نعوم تشومسكي متحدثاً عن الفاشية الأمريكية: ترامب قد يعود

نعوم تشومسكي متحدثاً عن الفاشية الأمريكية: ترامب قد يعود


كاتب ومترجم جزائري
01/02/2022

ترجمة: مدني قصري

يُحذّر نعوم تشومسكي من أنّ الحزب الجمهوري "يسير" نحو تدمير العالم من خلال تجاهل الإلحاحية المناخية، بينما يتبنى الفاشية البدائية في بيته. يتحدّث تشومسكي عن تمرّد 6 كانون الثاني (يناير) 2021، وكيف أنّ الليبرالية الجديدة هي شكل من أشكال الصراع الطبقي، وكيف أنّ خطط الرئيس بايدن للمناخ ليست في مستوى الحاجيات.

صحيفة les-crises الفرنسية أجرت مع تشومسكي حواراً أعرب فيه عن توقعاته بعودة ترامب، قائلاً: هذا ممكن جداً، لقد تُوِّجت الإستراتيجية الجمهورية التي وصفتُها بالنجاح: إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالبلد، وإلقاء اللوم على الديمقراطيين، وتطوير جميع أنواع القصص الخيالية حول الأشياء البشعة التي يقوم بها الشيوعيون والديمقراطيون ضد أطفالك، وضد المجتمع، في بلد خاضع للانهيار الاجتماعي ولانقسام.

هنا تفاصيل الحوار:

إيمي جودمان: نعوم، لقد وصفتَ الحزب الجمهوري بأنّه أخطر منظمة في تاريخ البشرية، كما وصفت القادة السياسيين بأنهم عصابات من الساديّين. كنتُ أتساءل عمّا إذا كان بإمكانك التوسّع في هذه النقطة، ولكن أيضاً إنْ سبق لك خلال الـ 93 عاماً من وجودك أن رأيت مثل هذا الاتجاه المعادي للعلم وللحقائق في هذا البلد، ثم إذا كان بإمكانك التحدّث عن الكيفية التي يرتبط  بها هذا الاتجاه بالحركات الأخرى المماثلة حول العالم، وكيف يجب التعامل مع هذا الاتجاه؟

نعوم تشومسكي: حسناً، الحقيقة القائمة أنّه منذ فترة طويلة كانت هناك مشاعر معادية للعلم في أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة، هذا هو البلد الذي شهد محاكمة سكوبس (1)Scopes. هناك قوة غير عادية في الولايات المتحدة من التطرف الإنجيلي المعادي للعلم.

لكنْ، كحركة سياسية، لم يحدث أن كان كما هو عليه في الفترة المعاصرة، كان الحزب الجمهوري في ظلّ ترامب وأتباعه، فهو يمتلك الحزب عملياً، أوّل مَن حاول تدمير آفاق الحياة البشرية المنظمة على الأرض، ليس فقط من خلال الانسحاب من جانب واحد من اتفاقية باريس، ولكن أيضاً من خلال العمل بحماسة لتحقيق أقصى قدر ممكن من استخدام الوقود الأحفوري لتفكيك الأنظمة التي خفّفت إلى حدّ ما من آثاره، من خلال إنكار ما يحدث، ومن خلال الوصول إلى أعداد ضخمة من التابعين الذين بلغ ولاؤهم حدّ العشق والولع تقريباً، وذلك جزئياً بفضل نظامهم الإعلامي، وكيفيات أخرى.

عندما تكون الولايات المتحدة البلادَ الأقوى في تاريخ العالم والأهم، وعندما تندفع نحو الهاوية؛ فإنّ ذلك سيكون له تأثير حاسم على الآخرين. الأشياء الأخرى التي تحدث سيئة للغاية، لكن مع الولايات المتحدة في مقدمة السير نحو الدمار يصبح المستقبل قاتماً للغاية؛ فمن مسؤوليتنا التحكم فيه، ووضع حدّ لما يحدث، وإعادة البلد إلى رشده قبل فوات الأوان.

نرمين الشيخ: قد حذّرتَ، أستاذ تشومسكي، من التهديد الخطير لعودة الفاشية البدائية هنا في الولايات المتحدة وأعلنت موقفك ضدّ تحوّل الطيف السياسي العام نحو اليمين في الولايات المتحدة؛ هل يمكنك أن تشرح ما تعتقد أنّه مصدر هذا التحوّل؟ وإن كنتَ ترى أيّة آفاق في المستقبل القريب لعكس هذا التحوّل؟

نعوم تشومسكي: لقد تعرضنا لهجوم منذ 40 إلى 45 عاماً كان ضدّ عامة الناس، في ظلّ ما تسمَّى النيوليبرالية، وكان لهذا الهجوم تأثير خطير للغاية، بل إنّ هناك مقاييس لهذا التأثير؛ فهكذا أجرت مؤسسة "راند" "RAND Corporation" المحترمة مؤخراً دراسة حول ما تسميه بأدب انتقال ثروة 90٪ للسكان الأدنى، أي الطبقة العاملة والمتوسطة، إلى الأثرياء جداً على مدار الأربعين عاماً الماضية.

عاشت عائلتي العاطلة عن العمل والمهاجرة ومن الطبقة العاملة في أمل، كانت لديها نقابات تحميها. خالاتي، الخياطات العاطلات عن العمل، كان لديهنّ اتحاد عمال الملابس النسائي الدولي، وأنشطة ثقافية

تقديراتهم حوالي 50000 مليار دولار، وهم يُسمّون هذا انتقال الثروة، ونحن يجب أن نسميه سرقة، هناك الكثير من مثل هذه التقديرات، والتي ما تزال تنشَر. لقد كشفت أوراق باندورا "Pandora Papers"، التي نشرت جانباً آخر، فالأمر ليس مبالغ ضئيلة، رواتب الرؤساء التنفيذيين ورواتب القادة ارتفعت ارتفاعاً سريعاً وكبيراً. يعيش جزء كبير، وربما الغالبية من السكان أساساً على راتب مقابل راتب، مع مدّخرات قليلة جداً. فإن عانوا من مشكلة صحية أو مشكلة أخرى؛ فإنّهم يواجهون حتماً مشاكل عظيمة، خاصة مع نقص الدعم الاجتماعي في البلاد.

اقرأ أيضاً: الفاشية في إثيوبيا

حتى الإجراءات الأساسية الموجودة في كلّ مكان يصعب تنفيذها في هذا البلد، نرى ذلك في الكونغرس الآن، مثل تدابير إجازة الأمومة، الموجودة في كلّ مكان، هناك عدد من جزر المحيط الهادئ التي تنضم إلى الولايات المتحدة لكنّها تفتقد وجود إجازة أمومة مدفوعة الأجر.

اِذهبْ إلى ثاني أكبر دولة في نصف الكرة الأرضية، البرازيل، وهي في الحقيقة ليست مكاناً لتقدّم هائل، ومع ذلك هناك تتمتع النساء بإجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة أربعة أشهر، ويمكن تمديدها لمدة شهرين آخرين، مدفوعة من قبل نظام الضمان الاجتماعي. في الولايات المتحدة لا يمكنك الحصول على يوم واحد.

 الولايات المتحدة تتجه نحو شكل من أشكال الفاشية

وهذا ما يجري الآن، إنّه يحدث الآن في الكونغرس، يعارض الحزب الجمهوري بنسبة 100٪ هذا الإجراء وغيره، بما في ذلك بعض الإجراءات الضعيفة وهي قائمة على الأقل للتخفيف من أزمة المناخ. إنها معارضة 100٪من الجمهوريين، انضم إليها عدد قليل من الديمقراطيين: بارون الفحم في وست فرجينيا، جو مانشين، أكبر مستفيد في الكونغرس لتمويل الوقود الأحفوري، الذي يجرجر رجليه في كل مكان، وقد انضم إلى المعارضة الجمهورية 100٪، وكيرستن سينيما وهو من ولايتي، وهو مستفيد ضخم في شركات الأدوية الكبرى بيج فارما "Big Pharma"، وتمويلات شركات أخرى كلّها تتباطأ أيضاً.

حتى أبسط الأشياء، مثل التي ذكرتها، يصعب للغاية تنفيذها في بلد تسمَّم بالدعاية اليمينية، من قبل سلطة الشركات، وهذا يعود إلى تاريخ بعيد، لكنّه نما بشكل هائل على مدار الأربعين عاماً الماضية.

اقرأ أيضاً: صفحات من التاريخ المجهول لليابان الفاشية.. هل تعرفها؟

لو تبحث عن معنى "النيوليبرالية" في القاموس فستجد أفكاراً مبتذلة حول الإيمان بالسوق، والثقة في السوق، والإنصاف، يحق للجميع الحصول على معاملة عادلة،.. إلخ، لكن إذا نظرت إلى الواقع فإنّ النيوليبرالية تؤدي إلى حرب طبقية مريرة، هذا هو معناها أينما نظرتَ في كلّ مكوناتها. مؤسسة "RAND"، وسرقة 50 000 مليار دولار ليست سوى مجرد علامة.

عندما وصل ريغان وشريكته مارغريت تاتشر إلى السلطة، على الجانب الآخر من المحيط، كانت أولى خطواتهما هي مهاجمة وتقويض الحركة العمالية بشدّة، إذا كنتَ تريد أن تكسب مشروعاً معقولاً، إذا كنت ترغب في شنّ حرب طبقية كبيرة من خلال مهاجمة عمال الطبقة الوسطى فخير وسيلة هي أن تدمّر وسائل الحماية الذاتية الخاصة بهم. والوسيلة الأساسية...النقابات.

إنّها الطريقة التي يمكن للفقراء والعاملين من خلالها تنظيم أنفسهم من أجل تطوير أفكار وتطوير برامج، للتحرك من خلال التعاضد والتضامن لتحقيق أهدافهم؛ لذلك يجب تدميرهم، وكان هذا هو الهدف الرئيس للهجمات منذ البداية، إلى جانب العديد من الهجمات الأخرى. ما تبقى لنا هو مجتمع من الأشخاص المسحوقين، الغاضبين، المستائين، وغير المنظمين، الذين يواجهون سلطة خاصة مركّزة تعمل بجد لاحتواء الحرب الطبقية الشرسة التي أدّت إلى الوضع المأساوي الحالي.

إيمي جودمان: أريد أن أسألك كيف جرى، يوم 6 كانون الثاني (يناير)، وكيف تراه؛ هل تعتقد أنّ هذه ليست ولادة حركة فاشية أولى Proto-fascism بقدر ما هي استمرار لها؟ أنت في ولاية أريزونا، حيث إعادة فرز الأصوات، الرافضة لأصوات الديمقراطيين في جميع أنحاء البلاد، مستمرة؛ إلى أين تتجه الولايات المتحدة برأيك؟ وهل ترى أنّ الرئيس ترامب سيصبح رئيساً مرّة أخرى؟

نعوم تشومسكي: هذا ممكن جداً، لقد تُوِّجت الإستراتيجية الجمهورية التي وصفتُها بالنجاح: إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالبلد، وإلقاء اللوم على الديمقراطيين، وتطوير جميع أنواع القصص الخيالية حول الأشياء البشعة التي يقوم بها الشيوعيون والديمقراطيون ضد أطفالك، وضد المجتمع، في بلد خاضع للانهيار الاجتماعي، للانقسام، إلى غياب القدرة المنظمة على الاستجابة بالأفكار والأفعال التي يمكن أن تنجح. وهو ما نراه الآن. لذا، نعم، من المحتمل جداً أن يعود حزب الإنكار (نسبة إلى إنكار وقوع الهولوكوست) إلى السلطة، أو أنّ يعود ترامب، أو شخص مثله، وبعد ذلك سوف نركض حتماً نحو الهاوية.

اقرأ أيضاً: متى ينتبه العالم إلى خطر الفاشية الإيرانية؟

فيما يتعلق بالفاشية، يزعم بعض المحللين الأذكياء والمطلعين أننا نتجه نحو الفاشية الحقيقية. شعوري الشخصي هو أنني أفضّل التحدث عن نوع من الفاشية الأولية (البدائية)، حيث العديد من أعراض الفاشية أصبحت واضحة تماماً؛ اللجوء إلى العنف، والاعتقاد بأنّ العنف ضروري. يقول جزء كبير من أعضاء الحزب الجمهوري، ربما 30 أو 40 بالمئة إنّ العنف قد يكون ضرورياً لإنقاذ بلادنا من أولئك الذين يحاولون تدميرها، من الديمقراطيين الأشرار الذين يفعلون كلّ تلك الأشياء البشعة التي تُحكَى لهم، ونرى هذا في الميليشيات المسلحة.

وكان يوم 6 كانون الثاني (يناير) مثالاً على ذلك؛ فهم في الغالب من طبقة البرجوازية الأمريكية الصغيرة، من أوساط متوسطي الثراء، وليس من الأشخاص الذين يؤمنون حقاً بأنّه من الضروري القيام بانقلاب لإنقاذ البلاد. في الواقع لقد حاولوا القيام بخطوة سيئة لتقويض حكومة منتخبة، وهذا ما يسمى بالانقلاب، وللأسف، فقد صاروا قاب قوسين من ذلك الانقلاب. ولحسن الحظ، وهذا ما يحدث، يتّخذ الحزب الجمهوري حالياً خطوات معقدة للغاية لمحاولة ضمان ألا يحدث ذلك مرة ثانية في المرة القادمة.

العديد من أعراض الفاشية أصبحت واضحة تماماً

لاحظْ أنهم يصفون نشطاء انقلاب 6 كانون الثاني (يناير) بالأبطال: "كانوا يحاولون إنقاذ أمريكا، هذه علامات على انهيار اجتماعي هائل، يتجلى بشكل ملموس في الأشخاص الذين لا يمتلكون فعلياً احتياطيات مالية كافية لإخراج أنفسهم من الأزمة. وبالطبع يكون الأمر أسوأ بكثير عندما تذهب إلى المجتمعات المحرومة حقاً. على سبيل المثال ثروة الأُسَر بين السود تقترب من الصفر. إنهم يعانون من مشاكل خطيرة، كلّ هذا في أغنى وأقوى دولة في العالم، في تاريخ العالم، مع مزايا ضخمة لا مثيل لها يمكن أن تمهّد الطريق بسهولة لمستقبل أفضل بكثير.

وهذا ليس حلماً طوباوياً؛ فلنعد إلى الكساد، إنه طفولتي، أتذكره جيداً. أزمة شديدة، فقر، معاناة أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم، لكنها فترة مليئة بالأمل. عاشت عائلتي العاطلة عن العمل والمهاجرة ومن الطبقة العاملة في أمل، كانت لديها نقابات تحميها. خالاتي، الخياطات العاطلات عن العمل، كان لديهنّ اتحاد عمال الملابس النسائي الدولي، وأنشطة ثقافية، والتعاضد المتبادل.

اقرأ أيضاً: أردوغان "فاشي العصر".. لماذا لقّبه الأكراد بذلك؟

كان بالإمكان أخذ إجازة لمدة أسبوع، وكان الأمل في المستقبل قائماً، وكانت هناك إجراءات نقابية نشطة، وأعمال سياسية أخرى، وإدارة متعاطفة مهدت الطريق للديمقراطية الاجتماعية، ألهمت ما حدث في أوروبا بعد الحرب. في ذلك الوقت كانت أوروبا تتجه نحو الفاشية، بكلّ معنى الكلمة، الفاشية البشعة، انتقلت الولايات المتحدة، تحت هذه الضغوط، إلى الديمقراطية الاجتماعية.

واليوم، مع مفارقة عظمى، عظمى ومرّة​، نشهد شيئاً ما يشبه العكس: الولايات المتحدة تتجه نحو شكل من أشكال الفاشية. أوروبا بالكاد تتشبث بديمقراطية اجتماعية فاعلة، ولديها الكثير من المشاكل، لكنّها على الأقل تتشبث بها، على عكس ما حدث في الماضي تقريباً، ويمكننا بالتأكيد العودة ليس فقط إلى الثلاثينيات، ولكن إلى شيء أفضل بكثير من ذلك.

نرمين الشيخ: أستاذ تشومسكي، أيمكنك، طبعاً ذكرت الحزب الجمهوري؛ هل يمكن أيضاً إجراء تقييم لإدارة بايدن حتى الآن؟ لقد تحدثت في وقت سابق عن أزمة المناخ. في وقت سابق من هذا العام نشرتْ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تقريرها بعد عقد من الزمن، والذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بـ "القانون الأحمر للبشرية". وبعد أيام قليلة، كما ذكرتَ، دعا بايدن منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) إلى البدء في زيادة إنتاج النفط. إذاً، إذا كان بإمكانك التعليق على ذلك، سياسات بايدن بشأن المناخ، ولكن أيضاً بشأن قضايا أخرى؟

نعوم تشومسكي: إنها قصة مختلطة، برامجه الوطنية، بصراحة، أفضل بكثير مما كنت أتوقع. لكن يتمّ، بل تم بالفعل، تقليصها بشكل كبير، مشروع قانون إعادة البناء بشكل أفضل قيد المناقشة حالياً والذي، من دون ضغوط عامة ضخمة، من غير المرجح أن يتم تمريره، فهو نسخة مصغرة للغاية مما أنتجه بيرني ساندرز للمرة الأولى، والذي قبله بايدن بشكل أو بآخر وقلّص حجمه إلى حد ما، وهو الآن مقلص بقوة أكبر، والذي قد لا يتم اعتماده حتى في شكله المصغر.

وكما سبق لي أن قلت يعارض الجمهوريون بنسبة 100٪ فكرة ما يوافق عليه ناخبوهم أنفسهم بأغلبية ساحقة، ويديرون نظام الدعاية بطريقة تجعل ناخبيهم لا يعرفون شيئاً. هنا نتائج ملحوظة تظهر في استطلاعات الرأي حول مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" (Build Back Better)، إذا سألتم الناس عن ترتيباته الخاصة ستحصلون على دعم قوي.

اقرأ أيضاً: الفاشية في رؤوسنا: هل يمكن دمقرطة لغتنا؟

لو سألتهم حول مشروع القانون تجد مشاعر مختلطة، وغالباً من المعارَضة، لأنّ المعارضين يشعرون أنّ مشروع القانون الذي يحتوي على الأحكام التي يريدونها، قد يُضِرّهم في النهاية. بالإضافة إلى ذلك اتضح أنّهم لا يعرفون ما هو موجود في مشروع القانون، إنهم لا يعرفون أنه يتضمّن الأحكام التي يوافقون عليها، كلّ هذا هو حملة تلقين مذهبي مكثف وناجح، من النوع الذي كان سيثير إعجاب جوبلز(2)، والطريقة الوحيدة للتغلب عليها، مرّة أخرى، هي من خلال فعالية دائمة متسقة ومتفانية.

خذ برنامج المناخ؛ لم يكن برنامج بايدن للمناخ هو البرنامج الملائم، لكنّه كان أفضل من أيّ برنامج سبقه، ولم يأتِ من فوق؛ بل كان نتيجة للكثير من عمل النشطاء، تمكّن نشطاء شباب من احتلال مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ، مكتب نانسي بيلوسي. عادة كان يفترض طردهم من قبل شرطة الكابيتول، لكن هذه المرّة حصلوا على دعم من الناشطة السياسية الاشتراكية، أوكازيو كورتيز (Ocasio-Cortez)، التي انضمت إليهم، ومنعت الشرطة من طردهم، وهكذا حصلوا على دعم إضافي، كما ذكرت، من قِبل إِيدْ ماركي (Ed Markey).

الولايات المتحدة تتجه نحو شكل من أشكال الفاشية. أوروبا بالكاد تتشبث بديمقراطية اجتماعية فاعلة، ولديها الكثير من المشاكل، لكنّها على الأقل تتشبث بها، على عكس ما حدث في الماضي

وسرعان ما تمكنوا من الضغط على بايدن ليطور ويوافق على برنامج مناخي كان بمثابة تحسّن كبير عن أيّ شيء سبقه، في الواقع حتى وفقاً للمعايير العالمية، كان أحد أفضلها. والحال أنّ قيادة الحزب الديمقراطي لم تثمّنه ولم ترغب فيه، لقد أزالوه بالفعل من صفحة الويب الخاصة بهم قبل الانتخابات وحاولوا منعه، وقد تم تقليصه من قبلهم ومن قبل المعارضة الجمهورية القوية، التي تطالب بأن نذهب بأسرع ما يمكن نحو الكارثة.

عندما تذهب إلى غلاسكو ستسمع كلمات لطيفة كثيرة، بما فيها كلام الرئيس بايدن؛ اُنظرْ ما يحدث في العالم خارج مسارح غلاسكو، صورة مختلفة. عاد بايدن من غلاسكو وفتح للإيجار أكبر امتياز في تاريخ الولايات المتحدة لحقول النفط لاستغلالها من قبل شركات الطاقة، وحجته في ذلك هي أنّ جهوده من أجل إيقاف الامتياز قد تم تعطيلها بأمرٍ مؤقت من المحكمة، لذلك فلم يكن أمامه خيار.

في الواقع هناك خيارات أخرى، لكنّ الرسالة التي تبعث بها، القاسية والواضحة، هي أنّ مؤسسات المجتمع، المؤسسة الفيدرالية، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، هذه المؤسسات غير قادرة على إدراك خطورة الأزمات التي نواجهها، وهي تسير في طريق يؤدي إلى شيء يشبه انتحار الأنواع.

القوة الوحيدة التي يمكنها مواجهة هذا كانت موجودة بالفعل في غلاسكو، كان هناك حدثان في غلاسكو، كانت هناك مناقشات ممتعة، لكن ثرثرة بلا طائل، داخل القاعات، وكان هناك عشرات الآلاف من المتظاهرين خارج المباني، معظمهم من الشباب، يطالبون باتخاذ إجراءات حقيقية تسمح بنموّ مجتمع لائق وقابل للحياة، وليس بتدميره، هذان هما الحدثان اللذان وقعا في غلاسكو، ومعرفة أيٍّ من الحدثين سينتصر هي التي ستحدّد مستقبلنا؛ هل سيتجه هذا المستقبل نحو كارثة أم إلى عالم أفضل وأكثر ملاءمة للعيش؟ كلاهما محتملان، ويظلّ الاختيار بين أيدينا.


الهامش:

(1)  محاكمة سكوبس "Scopes"، المعروفة باسم محاكمة القرد سكوبس، هي محاكمة جرت في دايتون (تينيسي) في الولايات المتحدة، في الفترة من 10 إلى 21 تموز (يوليو) 1925، وتخاصم فيها الأصوليون المسيحيون، ودافع عنهم المدعي والسياسي وليام جينينغز برايان، ضد الليبراليين الذين دافع عنهم كلارنس دارو.

شهد الحُكم تغريمَ جون توماس سكوبس، مدرس في مدرسة دايتون العامة المدعومة من قبل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، مئة دولار لتعليمه نظرية التطور لطلابه، الطلاب، على الرغم من قانون ولاية تينيسي، قانون باتلر الذي يحظر على المعلمين إنكار "قصة الخلق الإلهي للإنسان كما يعلّمه الكتاب المقدس".

(2) بول يوزِف غوبلز (Paul Joseph Goebbels‏) (1898 - 1945): سياسي نازي ألماني ووزير الدعاية في ألمانيا النازية، من عام 1933 إلى عام 1945، كان أحد أقرب شركاء الزعيم النازي أدولف هتلر وأكثرهم تفانياً، وكان معروفاً بمهاراته في التحدث أمام الجمهور ومعاداته الصريحة لليهود، والتي كانت واضحة في وجهات نظره العلنية، دافع تدريجياً عن عمليات التمييز الأكثر قسوة، بما في ذلك إبادة اليهود في المحرقة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.les-crises.fr

https://www.les-crises.fr/noam-chomsky-fascisme-americain-lutte-des-classes-et-urgence-climatique/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية