هل تلعب إيران دوراً في التقارب التركي السوري أم تعرقل مساره؟

هل تلعب إيران دوراً في التقارب التركي السوري أم تعرقل مساره؟

هل تلعب إيران دوراً في التقارب التركي السوري أم تعرقل مساره؟


18/01/2023

تفاوتت التفسيرات والتحليلات بخصوص موقف إيران من التقارب بين تركيا والنظام السوري، وعدم رضاها عن هذا المسار بسبب عدم مشاركتها في رعايته.

في البداية، طرح الكثير من وسائل الإعلام فكرة عرقلة إيران لهذه المصالحة، إلا أنّ شبكة "الإندبندنت" رأت أنّ إيران طرف فاعل في الحوار بين البلدين، وأنّها لن تقف يوماً ضد هذا التحرك لإنهاء جزء من أزمات النظام السوري الذي ترعاه.

هذا، وتستبق إيران المصالحة التركية السورية المحتملة بتقارب أكبر مع دمشق، حيث حمّل الرئيس السوري بشار الأسد السبت الماضي وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان دعوة إلى نظيره إبراهيم رئيسي من أجل زيارة دمشق، ويعتقد أنّ طهران تسعى لتقريب وجهات النظر بين النظامين السوري والتركي، مع حرصها على عدم الإضرار بمصالحها.

ووفق موقع "ميديل إيست"، فإنّ طهران تتوجس من أنّ المصالحة التركية السورية قد تنتزع في المستقبل من حصتها التجارية، ومن عقود إعادة الإعمار والاستثمارات في قطاع الطاقة، وتحاول العمل قبل إعادة تطبيع تركيا علاقاتها مع دمشق على تأمين نفوذها ومصالحها، رغم أنّها باركت خطوات التقارب بين البلدين.

وسبق للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن تحدث عن زيارة رئيسي لدمشق، وأكد في إفادة صحافية الإثنين الماضي أنّه "يجري التخطيط لزيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا وتركيا بعد تلقيه دعوة من كلا البلدين".

إيران وتركيا تجريان ترتيبات لوضع جديد سيتشكل على وقع التقارب التركي السوري واحتمال توصل الطرفين إلى تسوية

ويعتقد مراقبون أنّ زيارة رئيسي المحتملة إلى دمشق قد تكون بسبب القلق الإيراني من مسار العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري، خاصة في ظل وجود ضغوطات روسية تمارس على دمشق لا تناسب المصالح الإيرانية.

ولا يستبعد البعض أن يكون الدافع لزيارة رئيسي الهواجس الكبيرة الإيرانية من التحركات الإقليمية والدولية التي قد تحدّ من النفوذ الإيراني جنوب سوريا، خاصة بعدما وقّعت الإدارة الأمريكية على مشروع محاربة النظام السوري كمصدر للمخدرات.

هذا، وتجري إيران وتركيا ترتيبات لوضع جديد سيتشكل على وقع التقارب التركي السوري، واحتمال توصل الطرفين إلى تسوية تنهي أعواماً من العداء والقطيعة، بينما تسعى كل منهما لتأمين مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الساحة السورية، في حال توصلت أنقرة ودمشق إلى مصالحة برعاية روسية.

"الإندبندنت": إيران طرف فاعل في الحوار بين البلدين، ولن تقف يوماً ضد هذا التحرك لإنهاء جزء من أزمات النظام السوري الذي ترعاه

ووصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أمس إلى تركيا، بعد أن اختتم زيارتين مماثلتين لكلٍّ من لبنان ودمشق، في خضم جهود تمهد لمصالحة بين أنقرة والنظام السوري بعد أعوام من العداء والقطيعة.

ورحّبت إيران بخطوات التقارب التركي السوري، وتسعى، على ما يبدو، إلى لعب دور الوسيط، إلى جانب موسكو التي ترعى لقاءات بين مسؤولين سوريين وأتراك.

ولا تريد طهران أن تكون خارج سياق التحركات الأخيرة التي من شأنها إعادة ترتيب الوضع في الساحة السورية، بينما من المتوقع أن يُعيد التقارب التركي السوري تشكيل المشهد السياسي في شمال سوريا، وفق تحليلات موقع "أحوال تركيا".

ولطهران مصالح حيوية في سوريا، وتسعى لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبرها، خاصة أنّها تُعتبر منفذاً مهمّاً إلى لبنان، من جهة حيث يتواجد حزب الله أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، وكذلك ساحة مواجهة قريبة من إسرائيل العدو اللدود للجمهورية الإسلامية من جهة أخرى.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ للإيرانيين مصالح اقتصادية في سوريا، من بينها عقود إعادة الإعمار وقطاع الطاقة، وهي قطاعات تتنافس فيها مع روسيا التي انتزعت بالفعل الكثير من الصفقات، وعززت حضورها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً في الساحة السورية.

لا تريد طهران أن تكون خارج سياق التحركات الأخيرة التي من شأنها إعادة ترتيب الوضع في الساحة السورية

ودخول تركيا على خط المصالحة يعني أنّها ستكون أيضاً من المنافسين، وهي التي كانت ترتبط قبل الثورة السورية في2011 بعلاقات جدية مع دمشق، ولها مصالح تجارية واقتصادية مهمة بحكم القرب الجغرافي والحدود بين البلدين.

وأكد وزير الخارجية الإيراني قبل أيام أنّ بلاده تدخّلت من أجل منع تركيا من شن هجوم في الشمال السوري، وهو هجوم خفت ضجيجه على وقع خطوات المصالحة الجارية، لكن من المتوقع أن يكون أكراد سوريا ضمن صفقة التسوية المرتقبة بين دمشق وأنقرة.

وقال عبد اللهيان حينها: "عندما علمنا باحتمالية شن القوات التركية هجوماً على الشمال السوري تدخلنا لمنعه، نحن سعداء بأنّ الجهود الدبلوماسية لإيران أدت إلى أن يحلّ الحوار محل الحرب".

وذكرت وكالة "إرنا" الإيرانية أمس أنّ وزير الخارجية الإيراني سيحلّ ضيفاً على تركيا في زيارة رسمية تلبية لدعوة من نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، مشيرة إلى أنّه سيناقش في أنقرة عدة ملفات وقضايا إقليمية ودولية وتعزيز العلاقات.

طهران تتوجس من أنّ المصالحة التركية السورية قد تنتزع في المستقبل من حصتها التجارية ومن عقود إعادة الإعمار والاستثمارات

وأوضحت الوكالة الإيرانية أنّ تركيا وإيران تعملان في إطار تبادل وجهات النظر حول ملفات ذات اهتمام مشترك، ومنها الملفان السوري واللبناني، وكانت آخر زيارة أجراها عبد اللهيان إلى تركيا في صيف العام 2022 بدعوة رسمية من نظيره التركي.

هذا، ويعتقد الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان أنّه من المبكّر القول إنّ "مسار التطبيع تعثر، لأنّه فعلياً لم يبدأ بعد".

وحول دور نظام إيران، ونظرته إلى هذا المسار، يلفت خلال حديثه لشبكة "أورينت" إلى تأخر التعليق الإيراني على خطوات التقارب، ويقول: "إيران لن تذلل الطريق أمام هذا المسار، لأنّ نجاحه حكماً سيهدد مصالحها".

وحسب علوان، تدعم إيران في كل الملفات الخارجية عدم إيجاد الحلول حتى تستثمر في الفوضى، وبالتالي أيّ حل، ولو كان جزئياً، لافتاً إلى سلوك إيران في الجنوب السوري، حيث عطلت الميليشيات المدعومة إيرانياً هناك تطوير التقارب بين النظام والأردن، في إشارة إلى حرب المخدرات.

مراقبون: زيارة رئيسي المحتملة إلى دمشق قد تكون بسبب القلق الإيراني من مسار العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري

من جانبه، قلل الكاتب والباحث المختص بالشأن التركي فراس رضوان أوغلو من احتمالية وقوف إيران وراء المواقف "القوية" الصادرة عن نظام دمشق، في إشارة إلى طلب الأسد إنهاء "الاحتلال" لتحقيق تقدّم في مسار التقارب.

وفي حديثه لـ "عربي21"، رأى الكاتب أنّ "كل الظروف الآن هي في صالح دمشق، ولذلك فهي تحاول فرض شروطها قدر المستطاع، ممّا يعني أنّ هناك عوامل أخرى، إضافة إلى إيران، في حال كانت منزعجة من هذا التقارب، تؤثر على هذا المسار".

وحول "الظروف التي هي في صالح دمشق"، يقول رضوان أوغلو: إنّ هناك استعجالاً تركيّاً نحو المصالحة؛ بسبب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية التي ستعقد في منتصف هذا العام، فضلاً عن وجود رفض أمريكي وأوروبي لهذا التقارب، معتبراً أنّ "هذه الأمور تجعل الضغط على تركيا، عكس سوريا، وإن كانت سوريا بحاجة للمصالحة مع تركيا"، وهذا ما يجعل إيران قادرة على فرض شروطها في سوريا.

أوغلو: هناك استعجال تركي نحو المصالحة؛ بسبب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، بعكس النظام السوري، وهذا ما تعتمد عليه إيران

وتلتقي إيران وتركيا في عدة ملفات، من بينها الملف السوري، على الرغم من أنّ كلاً منهما كانت تقف على طرف نقيض من الأزمة السورية، وقد انخرطتا في مسار أستانا التفاوضي بين دمشق والمعارضة السورية، بصفتهما دولتين ضامنتين للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، ومنها اتفاق خفض التصعيد.

لكنّهما تلتقيان أكثر في الملف الكردي، حيث تقصف كلّ منهما جماعات كردية مسلحة في شمال العراق، فتركيا التي تحتفظ بوجود عسكري في العراق تشنّ هجمات مستمرة على معاقل حزب العمال الكردستاني، بينما تستهدف طهران منظمات إيرانية كردية مسلحة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية