مختارات حفريات
لن تكتمل المواجهة مع حزب الله إلا بتوافقٍ أمريكي روسي، فمنذ أن أصبحت سوريا ساحة الحرب الرئيسة للحزب، أصبح التعامل معه عسكريًا أو سياسيًا مرتبطًا على نحو أو آخر، بالأزمة السورية، أو بتحالفات الحزب وأجندته الإقليمية.
وكما بيّنت الوقائع وتطورات الحرب في سوريا، فإن مفاتيح الحرب، وأدوار المشاركين فيها، باتت بيد موسكو وواشنطن ورهنًا للتفاهم بينهما، وأي مقاربة لمعالجة دور التنظيمات المسلحة ووجودها في الساحة السورية، بما في ذلك حزب الله، ترتبط هي الأخرى، بالتوافق بين البلدين الكبيرين، ومن قبلهما أو بعدهما، بتفاهم أو توافق إقليمي.
وإلى ما قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، لم تكن أمريكا، التي لها وجود عسكري محدود في المنطقة الشرقية من سوريا، في وارد الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع حزب الله اللبناني؛ الذي تمدد كثيرًا في مناطق واسعة من الأراضي السورية، لكنها -مع ذلك- لم تخفِ قدرتها على فتح هذا الباب عبر وكلاء إقليميين يتحرّقون لمثل هذه المواجهة، التي تنهي أو تحجم الدور العسكري الذي يلعبه الحزب إنْ في لبنان أو في الإقليم .
في الجانب الآخر، فإن روسيا التي تحالفت بشكل مباشر، أو غير مباشر، مع حزب الله في سوريا، ليست في وارد أن تمنح الحزب الغطاء أوالحماية العسكرية، ولا حتى الدعم السياسي، في أي حربٍ إقليمية، تندلع بإيعاز أو بمشاركة أمريكية. فحدود التفاهمات الروسية مع دول الإقليم، ومع الولايات المتحدة، قاصرة -إلى الآن – على سوريا وحدها، وأي مواجهة تتجاوز الجغرافيا السورية، أو الشأن السوري، تقتضي تفاهمات جديدة، واعتبارات مختلفة .
التفاهمات الراهنة في سوريا، انتهت بتعاون، أو تقاسم أدوار بين واشنطن وموسكو وحلفائهما الإقليميين لمواجهة المنظمات التي تَوافق البلدان على أنها قوى إرهابية، فحسمت موسكو عسكريًا وجود هذه المنظمات في المناطق الأكثر توترًا، فيما ساندت الولايات المتحدة وحلفاؤها المنظمات المحسوبة على صف الاعتدال، ومكنتها من العودة إلى المشهد كقوى عسكرية موجودة على الأرض، وقوى سياسية مستعدة للتفاوض.
وبموازاة ذلك، أطلقت من العاصمة الكازاخية، الأستانة، مبادرة مناطق خفض التوتر، وهي مبادرة عسكرية تحمل نكهة سياسية، وتوزعت بموجبها واشنطن وموسكو، مع قوى إقليمية معنية بالأزمة أو مشاركة فيها، الإشرافَ على تثبيت وقف إطلاق النار، أو العمل للحد من وتيرة القتال، وصولا إلى تهيئة مناخ ملائم، يفتح الطريق أمام التسوية السياسية.
التفاهم على مناطق خفض التوتر، هو المرحلة الانتقالية، من المواجهة المسلحة بكل أبعادها وتلويناتها، إلى مرحلة التسوية السياسية التي يستعد لها مختلف اللاعبين في الأزمة السورية، والتي قد تنتهي في حال نجاحها إلى نزع سلاح التنظيمات المسلحة المصنفة كقوى معارضة معتدلة، أومقبولة، كشريك سياسي في أي تسوية منتظرة للأزمة.
ومن الطبيعي ألا يقتصر الحديث عندها، على نزع السلاح على التنظيمات التي قاتلت النظام وواجهته، بل التنظيمات الأخرى الحليفة له، وعلى رأسها وفي مقدمتها حزب الله، باعتبار ذلك شرطًا لأي تسوية سياسية متوازنة.
وفق هذا السيناريو سيكون حزب الله أمام خيار صعب، فهو إما أن ينكفئ، ويعود إلى لبنان تاركًا الساحة السورية، التي دفع فيها ثمنًا باهظًا، لضمان خطوط إمداده، وضمان تواصله المستمر مع حليفه الإقليمي إيران، وإما أن يصر على البقاء في سوريا معرقلًا أو متحديًا أي تسوية سياسية، قد يتوافق عليها المجتمع الدولي؛ بما في ذلك القوتان الكبريان: روسيا، والولايات المتحدة.
وتحدي حزب الله، لجهود تسوية الأزمة السورية، والإصرار على الاحتفاظ بوجوده في سوريا، والمحافظة على قوته العسكرية وخطوط إمداده، يمكن أن تكون مقدمة لانفراط عقد التحالف بين روسيا من جهة، وكلّ من إيران وحزب الله من جهة ثانية؛ لأن موسكو ستجد فيه تعارضًا مع مصالحها، فضلًا عن الحرج الشديد، الذي يعنيه توفير غطاء سياسي لسلاح، ووجود الحزب الميداني في سوريا.
المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الخناق حول حزب الله في سوريا، وامتدادًا للبنان يضيق، وأن روسيا -كما ظهرفي اللقاء الأخير بين الرئيس بوتين والرئيس ترامب، ومن قبلُ اللقاء بين بوتين والملك سلمان بن عبد العزيز- باتت قريبة من هواجس المجتمع الدولي بشأن دور إيران، وحزب الله في سوريا، وأنها تتفهم محاذير ذلك الدور؛ ما يعني أنها قد تكون مستعدة للانخراط في عملية ضغط سياسية فعّالة؛ تؤدي إلى إخراج حزب الله من المعادلة العسكرية لا في سوريا فحسب بل ولبنان أيضًا.
تاج الدين عبد الحق - عن "إرم نيوز"