هل تنجح مبادرة بن صالح للحوار في اختراق الانسداد السياسي في الجزائر؟

الجزائر

هل تنجح مبادرة بن صالح للحوار في اختراق الانسداد السياسي في الجزائر؟


07/07/2019

هل تحركت المياه الراكدة في المشهد الجزائري قليلاً، بعد خطاب الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، الذي ألقاه بمناسبة ذكرى الاستقلال، والذي تضمن دعوة صريحة للحوار مع الحراك والفواعل السياسية الأخرى، تحت إشراف هيئة تضم شخصيات مستقلة وذات ثقل، أم أنها ليست سوى تكرار للدعوات السابقة التي أطلقها منذ اعتلائه سدة السلطة، ومن قبلها أيضاً تلك التي أطلقها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة؟

المبادرة تطرح مقاربة سياسية جديدة يضمن جانبها الشكلي توفير أرضية يمكن البناء عليها للخروج من حالة الانسداد السياسي

هذه الأسئلة وغيرها تصنع الحدث في المشهد الجزائري هذه الأيام، بين من يرجح الاحتمال الأول، وآخر يجنح للاحتمال الثاني.
دون إغفال أنّ الدعوة هذه المرة تضمنت نقاطاً جديدة، ربما أهمّها التأكيد على أنّ "المؤسسة العسكرية لن تكون طرفاً في الحوار"، وأنّ مهام أجهزة ومؤسسات الدولة لن تتجاوز حدود توفير الإمكانات اللوجستية والإدارية للحوار الجامع، على أن تتكفل هيئة مستقلة - تضم كفاءات وشخصيات وطنية مقبولة - بمسؤولية دعوة الأطراف وإدارة الحوار بشكل مستقل وصولاً إلى مخرجاته، التي من المقرر أنْ تقترح خريطة جديدة للمسار السياسي.

وبالرغم من أنّ الخطوة المعلن عنها لم تتجاوز حتى الآن حد الوعود، ولم يتم بعد، الإعلان الرسمي عن أسماء الشخصيات المزمع إشرافها على ندوة الحوار الوطني، لكن في حال تحققها فإنها قد تساهم في حلحلة أزمة الثقة القائمة، والتي أدت إلى الانسداد السياسي الراهن.

عبدالقادر بن صالح رئيس الدولة المؤقت

بادرة إيجابية ولكن ...

بيْد أنّ أموراً كثيرة تظل عالقة قبل التفكير في إجراء الحوار الوطني المنشود، لعل أهمّها رحيل الحكومة الحالية برئاسة نورالدين بدوي، وهو المطلب الرئيس للحراك الشعبي حتى الآن.

اقرأ أيضاً: الجزائر بذكرى استقلالها.. حراك يتواصل وبوادر أزمة مع باريس
ويذهب البعض إلى أنّ خطاب بن صالح الذي لم يشر بشكل مباشر إلى حل الحكومة، أو بقائها، قد تضمن إشارات واضحة إلى ضرورة تحلي خطاب الحراك بالعقلانية، مطالباً بتجنب "المقترحات المحفوفة بالمخاطر". وتبدو هذه الإشارات متعلقة بشعارات الحراك الذي طالما تبنى مطلب "رحيل الحكومة بل رحيله شخصياً من رئاسة الدولة"، وبالتالي فإنّ الاستجابة لتلك المطالب في إدراك السلطة أمرٌ يدخل في دائرة "المخاطر" سيما وأنّ فقرات أخرى من الخطاب تدعم هذا الاحتمال، عندما يعتبر بن صالح أنّ هناك "ضرورة لإفشال المخططات المريبة التي تهدف إلى جر البلاد نحو الفراغ الدستوري وتغييب دور الدولة والزج بها في دوامة الفوضى و عدم الاستقرار".

والواقع أنّ البلاد بالفعل قد دخلت حالة الشغور الدستوري، سيما وأنّ انتهاء العهدة المؤقتة لبن صالح والمحددة دستورياً بـ 90 يوماً، لم يتبقَ منها سوى أقل من أسبوع واحد، في ظل فشل السلطة في إجراء انتخابات رئاسية، لعدم اكتمال الشروط القانونية.
لذا فإنّ استمرار الوضع القائم يقلق السلطة والحراك في آن واحد، وهو ربما ما دفع السلطة -هذه المرة- إلى تقديم بعض من "التنازلات" من قبيل استثناء مؤسسات الدولة من عضوية "هيئة الحوار"، وسعيها لإيكال الأمر برمته لشخصيات مستقلة، علاوة على الموافقة على تعديل "قانون الانتخابات" وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، بما يضمن "شروط الحياد والشفافية والنزاهة المطلوبة”، حسب الخطاب.

اقرأ أيضاً: كيف استعاد الجزائريون الفضاءَ العام من قبضة الدولة العميقة؟

وللإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بهذا التطور، التقت "حفريات" عدداً من المختصين والنشطاء لاستطلاع آرائهم حول المبادرة الجديدة وخصوصيتها .

مقاربة جديدة في انتظار التحقق

يرى الدكتور توفيق بوقعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أنّ "مبادرة بن صالح التي تضمنها خطابه الأخير، تعدّ الأولى من نوعها لجهة تبنيها خطاباً تصالحياً مع الحراك الشعبي في الشارع". ويعدد بوقعدة عدة نقاط إيجابية في الخطاب، مؤكداً "أنه تضمن مقاربة سياسية جديدة يضمن جانبها الشكلي توفير أرضية يمكن البناء عليها للخروج من حالة الانسداد السياسي القائم منذ اندلاع الحراك في 22 فبراير. إلا أنّ هذه الأرضية وفق بوقعدة مرهونة "بطبيعة الشخصيات التي ستقود الحوار الوطني المأمول، بالدرجة الأولى، ثم ما هي الجهات التي ستدعى للحوار بالدرجة الثانية " وبالتالي فإنّ اكتمال الجوانب الشكلية للمبادرة رغم أهميتها ستظل بحاجة إلى تأكيد جديتها على الأرض من خلال الشرطين السابقين، حسب رأيه.

الدكتور توفيق بوقعدة : أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر

اقرأ أيضاً: هكذا تسعى جماعة "الجزأرة" لركوب الحراك الجزائري

ويؤكد بوقعدة لـ حفريات" أنّ "حالة الانسداد السياسي القائم قد دفعت كل الفواعل السياسية سواء في السلطة أو المعارضة إلى شبه توافق مبدئي حول ضرورة مباشرة الحوار الوطني الذي يقود إلى توفير الشروط القانونية لإجراء انتخابات رئاسية نزيهة تنهي حالة الفراغ الدستوري القائم كأولوية أولى" على أن يتم لاحقاً "فتح ورش أخرى تتعلق بفتح الملفات كافة، سواء المتعلقة بتعديل الدستور وشكل ومستقبل النظام السياسي أو ملفات الفساد".

اقرأ أيضاً: جدل الأمازيغية في الجزائر... نزاع رايات أم إرادات؟
ويرجح بوقعدة أنّ "التوجه العام للحراك الآن أضحى يميل أكثر نحو عقلنة المطالب الشعبية وجعلها أكثر واقعية.. لكن ذلك أيضاً مرهون بمدى توفر إرادة حقيقية لدى السلطة للتجاوب مع هذه المطالب" وكذلك مدى استقلالية الهيئة المشرفة على الحوار ومخرجاته.

ويؤكد بوقعدة أنّ "الامتحان الأول لمدى جدية السلطة، وإرادتها الحقيقية لحلحلة الأزمة يتمثل في كيفية تعاطيها مع المتظاهرين في الشارع، وما إذا كانت ستمضي قدماً في ممارسة التضييق على المتظاهرين ومواجهتهم بشكل عنيف، أم ستعدل عن سلوكها السابق كبادرة أولى للحل، وللروح التصالحية التي تضمنها خطاب رئيس الدولة"، مضيفاً أنّ هذا الإجراء من شأنه أن "يعزز الثقة بين الحراك والسلطة بعد خمسة أشهر من التجاذب وحالات انعدام الثقة".
ويتوقع بوقعدة أن "يشهد الأسبوع القادم أولى مؤشرات التوجه الجديد ومدى تماهيه مع مطالب الحراك وروح الوعود التي أطلقها بن صالح".

هل تدارك بن صالح الأخطاء السابقة؟
من جهته يقرأ الإعلامي أمين بلعمري مبادرة بن صالح، باعتبارها ليست بالأمر الجديد "فقد دعت رئاسة الدولة من قبل إلى مشاورات، ولكنها فشلت، كما دعت  قيادة  الجيش إلى الحوار بين المتظاهرين، والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، كما وعدت بتقديم تنازلات، لكن بقيت مجرد دعوات، ونداءات لم تلقَ الصدى".

الإعلامي أمين بلعمري

اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر يغازلون الجيش وعيونهم على الحراك الشعبي
ويضيف بلعمري "حتى الرئيس المؤقت سبق أن دعا إلى ما أسماه بـ "الحوار الذكي" في خطاب له، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، تعهّد فيه بأنه سيفضي إلى تنظيم الاقتراع الرئاسي وإلى تغيير تدريجي لمنظومة الحكم دون أن يحدد آليات وكيفيات إجراء هذا الحوار".
و يُقر بلعمري بأنّ الجديد في الخطاب الأخير "أنه تدارك الأمور التي أغفلها في الدعوات السابقة من حيث تحديده للآليات، علاوة على تأكيده على حياد مؤسسات الدولة، حيال مجريات الحوار، وعدم دخولها كطرف بما في ذلك المؤسسة العسكرية"، حيث ستشرف "شخصيات وطنية لديها كل الحرية في إدارة وتنظيم هذا الحوار، كما تتمتع هذه الشخصيات بصلاحية اختيار من تدعوهم للمشاركة في حوار تكون أجندته الرئيسية تنظيم الانتخابات الرئاسية بإنشاء هيئة انتخابية مستقلة تماماً عن الإدارة  تشرف على الانتخابات من الألف إلى الياء، كما سيتم إنشاء هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات".

اقرأ أيضاً: هل ينجح "العسكر" في إدارة مرحلة انتقالية في السودان والجزائر؟

وينفي بلعمري في حديثه مع "حفريات" أن "يكون نجاح الحوار الوطني مرهوناً بعامل الاستقلالية فقط" مؤكداً أنّ هناك عوامل عدة ينبغي توفرها من بينها "ماهية الأسماء التي ستقود الحوار، سواء من حيث الكفاءة، أو السمعة والنزاهة ونظافة اليد، ففي حال تم اختيار أعضاء هيئة الحوار، وفق هذه المعايير، يمكننا الاطمئنان، والقول إنّ المسار قد يكلل بالنجاح".

السلطة رمت بالكرة وعلى الحراك التقاطها

ويرى بلعمري أنّ "لدى السلطة الآن نوايا حقيقية في إخراج البلاد من الانسداد، وهي مقتنعة أكثر من أي وقت مضى، بأنها لن تنجح في فرض خريطة طريق ما للخروج من هذا الانسداد.. ذلك لأنها أضحت تدرك سلفاً أنّ ذلك سيواجه بالرفض". يضيف بلعمري: "أعتقد لهذا السبب رمت السلطة بالكرة في ملعب الحراك من خلال اقتراحها لهيئة حوار لا تشارك فيها مؤسسات الدولة وبذلك تريد أن تضع  الحراك أمام مسؤولياته الوطنية والتاريخية".

تشكيل حكومة بطاقم نزيه هو أقرب الطرق للانفراج السياسي لأن إطلاق الحوار في ظل الحكومة الحالية سيثير جدلاً

لكن ثمة أزمة تظل قائمة - حسب المتابعين - تتعلق بمن سيمثل الحراك في هذا الحوار المرتجى، سيما وأنه حراكٌ أفقي غير مؤطر. يرد بلعمري: "أفضل أن أسميها معضلة تمثيل وليست أزمة!.. صحيح لم يظهر ممثلون لهذا الحراك حتى اليوم، والكثير من المتابعين يعتبرون ذلك من العقبات التي تؤجل الاستجابة للمطالب المرفوعة، إلا أنّ هناك أيضاً من يعتبر أنّ مطالب الحراك واضحة ومحددة ويتم التعبير عنها  كل جمعة، وبالتالي الأهم هو تحقيق تلك المطالب أكثر من البحث عن ممثلين. لكن ذلك لا ينفي - حسب رأي بلعمري - "وجود اجتهادات ومبادرات من المجتمع المدني ومن بعض النقابات لتمثيل الشارع، وإن بدا تواجدها وسط الحراك كواجهات، أكثر منه تمثيلاً يحظى بالإجماع".

الحكومة أولاً ثم الحوار
يقدم النائب السابق بالبرلمان الجزائري، عدة فلاحي، رؤية مغايرة تتمثل "في أولوية رحيل حكومة نورالدين بدوي، وتعيين شخصية توافقية ذات كفاءة ووزن لقيادة حكومة جديدة، تشرع مباشرة في فتح ورش النقاش بغرض مراجعة قانون الانتخابات، وتنصيب لجنة وطنية لتحضيرها وتهيئة الوسائل المادية والبشرية لها".

عدة فلاحي : سياسي ونائب برلماني سابق
ويوضح عدة في حديثه لـ "حفريات" أنّ "تسمية شخصيات وطنية، والتوافق عليهم لتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الحوار الوطني سيتطلب وقتاً كبيراً، وقد يثير جدلاً واسعاً، فضلاً عن أن إنجاز هذه الهيئة لعدد من المهام سيأخد وقتاً أكبر" مضيفاً: "تشكيل حكومة جديدة بطاقم كفء ونزيه هو أقرب الطرق للانفراج السياسي".

اقرأ أيضاً: ما تأثير الإسلام السياسي على المجتمع الجزائري؟

لكنه في الوقت ذاته يؤكد دعمه لمبادرة بن صالح، لأنه" لا ينبغي أن يبقى الحراك والطبقة السياسية والمجتمع المدني، أسرى الشعارات، دون اقتراح خريطة طريق واضحة ومحددة المعالم".
وأمام فشل الحراك في اقتراح خرائطه، فإنّ عدة يرى في بادرة بن صالح بمثابه "الرسالة الأخيرة التي يجب أن نعض عليها كشعب بالنواجذ، وإلا قد نغرق جميعاً، أو ربما تُتخذ تدابير وإجراءات غير متوقعة من السلطة".

الصفحة الرئيسية