أصدر جيش الولايات المتحدة الأمريكية تقييماً لغزو العراق عام 2003 والمحاولات اللاحقة لهزيمة "التمرّد السنّي" حتى انسحابه عام 2011، موضحاً أنّ إيران المجاورة هي "الفائز الحقيقي الوحيد في العملية".
اعتمدت الدراسة على 30 ألف وثيقة وتعتبر الأطول في أمريكا والأكثر تفصيلاً عن الصراع في العراق حتى الآن
وتم إصدار المذكرة- الوثيقة بعنوان "الجيش الأمريكي في حرب العراق"، مؤخراً، في مجلدين بعنوان "الغزو والتمرد - الحرب الأهلية ، 2003-2006" و "الانتشار والانسحاب ، 2007-2011". تم تكليف هذه الدراسة في الأصل من قبل رئيس الأركان المشتركة الجنرال راي أوديرنو في العام 2013 والذي كان قد تولى قيادة القوات الأمريكية في العراق حتى العام 2009، اعتماداً على 30 ألف وثيقة، ومئات الساعات من المقابلات مع المقابلات الأصلية وآلاف الساعات من المقابلات السابقة، ضمن "أطول دراسة في الولايات المتحدة وأكثرها تفصيلاً عن الصراع في العراق حتى الآن".
وتلاحظ الوثيقةُ، أنّ قرارَ الهجوم (الغزو) كان رداً "استباقياً" للاتهامات بأنّ الرئيس العراقي صدام حسين يمتلك أسلحةَ دمار شامل، وقدم دعماً ضمنياً لجماعة القاعدة المتشددة التي نفذت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. في وقت لاحق ثبت أن الاتهامات غير صحيحة، ويعترف الجيش الآن أنّ سقوط صدام حسين نجح في تمكين خصم متبادل لكل من الزعيم العراقي والولايات المتحدة، في إشارة إلى إيران.
اقرأ أيضاً: هل تنجح إيران في إخراج القوات الأمريكية من العراق؟
وجاء في الوثيقة "من حيث العواقب الجيوستراتيجية، أنتجت الحرب نتائج عميقة. ففي وقت اكتمال هذا المشروع في عام 2018، يبدو أنّ إيران الجريئة والتوسعية هي المنتصر الوحيد. فالعراق، ضمن التوازن الإقليمي التقليدي لإيران، هو في أحسن الأحوال مخصيّ، وفي أسوأ الأحوال، هناك عناصر رئيسية في حكومته تعمل كوكيل للمصالح الايرانية".
اقرأ أيضاً: هل ستبعث الطائفية في العراق تنظيم داعش من تحت الرماد؟
في الخلفية التاريخية يورد التقرير إنّه في عام 1979، جاء "الزعيم الشيعي" آية الله خميني، إلى السلطة في إيران و"زعيم البعث العربي"، صدام حسين، الذي استولى على قيادة العراق. سرعان ما ذهب الاثنان إلى الحرب، مع "دعم الولايات المتحدة بهدوء للطرفين". انتهى وقف إطلاق النار في عام 1988، لكن العراق الذي كان يعاني من ضائقة مالية غزا الكويت بعد عامين، مما أدى إلى تدخل أمريكي، وإن كان محدوداً بطبيعته، لكنه "سيمهد الطريق للغزو الشامل في عام 2003"، وهي خطوة ستؤدي إلى حرب شاملة تكلف أرواح الآلاف من الجنود الأمريكيين ومئات الآلاف من العراقيين.
يعترف الجيش الأمريكي الآن أنّ سقوط صدام حسين نجح في تمكين خصم متبادل في إشارة إلى إيران
ووجد التقرير أنّه في أعقاب التوغّل بقيادة القوات الأمريكية، "كانت حرب التحالف غير ناجحة إلى حد كبير لعدة أسباب"، بما في ذلك الاختلافات في إستراتيجيات الحرب والاستقرار التي لا يمكن في نهاية المطاف التوفيق بينها. وبحثت الوثيقة أيضاً عدم الاستعداد الشامل للجيش الأمريكي للحفاظ على حملة مكافحة مكثفة للتمرد، وربطها بمناهج عتيقة تجاه بناء الدولة التي فشلت في تطبيقها ضمن البيئة الطائفية بالعراق، والتي سمحت لاحقاً لإيران بالسيطرة على السياسة المحلية من خلال روابطها مع الحركات الشيعية والكردية المحظورة تحت حكم صدام حسين.
وتركت العثرات البنتاغونية (وزارة الدفاع الأمركية) العراق غيرَ مستقرٍ لأعوام قادمة. في حين أدى الانتصار السريع للولايات المتحدة على حكومة صدام عام 2003 إلى قيام "التمرد السني" الذي قاده في البداية تنظيم القاعدة في العراق، وفي وقت لاحق من قبل خليفته، تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق "داعش"، ومواجهة التمرد الثاني الذي قادته الجماعات الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران وسط تراجع الدعم الشعبي للوجود الأمريكي، وهو ما قاد إلى انسحاب الولايات المتحدة العام 2011. لتعود بعد ذلك بثلاثة أعوام لمحاربة "داعش" الذي توسع بسرعة ليصل إلى ما يقارب نصف العراق وسوريا بحلول العام 2014.
كما أنّ نهوض القوى المتحالفة لهزيمة "داعش" تضمن وجود مجموعة من الميليشيات التي شكلت قوات الحشد الشعبي الإسلامي الشيعي الأغلبية. وساعد هؤلاء المقاتلون، الذين قاتل بعضهم القوات الأمريكية قبل عام 2011، القوات العراقية المدعومة أيضاً من التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة والقوات الكردية. اعتباراً من العام الماضي، تم إدخال قوات الحشد الشعبي رسمياً إلى القوات المسلحة العراقية، مما عزز مكانتهم في المجتمع العراقي. وعبرهم يمتد نفوذ طهران اليوم لا في العراق فحسب؛ بل امتد إلى سوريا ولبنان، تاركاً واشنطن مرتبكة ومتوترة حول مستقبل قدرتها على فرض السلطة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً: تحت ذريعة "حب الإمام الحسين" الشركات الإيرانية تتحرك نحو العراق
لقد كرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أعرب عن معارضته لحرب العراق 2003 عن القول بأنّ إيران هي العدو الرئيسي لإدارته. ومع ذلك، فقد أمر أيضاً القوات الأمريكية بالخروج من سوريا مع وصول المعركة ضد "داعش" إلى مرحلتها النهائية، بدلاً من توسيع المهمة هناك لتشمل طرد القوات المشتبه فيها المدعومة من إيران.
اقرأ أيضاً: لن ينهض العراق إلا بالتخلص من الميليشيات الإيرانية
كانت إيران وسوريا تعارضان وجوداً عسكرياً أمريكياً طويل الأمد في العراق، رغم محاولته ضمان عدم عودة "داعش" بعد هزيمته هناك في أواخر العام 2017. وعلى الرغم من الجهود الأمريكية للحد من النفوذ الإيراني، لكنّ الجارتين الشيعيتين اجتمعتا في وقت سابق من هذا الشهر في محاولة لتوسيع العلاقات بعد يوم واحد من توقف وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في بغداد والمنطقة كجزء من جولته الهادفة لبناء تحالف "ضد الثورة الإيرانية".
وقد أثارت زيارة بومبي،و وقبلها زيارة نهاية العام المفاجئة من قبل ترامب للعراق، المعارضة المحلية للوجود الأمريكي في البلاد التي تتعرض قيادتها الآن لمزيد من الضغط للتوصل إلى جدول زمني لخروج القوات الأجنبية.