موعد المواجهة مع "حزب الله" قد... حان!

موعد المواجهة مع "حزب الله" قد... حان!


27/01/2022

فارس خشان

حملت الورقة الخليجية المنسّقة مع كبريات الدول العربية والأوروبية والغربية التي سلّمها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح للمسؤولين اللبنانيين، خلال زيارته بيروت يومي 22 و23 كانون الثاني (يناير) الأخيرين، "دمعة وابتسامة".

الدمعة استقرّت في عيون هؤلاء المسؤولين السياسيين اللبنانيين "المرتهنين" أو "العاجزين" عن مواجهة "حزب الله" الذي تستهدف هذه "الورقة" سلاحه وعسكره ومعابره ومنابره المرتهنة كلّها لمصلحة "الحرس الثوري الإيراني"، فيما رسَمت شفاه الساعين الى إعادة لبنان إلى طبيعته، من خلال ضبط "حزب الله" وفق "التوقيت اللبناني"، ابتسامة، بعدما تأكّد لهم أنّ خارطة الطريق التي طالما نادوا بها وناضلوا من أجلها واستشهد منهم من استشهد في سبيلها، أصبحت قضية عربية وخليجية وأوروبية وأميركية.

وأهمية "الورقة الخليجية" وخطورتها في آن تكمنان في المهلة التي حدّدتها للمسؤولين اللبنانيين، من أجل تقديم ردّهم الرسمي عليها، إذ إنّ وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب مدعو، من أجل هذا الهدف، الى اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية العرب ينعقد، يوم السبت المقبل الواقع فيه 29 كانون الثاني (يناير) الجاري.

في واقع الحال، المهلة التي لا تتخطّى الأسبوع التي أعطتها الكويت لبيروت ليست "قصيرة" أبداً، لأنّ المسؤولين اللبنانيين، ومنذ زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جدّة، في الرابع من كانون الأوّل (ديسمبر)، حيث أصدر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إعلاناً مشتركاً حول لبنان، يعرفون، على الرغم من "التجاهل" الذي اعتمدوه، أنّ "ساعة الحقيقة زفّت"، وأنّ الهوامش التي كانوا يتحرّكون فيها، متواطئين أو عاجزين، لجهة ترك "حزب الله" يستبيح البلاد قد... امتلأت حتى الإشباع.

والتدقيق في الورقة الخليجية - العربية - الأوروبية - الأميركية يُبيّن أنّها تتقاطع كثيراً مع "إعلان جدّة" كما مع المقدّمات السياسية التي تضمّنتها الأوراق التي سبق أن صدرت عن "مؤتمر سيدر" وعن اجتماع قادة "مجموعة دعم لبنان الدولية" وتتوافق مع كل البيانات التي تتولّى إصدارها الأمم المتحدة، كلّما نظرت في المراحل التي "لم يقطعها" تنفيذ لبنان القرارين 1559 و1701.

وليس في هذه الورقة ما يحيد كثيراً عن الرسالة التي سلّمها رؤساء الجمهورية والحكومة السابقون الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش، خلال زيارته الأخيرة للبنان، في 19 كانون الأوّل (ديسمبر) الأخير.

ولم تكن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون، وقبل أشهر من نهاية عهده، إلى "الحوار الوطني" الذي أمعن في إهماله، منذ وصوله الى قصر بعبدا، وتواطأ مع "حزب الله" ضد قرارات كانت قد نتجت عنه، على غرار "إعلان بعبدا"، على سبيل المثال لا الحصر، سوى محاولة للالتفاف على الهجمة العربية والخليجية والدولية الهادفة الى مصالحة لبنان مع دستوره ومع الشرعية الدولية، من خلال طلبها منه الالتزام بميثاق جامعة الدول العربية والقرارات الدولية ذات الصلة ولا سيّما القرارات 1559 و1680 و1701.

ومعلوم أنّ المجتمع الدولي عموماً ومجلس التعاون الخليجي خصوصاً لن يساهم في إنقاذ لبنان من الكارثة التي تلمّ به، إذا لم يتحوّل "حزب الله" الى حزب سياسي على قدم المساواة مع غيره من الأحزاب اللبنانية.

وقد وضعت "الورقة الخليجية" خريطة الطريق الى إنجاز ذلك، على أن يكون ثمن إهمالها أو الالتفاف عليها أو "التذاكي" في التعاطي معها، مرتفعاً للغاية على البلاد والعباد، في آن.

بطبيعة الحال، بدأ "حزب الله"، ومنذ زيارة غوتيريتش بيروت، بالتصدّي لقرار مواءمة لبنان مع الشرعية الدولية، من خلال الاستهداف الممنهج لوحدات "يونيفيل" في الجنوب، وتسخير منابره لما يُسمّى بالمعارضات الخليجية، وتمرير رسائل "غير حميدة" للقوى اللبنانية التي تؤيّد أو يمكن أن تؤيّد هذا التوجّه العربي والخليجي والدولي، وهو، وفق العارفين، سوف يُصعّد هذا التصدّي، ولو وصلت الى مستويات خطرة للغاية من شأنها أن تمسّ بالسلم الأهلي، وبالانتخابات النيابية، وبالاستقرار الحدودي، من دون أن يُعير أيّ اهتمام للكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد، على اعتبار أنّها تكلفة لا بدّ منها لإحباط "المؤامرة الكونية"، على أن يكون التعويض عن هذه "التضحيات" في... الجنّة.

وباتت أذرع إيران في المنطقة تُدرك تمام الإدراك أنّ المجتمع الدولي يتعاطى معها، بطريقة مختلفة عن تعاطيه مع الدولة الإيرانية، فهو، في وقت يسعى الى الانفتاح على طهران، يعمل، بلا هوادة، على لوي أذرعتها، الأمر الذي تجري ترجمته في اليمن وسوريا والعراق وانتقل، بقوة تصاعدية، إلى لبنان، في الشهرين الأخيرين.

من دون شك إنّ "الأصعب آتٍ" إلى لبنان، إذ لا تتوافر مؤشّرات على أنّ "حزب الله"، بعدما وصل الى القمة، يمكن أن يقبل بالتنازل عنها. 

عند صدور القرار 1559، في خريف العام 2004، وضع "حزب الله" بالاشتراك مع نظام بشّار الأسد، خطة دموية لمواجهته، وثابر عليها، حتى بات ذكر هذا القرار محرّماً ليس على جميع الواصلين الى مراكز الحكم، فحسب، بل على الراغبين في البقاء على قيد الحياة، أيضاً.

راهناً، يعود هذا القرار الى الواجهة مجدّداً، من البوابة العربية والخليجية تحديداً، في وقت تفوّق كثير من اللبنانيين على مخاوفهم وبدأوا بالمطالبة بتنفيذه، ولهذا فإنّ الخائفين من أن يعود "حزب الله" الى "سيناريو" بدأه بمحاول اغتياله الوزير مروان حماده، في الأوّل من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2004، ليسوا قلّة. 

الرئيس رفيق الحريري كان يعتقد أنّ صناديق الاقتراع يُمكنها أن تجد آلية ديموقراطية لتطبيق هادئ وسلمي ومرحلي ووطني للقرار 1559. "حزب الله"، وفق ما صدر عن "المحكمة الخاصة بلبنان" ردّ على اعتقاده هذا، بأضخم عبوة ناسفة.

حالياً، هناك في لبنان من يُفكّر مثل الشهيد رفيق الحريري، من أجل إعادة لبنان الى أحضان الشرعية العربية والدولية.

في المقابل، ثمّة من يظن أن الرئيس سعد الحريري، في واحد من وجوه قراره القاضي بتعليق مشاركته و"تيار المستقبل" في الحياة السياسية و"مقاطعة" الانتخابات النيابية، لا يتقاطع مع هؤلاء في تفكيره، بل يحسب ألف حساب لـ"حزب الله"، ولهذا فهو لم يتوانَ في كلمته عن النطق بما يمتنع، عادة، السياسيون عن النطق به عندما قال: "لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان".

على أيّ حال، ومهما طال الزمن، وكثرت المحاذير، وارتفع منسوب المخاطر، فإنّ لبنان لا بدّ من أن يواجه معضلته الكبرى التي يمثّلها "حزب الله"، بسلاحه وأدواره وتبعيته، ولسوء حظ الشعب اللبناني المرهق، فإنّ خلاصه يكمن في قبوله بدفع أثمان جديدة، سواء واجه بالضغط أو استكان في المنازل.

ويبدو أنّ الموعد قد... حان!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية