تتصدّر وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية (NISA)، عناوين الأخبار في وسائل الإعلام الصومالية، ويأتي ذكرها كثيراً على ألسنة الفاعلين السياسيين، لا من باب الإشادة بمجهوداتها في محاربة الإرهاب المسيطر على معظم أراضي الدولة، ومساعدة السلطة في ضبط الأمن، وغيرها من الوظائف المنوطة بها، بل من باب عرقلة الحياة السياسية، ومحاربة القوى السياسية المعارضة لرئيس الدولة، المنتهية ولايته، فرماجو.
اقرأ أيضاً: الصومال: مجلس الإنقاذ الوطني في مواجهة حكومة فرماجو.. تفاصيل
ولفهم هذا التحوّل الخطير، يتطلّب الموضوع الرجوع إلى ما قبل انتخاب فرماجو، عام 2016، وكيفية صعوده إلى سدّة الحكم، والقوى التي دعمته، ومكانتها بعد انتخابه، ويحيل هذا إلى شخص واحد، كان له الفضل في توليه الرئاسة، وهو رئيس المخابرات الحالي، فهد ياسين.
الأزمة السياسية
في 8 شباط (فبراير) الماضي، دخلت الأزمة السياسية في الصومال منعطفاً جديداً، بانتهاء ولاية الرئيس، محمد عبد الله فرماجو، ومن قبل بانتهاء ولاية البرلمان، بغرفتيه؛ الشعب والشيوخ، في 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقام البرلمان بتمديد ولايته، إلى حين إجراء الانتخابات وإعلان نتائجها، وحاول فرماجو تمديد ولايته لعامين عبر البرلمان دون نجاح.
وتعود جذور الأزمة إلى وقت إعلان فرماجو نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي جرت بنظام الاقتراع غير المباشر، عبر انتخاب أعضاء البرلمان للرئيس، وكان فرماجو قد وضع تحويل نظام الانتخاب من النظام العشائري غير المباشر (4.5)، إلى نظام الانتخاب المباشر في البرلمان والرئاسة، على رأس برنامجه الانتخابي، وهو ما أخفق في تحقيقه لأسباب تتعلق بطبيعة الحياة السياسية في البلاد، ومسيرته السياسية التي طبعها الاستبداد منذ اليوم الأول لتنصيبه، إلى جانب تبعيته لأجندة قطرية - تركية، تسببت في تخريب الحياة السياسية، ورهنها لإملاءات خارجية، لم تصب في مصلحة البلاد.
اقرأ أيضاً: التدخل التركي عنصر معرقل لأية تفاهمات صومالية
ولم يكن هدف فرماجو تغيير نظام الانتخاب من أجل تطوير الحياة السياسية في الصومال، بل للتخلص من سلطة البرلمان في تنصيب رئيس البلاد، واستبدالها بأصوات الناخبين المباشرة، التي من السهل توجيهها، وربما تزويرها، في ظلّ انعدام الأمن والبنية التحتية والفنية اللازمة لعقد انتخابات عامة نزيهة، وهو ما يضمن له فترة رئاسية ثانية، ويضمن لداعميه التحكم في المشهد السياسي في البلاد، بما يتوافق مع التدخل القطري - التركي، الذي يهدف البقاء في الصومال لمدة طويلة، ضمن مشاريع الدوحة - أنقرة السياسية في المنطقة.
عقد فهد ياسين صفقة مع حركة الشباب، تضمنت؛ عدم تنفيذ هجمات داخل العاصمة، مقابل غضّ الطرف عن جمع الحركة للضرائب في المدينة
وبموازاة الهدف السابق، شرع فرماجو، ومن ورائه الرجل الأول في البلاد، فهد ياسين، بالسيطرة على ولايات البلاد الخمس، لضمان الهيمنة على أعضاء البرلمان الفيدرالي، كخطة بديلة حال لم يستطع تغيير نظام الانتخابات، وهو ما نجح فيه جزئياً، بالسيطرة على ولايات جنوب الغرب (عام 2018)، ثم ولاية غلمدغ (مطلع العام 2020)، وهيرشبيلي في أواخر العام نفسه، إلى جانب أصوات صوماليلاند، المستقلة من طرف واحد، عبر تعيين لجنتها الانتخابية من الموالين لشخصه.
اقرأ أيضاً: ما شروط ولاية بونتلاند الصومالية للمشاركة في مؤتمر تشاوري؟ وما علاقة فرماجو؟
لكن أطماع فرماجو الكبيرة، اصطدمت بالمقربين منه، مثل رئيس الوزراء السابق، حسن علي خيري، والمعارضة القوية من مرشحي الرئاسة، وولايتَي؛ جوبالاند وبونتلاند، إلى جانب الغضب الشعبي من تردي الأوضاع في البلاد، ما حال دون تحقيق خطته، ووصلت البلاد إلى أزمتها، التي لا يلوح لها حلّ في الأفق.
المخابرات والأزمة
وفي حزيران (يونيو) 2017، عيّن الرئيس فرماجو مراسل قناة "الجزيرة" السابق، فهد ياسين الحاج ضاهر، في منصب المدير العام لقصر الرئاسة (فيلا صوماليا)، ثم انتقل ياسين إلى منصب نائب مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي، وبتاريخ غير معروف، وأصبح رئيس الوكالة في آب (أغسطس)، 2019.
وقال مدير جهاز المخابرات الصومالي السابق، حسين عثمان، في تغريدة على حسابه بـ "تويتر"، بعد تعيين ياسين: "اليوم هو يوم أسود في تاريخ جهاز الأمن الصومالي؛ لأنه ستترأسه ولأول مرة شخصية اسمها فهد الياسين عميل قطر، الذي هو عضو في حركة الشباب".
ومع فهد ياسين، نادر الظهور إعلامياً، برز اسم المخابرات في الحياة السياسية، منذ أن كان نائباً لمديرها، وبدأ تدخله بمحاولة اعتقال المعارض السياسي، عبد الرحمن عبد الشكور، متسبّباً في مقتل 6 من حراسه، عام 2017.
اقرأ أيضاً: قوات صومالية درّبتها تركيا تُعيد أجواء الحرب الأهلية في مقديشو
وفي نيسان (أبريل) 2018، اقتحمت المخابرات منزل النائب في مجلس الشعب، عدو علي غيس، وفي أيار (مايو) من العام ذاته، اتهم النائب عبد الله محمود نور، وكالة المخابرات بتدبير محاولة لاغتياله، بإطلاق النار على سيارته، أثناء مروره على حاجز أمني لعناصر الوكالة.
وتوالى تدخل الوكالة في الشؤون السياسية مع تولّي فهد ياسين رئاستها، خاصة عام 2020، الذي شهد ذروة الأزمة السياسية، واللقاءات التشاورية في دوسمريب، وغيرها من الوساطات لحلّ الأزمة.
اقرأ أيضاً: أين تقف الأطماع السياسية للرئيس الصومالي؟
واتّهم الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، فهد ياسين بتقويض العملية السياسية في البلاد، وهو ما بات مؤكداً، بعد أن بات متواتراً بين القوى السياسية، اتهام ياسين بذلك، وطالب اتحاد المرشحين الرئاسيين بفصل ياسين من الجهاز، بسبب تدخله في الحياة السياسية على حساب وظيفة الأمن.
وعقب انتهاء ولاية فرماجو، تولّت المخابرات مهمة التمديد له عبر مجلس الشعب، عبر ترهيب النواب، وحين أخفقت الجلسة التي كان مقرراً التمديد لفرماجو فيها، عاقبت المخابرات النواب الذين قادوا رفض التمديد، ومن بينهم النائب طاهر محمود موسى، الذي منعته عناصر المخابرات من دخول منزله.
ياسين والإرهاب
وثارت شبهات عديدة حول علاقة فهد ياسين بحركة شباب المجاهدين، المصنفة إرهابية، والتي تنشط في معظم البلاد، وحذرت قيادات سابقة للوكالة من ذلك.
وعام 2018؛ قدّم نائب مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومي السابق، عبد الله عبد الله، دعوى أمام المحكمة العسكرية ضدّ ياسين، بدعوى علاقته بحركة الشباب.
وكتب المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية، الأكاديمي مايكل روبين، عن علاقة ياسين بتنظيم القاعدة، ونشر تقرير في موقع "AEI"، أكد فيه أنّ فهد ياسين هو الرجل الأقوى في الصومال، وهو من صنع الرئيس فرماجو، وأوصله إلى السلطة.
وبحسب مقال روبين؛ التحق فهد ياسين، عام 1991، بجماعة الاتحاد الإسلامي الإرهابية في كينيا، واعتنق الفكر الجهادي، وعام 1997؛ سافر خارج كينيا، إلى اليمن أو باكستان، وعندما عاد إلى مقديشو، تعرّف إلى مدير شبكة "الجزيرة" السابق، وضاح خنفر، الذي عينه مدرساً دينياً لأولاده، ثم عاد إلى الصومال، وعمل مراسلاً لقناة "الجزيرة".
الباحث السياسي أحمد هراد لـ"حفريات": المخابرات الصومالية بقيادة ياسين لها دور مشبوه ورمادي، وهناك دلائل على تهريب سجناء تابعين لحركة الشباب
وعمل ياسين على التسويق إعلامياً لحركة الشباب الإرهابية، وزار أحد معسكراتها في رأس كمبوني، بصحبة القيادي حسن تركي، وذكر أصدقاء لياسين أنّه أخبرهم، بعمله لحساب المخابرات القطرية، وتلقيه تدريباً على يديها، قبل عودته إلى مقديشو.
وعبر المال القطري؛ تمكّن فهد ياسين من ضمان فوز فرماجو برئاسة البلاد، ليحصد بعدها مكافأة كبيرة بتدرّجه في المناصب الرسمية، وصولاً إلى منصب مدير وكالة الاستخبارات.
وذكر المسؤول السابق بالبنتاغون في تقريره، أنّه بعد تفجير عام 2017 في مقديشو، الذي خلّف 500 قتيل، عقد فهد ياسين صفقة مع حركة الشباب، تضمّنت؛ عدم تنفيذ هجمات داخل العاصمة، مقابل غضّ الطرف عن جمع الحركة للضرائب في المدينة.
وذكر تقرير "مؤشر التحول السياسي"، الصادر عن مركز (BTI)؛ أنّ وكالة المخابرات والأمن الوطنية (NISA) تدير ميليشيات خارج إطار القانون، ومخترقة من قبل حركة الشباب المجاهدين.
اقرأ أيضاَ: السفير الأمريكي السابق في الصومال يهاجم فرماجو... هذا هو هدفه الرئيسي
وشهد العام الجاري اشتباكات في مقديشو بين ميليشيات المخابرات وقوة عسكرية، بسبب الخلاف حول ملكية أراضي.
وفي حديثه لـ "حفريات"؛ قال الباحث السياسي من قومية الصوماليين في إثيوبيا، أحمد هراد: إنّ "المخابرات الصومالية لها دور مشبوه ورمادي، ولها علاقة قوية بحركة الشباب المجاهدين، خاصة تحت رئاسة فهد ياسين".
وأضاف هراد؛ أنّ هناك دلائل على هذه العلاقة، من بينها: "تهريب سجناء تابعين لحركة الشباب من سجن ودجر في العاصمة، وتوقّف العمليات الإرهابية في العاصمة بعد الصفقة بين ياسين والحركة، والتي سمحت له بالتفرغ للتلاعب بالحياة السياسية، والانتقام من المعارضة".