هجوم نيوزيلندا.. مثقفون يحذرون من تنامي التطرف وصدام الأصوليات

الإرهاب

هجوم نيوزيلندا.. مثقفون يحذرون من تنامي التطرف وصدام الأصوليات


17/03/2019

إعداد: كريم شفيق، حنان جابلي، أحمد حميد، خالد بشير، صلاح الدين حسن


خيّم الحزن على العالم جراء الهجوم الإرهابي الذي استهدف مصلّين، أول من أمس الجمعة، في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش، في نيوزيلندا؛ أسفر عن مقتل 50 مسلماً، على الأقل، وإصابة العشرات، ليسجل التاريخ يوماً دموياً آخر ينضاف إلى سجلّ الحوادث الإرهابية التي جرت بحق أبرياء.

اقرأ أيضاً: جريمة نيوزيلندا.. ووثيقة أبوظبي
الهجوم الذي نفّذه الأسترالي برينتون تارانت (28 عاماً)، بدم بارد، بل وصوّر إطلاق النار بفيديو بثّه مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أثار غضب العالمين؛ العربي والإسلامي، واعتبرته رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، في أول تعليق لها على الهجوم بأنّه "أحلك يوم في تاريخ نيوزيلندا".

صوّر إطلاق النار بفيديو بثّه مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
ودانت الهجوم، دول أجنبية وعربية، واشتعلت وسائل الإعلام بتعليقات وردود فعل غاضبة.
وفي هذا السياق، عبّر مثقفون وأكايميون، في حديثهم لـ"حفريات" عن غضبهم، مترحّمين على الضحايا الأبرياء الذين زهقت أرواحهم بنيران العنصرية والإرهاب.

اقرأ أيضاً: هجوم نيوزيلندا: إلى متى يتجنب الغرب الاعتراف بـ"الإرهاب الأبيض"؟
وحذّروا في حديثهم من الصعود المتنامي لليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، الأمر الذي سيكون له تبعات خطيرة، داعين الدول الغربية إلى مراجعة سياساتها وتفكيك خطاب الكراهية وبواعثه.
وأعرب البعض عن عدم تفاؤلهم من خفوت مثل هذه الحوادث، لتصاعد "الإرهاب الأبيض" على مؤشر الإرهاب العالمي، منبّهين من أنّ الخطر القادم قد يتمثل بـ "صدام الأصوليات"، وبعودة المكبوت الجماعي في أحد أكثر صوره قتامة، المتمثلة في الحروب الدينية.
محاصرة وتفكيك الكراهية

يصف المفكر القبطي، كمال زاخر، الهجوم الإرهابي بـ "المروّع والمبني على الكراهية، التي تضم العنصرية، العرقية والطائفية، لجهة ترويع الآمنين، والمختلفين في هوياتهم سواء الدينية أو القومية وغيرها".

زاخر: لا ينبغي الوقوف عند ضفاف الشجب والاستنكار، أو التبرير والإحالة إلى الأبعاد الاقتصادية أو القوى الخفيّة

ولمواجهة الكراهية يقول زاخر لـ "حفريات": "لا ينبغي الوقوف عند ضفاف الشجب والاستنكار، أو التبرير والإحالة إلى الأبعاد الاقتصادية أو القوى الخفيّة التي تحيك مؤامرة متوهّمة"، مبيّناً أنّ العالم بحاجة إلى حلول حقيقية؛ تبدأ، برأيه، بتفكيك الأسباب الحقيقية المنتجة لفكر الكراهية، عبر حزمة قوانين صارمة وإعادة هيكلة التعليم والثقافة والإعلام، لمقاومة تغلغل الدين إلى دوائر السياسة.
ويقول صاحب "الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد": إنّ الكراهية تباغتنا في أقصى الأرض بصورة عمل إرهابي بشع، يحصد أرواح أبرياء في لحظة يتجهون فيها إلى الله تعالى متعبّدين، الأمر الذي يضعنا أمام مسؤولية كونية وشخصية للتدبّر معاً، في اتجاه محاصرة وتفكيك الكراهية ببواعثها؛ العنصرية والعرقية والدينية والفكرية، دون الاكتفاء بالتعاطف الآني الذي يدين الحدث.

اقرأ أيضاً: هل تسلّم نيوزيلندا منفذ الهجوم الإرهابي إلى بلده؟

وتابع زاخر "ولما كانت الكراهية ومن ثم الإرهاب يبدأ كلٌّ منهما فكراً؛ فالمواجهة الحقيقية لا بدّ من أن تنطلق من دوائر التعليم والثقافة، بروافدها المختلفة، والإعلام بتنويعاته المتعددة ومنصاته المنتشرة، والتأكيد، دوماً، على الخيار المدني وقيم المواطنة، في إدارة الحياة ومكافحة الفقر والجهل..".
الخطر القادم صدام الأصوليات
من جهته، يقول المفكر المغربي، سعيد ناشيد: إنّ الخطر القادم هو صدام  الأصوليات، بكافة أشكاله وتجلياته وبواعثه المختلفة؛ لأنه يتعلق بعودة المكبوت الجماعي في أحد أكثر صوره قتامة، المتمثلة في الحروب الدينية.

سعيد ناشيد: إنّ الخطر القادم هو صدام  الأصوليات، بكافة أشكاله وتجلياته وبواعثه المختلفة

ويضيف لـ "حفريات": "يكمن الخطر الأكبر أيضاً في رجال السياسة، الذين يحاولون استثمار الأجواء المشحونة، بغية تهييج الانفعالات السلبية لدى الشعوب، وبعث مشاعر الحقد والكراهية والثأر، وما إلى ذلك، وأمثال هؤلاء موجودون في الشرق والغرب، على حدّ سواء"، منوهاً إلى أنّ لدينا الكثير مما يجب علينا عمله لتفادي خطر صدام الأصوليات، سواء في مستويات التربية والتنشئة الاجتماعية، أو في مستويات التثقيف الشعبي.

ناشيد: يكمن الخطر الأكبر أيضاً في رجال السياسة، الذين يحاولون استثمار الأجواء المشحونة
لا حدود أخلاقية وجغرافية للإرهاب
الناطق باسم وزارة الخارجية التونسية، بوراوي الإمام، قال لـ "حفريات" إنّ تونس تدين بشدّةٍ العملية الإرهابية في نيوزيلندا، وتتقدّم بخالص عبارات التعازي والمواساة لأسر الضحايا من مختلف الجنسيّات.
وأعرب الإمام عن رفضه القاطع لاستهداف دور العبادة والأبرياء، مهما كانت جنسياتهم ودياناتهم، مؤكداً أنّ هذه الجريمة البشعة هي دليل جديد على أنّ الإرهاب "ليس له دين أو حدود أخلاقية أو جغرافية".
وشدد على دعوة كلّ مكونات المجتمع الدولي إلى مزيد من التنسيق والتعاون، ووضع الآليات الكفيلة بمحاربة كل أشكال التطرّف والإرهاب والكراهية والتعصّب.

اقرأ أيضاً: الصدمة تخيم على نيوزيلندا بعد الهجوم الإرهابي

من جانبه، دان حمّة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية في تونس، العملية الإرهابية واصفاً إياها بـ "الجريمة العنصرية البشعة"، ورأى في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّها نتيجة طبيعية لخطاب الكراهية المعادي للمسلمين والمهاجرين، واللاجئين والأقليات بمختلف جنسياتهم.
وأوضح الهمّامي أنّ هذا "خطاب يتداوله الداعمون للنظام الرأسمالي العالمي، وفي مقدّمتهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب"، وقال: "نحن لا نعتقد أنّ هناك حلاً لمواجهة الغول الفاشي العنصري الزاحف في ظلّ أزمة النظام الرأسمالي المتفاقمة، إلّا في إخوّة الشعوب وتضامنها فيما بينها".
كما دان مساعد رئيس مجلس النواب، محمد بن صوف، في حديثه لـ "حفريات"، الهجوم الإرهابي، مؤكداً أنّ البرلمان التونسي عُرف بوقوفه ضدّ التطرّف مهما كان مصدره، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرّك ضدّ هذه العمليات النكراء.

التيار الشعبوي في ازدياد
الباحث العراقي في الأنثروبولوجيا، د. علاء حميد، يقول لـ"حفريات": لا يمكن فهم ما حدث في نيوزيلندا بشكل مباشر؛ إذ إنّ هناك مؤشرات ربما صاغت هذا الحدث، ومن هذه المؤشرات؛ تنامي التيار الشعبوي المحافظ الذي يرى في المهاجرين دخلاء وغرباء عن بلدانهم.

حميد: الأصولية في الغرب ظهرت منذ الثمانينيات في تيار "المحافظين الجدد" ذوي الأصول الراديكالية

ويتابع حميد حديثه: هناك تقابل في نمط الأصولية على الجانبين؛ الشرق والغرب؛ فالأصولية في الشرق أخذت تتنامى منذ سبعينيات القرن الماضي، لتنشأ فيه حركات وجماعات تحمل فكراً مانوياً، لا يقبل التنوع والاختلاف.

وأما الأصولية في الغرب، فيشير الباحث العراقي، إلى أنّها أخذت تظهر منذ ثمانينيات القرن الماضي، في تيار "المحافظين الجدد" ذوي الأصول الراديكالية، الذين يتبنّون تصورات دينية معينة.
ولذلك؛ جاء هذا الهجوم، ليؤكد، وفق حميد، تشابه الأصوليتين في الشرق والغرب، وفي الوقت نفسه، ربما يفتح هذا الحدث الطريق من جديد لإعادة النقاش القديم، حول علاقة العالم الإسلامي بالغرب.

نكوص حضاري عالمي

أما الباحث العراقي في شؤون الأمن والسياسة، علي عبدالهادي المعموري، فيقول: مرة، كتب يورغن هابرماس ما مضمونه أنّ عنف داعش كان يمكن أن يرتكز على أي معجم فكري آخر، لو لم يجد ما يستثمره في التراث الإسلامي، الأمر الذي يتضح مع المجزرة التي حدثت في نيوزلندا خلال اليومين الماضيين.
إنّ السؤال الملحّ، في هذا السياق، يدور، بحسب المعموري، حول "النكوص الحضاري، الذي قاد إلى تراكم محفزات للعنف في كل المجتمعات الحاضرة اليوم، وتصاعد نزعة متطرفة تستحضر التاريخ لتوظيفه عنصرياً، ثم ينفجر آخر الأمر كعنفٍ دمويٍّ كاسح".

اقرأ أيضاً: بعد مذبحة نيوزيلندا.. اعتداء عنيف على مسلمين في بريطانيا

ويتابع المعموري حديثه: إنّ الهجوم الإرهابي الذي نفذه شاب متعلم، يعيش في مجتمع هادئ ومسالم، بحق مصلين آمنين، في مدينة لم تشهد أحداث عنف ديني من قبل المسلمين من قبل، يوضح بشكل كبير النتائج الكارثية لتصاعد الخطاب الشعبوي العنصري عالمياً، وما قادت له من استحضار للعنف التاريخي- الديني، بتجلّياته المختلفة، ناهيك عن تداعيات ظهور داعش، والخطاب الديني المتطرف في منطقتنا، وامتداده عالمياً. نحن في نكوص حضاري عالمي فعلاً.

إرهاب أبيض

من جهته، يميل أستاذ التاريخ بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور عبدالله علي إبراهيم إلى تسمية الاعتداء باسمه وهو أنّه "إرهاب للبيض المسيحيين مدعيي السموّ والرفعة".
ويبين المفكر السوداني أنّ "ظاهرة اعتداءتهم على غيرهم في ازدياد مقارنة حتى باعتداءات المتشددين من المسلمين؛ فمتى سُمّيت الظاهرة باسمها مسكت بمقود فهمها".
أيديولوجيا العنصريين السامة

وفي معرض تعليقه على الهجوم، يقول الباحث الأردني المتخصص في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية: لقد كشف الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا عن الأوجه المتعددة للإرهاب، فمنذ أحداث ١١سبتمبر تم تصوير الإرهاب باعتباره "اختراعاً إسلامياً وصناعه ملونة وجرى طمس أي حديث عن الوجوه الأخرى للإرهاب".

حسن أبو هنية: منذ أحداث 11 سبتمبر تم تصوير الإرهاب باعتباره اختراعاً إسلامياً

ويتابع "الآن استيقظ البعض على الإرهاب الأبيض والأيديولوجيا السامة للعنصريين من اليمين المتطرف العنيف والبيئة الشعبوية الكارهة للأجانب والمهاجرين".
ويرى أبو هنية أنّ هذه الهجمات لا يبدو أنّها "ستتوقف بل سنشهد تصاعداً في حدتها فلا زالت الدول الغربية تركز على إرهاب الأجانب والمسلمين رغم تنامي الإرهاب الأبيض في مؤشر الإرهاب العالمي".
وعبر الباحث عن عدم تفاؤله بالمستقبل "إذ أصبحت البيئات الأوروبية والأمريكية تغص بتيارات سياسية شعبوية ويمينية متطرفة وتفاقم الأمر منذ تولي دونالد ترامب رئاسة أمريكا".
صراع حاد لا يمكن تجاوزه
الأكاديمي الأردني الدكتور يوسف ربابعة يرى أنّ الهجوم يشير إلى تحول في نوعية العمليات الإرهابية في الغرب، وذلك أنّها تنقل الرد على الإرهاب - الذي يُنسب عادة للمسلمين – إلى مشاركة المجتمع الغربي بوصفه مجتمعاً مسيحياً مستهدفاً، وهذا سيشكل خطورة أكبر حين يتشكل لدى الأفراد اعتقاد بأنّهم مسؤولون عن الأخذ بحقهم - الذي يرون أنّه معتدى عليه – خارج سيطرة الدول والقوانين.

اقرأ أيضاً: لماذا فشلت مواقع التواصل في حذف فيديو هجوم نيوزيلندا؟
إنّ ملابسات الهجوم وما تم من تسريبات عن دوافع الذين قاموا بالعملية يدل على أنّ هناك قصدية وتخطيطاً، وأنّ الدوافع مبنية على أفكار دينية وتاريخية، يتم استدعاؤها لتبرير العمل، وأنّ القاتل لم يشعر بأنّ ما يقوم به خطأ، بل هو واجب تفرضه طبيعة الصراع بين دينين وحضارتين بينهما تاريح طويل من الصراع الدموي، وأنّ هناك انفصالاً حاداً لا يمكن تجاوزه، حتى مع كل ما يُقال عن التعايش والسلم وتقبل الآخر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية