هل أفسدت تدخلات الإخوان مبادرات الحل السياسي في السودان؟

هل أفسدت تدخلات الإخوان مبادرات الحل السياسي في السودان؟


22/08/2022

بعثت مبادرة أهل السودان للتوافق الوطني، التي أعلن عنها مؤخراً القيادي الصوفي الطيب الجد، ردود فعل متفاوتة، وسط حالة من الجدل في الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض، ففي حين شاركت أحزاب وقوى سياسية وشعبية سودانية في الجلسات الأولى للحوار، التي عُقدت يومي السبت والأحد مطلع الأسبوع الماضي، ماتزال قوى الحرية والتغيير التي تقود حالة الحراك في الشارع، إلى جانب قوى سياسية أخرى، تقاطع المبادرة، فيما يصفها مراقبون بأنّها محاولة للالتفاف على الأمر الواقع، وإعادة تدوير لنظام جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، عبر قوى تحظى بمكانة واحترام لدى الشارع في مقدمتها التيار الصوفي.

وبالرغم من تعطش الشارع السياسي السوداني لحالة توافق حقيقي، لإنهاء الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد منذ نحو (10) أشهر، أعقبت إعلان القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان لحزمة قرارات في (25) تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنهت الشراكة بين المكوّنين المدني والعسكري، وجمّدت بنود وثيقة المبادئ الدستورية المُعلن عنها في السودان منذ 2019، إلا أنّ الشبهات التي تلاحق المبادرة بوقوف الإخوان خلف قراراتها، وأيضاً رفض العديد من القوى للتوصيات الناتجة عنها، تجعلها أبعد ما يكون عن طريق "لمّ الشمل"، أو تحقيق التوافق السياسي في البلاد، بحسب مراقبين.

جدل حول التوصيات

منذ الإعلان مساء الأحد عن حزمة التوصيات الخاصة بالمبادرة، والتي كان أبرزها، بحسب وكالة الأنباء السودانية، تشكيل حكومة مدنية لإدارة شؤون البلاد على مدار (18) شهراً، والتأكيد على صلاحيات القوات المسلحة، وتصويب مهام البعثة الأممية، ووقف مناقشتها الخاصة بالوضع السياسي الداخلي، والعودة إلى دستور عام 2005، وتبنّي مؤتمر الحقيقة والمصالحة، والتأكيد على إنفاذ اتفاقية سلام جوبا، والعمل على استكمال السلام مع الحركات المسلحة خارج الاتفاقية، واستمرار تعليق مسار شرق السودان حتى توافق كل الأطراف، والتحضير لقيام منبر خاص لقضايا الشرق، والعمل على إكمال السلام في دارفور وجنوب كردفان، منذ الإعلان عن تلك الحزمة وحالة من الجدل تعم المشهد، إلا أنّ الهجوم كان من نصيب القرارات الخاصة بجماعة الإخوان، التي اعتبرها سياسيون ومراقبون سودانيون أنّها  تمهد طريق العودة أمام التنظيم.

 الشارع السياسي السوداني متعطش لحالة توافق حقيقي

ويرى مراقبون أنّ التوصيات التي صدرت عن المبادرة قد تجاهلت القضايا الجوهرية في السودان، وعكست مجموعة من الرسائل حول القوى التي تدير الحوار بشكل فعلي، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولعلّ أبرز هذه التوصيات التي أثارت جدلاً هي إنهاء عمل "لجنة تفكيك فساد الإخوان بالسودان"، وقرار إعادة أموال وأصول وأراضٍ تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات نهبتها عناصر من المؤتمر الوطني، الجناح السياسي لتنظيم الإخوان، إبّان فترة حكمهم، قبل أن تستردها اللجنة الوطنية التي كلفت باستردادها في أعقاب ثورة كانون الثاني (يناير) التي أطاحت بنظامهم في نيسان (أبريل) عام 2019، بحسب ما نقلته شبكة "سكاي نيوز".

 

محمد جميل أحمد: يحاول عناصر المؤتمر الوطني البحث عن عناوين جديدة قديمة لإعادة التخفي من ورائها، وكذلك الاحتماء وراء شيوخ الطرق الصوفية الكبار، في سبيل العودة إلى السلطة مجدداً

 

وكان من اللافت أيضاً، بحسب سياسيين سودانيين تحدثوا لـ"سكاي نيوز"، في توصيات البيان الختامي للمؤتمر، هو تجاهل (3) قضايا أساسية يطالب بها الشارع السوداني؛ وهي: تعزيز آليات منظومة فساد، وتمكين الإخوان التي يُعتقد على نطاق واسع أنّها وفرت للتنظيم عشرات المليارات من الدولارات المنهوبة، ومكّنت عناصره من معظم مفاصل مؤسسات الدولة المدنية والعدلية والأمنية، وتجاهلت توصيات مطلب تحقيق العدالة لـ(117) شخصاً قتلوا أثناء الاحتجاجات المستمرة على مدار (10) أشهر، والمئات ممّن قتلوا أثناء فضّ اعتصام القيادة العامة للجيش في 3 حزيران (يونيو) 2019، ولم تعالج التوصيات أيضاً بشكل واضح مسألة تشكيل المجلس التشريعي.

 تأجيج أزمة السودان ووضعه في عزلة دولية

هذه التوصيات إذا ما اعتمدت من قبل الشق العسكري، فستؤجج الحراك في الشارع، وستزيد من العزلة الدولية للسودان، وفق الكاتب الصحفي شوقي عبد العظيم الذي قال في تصريح لشبكة "سكاي نيوز": "لدى الشارع مطالب واضحة، وهو منذ البداية كان رافضاً لهذه المبادرة التي لم تفاجئ توصياتها المراقبين، باعتبار أنّ من يقودونها ويسندونها هم أصلاً من عناصر الإخوان ومن المؤيدين للشقّ العسكري".

 

شوقي عبد العظيم: إذا اعتُمدت توصيات المبادرة من قبل الشق العسكري، فستؤجج الحراك في الشارع، وستزيد من العزلة الدولية للسودان

 

من جانبه، قال الدكتور الواثق البرير الأمين العام لحزب الأمّة والناطق باسم "الحرية والتغيير": إنّ "مبادرة نداء أهل السودان التي أفضت إلى المائدة المستديرة وتوصياتها هي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتدجين القوى السياسية الثورية المؤمنة بالتحول الديمقراطي مع القوة المؤمنة بالانقلاب العسكري والمدافعة عنه، وهي القوى ذاتها التي دعمت انقلاب 1989"، بحسب موقع "سودان اليوم".

توظيف خطاب الهوية... ورقة الإخوان التاريخية

ملمح آخر يشير إليه الكاتب السوداني محمد جميل أحمد، باعتباره آلية إخوانية قديمة، تستخدمها الجماعة في الوقت الراهن، عبر قوى سياسية إسلامية متحالفة معها، للعودة إلى المشهد السياسي دون أن تظهر في الصورة صراحة بسبب حالة الرفض الاجتماعي لها، وإدانتها بالإرهاب والفساد.

وبحسب تحليل لجميل نشره موقع "إندبندنت بالعربية"، تحت عنوان "المؤتمر الوطني وخطاب الهوية السودانية حصان طروادة الأخير"، يقول الكاتب السوداني: "الإسلاميون ومنسوبو المؤتمر الوطني المنحل يدركون قبل غيرهم أنّهم حزب وجماعة لفظهم الشعب السوداني، وإلى الأبد، من مستقبل الحياة السياسية، نظراً إلى ما تسبب فيه هذا الحزب الإخواني طوال (30) عاماً من تدمير لجهاز الدولة العام وتسميم لحياة السودانيين وانقسام السودان إلى دولتين نتيجة لسياساته العنصرية، إلى جانب الفساد العريض والحروب الأهلية في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة".

ويضيف: "لتلك الأسباب الجوهرية في منطق الرفض الشعبي، يحاول منسوبو المؤتمر الوطني البحث عن عناوين جديدة/ قديمة لإعادة التخفي من ورائها، وكذلك الاحتماء وراء شيوخ الطرق الصوفية الكبار، الذين هم عادة محلّ احترام من جميع الشعب السوداني، في سبيل العودة إلى السلطة تحت شعار "مبادرة نداء أهل السودان للتوافق الوطني".

ويرى الكاتب السوداني أنّ "السردية الجديدة التي يسوقها المؤتمر الوطني اليوم هي الاصطفاف وراء "خطاب الهوية" القائم على أساليب دعائية شعاراتية حول مواضيع عامة رمزية ومثالية وغير محددة أو منضبطة بتكييف قانوني، مثل ادعاء الدفاع عن قيم الأمّة والخوف على ثوابت المجتمع، ومواجهة العلمانيين والحرص على مبادئ الإسلام من التشويه والتصدي لصيانة الدين."

ويؤكد جميل أنّ "جميعها عناوين يدرك حزب المؤتمر الوطني أنّها بتلك الطريقة التي يتم تسويقها ستلقى آذاناً صاغية من طرف كثيرين في بيئة ومجتمع ظلّا خاضعين لتشكيل خطابه الإعلامي (30) عاماً، حتى أصبحت مقولات الإسلاميين العامّة شبه مسيطرة في أذهان كثيرين من المجتمع، وفق ما أرادوه له من تفهيم، عبر استغلالهم لأجهزة الدولة والترويج لتلك المفاهيم المؤدلجة بتصوراتهم طوال فترة حكمهم، والحال أنّ مفهوماً مفخخاً بإيديولوجيتهم كمفهوم "الشريعة" ستظل له أصداء مؤثرة في قلوب كثيرين من خلال الشحن العاطفي".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية