هل تستغل حركة النهضة الإخوانية "قضية المطار" للتغطية على ملف "الجهاز السري"؟

هل تستغل حركة النهضة الإخوانية "قضية المطار" للتغطية على ملف "الجهاز السري"؟


29/05/2022

بينما تتداعى الأحداث السياسيّة في تونس؛ توطئة لـ "الجمهورية الجديدة" عبر قرارات الرئيس قيس سعيّد بتنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد، خلال الـ25 من شهر تمّوز (يوليو) المقبل، وعقد جلسات الحوار الوطني، نشرت وسائل إعلام تونسية خبر منع السفر الخاص بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعدد آخر من المتهمين؛ فيما يعرف بـ "قضية الجهاز السري".

وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم محكمة ولاية أريانة، فاطمة بوقطاية، لوكالة "فرانس برس" إنّ قاضي التحقيق أصدر "قراراً يقضي بتحجير السفر، على جميع المتهمين المشمولين بالتتبع، في قضية الجهاز السري". وأضافت: "يتهم في القضية 34 شخصاً، من بينهم راشد الغنوشي".

وتعود قضية الجهاز السري لحركة النهضة، إلى العام 2011، حيث اتهمت أحزاب المعارضة اليسارية التونسية، حركة النهضة بإدارة جهاز سري؛ بهدف اختراق أجهزة الدولة، وتنفيذ اغتيالات سياسيّة، وقعت خلال السنوات التالية، مثل؛ قضيتي اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي.

مناورات النهضة للإفلات من العقاب

من جانبها، أصدرت حركة النهضة الإخوانية بياناً، على خلفية تداول خبر تحجير السفر بحق راشد الغنوشي، أكدت فيه أنّ رئيس البرلمان، لم يتلق أيّ إعلام بصدور مثل هذا القرار في حقه، وإن كان لا ينوي السفر للخارج، رغم ما تلقاه من دعوات كثيرة للمشاركة في أكثر من تظاهرة دولية، بصفته رئيساً للبرلمان الشرعي، بحسب مزاعم الحركة.

وتذهب فاطمة المسدي، عضو مجلس النواب السابق، إلى التأكيد على ضرورة أن يقوم الرئيس التونسي قيس سعيّد، بتفعيل مبدأ محاسبة الإخوان؛ جراء ما اقترفوه من آثام بحق البلاد، لافتة في تصريحاتها التي خصّت بها "حفريات"، إلى أنّ حركة النهضة هي السبب الرئيسي في أزمات تونس؛ حيث تمثل هذه الحركة سياسياً التيار الرجعي والانتهازي، منذ أن تقلّدت الحكم في العام 2011.

منع سفر لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعدد آخر من المتهمين في قضية الجهاز السري

وترى المسدي أنّ حركة النهضة، وظّفت عناصرها الإخوانية في مفاصل الدولة التونسية، وقامت في العشرية الماضية بإدارة ملف التعيين، من خلال ولاءات أعضائها، ووضعهم في المناصب الحساسة، والتي جعلتها تعقد الصفقات المشبوهة، وتختلس الأموال والهبات من الدولة.

وتتابع المسدي حديثها: إنّ حركة النهضة عملت على تقسيم التونسيين، وتعميم الفوضى بهذا النظام الأعرج التي اختارته في كتابة دستور 2014، وبالتحكم في التوافقات السياسية والاقتصادية، فجعلت من تونس غنيمة لها.

 

فاطمة المسدي: حركة النهضة عملت على تقسيم التونسيين وتعميم الفوضى بهذا النظام الأعرج التي اختارته في كتابة دستور 2014، وبالتحكم في التوافقات السياسية والاقتصادية

 

كل ذلك دفع الرئيس سعيّد، إلى الانتباه إلى وضع القضاء في البلاد، ومدى تغلغل العناصر الإخوانية في درجاته المتباينة، ولذلك تثمن المسدي أيّ خطوة تتحرك من خلالها درجات التقاضي، نحو الحقيقة والدفاع عن حقوق التونسيين، والوصول إلى حقوق الشهداء.

أحكام بالسجن قضية المطار

قضت محكمة عسكرية في تونس، بسجن 4 نواب في البرلمان المنحل عن "ائتلاف الكرامة"؛  بتهمة إثارة الفوضى، والتهجم على عناصر من الأمن، في حادثة شهدها مطار قرطاج الدولي، في شهر آذار (مارس) من العام 2021.

عضو هيئة الدفاع والنائب في البرلمان المنحل، سمير ديلو، أكد صدور أحكام بسجن النواب: سيف الدين مخلوف 5 أشهر، ونضال سعودي 5 أشهر، ومحمد العفاس 3 أشهر، وماهر زيد 3 أشهر، والمحامي مهدي زقروبة 6 أشهر، كما صدر حكم إضافي ضد نضال سعودي، بالسجن شهرين؛ بسبب التهديد باستخدام العنف تجاه موظف عمومي، و3 أشهر ضد زقروبة؛ بسبب الاعتداء بالعنف على موظف حكومي.

ويلاحق النواب الـ4 من قبل القضاء العسكري؛ بسبب واقعة تعود بالتحديد، إلى منتصف آذار (مارس) من العام الماضي، عندما سعى بعض من النواب، أثناء تواجدهم في مطار قرطاج الدولي، إلى التدخل باستخدام القوة، لصالح مواطنة ملاحقة في قضية إرهابية؛ بعد منعها من قبل الأمن من السفر إلى تركيا، ليشهد المطار حالة من الفوضى؛ بسبب احتدام النزاع بين النواب، وممثلين عن نقابات أمنية.

عضو هيئة الدفاع والنائب في البرلمان المنحل، سمير ديلو

إلى ذلك، يرى الأكاديمي التونسي، مراد الحاج، أنّ حادثة المطار؛ تمثل وجهاً من وجوه تغوّل الأحزاب السياسية، ما قبل 25 تمّوز (يوليو) 2021، حين كان ائتلاف الكرامة يستعرض قدرته على حماية أنصاره من أيّ إجراءات قانونية قد تطالهم؛ مستفيداً من الحصانة البرلمانية، التي يتمتع بها نوابه.

إضافة إلى ذلك، فإنّ زعيم الائتلاف، سيف الدين مخلوف، باعتباره محامياً، سبق له أن تحدى القضاء والشرطة أكثر من مرة؛ مستغلاً التعاطف الشعبي مع أيّ اعتراض على تصرفات الشرطة. غير أنّ هذه الأحكام القضائية في رأي مراد الحاج، لن تؤثر على ائتلاف الكرامة وسط حاضنته الشعبية، التي سترى فيما حصل دليلاً نضالياً، وهو ما يعني أنّ قيادة الائتلاف ستوظف ما حصل لصالحها؛ لأنّ الفئات التي تناصرها لا ترى في الحكم القضائي إلا دليل دفاع عن الحق، بيد أنّ السيناريو الآخر ينبغي أن يأتي في إطار محاسبة قانونية ومنهجية، تشمل جميع الفئات التي خاصمت حقوق التونسيين، خلال العشرية الماضية عبر إجراءات قضائية سليمة ومعتبرة.

مراد الحاج: القضاء التونسي مثّل عقبة أمام التحول الديمقراطي في المرحلة السابقة، وينبغي أن يكون في هذه اللحظة أداة للعودة إلى مسار يحفظ الحقوق والحريات ولا يسمح بتغول أيّ جهة

ويتابع مراد الحاج حديثه لـ"حفريات": إنّ موقف راشد الغنوشي من الأحكام الصادرة في قضية المطار، لا يمكن له إلّا أن يكون استثماراً لمحاولة ضرب مسار 25 تمّوز (يوليو) الماضي. ويبدو أنّ التمشي القضائي الذي اتخذته السلطة في تونس، بإحالة القضية إلى القضاء العسكري، وفّر للغنوشي فرصة، للتلميح إلى أنّ الأحكام تدخل في إطار تصفية الخصوم، مستغلاً نقطة أنّ المدنيين ينبغي أن يحاكموا أمام القضاء المدني. غير أنّ الغنوشي، وهو يعتبر ما حصل تكميماً للأفواه، يحاول أن يوهم الجميع بأنّ القضية تتعلق بالرأي، في حين أنّها لا تتعلق بالحريات، ولا بالتعبير عن الرأي، وإنّما هي قضية تتعلق بالاعتداء على موظفين، أثناء قيامهم بعملهم، وتعطيل سير القانون. وهذا ما يؤشر إلى أنّ الغنوشي، لا يعدو أن يكون منخرطاً في استغلال أيّ فرصة؛ من أجل إبراز الرئاسة التونسية، وكأنها تحول البلاد إلى ديكتاتورية مطلقة، وتحاكم أصحاب الراي أمام المحاكم العسكرية.

إنّ القضاء التونسي يمثل، وفق مراد الحاج، أحد المآزق التي يمكن أن تربك المسار، لعدة أسباب منها؛ أنّ إحالة القضية إلى القضاء العسكري، يجعل الكثير من الحقوقيين، إلى جانب الرأي العام الدولي، يشعرون بنوع من القلق؛ بسبب محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية. ولعلّ المأزق يتجلّى أكثر في أنّ القضية قد اختلفت فيها الأحكام عند طرحها على القضاء المدني، مقارنة بما حدث أمام القضاء العسكري؛ وهو ما يسهّل على الخصوم، اتهام الرئاسة بتوظيف القضاء لصالحها.

القضاء التونسي لن يكون له دور فعال في إيصال البلاد إلى بر الأمان، ما لم يملك شيئاً من الاستقلالية

ويؤكد الأكاديمي مراد الحاج أنّ القضاء التونسي لن يكون له دور فعال في إيصال البلاد إلى بر الأمان، ما لم يملك شيئاً من الاستقلالية؛ وتضحى بوصلته تطبيق القانون دون غيره. فالرئيس التونسي، الذي لطالما اشتكى من بطء القضاء وتواطئه مع الفاسدين، ينبغي أن يظهر بمظهر من يروم إصلاح القضاء، دون أن يوظّفه لصالحه، وهي مهمة صعبة.

من هنا يمكن القول، إنّ القضاء التونسي مثّل عقبة أمام التحول الديمقراطي في المرحلة السابقة، وينبغي أن يكون في هذه اللحظة أداة؛ للعودة إلى مسار يحفظ الحقوق والحريات، ولا يسمح بتغوّل أيّ جهة أو أيّ جهاز من أجهزة الدولة، وهي مهمة ثقيلة؛ تتطلب نزاهة وكفاءة عاليتين، في غياب هيكل تنظيمي مستقل للقضاء، بعد حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما جعل كل السلطات بيد الرئيس، ولا ضمانة سوى أن يصدق في وعوده، وهو ما يصعب المسار أكثر.

وعليه، فإنّ حركة النهضة، ربما تصعّد من حملتها الدعائية، فيما يتعلق بقضية المطار، بداعي انتهاك الحريات، من أجل التغطية على فتح ملف الجهاز السري، ومنع الغنوشي ورفاقه من السفر، تمهيداً لمحاكمتهم.

مواضيع ذات صلة:

تعديل الدستور التونسي.. لماذا ترفضه حركة النهضة الإخوانية

عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟

إخوان تونس وصناعة الاستقطاب السياسي.. هل تنجح آخر أدوات التنظيم؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية