نجل الشهيد مفتي لبنان حسن خالد يكشف لـ"حفريات" ظروف اغتياله

نجل الشهيد مفتي لبنان حسن خالد يكشف لـ"حفريات" ظروف اغتياله

نجل الشهيد مفتي لبنان حسن خالد يكشف لـ"حفريات" ظروف اغتياله


23/05/2023

 أجرى الحوار: حامد فتحي

حلت الذكرى الرابعة والثلاثون على استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الراحل، الشيخ حسن خالد، الذي دفع روحه ثمناً لمواقفه السياسية الوطنية، في تفجير استهدف سيارته في 16 أيار (مايو) 1989، حين كان عائداً من عمله في دار الإفتاء. تأتي تلك الذكرى هذا العام في ظل واقع لبناني مشحون بالتجاذب الطائفي، والتخندق خلف الطائفية في ظل أزمة سياسية عنوانها الفراغ الرئاسي، وأخرى اقتصادية غير مسبوقةٍ، تهدد بمخاطر اجتماعية كبيرة.

تمثّل ذكرى الشهيد حسن خالد، ومعها عشرات الذكريات لمن قضوا نحبهم في مسلسل العنف الدموي والاغتيالات التي طبعت الذاكرة الشعبية اللبنانية، فرصةً للتعلم من أخطاء الماضي والتطلع نحو المستقبل. لكن واقع الحال يكشف أنّ تلك التضحيات لا تلقى التقدير المستحق؛ فالوطن الذي من أجل سيادته وكرامته ونهضته دفع ثمنه حسن خالد ورفيق الحريري وكمال جنبلاط ورشيد كرامي، ما زال يقدم القرابين دون توقف، وما كان اغتيال لقمان سليم ببعيد عن ذلك.

في ذكرى اغتيال المفتي، حاورت "حفريات" نجله المهندس سعد الدين، ومدير مؤسسة التربية والثقافة التي تحمل اسم المفتي الراحل، للوقوف  ظروف اغتيال المفتي، وعلى التجربة الوطنية لحسن خالد كرمز وطني لبناني ورمز سنّي وعروبي، في وقت تغيب فيه السيادة والعدالة عن لبنان.

هنا نصّ الحوار:

حلت الذكرى الـ 34 على استشهاد سماحة المفتي، كيف ترى كمواطن لبناني واقع البلد اليوم بعد كل التضحيات الجليلة التي قُدمت في سبيل سيادته ونهضته؟

يعيش لبنان حالة غير مسبوقة من التردي على كل صعيد، نحن نعيش في جحيم سياسي وجحيم اقتصادي ومالي ومعيشي، والذي يدعو للأسى والأسف معاً أنه برغم خطورة ذلك لا نرى من السياسيين عندنا أية معالجات وتنازلات لصالح البلد. والمؤسف أكثر أنّ قدرة الشعب على التغيير من خلال الانتخابات النيابية مخيبة جداً للآمال، كما هو الحال في الانتخابات الأخيرة؛ حين أعادوا انتخاب نفس الطبقة السياسية المسؤولة عن الأوضاع المأساوية التي يعاني الشعب منها.

في ظل الوضع اللبناني الذي تسوده توترات طائفية على خلفية الانسداد السياسي في ملف الرئاسة وغير ذلك، ما هي القيم التي عمل بها سماحة المفتي الشهيد ويفتقدها لبنان اليوم؟

القيم التي عمل بها المفتي الشهيد ونفتقدها اليوم هي الوطنية الصادقة، لا أحد أكبر وأهم من بلده، أو أكبر أو أهم من مصالح بلده ومن الدستور والقانون والديمقراطية، وحق الشعب في الحياة المستقرة الطبيعية. هكذا كان نهج الشهيد أولوية الوطن والدستور والقانون والديمقراطية، وديمومة عمل المؤسسات الدستورية، والنهج العربي قلباً وعقلاً وممارسةً، من منطلق الحرص على الحرية والسيادة والاستقلال، ورفض الظلم والحروب بين أبناء الشعب الواحد. كان هو المدافع عن الإنسان كإنسان، والمتصدي للظلم والفساد كائن من كان المرتكب، فهو نهج الكلمة الحرة والصادقة التي لا تخشى في قول الحق لومة لائم.

كان الشهيد حسن خالد إمام الوسطية والاعتدال الذي آمن برسالة لبنان الحضاري، وناضل بكل ما أوتي من قوة وعزم وإرادة من أجل المبادئ التي آمن بها

وهو كمفتٍ الجمهورية، كان إمام الوسطية والاعتدال الذي آمن برسالة لبنان الحضاري، وناضل بكل ما أوتي من قوة وعزم وإرادة من أجل كل المبادئ التي آمن بها. لكن أين نحن اليوم من ذلك، مؤسف أننا حتى يومنا هذا لم نستطع أن ننتخب رئيساً للجمهورية، ولا نعرف متى سيحدث ذلك.

نحن في وضع لا يُطاق، وبدون رئيس للجمهورية الذي يتطلب انتخابه استعداد من الجميع للتنازل عن مصالحهم الضيقة لصالح المصلحة العامة للبلد، فإن بقاءنا حيث نحن في مأزقنا سيطول، بما في ذلك من أوضاع صعبة ومآسٍ إضافية للناس جميعاً وللوطن.

جمع الهمّ الوطني بين ثلاثة رموز دينية وطنية تمثل اللبنانيين؛ سماحة المفتي، البطريرك الراحل صفير، السيد موسى الصدر، حدثنا عن دور الثلاثة من أجل لبنان؟

نعم كلٌ من المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد والإمام المغيب موسى الصدر والبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير، وأيضاً قيادات روحية أخرى، مثل الإمام محمد مهدي شمس الدين وشيخ عقل الطائفة الدرزية محمد أبو شقرا - رحمهم الله - لعبوا أدواراً مهمة في الحياة العامة والوطنية، ولولا وجود هكذا قيادات روحية جليلة في البلد في ذلك الزمن؛ زمن الحرب، لكان وضعنا أسوأ بكثيرٍ.

وجود قيادات كهذه بما لها من تأثير في الأوضاع، وما لها لدى الناس من تقدير، خفف كثيراً من الألم في وقت الفوضى والحروب، خاصة تبعات الحرب على الوحدة الوطنية والإصلاح السياسي، كان لهم دورٌ بارز في البحث عن حلول. بقاؤهم في لبنان في تلك الفترة العصيبة شكل بوصلة أمان؛ كان خطابهم الحكيم بمثابة أمل أنّ يوماً سيأتي وينتهي زمن الحروب والفوضى ويعبر الوطن إلى ضفة الأمان.

🎞

يكفي أن أذكر كيف أنّ غبطة البطريرك الراحل صفير فتح أبواب الصرح الكنسي في بكركي ليتقبل بنفسه التعازي باستشهاد والدي، يوم كانت العاصمة مشطورة قسمين، ما تعذر على كثيرين القدوم من شرقها نحو غربها ليقدموا التعازي في دار الفتوى. ذلك الموقف يستحق أن يكون من الدروس في الوطنية في العيش المشترك والإنسانية والرجولة، كان البطريرك رجلاً حراً مثل والدي، يحمل الهمّ الوطني نفسه.

هل تُفتقد تلك الروح في ظل الأزمات اليوم؟

في الحقيقة الروح الوطنية  والحرص على البلد التي كانت عن المرجعيات الروحية في الأمس هي حتماً موجودة اليوم، لكننا نعاني من التفلت في ممارسة السياسة. لا نستطيع إلا أن نتمنى من الله إعانة المرجعيات الروحية جميعاً، فهم اليوم مثل الشعب تماماً يعانون من نتائج السياسة.

ما هو دور سماحة المفتي الشهيد في جعل دار الفتوى بيتاً لجميع اللبنانيين؟ وعلى أي أسس ومبادئ قام بذلك؟

على مدار ثلاثة عقود في سدة الإفتاء والعمل الوطني، أعلى الشهيد حسن خالد من دار الفتوى  ومقام المفتي في وجدان الناس وعواطفهم، لتفانيه وإخلاصه في خدمة قضاياهم وقضايا الوطن والأمة.  جاب الشهيد بلدان العالم من أجل وطنه وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وكان منزله في بيروت أو مكتبه في دار الفتوى مقصداً للجميع؛ مواطنين وسياسيين ومسؤولين من داخل الوطن ومن خارجه. كان قائداً وطنياً ورمزاً مجتمعياً، نال احترام الجميع، واستحق أنّ يكون مرجعاً للمشورة حول شؤون البلاد.

 حلتّ ذكرى رحيل الشهيد حسن خالد في وقت مأزوم للطائفة السنية، كيف ترى واقع السنّة اليوم؟

الحقيقة أنّ واقع كل الطوائف مأزومٌ بفعل الأزمات الراهنة. يزداد وقع ذلك على الطائفة السنّية، التي تعاني أزمة قيادة خطيرة. لا توجد قيادة سياسية للسنّة، كما لدى الطوائف الأخرى، وذلك الغياب ليس وليد اليوم.

نجل الشهيد حسن خالد: البطريرك الراحل صفير فتح أبواب الصرح الكنسي في بكركي ليتقبل بنفسه التعازي باستشهاد والدي، يوم كانت العاصمة بيروت مشطورة قسمين

وما نراه من واقع السنّة اليوم أنّها لم تحصد من تجاربها على مدار عقود ما تستحقه من مكانة. هي الطائفة التي لم يكن لها ميليشيات في الحرب الأهلية، ورغم ذلك حافظت على مكانها، مع تغير الأوضاع السياسية في لبنان. أما اليوم فواقعها بعيد عن دورها الرائد، وتضحيات وجهود رموزها في العقود السابقة، ذلك لأنّ مشكلتها في افتقاد القيادة الفاعلة.

متغيرات إقليمية كبيرة لن يكون لبنان بعيداً عنها، منها الاتفاق السعودي - الإيراني، كيف يستفيد السنّة من ذلك؟

نحن أمام متغيرات كبيرة، ونستبشر خيراً بالتوافق السعودي الإيراني. أما الذي نأمل أن تجنيه طائفتنا وسط أجواء كهذه، هو أن يتبوأ موقع القيادة السياسية فيها من هم أهل لذلك. نأمل ألا يتولى أمرها من يزيدون من همومها وتردي أوضاعها.

نظرة سريعة على حال أفراد طائفتنا السنّية، نجدهم الأكثر معاناةً في المعيشة، حتى إنّهم صاروا ضحايا الموت غرقاً في رحلة الهجرة غير الشرعية بحثاً عن حياة أفضل، وكلامي ليس طائفياً، بل حقائق معروفة، تكشف عما تعانيه الطائفة من غياب القيادة التي ترعى مصالحها.

حدثنا عن الأسباب التي دفعت إلى الغدر بالشهيد حسن خالد، وما هي رؤيته للبنان التي دفع روحه ودماءه ثمناً لها؟

لست بقاضٍ لأحكم في قضية اغتيال بحجم اغتيال والدي. يسهل على أي كان أن يوجه اتهاماً سياسياً لهذه الجهة أو تلك أو هذه الدولة أو تلك، استناداً لخلاف أو لظن أو لمصلحة، لكن هل في هذا مصلحة للحقيقة أو مصلحة للعدالة؟! حوادث الاغتيال هي أعمال إجرامية معقدة، ومؤسف أننا حتى الآن بالرغم من مرور 34 عاماً على اغتيال والدي لم نر أنّ التحقيق وصل إلى أي مكان، هذا إذا كان تحرك من الأساس.

نحن لا نعرف شيئاً، مثلنا في ذلك مثل أولياء الدم في قضايا اغتيال عديدة شهدها وطننا لبنان. لكن ما أستطيع أن أقوله بضمير مرتاح هو أنّ من اغتال والدي وقتل عدداً من مرافقيه والمواطنين عدوٌ للبنان الحرة ذات السيادة، التي تعزز العيش المشترك وتنسج علاقاتها مع محيطها العربي.

هل يمكن أنّ تُكشف الحقائق قريباً؟

نأمل أن يأتي يومٌ تُكشف فيه الحقيقة كاملة في اغتيال والدي، والمسؤولين عن هذه الجريمة البشعة. وفي انتظار ذلك سنبقى نطالب بالعدالة ولن نمل أو نيأس، ومطلبنا ليس عائلياً، بل هو مطلب وطني وعربي بامتياز. لا بد أن نعرف من هو هذا المجرم الذي تجرأ وفجرّ موكب قائد وطني وعروبي وإسلامي مثل المفتي حسن خالد، قائد ورجل لم يكن يريد لأمته وشعبه إلا كل خير.

دعا سماحة المفتي إلى دور عربي فاعل لإنهاء الحرب الطائفية، ودفع روحه ثمناً ذلك، فما هو دور سماحته في الوصول إلى اتفاق الطائف؟

 الذي يقرأ اتفاق الطائف يجد أنّ كثيراً من نصوصه ذات الصلة بالإصلاح السياسي كانت ثمرة نضال الشيخ حسن خالد ونخبة من رجالات الوطن ناضلوا مثله، كل من موقعه. والذي يدعو للأسف أنّ ساسة ما بعد الحرب لم يعطوا الشيخ حسن خالد ومناضلي ذلك الزمان حقهم في التوصل لاتفاق أنهى حرباً دامت 15 عاماً.

واستطيع القول إنّ التطبيق المشوه لاتفاق الطائف في ممارسات الساسة، لم يكن ليمر لو كانت تلك الرموز الوطنية حية إلى اليوم، ومنها والدي الشيخ حسن خالد.

🎞

وفي رحلته للتوصل إلى حل بدعم عربي ودولي لإنهاء الحرب الأهلية، لم يترك والدي باباً يساعد في ذلك إلا وطرقه، وكانت تلك الأبواب مفتوحة أمامه، لما عرفوه عنه من ثقة ونزاهة، وإخلاص للوطن، دون بحث عن منافع شخصية.

يرى المراقب توتراً إسلامياً - مسيحياً في لبنان، وكانت أزمة التوقيت مناسبة ظهر خلالها هذا التوتر. ماذا عن نهج سماحة المفتي الشهيد في العيش المشترك بين جميع الطوائف والأديان

 كان رحمه الله إمام العيش المشترك، ورائداً من رواد السلم الأهلي والتسامح. طالما رسخ فكرة أن وحدة المسيحيين هي بأهمية الوحدة بين المسلمين، وهي شرط من شروط الوحدة الوطنية. وصف دوماً الطائفية بأنها تشنج صارخ بأصول الدين، واعتداء وحشي على الإنسانية وضيائها. كانت فكرته أنّ الطائفية السياسية والساسة الطائفيين كلاهما ينتفع بالآخر، يغذون بعضهما البعض، على حساب لبنان وازدهاره.

كان الحوار دعوة سماحة المفتي الشهيد، وفي ظل الانسداد السياسي اليوم، هل يكون الحوار المخرج؟ وعلى أي أسس وقيم؟

 نعم، بلدنا لا يقوم من أزماته إلا بالحوار، وفق شروط أقلها أن تكون المصلحة العليا للبلد هي السقف، وليس المصلحة السياسية لهذا الطرف أو ذاك. نأمل أن تساهم دول الاجتماع الخماسي حول لبنان (السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة) في إخراج لبنان من محنته. وبالتأكيد أنّ استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية هو البوصلة التي من خلالها أي مصير سيسلكه لبنان، ونحن متفائلون مع إدراك حجم التعقيدات.

قرأت عن دعم سماحة المفتي الشهيد للمرأة، واشراكها في لجان تابعة لدار الفتوى، فكيف كانت رؤية سماحته لدور المرأة في المجتمع وقضاياها؟

أيقن سماحته أنّ المجتمع لا يستقيم دون دور فاعل للمرأة أسوةً بالرجل، لهذا حرص أنّ يكون لها دورٌ ريادي. أدرك أنّ المرأة هي الأم والأخت والزوجة والجدة والابنة والحفيدة، لهذا سعى لمنحها المكانة التي تستحقها، متطلعاً نحو المستقبل، وبما يراعي الدين والقيم.

وضع موقع إخوان أونلاين سماحة المفتي الشهيد ضمن رموز جماعة الإخوان المسلمين، فما صحة ذلك؟

مع الاحترام للجميع، أؤكد أنّ المفتي الشيخ حسن خالد لم يكن إخوانياً. ربما قدر الإخوان فيه مزايا عديدة مثلما فعل غيرهم من الجهات الاسلامية، لكنه حتماً لم يكن من الإخوان المسلمين. واستشهد بأنّ والدي لم يكن إخوانياً، بالعلاقة القوية التي جمعته مع الرئيس جمال عبد الناصر، والتي لم تمنع نسج علاقات قوية مع ملوك السعودية وجميع القادة والزعماء العرب.

🎞

أذكر موقفاً يكشف عن علاقته المتميزة بالرئيس عبد الناصر، ذات مرة قبيل إحدى زياراته إلى القاهرة، قصدته عائلة قيادي إخواني طلباً للتوسط لدى الرئيس للإفراج عن ابن الأسرة الذي اُعتقل مع والده في قضية لا علاقة لها بها. وعدهم المفتي الشهيد خيراً، وتحدث إلى الرئيس عبد الناصر ناقلاً رجاء العائلة، شارحاً ألا دخل للابن في قضية والده، وتجاوب الرئيس لمسعى والدي، وأُفرج عن ابن القيادي الإخواني.

تنشط مؤسسة سماحة المفتي الشهيد تحت إدارتكم في العمل الخيري، فحدثنا عن رؤيتكم الاجتماعية والخيرية.

منذ انطلاقتنا في المؤسسة الاجتماعية التي تحمل اسم المفتي الشهيد، ونحن نحاول على قدر استطاعتنا الوقوف الى جانب أهلنا أبناء المجتمع، من الذين يحاصرهم الزمن بما فيه من بلاء. لكن أمام الوضع المأساوي الموجود فيه اليوم البلد أضحت المهام جسيمة والمسؤوليات أعظم، وكل هذا لم يجعلنا نتخلى عن مسؤوليتنا ودورنا. نحاول أن نساعد في مجالات عديدة؛ غذائية وتعليمية وصحية واجتماعية وكفالة الأيتام والأرامل، متكلين في ذلك على الله عز وجل أولاً، ودعم الخيرين من أبناء مجتمعنا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية