مَن الأطراف التي تسعى إلى "لبْنَنة" ليبيا؟

مَن الأطراف التي تسعى إلى "لبْنَنة" ليبيا؟


09/06/2022

ما أكثرَ اللقاءات والاجتماعات التي يعقدها الفرقاء الليبيون، وما أقلَّ الإنجازات التي تخرج عنها، هكذا حال الأزمة الليبية التي لا تخرج من أزمة إلا وتقع في أخرى، وحتى الحكومة التي تشكلت لتكون مخرجاً من الجمود تحولت إلى مُسعّرة لنار الأزمة.

ومن بين آخر الاجتماعات التي شهدتها البلاد لقاء القوى المسلحة التي تسيطر على الأرض، ممثلة في القيادة العامة للجيش العربي الليبي التي تسيطر على الشرق والجنوب، وقادة عدد من الميليشيات المسلحة في مدن المنطقة الغربية، وهو اللقاء الأول من نوعه بهذا الحجم بين الفرقاء الذين يملكون القوة المباشرة.

لكن هل يمكن لقادة الميليشيات أن تتفاوض، وهي أساس الأزمة اليوم، سواء من الناحية الأمنية والسياسية وحتى المالية بهيمنتها على مؤسسات الدولة في العاصمة، وارتهانها لقوى أجنبية وعلى رأسها تركيا. وإذا كان هناك حل ممكن فسيبدأ بتفكيك وإعادة دمج هذه الميليشيات في جيش ليبي موحد، وهو ما يعني انتهاءها عملياً، وهو أمر لن تسمح به قيادات هذه الميليشيات والقوى السياسية الداعمة لها محلياً وخارجياً، ولهذا بات الشك وفقدان الأمل هما ما يسبقان أية مفاوضات حول ليبيا.

محادثات الفرقاء

تشهد ليبيا مسارين للمفاوضات بين الفرقاء السياسيين والعسكريين برعاية أممية وغربية لحلحلة الجمود السياسي بعد الإخفاق في عقد الانتخابات بنهاية العام الماضي، نتيجة عدم التوافق على القوانين الانتخابية، وتعطيل رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة للعملية الانتخابية للاستمرار في منصبه. وكان الإخفاق مصير آخر مفاوضات ليبية - ليبية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والتي شُكلت بناءً عليها حكومة فتحي باشاغا التي نالت الثقة من البرلمان، دون قدرة على دخول طرابلس بسبب رفض الدبيبة تسليم السلطة.

أطماع الدبيبة الشخصية عقدت المشهد الليبي

وفي هذا السياق عادت البعثة الأممية وأوروبا لرعاية المحادثات الليبية - الليبية عبر مسارين؛ الأول المسار الدستوري بالحوار بين مجلس النواب ومجلس الدولة في القاهرة برعاية الممثلة الأممية، ستيفاني ويليامز، والثاني عبر مركز الحوار الإنساني في جنيف وبمشاركة الأمم المتحدة وهي المفاوضات المباشرة بين ممثلين عسكريين عن القيادة العامة للجيش وتشكيلات مسلحة في المنطقة الغربية، بجانب إعادة الأمم المتحدة الحديث عن خطة لدمج وتفكيك التشكيلات المسلحة.

نظمت وزارة الخارجية الإسبانية والاتحاد الأوروبي بالتعاون مع مركز طليطلة الدولي للسلام وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ورشة حول آليات استيعاب المجموعات المسلحة داخل مؤسسات الدولة

وتهدف هذه اللقاءات إلى الوصول لاتفاق سياسي عام حول شكل الدولة والدستور وكيفية الذهاب إلى الانتخابات لتشكيل سلطة تنفيذية شرعية، ولتفادي الانزلاق إلى صراع مسلح بسبب رفض الدبيبة تسليم السلطة إلى رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا.

واستضاف مركز الحوار الإنساني اللقاء الأول بين الجيش الوطني والتشكيلات المسلحة في 12 من أيار (مايو) الماضي، وبحسب ما نشرته وكالة "نوفا" الإيطالية، فإنّ المركز الذي رعى مفاوضات جنيف التي أنتجت خارطة الطريق التي انبثقت عنها حكومة الدبيبة، ناقش مع المجتمعين مقترحين حول علاج الأزمة السياسية؛ الأول إعلان دستوري جديد ذو طبيعة مؤقتة، يبدأ عملياً من الصفر، أو الموافقة على مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في العام 2017.

التشكيلات المسلحة

وفي 23 من الشهر نفسه، نظمت وزارة الخارجية الإسبانية والاتحاد الأوروبي بالتعاون مع مركز طليطلة الدولي للسلام وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ورشة فنية حول آليات استيعاب المجموعات المسلحة داخل مؤسسات الدولة، وفق برامج تعتمد على التدريب والتأهيل.

جانب من الاجتماعات مع مع مركز طليطلة الدولي للسلام

وحضر النقاشات عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، ووزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية اللواء خالد مازن، ووزير العمل والتأهيل علي العابد، ورئيس الأركان العامة بطرابلس الفريق أول محمد الحداد، ووكيل وزارة الخارجية واللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وأعضاء اللجنة (410) المكلفة ببرنامج تنظيم واستيعاب ودمج القوى المساندة في مؤسسات الدولة.

وعقب ذلك بيوم استضافت المغرب الاجتماع الثاني بين وفدي القيادة العامة وتشكيلات المنطقة الغربية المسلحة، بمشاركة الفريق السياسي للقيادة العامة، والمُلاحظ على هذه الاجتماعات رغم تعددها أنّ أياً منها لم يُعقد داخل ليبيا.

ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: "المفاوضات التي يُراد بها مصلحة ليبيا هي التي تتم داخل أراضينا وضمن إطار ليبي - ليبي، وبشكل معلن ومعروف بخصوص الأسماء وضمن نقاط محددة النقاش، وتفاهم فيها دون المساس بالثوابت الوطنية".

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط لـ"حفريات": المفاوضات التي يُراد بها مصلحة ليبيا هي التي تتم داخل أراضينا ومن الأفضل أن تبتعد القوات المسلحة عن الشأن السياسي

وتابع لـ"حفريات": "أما التي تجري في الغرف المغلقة وبرعاية مخابرات دول بعينها وأسماء الوفود لا تُعرف سوى بتسريبات، كالتي انعقدت بين قيادة الـجـيـش وقادة المليشيات من أجل البقاء بالمشهد لمصالح شخصية ضيقة فهنا نعترض عليها، مثلما اعترضنا على دور البعثة زمن تنسيقها لحوار غدامس ثم جنيف وعدم كشفها عن الأسماء وكيف تم اختيارهم وجعلهم ممثلين عن الشعب الليبي".

وبحسب حديث قادة تشكيلات مسلحة، تم طرح موضوع دعم حكومة باشاغا مقابل الحصول على حقائب وزارية، وهو الأمر الذي يعني بحسب المحلل السياسي الليبي "لبننة ليبيا"، وأضاف: "الذي يتصور أنّ المليشيات بالأخص قياداتها أقصى طموحها السعي للحصول على ضمانات تضمن سلامتها لكي تخرج من المشهد مع ما نهبوه، يُرجى مراجعة نفسه وعقله؛ فهذه المنظومة تحولت لدولة داخل الدولة وأصبح لديها نفوذ داخل المؤسسات بل وحقائب وزارية وعلاقات مع مخابرات دول تقوم بتحريكها، وباتت ترى أنّ لها حصة في الدولة الليبية لن تتنازل عنها بسهولة".

وأشار قشوط إلى أنّ "المفاوضات مع الميليشيات وإشراكهم في تقرير مصير الدولة خطأ سيدفع ثمنه من يفاوضهم على ذلك، وسيجر البلاد والشعب لوضع أشبه بالميليشيات اللبنانية".

الدور السياسي للجيش

وبخلاف ما سبق، بات الجيش الوطني منخرطاً في العملية السياسية بعد ما كان ينأى بنفسه عنها، وربما استجد هذا الموقف بعد إخفاق تنظيم الانتخابات، التي كان قائد الجيش المشير خليفة حفتر مرشحاً على منصب الرئاسة فيها.

قشوط: الأفضل أن تبتعد القوات المسلحة عن الشأن السياسي

ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد عامر: "هناك ثلاثة أهداف في اعتقادي  لهذه المفاوضات، أولاً السلام واستبعاد الحلول العسكريـة، وثانياً تقليص سطوة الأجانب في التدخل بالشأن الداخلي؛ فلو استحوذنا علي قناعات قادة التشكيلات المسلحة فسيضعف الموقف العالمي الذي يجعل منهم بيادق، وثالثاً دخول حكومة السيد فتحي باشاغا طرابلس بعد تطبيق النقاط الأولى، لكبح جماح الحكومة الموجودة هناك وطردها بالسلم والاتفاق المسبق الذي يضمن مستقبل ليبيا".

وتابع لـ"حفريات": "حتى لو وجدت معارضة من بعض قادة التشكيلات المسلحة سيكونون بموقف ضعف بسبب توجه بعضهم للتوافق الوطني، وكما نعلم فشلت جهود لجنة 5+5 العسكرية في توحيد المؤسسة العسكرية ودمج أو تفكيك هذه التشكيلات المسلحة، ولهذا لجأت القيادة للحوار مع من يملكون القرار".

وحول نتائج الاجتماعات، قال: "الاجتماعات وصلت لنهايتها تقريباً، والنتائج غير مرضية بشكل كامل بسبب تعنت بعض قادة التشكيلات ومعارضتهم المطلقة لفتحي باشاغا، بعدما مد يد السلام للمشير حفتر ونبذ الخلاف والماضي، ولكن مادام هناك تراضٍ من غيرهم من القادة فهذا لن يشكل عائق كبير للحكومة الليبية الجديدة".

ومن جانبه يرفض قشوط هذه المفاوضات، وقال: "الأفضل أن تبتعد القوات المسلحة عن الشأن السياسي، وتتمسك بما حددته عبر وفدها في اللجنة العسكرية 5 + 5 بالبيان الأخير الذي صدر عنها، وأن تمنح فرصة أخيرة للمتصارعين السياسيين إما أن نذهب لانتخابات أو تسليم السلطة للحكومة التي كلفها البرلمان، لكي تقوم بالمهمة وفق المدة المحددة لها وإلا فإن عليها واجب وطني كونها مؤسسة ملزمة بالدفاع عن سيادة الوطن ووحدة أراضيه وسلامة مواطنيه".

 

مواضيع ذات صلة:

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة

الإخوان المسلمون: انتهازيّة في تونس ومراجعات في المغرب وانقسام في ليبيا

ما مستقبل الأذرع الإخوانية في ليبيا في ظل التحولات السياسية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية