هل تعيق الخلافات الحزبية المرحلة الانتقالية في السودان؟

هل تعيق الخلافات الحزبية المرحلة الانتقالية في السودان؟


30/05/2021

يشهد تجمع إعلان قوى الحرية والتغيير "قحت"، المكوّن المدني في الحكومة السودانية، والموقع على الوثيقة الدستورية للمرحلة الانتقالية، صراعات سياسية بين مكوّناته الحزبية والسياسية نتج عنها انسحاب عدد من الأحزاب والشخصيات من المجلس المركزي، منها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وحزب الأمة، رغم مشاركة الأخير في الحكومة.

يتوقع وجود اتصالات سياسية واسعة داخل "قحت" وأطراف العملية السلمية في الكفاح المسلح وحزب الأمة وقوى ثورية من خارج قحت خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على التحالف

وتهدّد هذه الصراعات المرحلة الانتقالية في السودان، وتعيق الأداء الحكومي، إلى جانب تسميم المناخ السياسي في البلاد التي رزحت لمدة 30 عاماً تحت حكم نظام الإنقاذ، الذي جرّف الحياة السياسية ومؤسسات الدولة، وترك للنظام الجديد تركة ثقيلة، منها تفتت المكوّنات السياسيّة وتفككها، التي تشكّل الحاضنة السياسية للمرحلة الانتقالية، والتي دخلت في صراعات متعددة، كان آخرها الصراع بين مركزي قحت وحزب الأمة القومي، والذي يأتي في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية وأمنية وهيكلية تتطلب تكاتف وعمل دؤوب.

صراع الأمة وقحت

ويشهد السودان صراعاً سياسياً كبيراً بين حزب الأمة القومي، والمجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير "قحت"، ويطالب الحزب بإصلاح المجلس المركزي، وفي سبيل ذلك أطلق مبادرة باسم "اللجنة الفنية لمبادرة القوى السياسية" بعد اجتماعين حضرت قوى سياسية عدّة الأول منهما، بينما غابت عن الثاني رغم ادّعاء الحزب العكس.

اجتماع القوى السياسية بدار حزب الأمة

وبدأ حزب الأمة تحركات ضدّ مركزي "قحت"، في الثامن من شهر أيار (مايو) الجاري، بعقد مؤتمر صحفي لقيادته حول الوضع السياسي الراهن، وجاء في بيانه: "هناك قرارات مصيرية يتوقف عليها مستقبل البلد، مثل بقاء أو إلغاء الولايات في ظلّ الحكم الإقليمي، وأخذ رأي المواطنين في النظام الأمثل لحكم البلاد".

وتأتي جهود الحزب في ظلّ جدل سياسي كبير حول عدد من القضايا، من بينها؛ إكمال الهياكل السياسية للمرحلة الانتقالية من؛ المجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية، ومفوضيات العدالة الانتقالية والسلام وغيرهما، إلى جانب القضايا السياسية المستجدة، مثل التطبيع، والقضايا التي نجمت عن اتفاق جوبا للسلام، والمفاوضات مع الحركة الشعبية شمال - جناح عبد العزيز الحلو، مثل توسيع هياكل المرحلة الانتقالية من المجلس السيادي، ومجلس شركاء الحكم، والمجلس التشريعي، وتعيين الولاة، وبحث النظام الإقليمي، وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: قرار تمديد العقوبات على جنوب السودان... من يستهدف؟ وماذا جاء فيه؟

إلى جانب الخلافات بين المكوّن المدني من خارج مركزي قحت والمكوّن العسكري حول أداء العسكريين في مجلس السيادة، والانفراد بالقرارات المصيرية، وغيرها من القضايا.

وخلال مؤتمر حزب الأمة، قدم الحزب عشرة مطالب تعالج معظم القضايا السابقة، إلى جانب إصلاح الأحوال المعيشية التي زادت تردياً عقب ثورة ديسمبر، وهو المطلب الذي حضر في الاجتماع الأخير لنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، مع وفد قوى الحرية والتغيير، بمن فيهم حزب الأمة.

ونشط حزب الأمة في عقد لقاءات على مستوى الحزب للخروج بمبادرة لإصلاح مركزي قحت، ثم عقد مؤتمر حضره 26 حزباً وتكتلاً سياسياً، في 14 من الشهر الجاري، وجاء في بيان الحزب عن الاجتماع: "أمن المجتمعون على المبادرة التي قدمها حزب الأمة القومي وقدموا مقترحات بناءة لإصلاح الحاضنة السياسية، وأكد المجتمعون على ضرورة تطوير إعلان الحرية والتغيير وتوسيع قاعدة المشاركة فيها  وإعادة هيكلتها والعمل على وَحدة جميع قوى الثورة الحية، إلى جانب السعي الجاد لتكملة هياكل السلطة الانتقالية، وتقوية المكوّن المدني بمجلس السيادة واستعادة التوازن داخله".

اجتماع لمبادرة اللجنة الفنية بدار حزب الأمة

وحتى ذلك الوقت، لم يدخل مجلس مركزي قحت في صدام مع حزب الأمة، بسبب اتفاق المجلس على ضرورة إصلاح قحت، وحدث الخلاف بعد اجتماع عقده حزب الأمة، في 21 من الشهر الجاري، وخرج ببيان ألحقه باجتماع القوى السياسية، وأعلن فيه قرارات باسم القوى السياسية، منها؛ مطالبة أجهزة الدولة بعدم اعتماد أية قرارات تصدر عن مركزي "قحت" إلى حين عقد المؤتمر التأسيسي، واختيار مجلس جديد يمثل الحرية والتغيير، واعتبار اجتماع القوى السياسية يمثل جمعية عمومية لـ "قحت"، باعتباره يضمّ غالبية المكونات.

اقرأ أيضاً: الجيش السوداني يكشف حقيقة الاشتباكات على الحدود مع إثيوبيا

كما قرّر الحزب في بيانه باسم القوى السياسية، عقد اجتماع المؤتمر التأسيسي خلال أربعة عشر يوماً لهيكلة الحرية والتغيير، وحمّل مسؤولية حالة التردي والعزلة بين الحاضنة السياسية والشارع للمجلس المركزي الحالي، كما أقرّ تحويل اللجنة الفنية للمبادرة إلى لجنة تحضيرية وتوسيعها لتشمل كافة القوى السياسية.

ورغم إصدار حزب الأمة للقرارات باسم الجمعية العمومية لقحت، إلا أنّ ردود فعل القوى السياسية كشفت خلاف ذلك، إذ تبرأ الحزب الجمهوري وتجمّع المهنيين من مبادرة حزب الأمة، ولم تصدر بيانات تأييد لهكذا قرارات خطيرة من أيّ من القوى السياسية، إلى جانب الشكوك حول صحة التوقيعات على "محضر توقيعات حضور اجتماع تشكيل اللجنة"، بسبب تصريحات لأسماء من الموقّعين تعارض مبادرة الحزب.

إصلاح أم محاصصة؟

وعقب المؤتمر السابق، أصدر المجلس المركزي لقحت بياناً ردّ فيه على دعوة حزب الأمة، مؤكداً أنّ المجلس انعقد بكافة مكوناته، وشدد على أنّ "ما تمّ في دار حزب الأمة القومي لا يمثل الحرية والتغيير، كما نؤكد بأن المجلس المركزي لم يقم بتشكيل لجنة تحت هذا الاسم"، في إشارة إلى اللجنة الفنية التي أعلن عنها الحزب.

وأضاف البيان "لقد ظلّ وفد حزب الأمة يتردّد ويعطل مسار إصلاح الحرية والتغيير، بتمسّكه بتمثيل أعلى على حساب المكونات الأخرى، وفي ذلك قد طلب فعلياً (٧) مقاعد في المجلس المركزي وتمت الموافقة عليها بداعي الحرص على وحدة قوى الحرية والتغيير، ثم عاد وفدهم مرة أخرى وطالب بعشرة مقاعد، كما طلبوا (٦٥) مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي المخصصة للحرية والتغيير، علماً بأنّ المقاعد المخصصة لكلّ المكونات الحرية والتغيير مجتمعة (١٦٥) مقعداً، بما فيها كلّ ولايات السودان، وهذا من الأسباب الرئيسية وراء تعطيل تشكيل المجلس التشريعي، وذات الموقف كان عند إعادة تشكيل مجلس الوزراء؛ حيث قاموا بطلب (٦) وزارات، ما تسبّب أيضاً في تأخر تشكيله".

تطالب حركات سياسية بإسقاط الحكومة

وشدّد البيان على أنّ إكمال هياكل المرحلة الانتقالية مسألة يجري العمل عليها، وأنّ الإصلاح هدف أساسي لقحت، مشيراً إلى أنّ الأيام المقبلة ستشهد "استكمال عملية التشاور الجارية مع أطراف العملية السلمية لتوحيد الحاضن السياسي لدعم الحكومة الانتقالية".

ويطرح بيان المجلس المركزي لقحت جانباً آخر لدعوة حزب الأمة للإصلاح، ويحمل اتّهاماً صريحاً للحزب بعرقلة المرحلة الانتقالية، واستغلال دعوة الإصلاح من أجل تحصيل مكاسب حزبية أكبر داخل المجلس المركزي، الذي سبق وانسحب منه، ورغم ذلك اشترك في الحكومة.

نائب رئيس تحرير صحيفة "الجماهير"، عباس محمد، لـ "حفريات": التخريب لم يستثنِ القوى السياسية نفسها، فقد كانت خلال ثلاثة عقود هدفاً للتدمير والإضعاف والاختراق

ولم تكن مبادرة حزب الأمة هي الوحيدة من نوعها، إذ سبقتها مبادرات متعددة، تكشف تفتت القوى السياسية السودانية، وعدم وجود اتصالات بنّاءة بينها، إذ تطرح كلّ كتلة وحزب مبادرة، حتى وإنّ كان المتحدث لا يحظى بشعبية في الشارع.

ويشهد السودان موقفين من المرحلة الانتقالية؛ الأول الخط الإصلاحي من داخل قحت، والثاني خط ثوري يعبّر عنه الحزب الشيوعي وحزب البعث، وغيرها من الكيانات غير الحزبية، ويريد إسقاط الحكومة، ويصعّد ضدّ العسكريين.

أمراض سياسية

ويرى عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين، أنّ الدعوة لإصلاح "قحت" لا يتفرد بها حزب الأمة، وأنّ هناك دعوات مبكرة وسابقة داخل "قحت" ومجلسه المركزي، تطالب بقيام مؤتمر تنظيمي يعالج مسألة الهيكل داخل التحالف، إلى جانب إنشاء لائحة تحكم وتنظم أعمال التحالف وتكون مرجعيته.

عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين

وأضاف صلاح الدين، في حديثه لـ "حفريات"، بأنّ إشكالية حزب الأمة أنّه اختار طرح مبادرته من خارج أروقة "قحت" من ناحية، ومن أخرى فهناك مبالغة كبيرة في طلباته، وأكدّ على تقدير قحت لحزب الأمة، ووزنه الجماهيري في البلاد لكن "لا مبرّر للشطط في مطالبه، خصوصاً أنّ تسيير الشأن السياسي في البلاد لا يقوم على الغلبة الجماهيرية التي يحددها صندوق الانتخابات، بل على التوافق بين القوى السياسية".

وتوقع صلاح الدين وجود اتصالات سياسية واسعة داخل "قحت" وأطراف العملية السلمية في الكفاح المسلح وحزب الأمة وقوى ثورية من خارج قحت خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على التحالف، الذي يجب الحفاظ عليه حتى نهاية الفترة الانتقالية، كونه جزءاً من الوثيقة الدستورية التي تدار البلاد عبرها.

اقرأ أيضاً: جنود إثيوبيون يطلبون اللجوء السياسي في السودان... ما القصة؟

وشدّد عضو مركزي حزب المؤتمر على أنّ هناك هدفَين يجب على السودانيين الالتزام بهما؛ الأول استكمال بناء مؤسسات الحكم المدني وتجهيز البلاد لما بعد الفترة الانتقالية، خصوصاً الانتخابات، والثاني دعم كلّ عمليات التحوّل الديمقراطي في البلاد.

وفي السياق ذاته، يعود نائب رئيس تحرير صحيفة الجماهير، عباس محمد بالأزمة إلى سياق أوسع، ويرى أنّ الأزمة الحقيقية داخل المنظومات السياسية نفسها، فعقب ثورة ديسمبر ورثت البلاد جهاز دولة منهار، وأجهزة أمنية وعسكرية وقطاعات طبية وغيرها مخربة.

ونوّه محمد، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ هذا التخريب لم يستثنِ القوى السياسية نفسها، فقد كانت خلال ثلاثة عقود هدفاً للتدمير والإضعاف والاختراق من النظام البائد، ولذلك يجب النظر إلى "كلّ هذه العوامل بعين الاعتبار، ولا بدّ من إعادة إصلاح القوى السياسية من الداخل، في الوقت ذاته الذي نعمل فيه كسودانيين على إصلاح مؤسسات دولتنا".

نائب رئيس تحرير صحيفة الجماهير السودانية، عباس محمد

ولفت نائب رئيس تحرير صحيفة "الجماهير" إلى مشكلة الصراعات داخل القوى السياسية، والتي لم يسلم حزب الأمة ذاته منها، والتي أثرت سلباً على التحالف الحاكم.

وكانت الخلافات الحزبية الداخلية قد دفعت الحزب الجمهوري إلى التبرؤ، في بيان رسمي، من ممثليه داخل مركزي "قحت"، فضلاً عن تبديل الكثير من أعضاء المجلس المركزي لـ "قحت" لتبعيتهم الحزبية.

وتتشكل قوى الحرية والتغيير من خمس كتل تشكل التحالف السياسي الذي قاد الحراك السلمي، وهي: قوى الإجماع الوطني، وقوى نداء السودان، والتجمع الاتحادي، وتجمع القوى المدنية، وتجمّع المهنيين السودانيين، وهي شريكة للمكوّن العسكري في السلطة الانتقالية، لكن بعد اتفاق جوبا للسلام حدث تحوّل على بنية السلطة الانتقالية، عزز من وجود العسكريين، سواء الرسميين، أو من قوى الحراك المسلّح على حساب القوى المدنية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية