هل تمتدّ "الحرب الخفيّة" بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مفتوحة؟

هل تمتدّ "الحرب الخفيّة" بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مفتوحة؟


15/08/2021

ترجمة: علي نوار

تعود حالة العداء بين إيران وإسرائيل إلى عقود مضت؛ حيث تعدّ كلّ منهما الأخرى التهديد الأخطر على أمنها القومي والإقليمي، إلّا أنّ الأعوام القليلة الماضية شهدت تصاعد حدّة التوتّر بين الجانبين، ونشوب اشتباكات محدودة توصف بأنّها "حرب خفيّة" محدودة النطاق.

بدأت هذه المواجهة على المستويين البرّي والجوّي، قبل أن تمتدّ في أحدث فصول الاشتباك إلى الساحة البحريّة، واستهداف عدّة سفن في خليج عُمان والمناطق المُحيطة به.

ففي إحدى الوقائع الأخيرة، والتي جرت أحداثها تحديداً في 29 تموز (يوليو) الماضي، كانت السفينة "إم في ميرسر ستريت" وهي ناقلة نفط من الحجم المتوسّط تُبحر دون حمولة قبالة سواحل مدينة دار السلام في تنزانيا، مُتّجهة نحو ميناء الفُجيرة الإماراتي، المُطلّ على خليج عُمان للتزوّد بالوقود.

لكنّ السفينة التي ترفع علم دولة ليبيريا وتمتلكها اليابان، وتُشغّلها شركة "زودياك ماريتيم" الإسرائيلية، تعرّضت لهجوم باستخدام طائرة بدون طيار "درون" مُزوّدة بمتفجّرات، ما أدّى لمقتل شخصين؛ فرد أمن روماني الجنسية وآخر بريطاني، وبعد إطلاقها لنداء استغاثة، رافقت سفينتان حربيّتان أمريكيّتان ناقلة النفط.

نتج عن تلك الحادثة تبادل كلّ من بريطانيا وإيران استدعاء سفيرَيهما، فضلًا عن تحميل الولايات المتّحدة وبريطانيا وإسرائيل مسؤولية الهجوم، الذي وصفوه بـ "غير المشروع" لإيران، التي نفت هذه الاتّهامات، معتبرة أنّ لا أساس لها من الصحّة.

وفي حادث آخر، في نيسان (أبريل) الماضي، أشارت الجمهورية الإسلامية إلى الدولة العبرية بأصابع الاتهام في واقعة الانفجار الغامض الذي تعرّضت له السفينة الحربية الإيرانية "سافيز" بمياه البحر الأحمر.

أحد أبرز العوامل المؤجّجة للحرب الخفية هو جهود رئيس وزراء إسرائيل الجديد لإقناع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم إحياء الاتفاق النووي مع إيران مُجدّداً

هذه فقط لمحة بسيطة عن الهجمات العديدة التي وقعت على مدار الأشهر الماضية ضدّ السفن الإسرائيلية والإيرانية، وتبادل الجانبين للاتهامات بالوقوف وراء تلك الاعتداءات، ويأتي كلّ ذلك في إطار "الحرب الخفيّة" بين إيران وإسرائيل، بيد أنّه، رُغم هذه الهجمات والهجمات المُضادّة، لم يتخلَّ أيّ من الطرفين عن الحذر، تجنّباً لنشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق.

ويقول خبير الشؤون الأمنية في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فرانك جاردنر: إنّها "لعبة خطيرة للغاية، العين بالعين، لا سيما أنّها تنطوي على عملية اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، التي يُعتقد أنّ إسرائيل تقف وراءها، في إطار محاولاتها لإجهاض البرنامج النووي الإيراني".

لاعبان جديدان يظهران على الساحة

على أنّ الأحداث الأخيرة تأتي بالتزامن مع ظهور لاعبَين جديدَين في مشهد الحرب الخفيّة هذه، أوّلهما الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي يحظى بعلاقات وطيدة مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، المعروف بموقفه المُعادي لإسرائيل، وصولاً إلى وصفه لتلّ أبيب بـ "التّهديد الخطير"، أمّا اللاعب الثاني فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، الذي كشف بالفعل أنّه لا يقلّ عداء لإيران عن سلفه بنيامين نتنياهو.

ويُعرب كريستوف بلوث، أستاذ العلاقات الدّولية والأمنية في جامعة برادفورد بإنجلترا، عن اعتقاده بأنّ وصول رئيسي وبينيت إلى سُدة الحُكم في إيران وإسرائيل، على الترتيب، قد يكون له تأثير على حالة الاشتباك بين البلدين.

ويُضيف بلوث: "ليس من المُحتمل أن يكون تغيير القيادة السياسية قد أحدث، حتّى الآن، أيّ نوع من التغيّر الكبير في سياسة الجانبين"، وبالأحرى فإنّ أحد أبرز العوامل المؤجّجة للحرب الخفية هو جهود رئيس وزراء إسرائيل الجديد لإقناع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم إحياء الاتفاق النووي مع إيران مُجدّداً، وفق الأستاذ الجامعي.

وأوضح "يبدو أنّ هذه نقطة مُهمّة للغاية، وعامل محوري، خاصّة أنّ إسرائيل شرعت في زيادة وتيرة استهداف السفن الإيرانية كوسيلة لتصعيد حدّة النزاع، الأمر الذي جلب على رأسها وبال الهجمات المُضادّة من الناحية الإيرانية".

وبالفعل، يُمكن بسهولة ملاحظة أنّ الهجمات الجديدة في إطار الحرب الخفيّة بين إيران وإسرائيل وقعت جميعها بالتزامن مع المباحثات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا، بغية إعادة الحياة للاتفاق النووي المُبرم مع إيران، والذي ينصّ على تقليص البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي تُثقل كاهلها.

لكن هناك قطاعات في الداخل الإيراني والإسرائيلي تناهض بكلّ قوّة استئناف هذا الاتفاق النووي، ويشير فرانك جاردنر إلى أنّ "كثيرين في إيران يرفضون الاتفاق النووي ولا يثقون به ولا يريدون أن يُكتب له النجاح، وكذلك في إسرائيل، حيث توجد أوساط لا تنظر بعين الرضا إلى الاتفاق، وتراه مفرطاً في التساهل مع إيران، إلّا أنّ كلّاً من الولايات المتّحدة وبريطانيا تمارسان ضغوطاً قويّة من أجل إعادة الحياة إلى الاتفاق".

يرى مايكل ستيفنز، مُحلّل شؤون الشرق الأوسط في معهد "رويال يونايتد سرفيسز" للدراسات: أظهرت إسرائيل أنّها تستطيع إنهاء البرنامج النووي الإيراني، لكن: ما هي الكلفة؟"

بدوره، يرى مايكل ستيفنز، مُحلّل شؤون الشرق الأوسط في معهد "رويال يونايتد سرفيسز" للدراسات، مقرّه لندن؛ أنّ تصرّفات إسرائيل العدائية تجاه إيران محاولة مُتعمّدة لوأد المفاوضات النووية، مصرّحًا لـ "بي بي سي"؛ بأنّ "الإسرائيليين يحاولون من جانب واحد تفكيك البرنامج النووي الإيراني لكن بشكل ينطوي على خطورة بالغة".

ويردف ستيفنز: "لكن على الجانب المقابل، بوسع الإيرانيين البدء في الردّ بهجمات مماثلة تستهدف المصالح الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم، وقد أظهرت إسرائيل بالفعل أنّها تستطيع إنهاء البرنامج النووي الإيراني، لكن السؤال هنا: ما هي الكلفة؟".

ويعود فرانك جاردنر للتأكيد مُجدّداً على وجود أوساط ليست بالهيّنة في إيران تعارض الاتفاق النووي، موضحاً أنّ "الرئيس الجديد مُقرّب للغاية من المرشد الأعلى، علي خامنئي، والحرس الثوري الإيراني، وهناك كثيرون يضغطون بالفعل من أجل عدم تحسين العلاقات مع الغرب".

ورغم تصاعد حدّة التوتّر وهشاشة الوضع في المنطقة، لا يظنّ الأستاذ كريستوف بلوث، من جامعة برادفورد؛ أنّ حالة المواجهة بين إسرائيل وإيران ستتزايد بصورة خطرة، مؤكّداً: "لا أؤمن بحدوث ذلك بالضرورة، لأنّه من المحتمل أن تفشل إسرائيل في تحقيق هدفها المُتمثّل في الحيلولة دون تحقيق نتائج إيجابية للمفاوضات النووية، كما أنّ إسرائيل لا يسعها السماح بتوجيه قدر كبير من الضغينة نحو إدارة بايدن".

لكنّ السؤال الذي ما يزال يطرح نفسه بشدّة؛ هل هناك احتمالات لانتقال حالة الحرب من وضعية الخفاء نحو مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وإيران بكل ما يستتبعه ذلك من عواقب وخيمة، ليس على البلدين فحسب؛ بل وعلى المنطقة بأسرها؟

الإجابة من منظور الأستاذ بلوث؛ أنّ "هناك مخاطر جمّة، لكنّ الجانبين يدركان جيّداً تبعات أيّ تصعيد، ليس بمقدور أيّ من الطرفين خوض حرب غير محسوبة العواقب، كما أنّ إسرائيل ليست واثقة تماماً من حصولها على دعم إدارة بايدن في أيّة خطوة".

ويستطرد بلوث: "وجّهت إدارة بايدن بالفعل ضربات موجعة للميليشيات الموالية لإيران على الأراضي السورية، بالتالي؛ فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان على الجانب نفسه في الأزمة السورية، أمّا في حالة صراع بحري في الظلّ، فإنّ إسرائيل تخاطر بوقوفها منفردة في وجه إيران".

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bbc.in/3yzH8Nf



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية