مواجهة داعش بين التصورات النمطية ومحاولات الخروج عن النص

مواجهة داعش بين التصورات النمطية ومحاولات الخروج عن النص


07/02/2018

"بينما تعمل السعودية حالياً على إنشاء 2000 دار عرض سينمائي، بحلول عام 2030، يتقلص عدد دور العرض في مصر إلى 82 دار عرض فقط، وهذا يعود إلى أنّ ميزانية وزارة الثقافة، تذهب لدفع رواتب الموظفين فقط، ولم يعد هناك اهتمام بالحركة الفنية والثقافية داخل المجتمع"، كلمات وجهتها أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نيفين مسعد، أثناء مشاركتها بالدورة الرابعة من المؤتمر الدولي، لمواجهة التطرف الذي ترعاه مكتبة الإسكندرية، في الفترة بين 28 – 30 كانون الثاني (يناير) 2018، في محاولة لاستكشاف منابع التطرف أولاً، واستكشاف الطريق إلى مواجهته وتصفيته ثانياً. طرحت نيفين مسعد رؤية خلف تلك الفكرة التي أوضحتها، حين قالت في نهاية كلمتها: إنّ "الدولة والمجتمع قادرين على التغيير، فالتعليم والثقافة هما الرافعتان الأساسيتان لنهضة أي دولة".

الفن والأدب في المواجهة

ناقش 400 مثقف وكاتب وإعلامي وسياسي، جاؤوا من عدة دول عربية، وأوربية، وآسيوية، وإفريقية، على مدار أيام المؤتمر الثلاثة، كلمتي "التعليم والثقافة"، تماشياً مع المحور العام للمؤتمر الدولي الرابع لمواجهة التطرف "الفنّ والأدب في مواجهة التطرف"، الذي ناقشت ندواته المختلفة، دور المسرح والمتاحف والإعلام والأدب والفن والمؤسسات الثقافية، في مواجهة ذلك السرطان، الذي يتوغّل وينتشر بكثافة منذ ثورات الربيع العربي.

تلك المشاركة الضخمة والمتخصصة، أثرت المؤتمر على مستوى الكم، لكنّها لم تؤثّر كثيراً في الكيف المقدَّم، فلم تختلف عن التصورات والأطروحات النمطية نفسها، التي تثار دوماً عند الحديث عن التطرف.

الدولة والمجتمع قادرون على التغيير، فالتعليم والثقافة هما الرافعتان الأساسيتان لنهضة أي دول، وهناك القوة الناعمة

وتسبَّبت عمومية العنوان المطروح للمؤتمر، وعدم تحديده نقاطاً أكثر تخصصاً للمناقشة، في تحوّل بعض الندوات، إلى مجرد ترديد لبعض الكلمات العاطفية، أو المرسلة، دون أسانيد أو دراسات علمية، حتّى أنّ بعض الأطروحات المقدَّمة، تأرجحت بين الضرورة الأخلاقية في مواجهة التطرف، المعتمدة على إعلاء قيمة الدين والعادات والتقاليد الصحيحة لدى الفرد، في مواجهة خروج البعض عن النصّ الأخلاقي المتعارف عليه، وضرورة اهتمام الأسرة بالنشأ وتربيته، حتى لا ينشأ أطفال متطرّفون!

كما أنّ عمومية عناوين الندوات، وعدم تحديد محاور أكثر تخصصاً لتناول مصطلح التطرف، جعلت مهمة تحديد المرتكزات المهمة أمراً صعباً، مثال: من له الحق في إعطاء صفة "صحيح الدين" لجماعة دون الأخرى؟ ومن المسؤول عن المواجهة وكيفيتها؟ وهل المواجهة أمنية على إطلاقها أم ثقافية؟

تلك العموميات ساهمت في تقديم بعض الرؤى، التي نفت من الأصل وجود ما يسمى "التطرف الديني أو الفكري"؛ حيث طرح المخرج المصري، محمد فاضل، رؤيته القائلة: "إنّه لا يوجد تطرف ديني من الأساس"؛ إذ يرى فاضل أنّ المسألة سياسية من البداية، تستخدمها دول أجنبية سعياً لتحطيم أية تحركات تنموية، في دول سبق أن استعمرتها.

تلك النمطية خرجت عنها عدة ندوات، منها ندوة: "جدليات القوة الناعمة والأمن"، بحضور الدكتور محمد مجاهد الزيات، رئيس الجلسة، مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وبمشاركة اللواء محمد إبراهيم، وكيل جهاز المخابرات العامة السابق، والدكتورة بدرة قعلول؛ رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والعسكرية، ومدرّسة بالأكاديمية العسكرية في تونس. والعميد خالد عكاشة؛ رئيس المركز الوطني للدراسات الأمنية. والباحث الطاهر سعود من الجزائر؛ مختص في الحركات الإسلامية. وجلال معوض؛ مدرّس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.

الإعلام العربي يجب أن يفكر خارج الصندوق ويبدأ في التعامل مع ظاهرة التطرف بشكل غير مباشر

الوجه السيء للقوة الناعمة

أشار مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، الدكتور محمد مجاهد الزيات، إلى أنّ أغلب الباحثين والمختصين يطرحون مفهوم القوة الناعمة، على اعتبارها أحد أدوات الدولة لمواجهة الإرهاب، متغافلين أنّ لها وجهاً سيئاً تستخدمه التنظيمات الإرهابية، والقوى المتطرفة، لفرض سيطرتها، وكسب أتباع جدد. لافتاً إلى أنّ هذه القوة من أهم أدوات حروب الأجيال الجديدة، التي تعتمد أساليب جديدة لإسقاط الدول.

وأشار الزيات إلى أنّ مفهوم القوة الناعمة، الذي طرح عقب انتهاء الحرب الباردة، من قبل أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، جوزيف نايل، الذي كان يعمل مستشاراً لوزير الدفاع الأمريكي في ذلك وقت، سعت الولايات المتحدة من خلاله إلى الاستمرار في فرض سيطرتها، وهيمنتها على العالم.

وتحدّث مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور جلال معوض، عن مفهوم القوة الناعمة قائلاً: إنّ "مفهوم القوة الناعمة توسّع على المستوى العالمي، وشهد اهتماماً متزايداً، وأصبح لا يتوقف على العلاقات الدولية فقط، لكنّه يُستخدم داخل الدولة نفسها".

تحديات تواجهها مصر

وكيل جهاز المخابرات العامة السابق، اللواء محمد إبراهيم، حذّر من نشاط العمليات الإرهابية في مصر، مع قرب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، لممارسة ضغوط على الدولة، وأوضح أنّ الجانب الآخر من التحديات التي تواجهها مصر، هي التحديات الخارجية، التي تتمثل في السياسات المعادية التي تقوم بها بعض الدول ضدّ مصر، للتأثير فيها وفي دورها الإقليمي، من بينها قطر وإيران وتركيا، إضافة إلى الصراعات القائمة في المنطقة، تحديداً في سوريا وليبيا.

ويتمثّل التحدي الثالث في القضية الفلسطينية؛ إذ إنّ عدم حلّها يؤثر في الأمن القومي العربي والمصري. وأخيرًا؛ مدى تأثر الأمن القومي المصري المائي.

من جانبه، قال رئيس المركز الوطني للدراسات الأمنية، العميد خالد عكاشة: إنّ "الحدود الغربية المصرية، هي الساحة الأكثر خطورة، والعنوان الحقيقي للتهديد المستقبلي، ليس على مصر فقط، لكن على الشمال الإفريقي بصفة عامة". مشيراً إلى أنّه "مع بداية الثورات العربية، تم استهداف ليبيا باعتبارها الحلقة الأضعف، مقارنة بالدول المجاورة لها في المحيط الإقليمي".

عام 2018 سوف يتم تخصيصه من أجل إجراء عدة لقاءات وندوات تدرس وضع التطرّف، وتجفّف منابعه

وأضاف عكاشة، أنّه "خلال تلك الفترة، تم وضع بذور الفوضى في ليبيا، لاستقبال أعداد من الإرهابيين، لتكون محطة تدريب لهم، ولاستثمارهم في مرحلة مقبلة". موضحاً أنّ ما يحدث الآن من ضيقٍ في المساحات، أمام المنظمات الكبرى في العراق وسوريا، لا يوازيه في ليبيا، لكن على العكس، فهناك تعميق للصراعات بشكل متعمَّد، والأطراف الدولية حاضرة بقوة لفرض مصالحها.

في سياق متصل، قالت رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والعسكرية، والمدرّسة بالأكاديمية العسكرية في تونس، الدكتورة بدرة قعلول: إنّ "الوطن العربي أصبح يعاني الآن من ظاهرة العنف الأيديولوجي، ويرجع السبب في ذلك؛ إلى أنّها مبنية، في الأساس، على أيديولوجيات متنوعة، فالكلّ يعتقد أنّه يمتلك الحقيقة، ويحاول فرض سيطرته ورأيه على الجميع".

وأضافت قعلول، أنّ "العنف ظهر على السطح عبر الثورات العربية، وأصبح الجميع يمارسه باسم الحرية، وحرية التعبير، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وهو ما يمهّد للتطرف والإرهاب"، موضحةً: "هذا أمر خطير، فأنا لا أنزعج من الإرهاب؛ لأنّ مواجهته ممكنة بالحرب المباشرة، لكنّ الخطر الحقيقي يكمن فيما يمهّد الأرضية للإرهاب، وهو العنف".

وأشارت قعلول، إلى أنّ الوضع في تونس أخذ منحنى خطيراً، وهذا ما ظهر في تنفيذ عمليات اغتيالات سياسية، بتحريض خرج من المساجد، وهو ما ينذر بتغيّر شكل الحرب.

تحاول الدول العربية وضع استراتيجة عملية لمواجهة التطرف

الإعلام ومواجهة التطرف

من الندوات التي أثارت إشكاليات لامست جدلية التطرف بشكل كبير، ندوة "الإعلام"، وقد تحدّث فيها كلّ من: الناشطة اليمنية، والباحثة في العلوم السياسية؛ الدكتورة وسام باسندوه. والصحفي الأردني الأستاذ مفلح العدوان. وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة البريطانية في القاهرة؛ الدكتور لوري فيليبس. والإعلامية الجزائرية؛ الدكتورة لبنى شطاب. ورئيس تحرير "الأهرام ويكلي"؛ الأستاذ عزت إبراهيم. وقد أدار الجلسة الإعلامي عمرو خفاجي.

تحدّث أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية بالقاهرة، الدكتور لوري فيليبس، عن خطاب التطرف البصري، وكيف يشكّل الإعلام عقولنا ومعتقداتنا من خلال الصورة، مؤكداً أنّ الصورة تلعب دوراً بالغ الأهمية في التأثير في عقول المتلقّين، لذلك اعتمدت عليها الجماعات المتطرفة، لطرف أفكارها وتحقيق أهدافها.

وعقد فيليبس مقارنة بين استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للصور في الإعلام، خلال الحرب على العراق، واستخدام تنظيم داعش الصورة لتحقيق أهدافه. وأوضح أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، سعت إلى تقديم صور تعتمد على مشاهد معينة، تبرز فيها انضباط الجنود، والأسلحة المتقدّمة، ومشاهد قليلة جداً تحتوي على العنف. بينما سعى تنظيم داعش إلى تحقيق أهدافه من خلال الصورة، بإبراز صور أكثر واقعية، مبينة جوانب القوة والعنف، مستخدمة شعارات دينية، جعلتها تنجح في استقطاب عدد أكبر من الشباب.

التفكير خارج الصندوق

باحثة العلوم السياسية والناشطة اليمنية، الدكتورة وسام باسندوه، أكّدت أهمية التفريق بين التطرف والعنف، قائلة: "التطرف فكر والعنف سلوك"، لافتةً إلى أنّ الإعلام العربي يجب أن يفكر خارج الصندوق، ويبدأ في التعامل مع ظاهرة التطرف بشكل غير مباشر، بدلاً من الأسلوب المباشر الذي أثبت عدم جدواه. وأكّدت أيضاً أهمية وجود إستراتيجية لمواجهة الجيوش التي تقف وراء الإعلام المتطرف، خاصّة من خلال الوسائط غير التقليدية.

الصحفي الأردني مفلح العدوان، أشار إلى أنّ المواجهة الحقيقية للتطرف، يجب أن تبدأ بالأطفال، فالمحتوى الذي يعرض للأطفال الآن، سواء في القنوات التقليدية أو الحديثة، يشجّع في معظمه على العنف، وأنّ هناك تواطؤ يؤدّي إلى صناعة المتطرف، وأكّد العدوان أهمية الاهتمام بالمحتوى المقدم للأطفال، بالتركيز على الموسيقى والفن، والأدب، وتقبّل الآخر.

حضور عربي متنوع لمختصين وخبراء ومسؤولين عرب

عام مواجهة التطرف

تناول مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور مصطفى الفقي، في لقائه الختامي مع المشاركين بالمؤتمر، حول جدوى الشكل الحالي المعتمد في اللقاءات، ربّما كان الأكثر ثراءً في مؤتمر التطرف؛ حيث تعدّدت مشاركات الحضور حول ضرورة وضع شكل جديد يعتمد على ورش العمل، التي تخرج في النهاية بتوصيات يمكن تطبيقها على الأرض، أيضاً المطالبة بضرورة متابعة تلك التوصيات، حتى تكون هناك ضمانة لتطبيق ما تم التوصل إليه.

وأعلنت المكتبة، أنّ عام 2018 سوف يتم تخصيصه من أجل إجراء عدة لقاءات وورش عمل، تدرس وضع التطرّف، وتجفّف منابعه، وتسعى إلى تقديم تصور حقيقي يسبر أغوار أبعاده، التي تعانيها المنطقة العربية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية