هل تخوض إسرائيل مواجهة قريبة مع حزب الله؟

هل تخوض إسرائيل مواجهة قريبة مع حزب الله؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/07/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

يتابع الجيش الإسرائيلي الأزمة المتعمّقة في لبنان بقلق، ويرسم سلسلة من سيناريوهات الخروج منها، وكلّها مقلقة.
 والخوف يأتي من تحوّل مناطق حكم ذاتي تحت سيطرة حزب الله إلى سيطرة علنية مطلقة على كل مؤسسات الحكم بإسناد إيراني، غير أنّ الاقتصاد الإيراني المتعثر لا قدرة له على أن يرفع لبنان المتحطم ويوقفه على قدميه، في أقصى الأحوال يمكن تقديم دعم على شكل مساعدة موضعية بالمال أو بالنفط.

 وإلى جانب ذلك تبدي الأسرة الدولية في هذه المرحلة عدم اكتراث لانهيار لبنان، ويمكن لإيران أن تستغل الوضع لصالحها، بينما تعمل إسرائيل بدورها في القنوات السياسية لإقناع الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب، للعمل والمساعدة على استقرار الوضع الاقتصادي في لبنان، وذلك في ضوء التداعيات بعيدة المدى التي قد تؤثر على استقرار المنطقة، بانهيار الدولة والارتفاع المرتقب في قوة المحور الشيعي بين إيران وحزب الله.

 من ناحية إسرائيل؛ فإنّ من شأن ميول الفوضى السلطوية والوظيفية التي تلوح في لبنان، أن تؤثر سلباً على الاستقرار الأمني على طول الحدود حتى في الفترة القريبة، لكنّ ما يقلق إسرائيل أكثر التداعيات بعيدة المدى، كما أنّ جهاز الأمن في إسرائيل يعتقد أنّ من مصلحة حزب الله ألا يتفكّك الحكم في لبنان تماماً، والمريح له وجود وضع يتلقى فيه الأموال من الحكومة، ويسيطر تماماً على جنوب لبنان دون أن يتحمل مسؤوليات سلطوية أو الاهتمام برفاهية السكان، يقدم حزب الله الآن، وبمساعدة إيران، تمويلاً لشبكة محلات لبيع المنتجات الغذائية الأساسية للسكان الشيعة فقط، ومثلما لا توجد وجبات بالمجان لدى إيران، فحزب الله هو الآخر يدخل إلى الفراغ الهائل في أعقاب السقوط الاقتصادي غير المسبوق، ومعنيّ بجني المرابح السياسية من خلال مساعدة عموم الطوائف اللبنانية، ما من شأنه أن يعزز مكانته أكثر فأكثر، وهذه خطوة تقلق جهاز الأمن عندنا كما أنّ الوضع في أوساط الجيش أخطر بكثير، في ظلّ تصاعد قدرات حزب الله العسكرية.

الجيش اللبناني جائع

لقد أصبح الجيش اللبناني جيشاً جائعاً للقمة الخبز، واستمرار أدائه في هذه المرحلة يكاد يكون معجزة؛ فليس بين الجيشين، الإسرائيلي واللبناني، علاقات سلام، ولا يوجد في إسرائيل توقّع من الجيش اللبناني بأن يعمل ضدّ مصلحة حزب الله، الذي يتحكم في الأمور في جنوب الدولة والكل يسمع  كلمته، وما تزال هناك تنسيقات ضرورية على طول الحدود، وبالتالي فإنّ تفكّك الجيش اللبناني، بكلّ نقاط ضعفه، لا يبشّر بالخير لإسرائيل، في كلّ مكان ينشأ فيه فراغ يزداد وجود حزب الله ومقاتليه، وما يتعلّق بانتشار الجيش اللبناني في جنوب الدولة على طول الحدود مع إسرائيل.

قيادة المنطقة الشمالية للكتائب في الجيش الإسرائيلي، خلال العامين الماضيين، نفّذت فحص مستوى بغرض تدريبها بالشكل الأقرب إلى الحرب مع حزب الله

 خلال الأسابيع الماضية ومن الحدود الشمالية، كان يمكن أن نرى بالعين المجردة الظلام الذي يخيم على لبنان، فبعد غياب الشمس غرقت قرى الجنوب في ظلام، وفي ظلّ استحكامات حزب الله للدولة التي أملت ذات مرة بأن تكون سويسرا الشرق الأوسط، تبدو الآن أكثر تشبّهاً بغزة، وبغياب الوقود لتحريك وسائل المواصلات وانتشار الفوضى داخل لبنان، يميل الجيش الإسرائيلي إلى رؤية أزمة لبنان الاقتصادية على أنّها تهديد، والرأي السائد هو أنّ الأزمة كفيلة بأن تشكل فرصة لإيران للظهور كمخلص للبنان، أو لتشجيع حزب الله على السيطرة علناً على ما تبقى من الدولة اللبنانية، غير أنّ خطوات كهذه ستنهي أيّ احتمال لمساعدة دولية وتدفن لبنان عميقاً في الأرض.

 في المقابل، يوجد في إسرائيل من يرى في هذه الأزمة فرصة لدحر أقدام حزب الله من مكانته كمتوج الحكومات في لبنان بالتعاون مع ضغط دولي وداخلي، الحكومة اللبنانية التي أخذت القروض على مدى السنين بلا غطاء وأعادت جدولتها بلا انقطاع، كانت تعرف أنّه أحداً ما في النهاية سيمنحها حقنة مطيلة للحياة، لكن ومن أجل تشكيل هذه الحكومة يجب حلّ الخلافات العميقة بين سعد الحريري والرئيس ميشيل عون، وصهره جبران باسيل، عدوّ سعد الحريري.

عون أراد إضافة وزيرين مسيحيين

 لقد رفض عون تشكيل الحكومة التي عرضها الحريري، وطلب إضافة وزيرَين مسيحيَّين إليها، وهو طلب لم يوافق عليه الحريري، لكنّ هذا يبقى عائقاً هامشياً، في الوقت نفسه يقوم نصر الله، الذي يستغل الأزمة بشكل جيد، بطرح موقف معقّد؛ فهو يؤيد عون لكنّه لا يعارض تولي الحريري رئاسة الوزراء، حتى أنّه يؤيد تشكيل الحكومة التي عرضها، وإن كان قد امتنع عن اتخاذ موقف علني حول ذلك، فمن جهة يحذّر زعيم حزب الله من أن يظهر كمن يفشل تشكيل الحكومة ولا يساعد على حلّ الأزمة الاقتصادية، لكنّه، في الوقت نفسه، يضمن أنّ الحريري لن يضرّ بمكانة وقوة المنظمة إذا شكل الحكومة؛ لذلك غضب نصر الله من التقارير التي تفيد بأنّ عون وجبران باسيل ينويان زيارة بشار الأسد لطلب المساعدة منه في تشكيل حكومة كما يريدان، ولا يريد نصر الله أيّة وساطة لا تمرّ من خلاله، حتى إن كان الوسيط هو بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: لبنان يدفع ثمن قيام "عهد حزب الله"

يعرف زعيم حزب الله أنّ الغضب المتصاعد في الجمهور اللبناني كفيل بأن يتفجر ضدّه قريباً، أيضاً يعرف أنّه يشكّل العائق الأساس في وجه تلقي المساعدة والاستثمارات من الولايات المتحدة والسعودية، ويبدو أنّ الفرنسيين فقدوا الاهتمام بحلّ الأزمة في لبنان؛ فماكرون، الذي سارع لزيارة مرفأ بيروت بعد الانفجار، يبعث الآن بوزير خارجيته بدلاً منه، ولن يسارع إلى استثمار المال الفرنسي في دولة أجنبية بينما يدخل سنة الانتخابات، كما أنّ العالم العربي يئس من الاستثمار في الدولة الفاشلة، وكبادرة طيبة علنية اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي المساعدة على لبنان، لكنّ هذا كان مجرد اقتراح لفظي، ويفضّل الجيش الدخول إلى معركة جديدة إذا سقط لبنان وسيطر حزب الله على الحكم.

باتت غالبية مخازن حزب الله مكشوفة لإسرائيل، وهذا سيدفع الحزب للبحث في داخله عمّن سرّب المعلومات، وأن يخشى من أن تكون هناك أسرار أخرى

 خلال السنوات الماضية جمع الجيش الإسرائيلي معلومات عن آلاف المواقع لحزب الله، وقال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي؛ إنّ للقيادة اليوم عدداً هائلاً من الأهداف التي كانت لها في 2006، ومثلها أهداف كثيرة أخرى في عمق لبنان، سلاح الجو وحده جاهز لمهاجمة آلاف الأهداف يومياً، وهذا تلميح صغير لما يخطط له الجيش الإسرائيلي في المعركة التالية، ليست هذه المرة الأولى التي تكشف فيها إسرائيل معلومات استخبارية، في محاولة لممارسة الضغط، المباشر أو غير المباشر، على حزب الله، في المقابل تطلب إسرائيل من كلّ أصدقائها في الولايات المتحدة، وحتى في أوروبا والخليج، بألا ينقلوا إلى لبنان أيّ دولار طالما استمرّ حزب الله في إقامة مشاريع الصواريخ الدقيقة في قلب بيروت، إسرائيل تؤيد المساعدة الإنسانية للجيش اللبناني الجائع، لكنّها تسعى كي لا يزود بوسائل قتالية أخرى يمكن أن توجه ضدّنا.

حزب الله يهرب من الأزمة

 تبدو السياسية الإسرائيلية منطقية، لكنّها كفيلة بأن تكون لها نتيجة غير مرغوب فيها؛ ففي غياب مساعدة غربية تدخل روسيا والصين إلى الفراغ، وتعرض على لبنان استثمارات في إعادة بناء المرفأ وإقامة محطات توليد طاقة ومصافي نفط، وحزب الله هو الآخر يبدو كمن يهرب من هذه الأزمة؛ ففي خطاباته الأخيرة كرّس نصر الله كلّ كلامه بدروس المعركة الإعلامية حيال إسرائيل في أثناء حملة حارس الأسوار، لقد فقد نصر الله نزعة المغامرة التي كانت عنده ضدّ إسرائيل، كما كانت إبان الحرب الأخيرة على لبنان، حين أنزل سلاح الجو أطناناً من المواد المتفجرة على الضاحية الجنوبية، ولا يبدو أنه يشتاق لاستعادة التجربة، والوضع الداخلي في لبنان يفرض عليه المزيد من ضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل.

بالنسبة إلى إسرائيل؛ فقد باتت غالبية مخازن حزب الله مكشوفة لديها، وهذا سيدفع حزب الله للبحث في داخله عمّن سرّب المعلومات، وأن يخشى من أن تكون هناك أسرار أخرى له أهم من هذه المكشوفة لإسرائيل، كما أنّه يفترض بالتوازي أن يدفع سكان الضاحية اللبنانية لأن يخافوا، لكنّ القلق والخوف سيظهران جيداً وسيؤثران على حزب الله، النتيجة المحتمة ستكون دماراً جسيماً، في قرى جنوب لبنان، وفي كلّ موقع آخر يتواجد فيه حزب الله، في المقابل تحذر القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل من المخاطرة بالإسرائيليين، ومن أن تطول الحرب، إن وقعت، مع حزب الله، وبخلاف المعركة الأخيرة في غزة لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يعمل في لبنان من الجو فقط، منظومات الدفاع الجوية ليست قادرة على الحماية من وابل الصواريخ يومياً، فوقف النار وتشديد الضغط على حزب الله من خلال دحر السكان شمالاً، سيتطلب من الجيش الإسرائيلي أن يدخل إلى لبنان برّاً، ليستولي على الأرض نفسها، ويصعب على حزب الله إطلاق الصواريخ منها، هذه الخطة التي نفذت جزئياً عام 2006 ويجري التدرب عليها انطلاقاً من هدف تنفيذها في الحرب التالية في لبنان، لا يتوهّم أيّ أحد من الإسرائيليين بأن تكون الحرب لو اندلعت مع لبنان نزهة لطيفة، بل سيكون الثمن جسيماً على الجبهتين، الأمامية والخلفية، لكن مثلما أشار قائد المنطقة الشمالية بأنّ الحرب التالية ستكون مركبة بالنسبة إلينا، لكنها لا تطاق بالنسبة إليهم، وهذا التحذير يضاف إليه كشف مخزن السلاح، فيما يعدّ هذا التهديد مقدمة لممارسة الضغط اللبناني الداخلي الذي يلجم حزب الله، وللضغط من خارج لبنان على ما تبقى من حكومة لبنان، فتجربة الماضي تفيد بأنّ حزب الله سيحاول التشويش والبقاء على مخططاته التي ستؤدي بلبنان إلى الهلاك.

احتمالات الحرب ترتفع

تعتقد أوساط عسكرية إسرائيلية أنّ الوضع الصعب في لبنان لا يزيد، على المدى الزمني الفوري، احتمال الحرب مع حزب الله، ومع ذلك في نظرة بعيدة المدى؛ فإنّ التوتر الأمني واحتمالات الحرب مع حزب الله في السنوات القادمة سترتفع، وهي متعلقة بقدر غير قليل بأعمال إسرائيل نحو مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، يفترض الجيش الإسرائيلي أنّ الحرب التالية مع حزب الله ستجري على ساحة الشمال كلّها، بما في ذلك الحدود مع سوريا، مع احتمال كبير بأن تنضمّ حماس إليها، وعلى غرار حملة حارس الأسوار التي لم يدخل فيها الجيش الإسرائيلي إلى أراضي العدو، تعتقد قيادة الجيش أنّ الصورة في الشمال تختلف تماماً، ولأجل منع التسلل إلى أراضي إسرائيل لقوات من حزب الله وتقليص الضرر في الجبهة الداخلية، سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن ينفّذ حركة برية سريعة في الأراضي اللبنانية.

اقرأ أيضاً: البنتاغون: حزب الله نجح في إضعاف لبنان... تفاصيل

 كما أنّ قيادة المنطقة الشمالية للكتائب في الجيش الإسرائيلي، خلال العامين الماضيين، نفّذت فحص مستوى بغرض تدريبها بالشكل الأقرب إلى الحرب مع حزب الله، هذا الفحص هدفه تعزيز وتحسين جاهزية القوات البرية للمناورة البرية، وغرس الثقة في قوتهم على تنفيذها بمواصفات عالية، ومع ذلك ستشارك قوات كثيرة في حرب متعددة الجبهات مع تحديات كبيرة في الأمن الداخلي في أراضي إسرائيل، وبالتوازي مع حرب في ساحات أخرى، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى جيش احتياط قويّ وكبير في حجمه بما يكفي، وفي هذه المسألة يحذّر رجال احتياط كبار من نقص في وضع منظومة الاحتياط لدى الجيش الإسرائيلي.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-853406



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية