هل تشكل "مواقف" منصور عباس نموذجاً لتحولات الإسلام السياسي؟

هل تشكل "مواقف" منصور عباس نموذجاً لتحولات الإسلام السياسي؟


02/01/2022

إنّ توجيه اتهامات لزعيم "القائمة العربية الموحدة" منصور عباس بـ"الخيانة"، وأنّه "متصهين"، وهو الذي يتولى قيادة "الحركة الإسلامية"، وتمكّن من الوصول إلى الكنيست "البرلمان الإسرائيلي" بـ4 مقاعد في الانتخابات الأخيرة كانت حاسمة في نجاح تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يقودها "بينت" حالياً، توجيه كلّ تلك الاتهامات لا تحجب حقيقة أنّ هناك تحولات عميقة داخل "الإسلام السياسي" بنسخته القائمة في إسرائيل، تدل مخرجاتها على أنّ هناك "كسراً" للمحرّمات، تذهب بعيداً بترجمة مقاربات براغماتية عنوانها "الاندماج" بالمجتمع الإسرائيلي، وفقاً لمفاهيم "تعددية تعترف بيهودية دولة إسرائيل".

اقرأ أيضاً: منصور عباس الإخواني الأكثر وضوحاً

مواقف الحركة الإسلامية جاءت بعد تراكمات في الخلافات داخلها، أسفرت عن انقسامها إلى حركتين؛ "شمالية وأخرى جنوبية"، وهي في الوقت عينه غير بعيدة عن الخلافات والتحوّلات التي يشهدها الإسلام السياسي عموماً في الإقليم، بيد أنّها تعكس داخلياً عناوين لكيفية تفاعل المجتمع العربي والإسلامي مع المجتمع اليهودي ومقولات ثنائية الدولة والديمقراطية والحقوق والمساواة، لا سيّما بعد تفشي مظاهر عنصرية في المجتمع اليهودي، قدّمت لها مؤسسات الدولة غطاءات، وعزّزتها إيديولوجيات يمينية متطرفة، تتبنّاها أحزاب دينية، تحالف معها "الليكود" خلال (10) أعوام من قيادة "نتنياهو" للحكومة.

ما أقدم عليه منصور عباس ربما يعكس براغماتية تيارات الإسلام السياسي والموقف من عنوان كالتطبيع والاعتراف بإسرائيل

مرجعيات الدهشة من مواقف عباس، بعنوانه ومرجعياته "الإسلاموية"، ليست مرتبطة بالقبول بمفاهيم التعايش والمواطنة، بل باتخاذه مواقف تؤيد مقاربات يمينية، ما زالت موضع حوارات حتى داخل المجتمع الإسرائيلي، من بينها قوانين تتعلق بقومية الدولة والتأكيد على "يهوديتها"، والموقف من اللغة العربية داخل الدولة، والسماح للشرطة بطلب المساعدة من الجيش لضبط الأمن في السجون وغيرها، واستخدام عباس لمفاهيم ومصطلحات إسرائيلية تجاه المقاومة الفلسطينية "مخرّبين وإرهابيين"، في ظلّ مقاربات جديدة يتبنّاها عباس مضمونها الاعتراف بالواقع، وضرورة تحقيق هدف "تحسين الخدمات" للمجتمع الذي أوصله إلى الكنيست.

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": 2021 كان الأصعب على الفلسطينيين.. والمقبل ينذر بالانفجار

ومع ذلك، فإنّ وقفة محدودة عند تاريخ الحركة الإسلامية في إسرائيل، بما فيها سياقات تأسيس هذه الحركة، تفضي إلى جملة من الحقائق تسهم في تفسير مواقف عباس وكتلته، فقد تأسست هذه الحركة في أوائل السبعينيات، وبنت صلات بمستويات مختلفة مع جماعة الإخوان المسلمين، ووقع انشقاق داخل الحركة في أواسط التسعينيات "بعد توقيع اتفاقية أوسلو"، وتشكّل جناحان؛ الأوّل: الجناح الجنوبي، وهو الذي يقوده عباس حالياً، والثاني: الشمالي الذي يقوده رائد صلاح، وقد جاء هذا الانشقاق بعد مواقف الجناح الجنوبي التي تخالف مقاربات الجناح الشمالي حول الموقف من المشاركة بالانتخابات واتفاقات أوسلو، وهي عناوين أيدها الجناح الجنوبي، ودعمتها الحكومات الإسرائيلية بقانون حظر الحركة الإسلامية "الجناح الشمالي".

اقرأ أيضاً: الاحتلال يجفّف ينابيع الأغوار لتعطيش الفلسطينيين وتدمير زراعتهم

ورغم أنّ مواقف عباس الجديدة تذهب باتجاهات "كسر المحرّمات"، إلّا أنّها تعكس فيما تعكس جملة حقائق؛ من بينها: أنّه لا يمكن التعامل مع عباس بوصفه فرداً اتخذ مواقف صادمة تجاه قضايا يُفترض أنّها مسلّمات، فعباس يقود تياراً واسعاً من الناخبين الذين منحوه أصواتهم، ويعرفون جيداً برنامج حركته، بما فيه "مفاهيم الاندماج"، وتحسين الخدمات، وصولاً إلى "يهودية الدولة".

مرجعيات الدهشة من مواقف عباس ليست مرتبطة بالقبول بمفاهيم التعايش والمواطنة، بل باتخاذه مواقف تؤيد مقاربات يمينية، ما زالت موضع حوارات حتى داخل المجتمع الإسرائيلي

وبالتزامن، فإنّ توسيع أفق النظر للإسلام السياسي يشير إلى أنّ ما أقدم عليه عباس ربما يعكس براغماتية تيارات الإسلام السياسي، والموقف من عنوان كالتطبيع والاعتراف بإسرائيل، فعلى الصعيد الأقرب لعلّ السؤال المطروح هو فيما إذا كانت حماس تعترف بإسرائيل، وكيف أنّ وثيقة المبادئ والسياسات الصادرة عن حماس عام 2017 قد أجابت عن ذلك، بأنّ هدفها النهائي "إقامة دولة فلسطينية على حدود (4) حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس"، وشارك إخوان العراق بالحكومة العراقية ومجلس الحكم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بتعليمات من قيادة التنظيم الدولي، وقد أبرزت وثائق إخوانية مسرّبة لإخوان مصر وليبيا وتونس، إضافة إلى المغرب، مواقف جديدة واتصالات مع إسرائيل وتعهدات بإقامة علاقات طبيعية معها في حال المساعدة بالوصول إلى السلطة، "ورد هذا التعهد من قبل إخوان ليبيا"، ناهيك عن طبيعة العلاقة بين تركيا "الحاضنة الرئيسية للإخوان والإسلام السياسي" وإسرائيل.

اقرأ أيضاً: الجيش والمستوطنون و"الإرهاب اليهودي": تحالف حديدي ضد الفلسطينيين

ملحظ آخر يفتح مسارات تحليل مواقف منصور عباس، وهو أنّها قوبلت بردود فعل معارضة وناقدة واتّهامية في الخارج، بالتزامن مع ردود فعل داخلية مؤيدة له ولكتلته من الوسط العربي والإسلامي داخل إسرائيل، وهو ما يعكس فجوة قائمة بين الرأي العربي والإسلامي في الخارج وفي داخل المناطق الفلسطينية، ليس فقط في مناطق 48، وإنّما أيضاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما تشير إليه نتائج الاستطلاعات المستقلة في كلّ فلسطين التاريخية المعلنة وغير المعلنة، فهل نحكم على تصريحات ومواقف عباس آخذين بمرجعية "أهل مكة أدرى بشعابها"؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية