هكذا يوظف النظام الإيراني السينما لتلميع صورته

هكذا يوظف النظام الإيراني السينما لتلميع صورته

هكذا يوظف النظام الإيراني السينما لتلميع صورته


31/01/2023

منذ أن تمكّن من الهيمنة على الحكم، يحاول النظام الإيراني تطوير أدوات السيطرة، وغسل العقول، من أجل دعم النظام في الداخل والخارج، مستخدماً في ذلك كافة الوسائل الممكنة، من أجل تغيير ثقافة المجتمع وتدعيم موقعه في السلطة.

في عرضها لدراسة نرجس باجوغلي، المنبوذون: بداية "الترفيه الجديد" في صناعة الأفلام المؤيدة للنظام في جمهورية إيران الإسلامية، الصادرة في العام 2016، تقول الباحثة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منى سلامة محمد: إنّه على مدى الأعوام الماضية نجح النظام الإيراني في تطوير أدوات إعلامية متعددة؛ بهدف تلميع صورة إيران في الخارج، وتعزيز الدعم الشعبي للنظام في الداخل. وكان الشباب الإيراني هم الهدف الأساسي، حيث يميل الشباب إلى التمرد على السلطة، ومحاولة تغيير الثقافة المجتمعية؛ بسبب التأثير المهيمن للعولمة، وثورة المعلومات، بالإضافة إلى التفاعل المتزايد مع الثقافة الغربية.

الدفاع عن مزاعم النظام

في هذا الصدد، وبحسب مقال منى محمد المنشور بالإنجليزية على موقع المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، ركزت دراسة نرجس باجوغلي الباحثة المشاركة في معهد واتسون بجامعة براون في الولايات المتحدة على الكيفية التي يستخدم بها النظام الإيراني وداعموه صناعة الأفلام؛ للدفاع عن القيم والمواقف السياسية للنظام الإيراني في مواجهة الانتقادات المتزايدة.

منذ العام 2005 تبنّى النظام الإيراني ما يُعرف بثقافة "الترفيه الجديد"؛ أي الإعلام الترفيهي الإيراني، الذي يهدف لإعادة الجماهير إلى مبادئ الثورة الإيرانية. وفي هذا السياق تمّ تكليف الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) والباسيج بدعم وتمويل هذا النوع من وسائل الإعلام؛ لضمان إصدار ونشر الرسائل المقصودة التي تدعم النظام وتجمّل صورته بين الشباب.

منذ العام 2005 تبنّى النظام الإيراني ما يُعرف بثقافة "الترفيه الجديد"؛ أي الإعلام الترفيهي الإيراني

يستخدم هذا النوع من الوسائط الأعمال الفنية التي تم حظرها منذ الثورة الإيرانية في العام 1979، مثل أغاني البوب، وتوظيف ممثلين لتجسيد أدوار المجرمين والفاسدين، مع التركيز على النموذج الثوري الذي يمثله الحرس الثوري الإيراني.

وتقول الباحثة المصرية في مقالتها المنشورة بالإنجليزية: إنّه لا يمكن للمرء أن يقول إنّ اعتماد النظام الإيراني على وسائل الإعلام لنشر رسائل إيديولوجية هو شيء جديد، فمنذ اندلاع ما يُسمّى بـ "الثورة الإسلامية" في إيران العام 1979 كان هناك اهتمام متزايد باستخدام الأشرطة المسجلة، وملصقات الشخصيات الثورية، وملصقات القتلى في الحرب العراقية الإيرانية، وأفلام الحرب، فيما يُسمّى بسينما "الدفاع المقدّس"؛ بزعم النهوض بأهداف الثورة.

يدرك النظام الإيراني أهمية الإعلام في بناء الدولة، وقدرته على مواجهة القوة الناعمة الأمريكية، التي يسمّيها النظام "حرب الأفكار"

ومنذ البداية، يدرك النظام الإيراني أهمية الإعلام في بناء الدولة، وقدرته على مواجهة القوة الناعمة الأمريكية، التي يسمّيها النظام "حرب الأفكار".

وبحسب المقال، اكتسب هذا الدور الإعلامي أهمية كبرى خلال الحرب العراقية الإيرانية، حيث أنتجت إذاعة الدولة الإيرانية عدة أفلام وثائقية حول الحرب، بالإضافة إلى إنشاء مكتب متخصص في أفلام الحرب، في مؤسسة سينما الفارابي.

وتشير الدراسة إلى أنّ الأعمال الفنية المرتبطة بالحرب ركزت على الربط بين الحرب والأحداث الدينية؛ من خلال استدعاء أحداث كربلاء والإمام الحسين بن علي، والارتقاء بقيم التضحية والفداء.

ثلاثية المنبوذين

جدير بالذكر أنّ ثلاثية المنبوذين تمّ تقديم أوّلها في العام 2009، وهي تروي قصة مجموعة من المجرمين الشباب الذين قرروا الذهاب إلى الجبهة خلال الحرب العراقية الإيرانية لعدة أسباب، بما في ذلك الرغبة في التقاط الصور، وليس القتال، ولكن بعد معرفة أحد أفراد قوات الباسيج، تتغير أفكارهم، ونتيجة لذلك، انضموا إلى القوات الإيرانية، وفي نهاية الفيلم يموتون في الحرب.

تقول باجوغلي، بحسب منى محمد، إنّها اختارت هذا الفيلم بسبب نجاحه ووصوله إلى شريحة كبيرة من الشباب، ورغم أنّ هذا الفيلم يوصف بأنّه فيلم حرب، إلا أنّه استطاع أن ينتشر حتى بين معارضي النظام الإيراني.

وتشير الدراسة إلى أنّ الفيلم أراد الابتعاد عن الصورة النمطية للجندي الإيراني المثالي الذي لا يرتكب أيّ أخطاء، كما كان سائداً في أفلام الثمانينيات والتسعينيات. والهدف من إشراك مثل هذه الشخصيات في هذه الأفلام هو تعظيم تأثيرها على الشباب، مع التأكيد على أنّه من الممكن تحويل المجرمين والفاسدين إلى أشخاص طيبين، وبالتالي يمكنهم الالتحاق بقوات الباسيج، والتي يحتكر أفرادها هنا صفات الخير المطلق، في دعاية ضمنية للثورة الإيرانية.

على مدى الأعوام الماضية نجح النظام الإيراني في تطوير أدوات إعلامية متعددة؛ بهدف تلميع صورة إيران في الخارج

علاوة على ذلك، حاول الفيلم ترميم صورة الباسيج بتجميل شخصية البطل الذي يؤدي دور عضو الباسيج، الذي يستميل الشباب بأخلاقه وصبره؛ فيدفعهم إلى الصلاة بالحسنى، على عكس الصورة الحقيقية لأفراد الحرس الثوري، التي تجلّت بوضوح في حادثة مقتل مهسا أميني.

وعلى الرغم من أنّ الفيلم يُعتبر مؤيداً للنظام ويعزز مبادئه، إلّا أنّه يستخدم الأغاني الشعبية الإيرانية، بما في ذلك الأغاني المحظورة لمطربين إيرانيين يعيشون في لوس أنجلوس، حتى أنّه يستخدم لحن إحدى الأغاني المعروفة المناهضة للنظام؛ فالفيلم يغير الكلمات فقط، للحديث عن تمجيد الحرب بدلاً من رفض الظلم.

على الرغم من أنّ الفيلم يُعتبر مؤيداً للنظام ويعزز مبادئه، إلّا أنّه يستخدم الأغاني الشعبية الإيرانية، بما في ذلك الأغاني المحظورة لمطربين إيرانيين يعيشون في لوس أنجلوس

وبحسب الدراسة، فإنّ هذا يبعث برسالة ضمنية حول إمكانية استمالة الخصوم الشباب من خلال جهود الباسيج، كما يوضح الفيلم كيف تغيرت حياة المجرمين بعد لقاء أحد أعضاء "الباسيج".

وتضيف الدراسة، بحسب عرض الباحثة المصرية، أنّه على الرغم من ضعف الفيلم من الناحية الفنية، إلّا أنّه يعرض مبادئ الثورة الإيرانية بشكل قريب من الجمهور، ممّا يعزز الولاء لدى الشباب. بالإضافة إلى ذلك يعكس الفيلم الدور المتنامي للباسيج والحرس الثوري الإيراني في السياسات الرسمية وغير الرسمية.

يقول مسعود دهناماكي، المخرج السينمائي والرئيس السابق لجماعة أنصار حزب الله في إيران: إنّ "أساليب النهوض بالثورة ومبادئها تتطور بمرور الوقت، في البداية كانت عن طريق القتال، ثم نشر المبادئ في الكتب والمجلات، لكنّ السينما الآن هي الطريقة المثلى للاعتزاز بقيم الثورة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية