هذا ما كشفه اغتيال لقمان سليم في لبنان.. ما علاقة حزب الله؟

هذا ما كشفه اغتيال لقمان سليم في لبنان.. ما علاقة حزب الله؟


09/02/2021

بعثت عملية اغتيال الكاتب والسياسي اللبناني، لقمان سليم، بمخاوف عديدة، داخل المجال العام اللبناني، الذي باغته الحادث الدموي؛ حيث استعاد معه كل مشاهد الاغتيال السياسي، التي راكمتها الذاكرة اللبنانية، ووصلت ذروتها في الفترة بين عامي 2005 و2013، وقد حصدت أسماء وشخصيات سياسية وأمنية وثقافية مهمة، وبخاصة من تيار 14 آذار، وهو التيار الذي ضم معارضي الوجود السوري في لبنان، وطالب بإنهاء ما يعرف "بالوصاية السورية"، وبالتبعية، التخلص من عناصره المهيمنة على أجهزة الدولة ومؤسساتها.

تسمح واقعة اغتيال الناشط المعارض لحزب الله، لقمان سليم، بتأويلات عديدة، تتجاوز مسألة تصفية معارض

يقع لبنان المأزوم سياسياً واجتماعياً، تحت وطأة سيناريوهات متفاوتة، أو بالأحرى هواجس مريرة؛ إذ إنّ حالة السيولة والانفلات الأمنيين، جراء السلاح "غير الشرعي" لدى حزب الله، تتاخم أوضاعاً إقليمية ودولية غير مستقرة، بينما الحزب المرتبط عقائدياً بمشروع إيران السياسي، يفاقم من تعقيدات وانسداد المآلات السياسية، لطالما عمدت الأخيرة إلى الدفع بوكيلها المحلي؛ لممارسة دوره الوظيفي، وإلحاق السياسة الوطنية في تبعية قوى خارجية.

وتأسيساً على ذلك؛ فإنّه من الصعوبة بمكان، قطع حادث اغتيال لقمان سليم، عن عدة مشاهد تكشف في أجزائها المتباعدة، عوار الطبقة غير المعلنة والمهترئة في لبنان، بداية من مشهد انفجار مرفأ بيروت، ثم الأزمة الاقتصادية وتدهور أوضاع الليرة، وتبعاتها الاجتماعية والمعيشية اليومية، وحتى الرصاصات المنفلتة التي مزقت جسد الناشط والسياسي اللبناني، وقضى على إثرها.

اقرأ أيضاً: الهرولة نحو الخمينية ودم لقمان سليم

وعلى ما يبدو، فإنّ جميع تلك العناصر ضرورية وملحّة، حتى يتسنى توظيف لبنان ضمن معادلة السياسات الخارجية الإيرانية، ومشروع طهران الإقليمي، من خلال ضبط أوراق الضغط المتاحة، وتصفية أيّ تحركات مضادة.

شارل جبور: توفر السلاح خارج إطار الدولة، متحقق داخل حزب الله، وذلك بزعم المقاومة، وهو الأمر الذي يعتبره مسؤولاً عن تفلت السلاح

لقمان سليم، الذي عثر عليه مقتولاً في الرابع من شباط (فبراير) الجاري في سيارته بحي النبطية، جنوب لبنان، هو باحث ومفكر، عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، والتوعية على أهمية المواطنة والمساواة، ورغم أنّ سليم (58 عاماً) ينتمي إلى الطائفة الشيعية، لكنه كان من أشد المنتقدين لحزب الله وسياساته، وجملة دعايته الأيدولوجية والعقائدية. كما لم يمنعه ذلك من تركيز جلّ عمله ونشاطه في منزله، في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، أحد معاقل حزب الله الرئيسية، ليواصل داخله نشاطه الكبير واللافت في الثقافة والمعرفة والتوثيق، حيث أقام مركز "أمم" للأبحاث والتوثيق.

اقرأ أيضاً: شقيقة لقمان سليم تتهم حزب الله باغتياله... ما الجديد؟

من جانبه وصف رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، لقمان سليم، بأنّه "شهيد" جديد على درب حرية وديمقراطية لبنان، وأنّ اغتياله لا ينفصل عن سياق اغتيالات من سبقه.

وغرد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أنّ "‏لقمان سليم كان واضحاً، أكثر من الجميع، ربما في تحديد جهة الخطر على الوطن".

وتابع: "لم يهادن ولم يتراجع، وقدم دمه وروحه الطاهرة، عربوناً لخلاص لبنان، فليرقد بسلام، ونحن وكل السياسيين سنواصل معركة الحرية"، لافتاً إلى أنّ "‏الشجب لم يعد كافياً، المطلوب كشف المجرمين؛ لوقف آلة القتل الحاقدة".

اللعب في الوقت الضائع

تسمح واقعة اغتيال الناشط المعارض لحزب الله، لقمان سليم، بتأويلات عديدة، تتجاوز مسألة تصفية معارض لقوى أو منظمة سياسية بعينها، حتى وإن كان يحمل أفكاراً مغايرة، حيث يتقاطع الحادث بصورة كبيرة مع المتغيرات الإقليمية والدولية، والتي تتزامن واستقرار الإدارة الأمريكية الجديدة، واحتمالات المواجهة أو التسوية بين واشنطن وطهران، وهو الأمر الذي ألمحت إليه شقيقة سليم، الأديبة اللبنانية، رشا الأمير، التي تساءلت: لماذا قُتل اليوم، وهو الذي لم يترك منزله يوماً رغم التهديدات؟ لافتة إلى أنّ هناك حالة انتظار إقليمية، فالإدارة الأمريكية الجديدة صغيرة العمر، والكل ينتظر ماذا ستفعل، وكذلك عواصم القرار في العالم كلها في حالة عصف أفكار، فيما يخص مصير المنطقة، وفي مثل هذه الأوقات، حيث تغيب التسويات، أراد قتلة سليم اللعب في الوقت الضائع.

اقرأ أيضاً: لقمان سليم: إذا لم يكن حزب الله فمن يكون؟

من جانبه، يرى السياسي اللبناني، شارل جبور، أنّه لا يمكن وضع اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم، سوى في إطار السياق السياسي، الذي تتم فيه تصفية بعض الشخصيات، الأمر الذي يحسم الزاوية التي علينا الاشتباك معها، عند التعرض لواقعة اغتيال سليم، وذلك لما تمتع به الراحل من تاريخ واضح ومقدر ومباشر، في نضاله السياسي، فثّمة ارتباط بين الفاعل المجهول، الذي نفذ كافة عمليات التصفية التي أودت بحياة عدد من قادة 14 آذار، وبين المجهول المعلوم، الذي أطلق رصاصاته على الراحل لقمان سليم.

السياسي اللبناني، شارل جبور

ويضيف جبور، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ اغتيال سليم، يدفع نحو التحذير من الدخول مرة جديدة في موجة من الاغتيالات، كتلك التي عصفت بلبنان من العام 2004 وحتى العام 2013. منبهاً إلى أنّ "واقعة اغتيال لقمان سليم، تبعث نحو التفكير في كونها تحمل رسائل في الداخل اللبناني، إلى المعارضة الشيعية، وكذا كافة المعارضين الأحرار في لبنان، فضلاً عن ضرورة التفكير في كون واقعة الاغتيال، تحمل أيضاً مضموناً إقليمياً ودولياً، لا ينبغي تجاهله، خاصّة في ظل التدهور الأمني والسياسي والاقتصادي، الذي يعيش فيه لبنان، الذي أضحى مفتوحاً على كافة التأويلات والاحتمالات".

اقرأ أيضاً: لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

وبحسب جبور، فإنّ "مسألة توفر السلاح خارج إطار الدولة، متحقق داخل حزب الله، وذلك بزعم المقاومة، وهو الأمر الذي يجعله مسؤولاً عن تفلت السلاح المتناثر بين أفراد آخرين، لكن ذلك لا ينبغي أن يعني بالمرة تعميم انتشار ميلشيات في لبنان".

إيران تواصل استباحة الداخل اللبناني

رغم الاختلاف فيما بين الانفجار الذي وقع في 4 آب (أغسطس) الماضي، داخل مرفأ بيروت، وواقعة اغتيال لقمان سليم، فإنّ ثمة ترابطاً فيما بينهما، يتمركز حول الأصابع المجهولة عمداً، والمتورطة في السعي نخو إغراق لبنان في بحر المجهول، عبر انخراط قوى 8 آذار مع السياسة الإيرانية، فضلاً عن كون واقعة الاغتيال، تمثل مؤشراً خطيراً لاستباحة لبنان، كمنصة للخارج من قبل حزب الله، الذي جعل لبنان صندوق بريد، يحمل رسائل طهران الساخنة والباردة، وبالتالي، يذهب جبور نحو التعامل مع واقعة اغتيال لقمان سليم، باعتبارها رسالة من طهران عبر وكيلها الحصري في لبنان.

اقرأ أيضاً: بعد مقتل لقمان سليم... هل يصعّد العالم ضد حزب الله؟

من جانبه، يؤكّد أسعد بشارة، الصحافي والكاتب السياسي اللبناني، أنّ واقعة اغتيال لقمان سليم، تمثل خسارة فادحة لما تمتع به الراحل من مواقف واضحة، تستقر جميعها نحو استقلال الموقف اللبناني، بعيداً عن الاستقطاب الإيراني، وما يستتبعه ذلك من ضرورة كبح سيولة توفر السلاح غير الشرعي، المدعوم من إيران، وأثره على القرار السياسي في لبنان، ونضاله المستمر نحو ضرورة الوصول إلى دولة المواطنة والديمقراطية واللاطائفية.

 الصحافي والكاتب السياسي اللبناني، أسعد بشارة

ويتابع بشارة حديثه لـ"حفريات"، مؤكّداً أنّ "واقعة الاغتيال جرت بعد سلسلة من التهديدات تعرض لها لقمان سليم، دفعت الراحل إلى تحميل أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، مسؤولية الحفاظ على حياته، باعتبارهما زعيمي التيار الشيعي في لبنان".

اقرأ أيضاً: لقمان سليم.. "طفل باحث" رفض أن "يعفو الله عما سلف

ويعتقد بشارة، أنّ واقعة الاغتيال مرتبطة بشكل مباشر بمسألة توفر السلاح غير الشرعي، والراحل كان أحد أبرز الفاعلين في ثورة 17 تشرين، التي واجهت المنظومة السياسية المحمية من حزب الله، ما عرّضه غير مرة لتهديدات تعلقت بسلامته، إلى الحد الذي تم تهديده بإطلاق الرصاص عبر مسدس كاتم للصوت، وللمفارقة فإنّ ذلك ما جرى لحظة اغتياله.

أسعد بشارة: الخطر الحقيقي يكمن في طمس الحقيقة داخل الأدراج المغلقة، كما جرى في وقائع مماثلة

ويلفت بشارة إلى أنّ ثمّة ملاحظات، لا ينبغي إغفالها عند التعرض لواقعة اغتيال لقمان سليم، وهي أنّها "عملية أمنية منظمة، إذ تمت مراقبته أثناء زيارته لصديقه في الجنوب، عند خروجه من المنزل مساء، حيث تمت عملية الاختطاف، ليقتل بعدها في قرية جنوبية، تبعد ثلاثين كيلومتراً عن المكان الذي انطلق منه".

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فإنّ "الحادثة لا يمكن أن تكون بدون أثر، يمنع أجهزة الأمن اللبنانية من كشف هوية الفاعل، بيد أنّ الخطر الحقيقي يكمن في طمس الحقيقة داخل الأدراج المغلقة، كما جرى في وقائع مماثلة، وبالتالي ما سيتم تدوينه في خانة المجهول، سيضحى يقيناً معلوماً بالضرورة عند الجميع".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية