هل تخدم حروب تركيا استراتيجيات أمريكا؟... أذربيجان نموذجاً

هل تخدم حروب تركيا استراتيجيات أمريكا؟... أذربيجان نموذجاً


10/10/2020

تتركز الأضواء التركية اليوم على المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، على خلفية النزاع على إقليم "ناغورني قره باغ"، بوصفه أحد أبرز النزاعات التي خلفها انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، بعد استقلال الجمهوريات الإسلامية فيما يعرف بآسيا الوسطى، وانحياز تركيا المعلن إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا، وظهور تركيا بوصفها فاعلاً رئيسياً في هذا النزاع، إلى درجة أنّ خصومها وجّهوا إليها اتهامات بجلب مقاتلين "مرتزقة" من سوريا ومن تنظيمات إسلامية ذات أصول تركية موالية للقيادة التركية، علاوة على دخول الجيش التركي ساحة المعارك بقطاعات عسكرية شملت سلاح الجو التركي، بما فيه الطائرات التركية المسيّرة، وقطاعات أخرى كالمشاة والمدفعية ومنظومات صاروخية هجومية ودفاعية.

لحروب تركيا اليوم وجه آخر وهي أنّ كافة هذه الحروب تأتي في سياقات خدمة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وتستهدف العملاقين "الصين وروسيا" ومعهما إيران وأوروبا

 ويتزامن الدور التركي العسكري والسياسي في الدخول بهذا الصراع وبثقل واضح مع قيام تركيا بتحركات عسكرية أخرى في شرق المتوسط، على خلفية خلافات مع اليونان وقبرص والمجموعة الأوروبية على تبعية مناطق التنقيب عن حقول النفط والغاز في مياه المتوسط، وهو ما كاد يتسبب بحرب بين تركيا وبعض الأوروبيين بقيادة فرنسا، بالإضافة إلى معارك أخرى في ليبيا وفي شمال سوريا ومناطق إدلب وحماة وحلب، ومعارك ضد الأكراد في شمال العراق، ودور قديم متجدد تجاه القضية الفلسطينية، من خلال حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة.

اقرأ أيضاً: هدنة بين أرمينيا وأذربيجان.. ما موقف تركيا؟

 تستند القيادة التركية في خوض تلك المعارك على عناوين تشكّل قواسم مشتركة في الدعاية التركية بأنها لضمان حقوق الدولة التركية التاريخية وتجاوز مظلومية الجغرافيا التي تمّ بناؤها باستثمار ضعف تركيا في أواخر الخلافة الإسلامية، لتقول: إنّ "الرجل المريض لم يعد مريضاً"، إضافة إلى حسابات مرتبطة بالأمن القومي التركي، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب، "التعريف التركي للإرهاب يقتصر على مواجهة الفصائل الكردية في تركيا والعراق وسوريا"، والاعتراف بالدور الإقليمي التركي.

اقرأ أيضاً: كيف أقنعت تركيا السوريين بالقتال في أذربيجان؟

 تلك هي العناوين "المشتركة" المعلنة التي تخاطب بها القيادة التركية الشعوب التركية، وهي عناوين تلامس عواطف تلك الشعوب التي تشكّل مقولة إنّ تركيا كانت قائدة العالمين؛ العربي والإسلامي، ووصلت جيوشها إلى قلب أوروبا، إحدى المقدسات لدى تلك الشعوب، وتمتدّ لتشمل بعض الشعوب العربية والإسلامية التي تشكّل قواعد الإسلام السياسي.

اقرأ أيضاً: كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

 لكنّ لحروب تركيا اليوم وجهاً آخر ومرجعياتٍ أخرى، قلما يتمّ الحديث عنها، وهي أنّ كافة هذه الحروب تأتي في سياقات خدمة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتستهدف العملاقين "الصين وروسيا" ومعهما إيران، بإلاضافة إلى أوروبا. فأزمة شرق المتوسط أظهرت ضعف وعجز أوروبا وعدم قدرتها على حماية حدودها، وهو ما يردّده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومعه الدولة العميقة في أمريكا، بما في ذلك التساؤلات حول أهمية حلف الأطلسي وتمويله وقدراته على حلّ المشاكل بين أعضائه، فيما يشكّل التدخل التركي في ليبيا أحد عناوين الصراع بين واشنطن وموسكو، بعد ذهاب شرق ليبيا بعيداً بالتحالف مع موسكو، أمّا الدور التركي في سوريا، فقد شكّل منذ بداية الأزمة السورية ودعم تركيا للفصائل الجهادية وصيغة أستانا التوافقية عنواناً وأداة للموقف الأمريكي في سوريا، وبالتزامن مع ذلك، فإنّ قيام تركيا بجمع الفصائل الفلسطينية في إسطنبول، لا يخرج عن خدمة الاستراتيجية الأمريكية بإقناع الفلسطينيين بالدخول بمفاوضات مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: كيف استخدم أردوغان صراع أذربيجان ـ أرميننا لاستعراض القوة؟

 لا شكّ أنّ تركيا، وهي تنفّذ الاستراتيجية الأمريكية، تحقق "نجاحات" وطنية تتعارض مع الرؤية الأمريكية، كالتوسع في ضرب الأكراد، أو إبرام اتفاقات مع ليبيا، أو إعلام يعادي إسرائيل، وكلها ضمن هوامش مسموح بها أمريكياً، لوقوعها تحت عناوين البحث عن شعبية "العدالة والتنمية" داخلياً، فيما تحقق هدفاً آخر بإشغال الجيش التركي في حروب متعددة متزامنة، تقلل من احتمالات قيامه بانقلاب جديد، بعد ضرب هذه المؤسسة وتفكيكها، واتهام غالبية قياداتها بالولاء والتعاون مع فتح الله غولن.

الدور التركي بإثارة النزاع بين أرمينيا وأذربيجان يأتي تحت عنوان تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية بممارسة أقسى الضغوط على إيران وروسيا

 ووفقاً لهذه المقاربة، فإنّ الدور التركي بإثارة النزاع بين أرمينيا وأذربيجان يأتي تحت عنوان تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية بممارسة أقسى الضغوط على إيران وروسيا، وهو ما تدركه إيران وتخشاه، ويفسّر التحذيرات الإيرانية من حرب إقليمية جديدة في المنطقة، فهذا الدور يفتح جبهة جديدة ضد إيران التي يشكّل "الأذريون" ما نسبته 40% من سكانها، وضد روسيا حليفة أرمينيا، إضافة إلى مساومة أوروبا على خطوط إمدادات الغاز الأذرية إليها، فيما يخاطب الموقف التركي الشعوب التركية بالانتقام من أرمينيا التي نجحت في المحافل الدولية بإعادة إحياء مذابح الأرمن التي نفذها الأتراك ضدهم، إلى جانب عنوان آخر، وهو سياسات تركيا ضدّ الأكراد.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن رئيس أذربيجان إلهام علييف؟

 وفي الخلاصة، لا يتوقع أن تندلع حرب إقليمية على خلفية النزاع بين أرمينا وأذربيجان، لحسابات دولية وإقليمية معقدة ومتداخلة، ومن المرجح أن تنتهي كما انتهت كافة حروب "أردوغان" بتسويات، على غرار ليبيا التي غاب عنها الدور التركي، وقبلها السودان، والانقلاب بفتح صفحة جديدة مع مصر، وإخراج ملف "خاشقجي" ضد السعودية في اللحظة الأمريكية المناسبة، وهو ما يرجح معه أن تبدأ تركيا قريباً بفتح ملفي "الإيغور" ضدّ الصين، والمطالبة باستعادة الأندلس لمزيد من الضغط على أوروبا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية