هل تغيّر أحداث فلسطين أولويات واشنطن الخارجية؟

هل تغيّر أحداث فلسطين أولويات واشنطن الخارجية؟


24/05/2021

بدأت شرارة  الصراع الأخير في فلسطين، أو الحملة العسكرية التي أطلقت عليها إسرائيل "حارس الأسوار" ضد حماس والجهاد الإسلامي، واستمرت أحد عشر يوماً (10 حتى 21 أيار /مايو 2021)،  بقرار إجلاء فلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح بالقدس، وتضخمت بعد مسيرات استفزازية للمستوطنين اليهود عبر المناطق العربية في المدينة ترددت فيها شعارات "الموت للعرب". انتشار العنف في الحرم القدسي المبارك ومداهمة شرطة الاحتلال لحرم المسجد الأقصى، بما في ذلك استخدام القنابل الصوتية ضد المصلين والمعتصمين، أدى إلى مزيد من المظاهرات.

اتخذت الأمور منعطفاً دراماتيكياً يوم الإثنين 10 أيار (مايو)، عندما أطلقت حماس  وحركة الجهاد الإسلامي وابلًا كثيفًا من الصواريخ على إسرائيل، وباتجاه القدس، بدعوى الدفاع عن المسجد الأقصى والفلسطينيين هناك ضد العدوان الإسرائيلي في  أول هجوم صاروخي على القدس منذ العام 2014

هل خُدع بايدن بحالة السكون السياسي والشعبي في الأراضي الفلسطينية والدول العربية خلال إدارة ترامب؟

.

بعد يوم الاثنين؛ جرت الكثير من التطورات والتداعيات الجيوسياسية التي لم يكن أحد من السياسيين أو المحللين يتوقعها، خاصة على الجانب الأمريكي، بوجود الرئيس الديمقراطي بايدن

الذي كان يلوّح بيده في الأفق بإشارة الوداع لمشاكل الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية  وينسحب تدريجياً من العراق وأفغانستان.

الاستدارة العريضة لبايدن

ليس الهدف من المقال القفز في الهواء لتحديد من المنتصر ومن الخاسر في هذه الجولة من المواجهات التي تدور في حلقة مفرغة حتى الآن. بل السعي بشكل أولي للوقوف على مراوغة التاريخ والسياسة، ووهم بناء الاستراتيجيات طويلة الأمد على أرضيات رخوة، وفرضيات وسيناريوهات غير علمّية، وتحليل رغائبي، وكيف تؤدي التغيرات غير المتوقعة الناتجة أصلاً عن الفرضيات الخاطئة إلى تغيرات إجبارية في بنية الدول وسلوكها السياسي.

 مثال ذلك؛ فرضية السياسة الخارجية الأمريكية برئاسة بايدن بعدم أهمية الشرق الأوسط لحساب الصين وروسيا، وبالتالي التضحية به والانسحاب منه، وإدارة الظهر لأخطر ملف فيه وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وعدم الحذر والاحتياط اللازم من "خريطة الألغام" التي زرعها سلفه ترامب داخل الأراضي الفلسطينية.

كما أسلفت؛ بدت إدارة بايدن كمن يودع الشرق الأوسط ومشاكله إلى الأبد. ولا أستبعد أنّ الرجل خُدع بحالة السكون السياسي والشعبي في الأراضي الفلسطينية والدول العربية خلال إدارة ترامب.

اقرأ أيضاً: التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين: ممكن أم خرافة؟

‏ فالتوقيع على "اتفاقيات إبراهيم" مع الإمارات واتفاقيات سلام مع البحرين والمغرب والسودان، ‏أضفت طابعاً رسمياً على السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية. والتحولات الكبرى التي كان من المفترض أن تثير اهتمام العالم العربي والإسلامي في يوم من الأيام، مثل نقل الولايات المتحدة لسفارتها إلى القدس، لم تولد سوى قدر ضئيل من الغضب في القدس وغزة وبقية العواصم العربية والإسلامية!

وهذا يطرح سؤالاً مركزياً: لماذا تحركت حماس والجهاد الإسلامي هذه المرة (في إدارة بايدن)  ولم تتحرك ضد نقل السفارة (في إدارة ترامب)؟ الإجابة عن هذا السؤال بحاجة الى مقال آخر.

المهم، إنّ "حملة حارس الأسوار" أجبرت إدارة بايدن الديمقراطية، رغماً عنها، لتغيير سلوكها السياسي كلياً في وقت قياسي، ولاستدارة  حادة باتجاه الصراع العربي –الإسرائيلي جوهر صراع في الشرق الأوسط بعد أن غاب عن سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية التي وردت في خطاب وزير الخارجية أنتوني بلينكن ‏‏3 آذار (مارس) 2021‏ المهم والخطير، الذي جاء بعنوان "سياسة خارجية للشعب الأمريكي"، وتكوّن من ثماني قضايا تمثل أولويات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، كان أولها احتواء فيروس كورونا، وتعزيز الأمن الصحي العالمي، وآخرها إدارة أكبر اختبار جيوسياسي في القرن الـ21: العلاقة مع الصين، وقد تناولناه بالتحليل في حينه.

اقرأ أيضاً: باحث فلسطيني يناقش مستقبل القضية بعد حرب غزة الرابعة.. ماذا قال؟

كما سبق لبايدن أن أشار إلى أنّه يريد جعل الشرق الأوسط أقل أولوية بالنسبة لواشنطن، يبدو أنّ لديه سبباً وجيهاً للتراجع؛ فأمريكا لديها آلاف الجنود المنتشرين في بعض الدول العربية، لكن تدخلاتها أسفرت عن نتائج كئيبة، والعديد من الأمريكيين يجادلون بأنّ بلادهم يجب أن تركز بدلاً من ذلك على مواجهة النفوذ العالمي المتزايد للصين.

يبدو أنّ لدى بايدن سبباً وجيهاً للتراجع عن إشاراته بجعل الشرق الأوسط أقل أولوية بالنسبة لواشنطن

 اضطر بايدن للاتصال خمس مرات مع نتنياهو، وهو رقم قياسي بعدد الاتصالات ربما بشكل غير مسبوق من الرؤساء الأمريكيين في مثل هذه الحالات، خاصة في ظل حالة عدم الود بين الطرفين. كما اضطر للاتصال مع الرئيس المصري السيسي لشكره على جهوده في إنجاز الهدنة بين حماس وإسرائيل. بينما قام وزير الخارجية بلينكن بالاتصال مع كل المعنيين بالحرب وسيزور المنطقة خلال هذا الأسبوع.

من المؤكد أن إطلاق 4 آلاف صاروخ من غزة في غضون أحد عشر يوماً، مقارنة بإطلاق 4500 صاروخ من القطاع  خلال 50 يوماً في حرب 2014، والدمار الهائل في الأرواح والممتلكات في غزة وإسرائيل، والتغطية الاعلامية الهائلة للمواجهات التي غلب عليها لأول مرة التعاطف الواضح مع الفلسطينيين في معظم عواصم العالم. كلها أجبرت إدارة بايدن على تغيير سلوكها السياسي، والكشف المبكر على أنّ هناك خللاً في التخطيط الاستراتيجي وكيفية مقاربة السياسية الخارجية.

فهل أخطأت سياسة بايدن الخارجية؟ وهل سيقوم بتغييرات في طاقمه خاصة مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية، قد يبدو الوقت مبكراً على ذلك، الأيام القادمة ستكشف لنا الكثير عندما يبدأ المنظرون والمحللون في واشنطن، خاصة من خصوم الديمقراطيين، بتقييم السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وجلد المخطئين بلا رحمة.  



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية