هل تتخلى تركيا مستقبلاً عن سياسات دعم الإرهاب؟

هل تتخلى تركيا مستقبلاً عن سياسات دعم الإرهاب؟


11/03/2021

تكشف الإشارات التي عبر عنها قيادات بارزة بدوائر صنع القرار في تركيا خلال الأيام الماضية، للتقارب مع عدة دول في مقدمتها مصر وفرنسا، أنّ سياسة جديدة يتم التخطيط لها، ورسم ملامحها بشكل دقيق في أنقرة، يبدو ظاهرياً أنها ستختلف بشكل كامل عن سابقتها في العقدين الماضيين، أو أنّ تركيا قد أدركت أنّه حان الوقت للتخلي نهائياً عن القرارات الجزافية ودعم الإرهاب، والسعي نحو مزيد من القلاقل على المستوى الإقليمي والدولي، هذا وفق ما يفسره بعض المراقبين.

 

تكشف الإشارات التي عبر عنها قيادات بارزة بدوائر صنع القرار في تركيا مؤخراً عن التخطيط لسياسة جديدة

 لكنّ آخرين رأوا أنّ التصريحات الرسمية من جانب قيادات فاعلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد وكذلك أعضاء بارزين في الحكومة، مثل وزيري الخارجية والدفاع، لا تعدو كونها مناورة جديدة من جانب النظام الذي ضل خطاه نحو تحقيق أي مصالح جراء سياسته الخارجية القائمة على العداء وتجاوز الشرعية الدولية، ويسعى جاهداً لفتح أي ممرات مع دول الجوار، أملاً في أن يسهم ذلك في تقليل حدة الأزمة الداخلية الطاحنة التي تشتد على البلاد.

من يدفع ثمن سياسات الماضي؟

تصريحات المسؤولين الأتراك عن رغبة بلادهم في التقارب مع مصر جاءت بعد سنوات من التوترات المتواصلة بين البلدين، وإن كان ملف التدخل التركي في ليبيا، والتحركات الأحادية خارج الشرعية الدولية، مثّلت عوامل استفزاز زادت من حدة الأزمة مع القاهرة بشكل غير مسبوق، إلا أنّ ملفاً آخر يبقى الأهم والأبرز يتجدد الحديث عنه كلما مرت الريح فوق الرماد، يتعلق بمدى قدرة تركيا على تغير سياستها الداعمة للإرهاب، والتخلي عن دعم واستضافة قيادات تنظيم الإخوان الفارين من مصر، وتسليم المطلوبين للجهات المختصة، وهو الأمر الذي طالما وضعته القاهرة شرطاً أساسياً للحوار وعودة العلاقات وتحقيق التعاون.

وفي تصريحات للصحفيين، نهاية الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، إنّ "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف"، وأضاف: "بحث مصر عن الطاقة يحترم المنطقة الخالصة لتركيا، وفقاً لمسار علاقاتنا، ويمكننا أيضاً التوقيع على اتفاق مع مصر من خلال التفاوض على المساحات البحرية".

 

تصريحات المسؤولين الأتراك عن رغبة بلادهم التقارب مع مصر جاءت بعد سنوات من التوترات

وبعد أيام أعقبه تصريح آخر، لوزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أكد خلاله أنّ "مصر أبدت احتراماً للجرف القاري لبلاده خلال أنشطة التنقيب شرق البحر الأبيض المتوسط"، معتبراً ذلك "تطوراً هاماً للغاية في العلاقات بين البلدين".

اقرأ أيضاً: الموجِّهون المخفيون لسياسة أردوغان الخارجية

ويرى مراقبون أنّ دعم أنقرة المتواصل للإرهاب كأحد أهم أدوات الرئيس التركي في تنفيذ أجندته بالمنطقة قد خلق لها عداوات جديدة، وعمّق أزمتها بشكل غير مسبوق مع دول الجوار، وعزّز عزلتها في محيطها الجغرافي والتاريخي وألغى الروابط التقليدية والتعاون بينها وبين عدة دول أبرزها مصر.

إشكالية الولاء للإخوان

يقول الكاتب المصري ثروت الخرباوي، إنّ "احتضان تركيا للعناصر الإخوانية الهاربة من مصر في أعقاب ثورة 30 حزيران (يونيو)، وكذلك تقديم الدعم اللوجيستي والمالي للجماعة وإعلامها وكتائبها الإلكترونية للهجوم المتواصل على مصر من الخارج، وكذلك تورط أنقرة في تمويل عمليات إرهابية تمت داخل مصر، كل هذه الأمور أحدثت شرخاً قوياً في العلاقات بين البلدين من الصعب تجاوزه، دون أن تقدم تركيا تعهدات بل وخطوات تثبت أنها قد تراجعت عن هذه السياسة التخريبية واحترمت سيادة مصر وقرار شعبها"، مستبعداً "أن يتم ذلك في وقت قريب أو حتى في ظل وجود أردوغان في الحكم".

ويوضح الخرباوي لـ"حفريات" أنّ "الرئيس التركي هو جزء من التنظيم الدولي للإخوان، ويعمل منذ سنوات على تنفيذ أجندة تتعلق بأهداف الجماعة، وأخضع المؤسسات التركية لتحقيقها، خصوصاً في السنوات الماضية".

اقرأ أيضاً: أردوغان المضطرب في تركيا يهدد استقرار المنطقة

ويتابع: "لذلك فإنّ استمرار أردوغان بات الأزمة الحقيقة التي تواجه الأتراك قبل غيرهم، ومن المستبعد أن تتخذ تركيا، في عهده، أي خطوات ضد قيادات الإخوان، ربما تضطر لتقليل الدعم، أو إغلاق بعض المنافذ الإعلامية التي تستغلها الجماعة للهجوم على مصر، لكن ستظل مسألة تسليم القيادات المطلوبين لمصر أمراً صعباً على أردوغان تنفيذه، لأنّه بالتوازي مع الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها البلاد نتيجة العزلة، هناك أيضاً ضغوط من جانب التنظيم الدولي للإخوان حتى لا يعصف بقيادات إخوان مصر".

 

الخرباوي: من المستبعد أن تتخذ تركيا في عهد أردوغان أي خطوات ضد قيادات الإخوان

وعلى مدار السنوات الماضية تورّطت تركيا بدعم العشرات من الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، من بينها تنظيم داعش في سوريا والعراق، حيث كشفت تقارير لوزارة الخزانة الأمريكية تمرير نحو 100 مليار دولار إلى المقاتلين في تنظيم داعش عبر شركات تركية بمعرفة مراكز حكومية، فيما تورطت أنقرة بنقل وتدريب وتمويل مئات من المرتزقة للقتال في ليبيا، كذلك رصدت القوات الأممية المسؤولة عن مراقبة قرارات حظر تهريب السلاح إلى ليبيا شحنات من الأسلحة نقلتها أنقرة بمعرفة حكومة الوفاق للعناصر المسلحة، شرق البلاد وغربها.

اقرأ أيضاً: انتهاكات أردوغان لحقوق الإنسان تكشف خدعة خطته الإصلاحية

ويرى ثروت الخرباوي أنّ "السياسات التي مارستها حكومة أردوغان خاصة فيما يتعلق بملف دعم الإرهاب وتوطين المرتزقة، من الصعب تجاوزها بشكل دبلوماسي، ليس من مصر فقط، ولكن القوى الإقليمية التي اعتبرت تركيا مصدراً لإثارة المشكلات مثل فرنسا وألمانيا على سبيل المثال، لن تتراجع أيضاً عن رؤيتها، إلا إذا حسّنت أنقرة أوضاعها في هذا الصدد، وتراجعت عن سياستها، وشرعت بسياسات أكثر مرونة واحتراماً للقانون الدولي وسعياً نحو تحقيق السلام العالمي".

ويؤكد الكاتب المصري أنّ "العزلة والأزمات المتكررة والأزمة الاقتصادية الطاحنة، فضلاً عن العقوبات المتوقعة من جانب الاتحاد الأوروبي وأمريكا، كلها عوامل دفعت تركيا لمحاولة التقرب مع مصر وأيضا مع فرنسا، بعد سنوات من العداء والممارسات الاستفزازية"، ويستدرك: "لكن التصريحات الدبلوماسية لا تكفي وحدها لحل أزمة ضربت بجذورهاً بعيداً على مدار السنوات، وزادت حدتها بسبب الممارسات العدائية للرئيس التركي، وهو ما يجعلنا نعود ونؤكد أنّ حل الأزمة وتحقيق التقارب سيظل مرهوناً بخطوات جادة ربما أهمها عدم وجود الرئيس التركي الحالي في حكم البلاد، أو تظل العلاقات بين البلدين بشكل جزئي وقاصرة على مجالات بعينها دون تعاون وتنسيق متكامل".

اقرأ أيضاً: لماذا على بايدن منع أردوغان من إساءة توظيف الإرهاب

و"في ظل العديد من الإرهاصات والمتغيرات على الساحة التركية وتفاعلها على المستوي الإقليمي، بل التقارب بين تركيا وأي دولة من دول الجوار مرهون، بالوقف الفوري عن ممارسات دعم الإرهاب، والشروع بإجراءات قانونية للانسحاب من ليبيا وسحب المرتزقة ووقف عمليات تهريب السلاح، وكذلك الخضوع لقرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحرية، والتنقيب عن الغاز في مياه البحر المتوسط، وكلها أمور لم تعلن تركيا عن موقفها تجاهها بشكل واضح، كما لم توضح أي خطوات أو إجراءات تعتزم الشروع بها لإثبات حسن النية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية