هل تتعمّد مرجعية النجف إغاظة سلطة المرشد في طهران؟

هل تتعمّد مرجعية النجف إغاظة سلطة المرشد في طهران؟


19/08/2021

فوجئت الأوساط الموالية لإيران في العراق، من الخطبة النارية التي وجهها حميد الياسري، ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، في محافظة المثنى جنوب البلاد. إذ بعد ساعات من انتشار الخطبة التي تلاها الياسري في مجلس عزاء حسيني في مدينة الرميثة (معقل ثورة العشرين العراقية)، غصت منصات التواصل الاجتماعي بالجدل الحاد ما بين الولائيين وغيرهم، لتصل الأمور إلى تدخل زعامات في تحالف الفتح المدعوم من طهران، التي اتهمت الياسري بـ"الخيانة" واصفةً خطابهُ بـ"التافه والقومي".  

وكان الياسري، وهو قائد حشد "أنصار المرجعية" المنضوي في حشد "العتبات المقدسة" التابع لمرجعية السيستاني، قد شنَّ هجوماً من على منبر العزاء الحسيني، السبت الماضي، قال فيه "أن يأتينا الصوت والتوجيه والإرشاد من خلف الحدود؛ فهذه ليست عقيدة الإمام الحسين، نحن نرفض هذه الانتماءات ونرفض هذه الولاءات ونرفض ونعلن بأعلى أصواتنا، فلا خوف ولا تردد ولا أي شيء يمنعنا إن شاء الله"، وأكدَ أن "من يوالي غير هذا الوطن؛ فهو خائن ومحروم من حب هذا الوطن". 

رصاصات المفتي من خارج الحدود  

الغريب في ذلك، أنّ المجلس الحسيني كان قد شهدَ حضورَ أتباع للمرشد الإيراني علي الخامنئي في العراق، ولكن الياسري مضى في خطبتهِ النارية التي أردفَ فيها قائلاً "أعلم أنّ هذا الكلام يجرح؛ وأعلم أنّ هذه الكلمات صرخات ورصاصات سوف تضرب صدور المتخاذلين والخائنين والمتقاعسين، والذين باعوا ولاءهم إلى من خلف الحدود".

حميد الياسري
وتابع: "هذه الرصاصات في قلوب هؤلاء؛ سوف تعود في يوم من الأيام وتضرب قلبي وقلبك، وأعلم أنّ هناك من يكتب ويسجل هذه الكلمات ويبعثها لأسياده، وأسيادهُ يبعثونها إلى أسيادهم خارج الحدود، وسوف يفتي المفتي خارج الحدود بقتلي وقتلك بتهمة أننا نزعزع الولاء ونهدد هذه الولاءات الورقية الزائفة الزائلة في يوم من الأيام".
وشدد بالقول، إن ذلك سيحدث "كما قالوا وحكموا وصوبوا رصاصاتهم، وقالوا إن هذا الفقير الذي خرج للشارع للمطالبة بحقوقهِ عميل، وكذلك صاحب المتجر الفقير الذي حمل العلم العراقي". 

المشروع الإيراني في العراق يسعى لجعل كل شيء تحت السيطرة، ويبدو هذا واضحاً من دعم النظام الإيراني للكثير من القوى الدينية والسياسية والفصائل الشيعية المسلحة

وعلى الرغم من عدم تسمية معتمد المرجعية الدينية لإيران، لكنّ الخلافات السابقة ومؤشراتها، جعلت كل القرائن تدل على المحور الولائي. لاسيما أنّ الياسري كان من ضمن الوفد الذي ذهبَ إلى وزير الدفاع في الحكومة السابقة، للمطالبة بفصل حشد "العتبات" عن هيئة الحشد الشعبي، احتجاجاً عن سلوكها السياسي وانتمائها الولائي الذي لا يتناسب مع فحوى "الجهاد الكفائي" الذي أعلنهُ أية الله علي السيستاني ضد تنظيم داعش آنذاك. 

الخزعلي: بعض المعممين القوميين يستترون بالوطنية

ومن أوائل المتصدين لخطبة الياسري، كان زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي حاول الموازنة في ردهِ ما بين اللغة الدينية والمفردات التي تحط من الشأن المعنوي للخطيب.  

وقال في بيان له إنّ "أسوأ ما في محاولات بعض القوميين المعممين الذين يريدون الاستتار بالوطنية لتمرير مشاريعهم، هو محاولة ربط الإمام الحسين بهكذا أفكار".  
وأردف: "من العجب أنّ تصدر أمثال هذه التفاهات من شخص معمم وعلى منبر الإمام الحسين، وفي مدينة مثل الرميثة المعروف أهلها بالوعي والثقافة".  

ويعد قيس الخزعلي، أبرز قادة تحالف الفتح المدعوم من إيران ويتزعمه أمين عام منظمة بدر هادي العامري، كما أنهُ يمتلك فصيلاً مسلحاً تحت مسمى "عصائب أهل الحق" يقاتل في العراق سوريا، فضلاً عن تيار سياسي ممثلاً بكتلة "صادقون" في البرلمان العراقي. 

وبثت قناة العهد الفضائية التابعة للخزعلي، وسائر القنوات الأخرى التابعة للفصائل، استذكارات معاركها ضد تنظيم داعش الإرهابي، للتذكير بفضل تلك الفصائل في تحرير البلاد من التنظيم، مع اغفال دور الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والقوى الأمنية الساندة. 

جدل على وسائل التواصل  

وبعيد كلام الخزعلي، هاجم عدد من الكتّاب المحسوبين على التيار الولائي لإيران، خطاب الياسري، باعتباره يخالف توصيات المرجعية الدينية في النجف، عبر سعيه لشق الطائفة الشيعية إلى محورين، وأنّ لا عقيدة وطنية تحد أبناء الطائفة ودعمهم في المنطقة. 

وتساءل أحمد فهد، المدون الولائي على تويتر: "ماذا يريد أن يقول لنا حميد الياسري برسالتهِ الأخيرة المثيرة للجدل والتي أحدثت ردود فعل متفاوتة، لا وبل غير مقبولة عند عامة الطائفة الشيعية … كان الأولى به أن لا يدخل في معمعة الولاءات التي لم يوفق اطلاقا بتصويبها…الياسري عليه التوضيح  قبل أن يتحمل الأثم الأكبر من حديثه غير الموفق". 

مصدر في مرجعية السيستاني لـ"حفريات" : حميد الياسري معتمد المرجعية في محافظة المثنى وهو ثقتها ويمثلها هناك ولولا تمثيله للمرجع الأعلى لما وثق به الناس
 

أما المدون حسن صالح، فقد أبدى استغرابه من "تخوين شخصية حوزوية وجهادية مثل(السيد حميد الياسري) لأنهُ وجه انتقادات لجهات لها علاقات بالخارج...كيف لا.. وما قاله هو الحقيقة في الصميم فهم يرتكزون على الاختباء تحت راية الحشد العراقي، لكسب المشروعية ولتختلط الأوراق ويمتزج الموالين لإيران مع الموالين العراق". 

ولم تتوقف الاتهامات بحق معتمد المرجعية الدينية في محافظة المثنى الجنوبية، عند سقف الخيانة وعدم المفهومية للخطاب الشيعي،  بل راحت تنزع عنه شرعية التمثيل المرجعي، وأنه لا يمثل المؤسسة الدينية في النجف. 
مصدر مرجعي: الياسري يمثل السيستاني
ورداً حول اللغط الذي أثارهُ الولائيون حول تمثيل حميد الياسري لمرجعية السيستاني في جنوب العراق من عدمه، أكدَ مصدر مرجعي في النجف، أن الياسري أحد معتمديها "الثقاة" في تلك المنطقة. 

وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"حفريات"، إن "السيد حميد الياسري، هو معتمد أصيل لدى المرجعية الدينية في محافظة المثنى، وأن ذلك موثق ضمن بيانات المرجعية الخاصة بشأن معتمديها في العراق وخارجه"، نافياً المعلومات التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي بعدم تمثيل الياسري لمرجعية السيستاني. 

وأضاف، أن "الياسري تمكن من تعبئة أبناء مدينته في فصيل مسلح للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، ولولا تمثيله للمرجع الأعلى لما وثق به الناس واستطاع تشكيل هذا الفصيل المستقل عن الخارج"، مبيناً أنهُ "لا أحد يمكنهُ تشكيل مجموعة مسلحة من دون دعم خارجي أو داخلي". 

وبشأن تبني المرجعية لخطاب الياسري من عدمه، أكد المصدر، أنّ "المرجعية لا تحبذ الآن التصريح المباشر في ظل هذه الأجواء الملتهبة في العراق والمنطقة". 

تصاعد الخلاف بين النجف وطهران
ويبدو أنّ مرجعية النجف، بدأت تتعمد إغاظة سلطة المرشد الحاكمة في طهران، وإحراجها مذهبياً بشأن تمثيلها الرسمي للشيعة في المحافل الدولية، ومجيء شخصيات دينية لمقابلتها حصراً كما حصل في زيارة بابا الفاتيكان للعراق، في آذار (مارس) الماضي. 

وأيضاً أغاظت مشاركة وفد المرجعية الدينية الشيعية، في "ملتقى المرجعيات العراقية" الذي عقد في مكة المكرمة، بداية الشهر الجاري، الجانب الإيراني الذي يحاول احتكار الصفة الشيعية من الناحيتين السياسية والدينية في آن. 

ويقول الصحفي العراقي مصطفى الخاقاني، إنّ "مرجعية النجف تميلُ إلى الانفتاح على الجهات المختلفة، فهي ترى الآخر، من ناحية المبادئ الانسانية أولاً. بينما تعد يرى محور ولاية الفقيه، من لا يناصر طروحاته عدواً، ولو بشكل خفي. وبالتالي فإنّ المجتمع الدولي يدرك تلك الحقيقة، لذلك نلاحظ أنه عمل على تحييد إيران".
الخاقاني أبلغ "حفريات"، بأنّ "المشروع الإيراني في العراق، يتلخص بأن يجعل كل شيء تحت السيطرة، ويبدو هذا واضحاً مما عمل عليه النظام الإيراني من دعم للكثير من القوى الدينية والسياسية والفصائل الشيعية المسلحة التي تدين بالولاء للجمهورية الإسلامية منذ انتصار الثورة في طهران عام 1979، فيما يشكل المرجع السيستاني حجر عثرة أمام سيطرة دولة المرشد على العراق".  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية