتفاضة

ونقلت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية عن الصحفي الإيراني كيوان صميمي، والذي تم العفو عنه ضمن مسجونين آخرين، مؤخراً، قوله إنّ "الانحرافات" في نظام الجمهورية الإسلامية بدأت بعد يوم 12 فبراير (شباط) 1979. وتابع: "في رأيي، بدأت بعض الانحرافات بعد 12 فبراير 1979 (الثورة نشبت في 7 كانون الثاني/ يناير 1978 حتى 11 شباط/ فبراير 1979 ) ولدي حقائق كثيرة عن هذا الموضوع".

تستمر الانتفاضة الإيرانية في مختلف مدن وأقاليم إيران، وبخاصة في محافظتي  كردستان وسيستان وبلوشستان، كما تتواصل هتافات وشعارات "الموت لخامنئي" في مناطق متفرقة من العاصمة طهران وغيرها من المدن الإيرانية الأخرى، حسبما يوضح عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي.

وكشف عقبائي لـ"حفريات" عن تنظيم "وحدات المقاومة العديد من التحركات الاحتجاجية، بهدف كسر حاجز الخوف الذي صنعه النظام، وذلك من خلال حرق تماثيل الخميني أو حرق وتمزيق صور قادة النظام، بما في ذلك المرشد الحالي علي خامنئي والقائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني".

أثبتت تجربة الحكم بإيران فشل "الإصلاح"، حيث إنّ جرعة الحريات المؤقتة يتم الانقلاب عليها لتتلوها الإجراءات القمعية، ومنها التعذيب والسجن والإعدامات وكسر أقلام الكتاب والصحفيين

وفي الساعة التاسعة والنصف من مساء الاثنين الماضي 13 شباط (فبراير)، عرض "أعضاء في وحدات المقاومة في طهران صورة ضوئية كبيرة لقادة المقاومة الإيرانية مسعود رجوي وكذا مريم رجوي في منطقة طهران بارس". وقبلها بأيام قليلة، وبالتزامن مع ذكرى الثورة "المغدورة" (على يد الخميني) ضد نظام الشاه، قام شباب الانتفاضة أثناء خطاب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في ساحة آزادي (الحرية) بطهران، بإطلاق 12 قنبلة صوتية، مما أدى إلى قطع خطاب "رئيسي" لمدة 15 ثانية، الأمر الذي تسبب في حرج شديد للنظام وأجهزته الإعلامية، فضلاً عن "قرصنة التلفزيون الرسمي وقطع البث عنه بل وعرض بعض الأنشطة المعارضة"، حسبما يقول عقبائي.

وهم التجربة الإصلاحية

لا تعدو محاولات التيار الإصلاحي لحل الأزمات السياسية والمجتمعية بإيران كونها جديدة أو مباغتة، بل إنّ تداخلاتهم مستمرة ومتواصلة مع الأزمات التي تلاحق الملالي والمتسبب فيها التيار الأصولي، وفق سردياتهم وخطابهم السياسي، والذي انحرف عن مبادئ "الثورة".

وفي أعقاب مقتل مهسا أميني أصدر زعيم الحركة الخضراء، مير حسين موسوي، الذي خسر الانتخابات أمام محمود أحمدي نجاد، بينما شغل منصب رئيس الوزراء في فترة الحرب العراقية الإيرانية بياناً قال فيه إنّ "القدرات المعطاة لكم هي من أجل الدفاع عن الشعب وليس لقهرهم، وهي من أجل حماية المظلوم وليس لخدمة الأقوياء"، وفق موقع "جادة إيران".

كما قال موسوي إنّ "مهسا أميني هي ابنة إيران، ابنة كردستان، ابنة البشرية وسلبت من أحلامها بموتها المفجع". وتابع: "دماء المظلومين أقوى من عنف الطغاة، واليوم المظلوم منتصر أكثر من قوة الظالمين، ودينهم أكثر استنارة من دين الإكراه وسيارات الدوريات".

هذه الآراء الصريحة والمباشرة لزعيم الحركة الخضراء لم تخفت حدتها في بيانه الذي أصدره قبل أيام في ذكرى الثورة، وقال فيه "إيران والإيرانيون في حاجة وعلى استعداد لتغيير جذري، رسمت خطوطه العريضة الحركة من أجل امرأة-حياة-حرية"، بل وطالب بضرورة "استفتاء حرّ وعادل بشأن الحاجة إلى صياغة دستور جديد".

اصطف مع الموقف ذاته الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي أكد على أنّ هناك لحظة غضب قصوى تشمل المجتمع الإيراني. وقال: "ما هو واضح اليوم هو الاستياء العام".

وفي بيان لخاتمي بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصار "الثورة الإسلامية"، قال إنّ أزمة النخبة الحاكمة في طهران، تتمثل في تطبيقاتها القسرية والأحادية لـ"النظام الإسلامي"، وذلك دونما الأخذ في الحسبان التناقضات والتنوع داخل المجتمع، موضحاً أنّ "الخطأ الكبير لنظام الحكم في البلاد هو إرضاء جزء صغير من المجتمع يعتبره موالياً له، على حساب زيادة استياء غالبية المجتمع الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل".

ووفق خاتمي، فإنّ المواطن الإيراني قد "يئس من النظام القائم"، وذلك على خلفية أنّ "الحكم لم يبدِ أيّ إشارة حيال الإصلاح وتفادي الأخطاء".

وعرج الرئيس الإيراني السابق على مجموعة من النقاط التي، برأيه، سوف تؤدي إلى معالجة الأزمات التي أصابت بنية "الجمهورية الإسلامية"، ومنها "إصلاح العملية القضائية، وآلية تشكيل مجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام"، إضافة لـ"إصلاح السياسة على المستويين الداخلي والخارجي"، و"إعادة البرلمان إلى مكانته الحقيقية باعتباره المرجع الحصري لتشريع القوانين"، وأهمية "مكافحة الفساد على شتى الصعد"، مشدداً على أولوية "وضع حد لتدخل القوات المسلحة في الشؤون السياسية". كما لمّح إلى أهمية توفير بيئة سياسية تسمح بانخراط الشعب في العملية السياسية من خلال "إجراء انتخابات حرة وتنافسية، وذلك بعد العبور من الأجواء الأمنية الضيقة إلى الانفتاح السياسي".

عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي لـ"حفريات": سينظم الإيرانيون، مظاهرات كبيرة للمطالبة بإسقاط نظام ولاية الفقيه ومناهضة الديكتاتورية ورفض العودة لنظام مماثل للشاه

لكنّ الصحفي الإيراني كيوان صميمي اعتبر أنّ "السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد"، بحسب تقديره، سيكون بواسطة "الحراك الاجتماعي السلمي، وتأسيس الأحزاب وتوسيع الأنشطة الحزبية". وقال صميمي: "أعتقد أنّ الأمر الأول والأكثر إلحاحاً هو الحوار".

ووفق صميمي فإنّ "كل حركة إصلاح غير عنيفة تحتاج إلى حوار. بعض هذه الحركات العنيفة غير مقبولة. بالطبع أنا لا أستنكر هذه التصرفات العنيفة؛ لأنّ هؤلاء الشباب هم أنفسهم ضحايا هذا الوضع. من الطبيعي أن يتخذ الشاب الذي يعاني من مشاكل كثيرة ويشعر بأنّه وصل إلى طريق مسدود من جميع الجهات، بعض الإجراءات".

الصحفي الإيراني الذي اعتقل لمدة ستة أعوام في الفترة بين عامي 2009 و2015، لا يرى ثمّة أفق لإصلاح النظام؛ إذ إنّه تعرض للسجن، مرة أخرى، في الفترة بين عامي 2019 و2022، ثم بعد الأفراج عنه، بالمرة الأخيرة، باغته القضاء بوجود قضية أخرى ضده تبدو كورقة ضغط في حال عاود نشاطه المعارض حتى تكون ذريعة لاعتقاله على الفور. فيقول صميمي الذي يبلغ من العمر 74 عاماً: "بعد الإفراج عني، فُتحت قضية جدية ضدي، مما قد يتسبب في عودتي مرة أخرى إلى السجن".

هواجس خامنئي

وفي السياق ذاته، يقول عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي، إنّ قطاعات واسعة من الإيرانيين بالخارج تدعم الانتفاضة وتؤيد "رفض ديكتاتورية الشاه والملالي في آن"، موضحاً أنّ "الآلاف من الإيرانيين نظموا مظاهرات يوم 12 شباط (فبراير) الماضي في باريس، كما سينظم الإيرانيون، خلال شباط (فبراير)، مظاهرة كبيرة في ميونيخ، وسيطالبون بإسقاط نظام ولاية الفقيه ورفض العودة لنظام مماثل للشاه".

قبل ثلاثة أسابيع، اعترف خامنئي في أحد خطاباته بتصاعد الخلافات داخل نظامه، وحذر منها، وفق عقبائي، بل وعبر عن تخوفاته من أنشطة المقاومة الإيرانية المنظمة على المستوى العالمي، لا سيما مشروع القانون الذي وقعه 166 عضواً في الكونغرس الأمريكي بينما يحمل تأييداً للتغيير في إيران، ويتضمن مشروع القانون خطة مريم رجوي لمستقبل إيران المكونة من 10 نقاط.

وبشأن محاولة الإصلاح من داخل النظام، يؤكد عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أنّ هتافات الشعب الإيراني حسمت هذا الأمر عندما رددت "اللعبة‌ قد انتهت ‌یا إصلاحي یا أصولي". وكان محسن رفسنجاني نجل الرئيس الإيراني السابق علي‌ أکبر هاشمي رفسنجاني قد عبر عن ذلك في مقال بصحيفة "شرق" الحكومية بعنوان "قلق ركاب السفينة".

في المحصلة، أثبتت تجربة الحكم بإيران فشل "الإصلاح"، حيث إنّ "جرعة الحريات المؤقتة يتم الانقلاب عليها ثم تشرع أدوات السلطة في الإجراءات القمعية، ومنها التعذيب والسجن والإعدامات وكسر أقلام الكتاب والصحفيين، الأمر الذي حدث في فترة محمد خاتمي". وبالتالي،  فإنّ مصير جهود الجماعات التي تسعى لإنقاذ النظام الذي وصل إلى "حافة الهاوية لا يختلف عن مصير جهود خاتمي، فمرضى السرطان لا يعالجون بالإسبرين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية