ليست علاقة تركيا بجماعة الإخوان جديدة، بل هي نتاج أكثر من نصف قرنٍ من التواصل، منذ تأسيس رئيس تركيا الأسبق نجم الدين أربكان لجماعاتٍ سياسية ترتبط أيديولوجياً مع فكر جماعةِ الإخوان، لكن العلاقات وصلت إلى قمتها، خلال ما عرف بـ"الربيع العربي"، وخاصة بعد سقوط حكم الإخوان بمصر العام 2013، إذ اعتبرت تركيا الأمر انقلاباً على حاكمٍ شرعي منتخب، وآوت على أراضيها العديد من الهاربين من جماعةِ الإخوان.
اقرأ أيضاً: ترحيل تركيا إخوانياً إلى مصر: خطأ إداري أم قرار سياسي؟
لكن ترحيل أحد أعضاء الجماعة المحكوم عليهم غيابياً في مصر، بعد هروبه إلى تركيا، وادعاء السلطات التركية عدم معرفتها بأنّه إخواني، ثم فتحها تحقيقاً وفق مصادر رسمية، يعد مؤشراً على اضطرابٍ خفي يشوب العلاقات بين الجماعة وحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكمِ بقيادة أردوغان، ما يطرح تساؤلاً في ظل اضطراباتٍ عديدة في المواقف التركية السياسيةِ في الآونة الأخيرة، إن كانت العلاقة التركية الإخوانية سوف تبقى على حالها في المستقبل؟
تداعيات الترحيل
ما تزال فصول قضية ترحيل المصري المحكوم بالإعدام؛ محمد عبد الحفيظ، من تركيا إلى بلده مصر تتوالى وتتفاعل، ووفقاً لتقريرٍ نشره موقع "بي بي سي" في 6 شباط (فبراير) الجاري، فإنه "لدى وصول محمد عبد الحفيظ حسين إلى مطار اسطنبول، لم تكن هناك أي معلومات تشير إلى أنّه مطلوب في أي قضايا، أو أنّ هناك قضايا مرفوعة ضده في مصر، كما إنّه لم يتقدم بطلب حماية من السلطات، وقامت السلطات التركية بفتح تحقيقٍ في الأمر بعد ترحيله".
تعد عملية ترحيل الشاب عبد الحفيظ الأولى من نوعها لعضو في جماعة الإخوان المسلمين
غير أنّ رواية السلطات التركية لم تصمد طويلاً؛ حيث قامت صحيفة "ميللي غازيته" التركية، بالقول إنّه في "16 كانون الثاني الماضي، تقدم عبد الحفيظ بطلب لجوءٍ للسلطات التركية، لكن طلبه قوبل بالرفض، ومن ثم تم ترحيله إلى مصر، بعد أن لجأ لتركيا قادماً من مقديشو"، بحسب التقرير ذاته، وكانت السلطات المصرية اتهمت سابقاً عبد الحفيظ بالمشاركة في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، العام 2015.
وما يعزز اضطراب رواية السلطات التركية، وربما عدم صحتها، أنّ عبدالحفيظ ووفقاً للصحيفة التركية، بقي فترةً كافيةً في تركيا، كان من الطبيعي خلالها أن تتعرف إليه السلطات التركية، خصوصاً أنّه طلب اللجوء، وفقاً للصحيفة، ولا بد أنّه برّر طلبه هذا بما عليه من حكمٍ للإعدام، كما أنّ للإخوان المسلمين في تركيا قاعدة واسعة من الهاربين والمطلوبين من الجماعة وقيادييها، غير أنّ قيادياً إخوانياً حاول التغطية على عملية التسليم.
اقرأ أيضاً: هل تلغي مصر اتفاقيات أبرمت مع تركيا خلال حكم الإخوان؟
صابر أبو الفتوح، أحد مسؤولي جماعة الإخوان، ادعى في تسجيلٍ صوتي أنّه "علم من محمود غزلان، وهو قيادي وناطق سابق باسم الإخوان، أنّ عبد الحفيظ لم يتمكن من التواصل جيداً مع الجماعة في تركيا، وأنّ الجماعة ظنته أحد أعضاء تنظيمٍ محظورٍ في مصر، هو الجهاد الإسلامي، فتقاعست عن مساعدته، ومن ثم وردت روايةٌ أخرى عن أبو الفتوح، بأنّ عبد الحفيظ أبلغ السلطات التركية بانتمائه لأحد الجماعات المتطرفة فقامت بترحيله لبلده!"، وفقاً لتقرير نشرته "العربية" في 5 شباط (فبراير) الجاري.
وتفتح هذه الرواية الباب على مصراعيه للتناقضات في رواية السلطات التركية وكذلك جماعة الإخوان، فأين يقع التناقض؟
تناقضات وتنازلات
تكشف رواية أبو الفتوح عن فكرتين أساسيتين تعتمدان على كيفية معرفة عضو جماعة الإخوان السابق (محمود غزلان) بتفاصيل ما قاله الشاب عبد الحفيظ للسلطات التركية إبان ترحيله، وفي الرواية الأولى، لا يصح إلا أنّه تم تلقين هذه الراوية لقياديين إخوانيين ربما، كتبريرٍ لترحيل الشاب، أو إنّ الشاب انتمى فعلاً لجماعة الإخوان، وقام بعملٍ إرهابي واضحٍ في مصر، فتنصلت الجماعة منه على أساس ألا تضع دليلاً على نفسها بأنّها مارست العنف أو مارس بعض أعضائها العنف على الأقل، وهو ما يمكن أن تستجيب له السلطات التركية بترحيل عبد الحفيظ، مما يعني تغييراً ما في سياستها مع أعضاء الإخوان.
صحيفة تركية تكذّب رواية السلطات بعدم معرفة انتماء عبدالحفيظ للإخوان وصدور حكم إعدام بحقه في مصر
وبالعودة إلى العلاقات التركية العربية في الآونة الأخيرة، والتغير في أسلوب تركيا بالتعامل في سوريا أولاً، ومن ثم قضية عبد الحفيظ ثانياً، فإنّ ورقة الإخوان تبدو في الفترة الحالية، ورقة أيديولوجية وسياسية تعتمد على العلاقات الجيدة والحماية والمأوى، وكل ما توفره تركيا للإخوان وقياداتهم على أراضيها، لكنها لا تتجاوز ذلك لتقديم دعمٍ حقيقيٍ لهم أو لأعضائهم خارج حدودها، وهو ربما ما سوف يحدث مستقبلاً وبكل وضوح؛ أي إنّ حزب "العدالة والتنمية" سوف يستثمر بقيادات الإخوان كورقةٍ سياسيةٍ حين الحاجة، لكنّ مشروع تولّيهم الحكم على نموذج حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي التركي، وإعادة إنتاجه، فقد فشل فعلياً في مصر وليبيا وسوريا وتونس، لذا فإنّ مستقبل العلاقة سوف يكون في حدوده الدنيا. وربما يشكل هذا اعترافاً تركياً نهائياً، بوجود نظامٍ سياسيٍ شرعيٍ في مصر، ويمهد لعودة العلاقات بين البلدين.
اقرأ أيضاً: "الإخوان" و"الثورة" السورية: هل شاركت الجماعة في الحرب؟
كما إنّ أحد المؤشرات الكبرى على تغير علاقة تركيا بالإخوان مستقبلاً، يكمن في تحول علاقة تركيا بروسيا وسوريا خلال الأشهر القليلة الأخيرة، وتخلّي أردوغان عن إدلب أولاً، مقابل مصالح تركية لمواجهة الأكراد في شمال سوريا، وفي عفرين ومنبج، أيضاً، ما تم نشره في الآونة الأخيرة، حول "إدانة تركيا للنظام السوري في العلن، والتعامل معه سراً بالمقابل، حيث أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم غالن، أنّ أجهزة استخبارات بلاده تتواصل مع نظيرتها في سوريا لضمان سلامة عملياتٍ تركية في سوريا". وذلك بحسب تصريحاتٍ رسمية نشرها موقع "روسيا اليوم" في 4 شباط (فبراير) الجاري.
اقرأ أيضاً: هل يدعم الإخوان المسلمون تنظيم داعش في ليبيا؟
وتعد عملية ترحيل الشاب عبد الحفيظ، الأولى من نوعها لعضوٍ في جماعة الإخوان المسلمين، فتركيا تشكل أرضاً خصبةً للجماعة وبعض قيادييها الأساسيين، مصريين وغير مصريين، كما تشكل محطة إعلامية وسياسية لهم هناك، لكن ما حدث في سوريا، ومن قبلها مصر وتونس، ربما جعل النظام التركي، يعيد حساباته أخيراً، ليعرف أنّ الجماعة ليست حصان طروادة الرابح، بل وربما يمثل الانسحاب الأمريكي من سوريا، بدايةً لإنهاء سنين عديدة من الأحلام الإخوانية المعتمدة على أمريكا من جهة، وتركيا من جهة أخرى، للقبض على مقاليد الحكم في سوريا ومصر.