من فرنسا إلى السويد: تركيا تتعقب الأكراد

من فرنسا إلى السويد: تركيا تتعقب الأكراد

من فرنسا إلى السويد: تركيا تتعقب الأكراد


كاتب ومترجم جزائري
03/11/2022

ترجمة: مدني قصري

بسبب الدعم المفترض من قبل السويد وفنلندا للشتات الكردي عارضت تركيا بشدة في حزيران (يونيو) 2022 انضمام هذين البلدين إلى الناتو. وفي فرنسا ظل الأكراد يرون بانتظام أنّ حقهم في اللجوء يتأثر في ميزان العلاقات الدبلوماسية مع تركيا.

عندما أعربت السويد وفنلندا عن رغبتهما في الانضمام إلى الناتو في ربيع عام 2022، في سياق الحرب في أوكرانيا فرضت أنقرة على الفور على طاولة المفاوضات إنهاء دعم هاتين الدولتين الشماليتين المزعوم لحزب العمال الكردستاني وفرعه في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المكوّن الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية التي حاربت على الأرض ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي هذا السياق قدمت تركيا للدولتين قائمة بحوالي ثلاثين اسماً من المعارضين السياسيين في المنفى، مطالبة بتسليمهم. وعلى الرغم من أنه لم يظهر أي شيء يُذكر في الاتفاقية الموقعة في 28 حزيران (يونيو) 2022 فقد رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ذلك بنتائج المحادثات، مما أثار موجة غامرة من المواقف المتباينة داخل الحكومة السويدية وقلقاً كبيراً في الشتات الكردي الأوروبي.

تقاليد طويلة من التهديدات

منذ تسعينيات القرن الماضي كان وجود عبد الله أوجلان، المؤسس الشريك المؤثر لحزب العمال الكردستاني في سوريا موضوع أزمة دبلوماسية بين دمشق وأنقرة. في عام 1998 هدد النظام التركي جارته بهجوم مسلح بالدبابات المدججة على الحدود التركية السورية، وطالب بتسليم الزعيم الكردي. لم توافق  السلطات السورية على تسليمه إلى تركيا وإنما ترحيله إلى دولة ثالثة.

في فرنسا ظل الأكراد يرون بانتظام أنّ حقهم في اللجوء يتأثر في ميزان العلاقات الدبلوماسية مع تركيا

بعد طرده بضغط من أنقرة من البلدان التي لجأ إليها تم اعتقال أوجلان أخيراً في كينيا من قبل المخابرات التركية بمساعدة الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية. ومنذ ذلك الحين يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في سجن جزيرة إمرالي. وكانت الرسالة لحظة اعتقاله واضحة: تركيا تعرف كيف تمنح لنفسها وسائل الحصول على تسليم أعضاء حزب العمال الكردستاني التي تطارده.

فيما تُظهر الدبلوماسية الغربية معارضة توافقية فإنها تعطي لتركيا وروسيا ضمانات للتعاون، من خلال ملاحقة مقاتليهما في الشتات تحت ستار الحرب ضد الإرهاب

من عمليات القصف العسكري إلى ابتزاز الهجرة، مروراً بالفيتو الدبلوماسي تتطور الاستراتيجيات التركية حسب الظروف ووسائل الضغط المتاحة لها. ويبقى الهدف هو نفسه: الحصول على دعم محاوريه في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. والنتيجة هي نفسها أيضاً: لا يشعر معارضو النظام بالأمان أينما وُجدوا. أدى انعدام الأمن هذا في 9 كانون الثاني (يناير) 2013 إلى اغتيال الناشطة الكردية ساكين كانسيز في قلب باريس، وهي المؤسس المشارك لحزب العمال الكردستاني المستفيدة من لجوء سياسي، والناشطة الكردية فيدان دوغان، ممثلة المؤتمر الوطني لكردستان، وليلى سويلميس التي جاءت من ألمانيا للإقامة في فرنسا.

لا يزال التحقيق في اغتيالهن الذي ارتكبه جهاز المخابرات التركي (MIT) يواجه جدار السرية الدفاعية على الرغم من تصريحات مانويلز فالس، الذي كان آنذاك وزيراً للداخلية في عهد فرانسوا هولاند، والذي وعد بإلقاء الضوء على هذه المأساة.

نيكولاس ساركوزي ضد انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي

تعتبر علاقات فرنسا مع تركيا مثالاً صارخاً على العلاقة المعقدة بين السياسة، وحق اللجوء، والقوة العسكرية والاقتصادية. في عام 2012  كانت تركيا خامس أكبر منفذ تجاري في فرنسا، وكان المواطنون الأتراك في المرتبة الخامسة بين الجنسيات التي منحها المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية اللجوء السياسي.

إذا كانت فرنسا حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي قد استعمِلت كقاعدة خلفية للأنشطة السياسية للشتات الكردي فقد أصبحت بحكم العلاقات الدبلوماسية مع تركيا منطقة معادية لنشطائها

على الرغم من ترخيص المحافظات الفرنسية بمظاهرات الدعم لحزب العمال الكردستاني والتحالف الرسمي مع حزب الاتحاد الديمقراطي في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، إلا أنّ لاجئين سياسيين أكراد حُوكِموا على الأراضي الفرنسية بسبب "أنشطة مرتبطة بمشروع إرهابي". إذا كانت فرنسا حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي قد استعمِلت كقاعدة خلفية للأنشطة السياسية للشتات الكردي، فقد أصبحت بحكم العلاقات الدبلوماسية مع تركيا منطقة معادية لنشطائها.

تحالفات وتبعيات معقدة

في عام 2013، بعد بداية الحرب في سوريا أصبح من الصعب بالنسبة لفرنسا، العضو في التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب قوات الدفاع والأمن، الاستمرار في اعتقال الأكراد على أراضيها بتهمة الإرهاب، على الرغم من ضغوط تركيا التي تهدد بشكل منتظم أوروبا بفتح حدودها أمام 3,5  مليون سوري تستضيفهم على أراضيها. في هذا السياق من التحالفات والتبعيات المتناقضة تجد السياسة الفرنسية نفسها، باعتراف من وزير دفاع الرئيس فرانسوا هولاند، جان إيف لودريان، في "وضعية معقدة للغاية يتعين علينا فيها ضمان دعمنا للأكراد. (...) تركيا بحاجة إلى حد أدنى من الأمن. وهذا هو الحال بالنسبة لنا أيضاً. ".

بين التحالفات والتعاقد من الباطن، أصبح موقف فرنسا بالفعل حساساً للغاية. وعندئذ نلاحظ انخفاضاً كبيراً في الإجراءات الجنائية ضد النشطاء الأكراد. وهو الوضع الذي ظل مسستمراً حتى عام 2012، عام تراجع التصعيد والتقارب الدبلوماسي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد عام من العلاقات المتوترة بشكل خاص حول الملفين الليبي والسوري، ومواقف عدائية خصومة ما بين باريس وأنقرة حول الخلاف اليوناني التركي في شرق البحر المتوسط ​​مثل الصراع بين أرمينيا وأذربيجان. كما أنّ مكان الإسلام في فرنسا يمثل جزءاً من قائمة طويلة من الموضوعات التي تقسم وتثير غيظ وحفيظة أردوغان.

العودة إلى سياسة المقايضة

ومع ذلك، في بداية آذار (مارس) 2021 أكد رئيسا الدولتين التزامهما بالتعاون في مكافحة الإرهاب. وهو الإعلان الذي  تلاه، عن كثب، مداهمة نفذتها الشرطة ضد أعضاء نشطين في الشبكات الكردية، ومع زيادة في سحب وضعهم كلاجئين سياسيين بسبب عضويتهم في منظمة إرهابية. ومع ذلك فإنّ عضويتهم أو دعمهم لحزب العمال الكردستاني والمخاطر التي يتعرضون لها في تركيا هي التي أدت إلى منحهم اللجوء.

وضعٌ متنافر وشاذ وغير معقول لسياسة مقايضة يجد مناضلون أكراد أنفسهم فيها في فرنسا، تستغلهم هذه الأخيرة كأداة للتقارب الدبلوماسي مع تركيا، والتي تندرج أيضاً ضمن سياسة داخلية قمعية بشكل متزايد. شهر آذار (مارس) 2021 أعقبه في نيسان (أبريل) اعتقال لاجئين سياسيين إيطاليين متهمين بالانتماء إلى الألوية الحمراء بهدف تسليمهم، وبعد رحلة قام بها وزير الداخلية جيرالد دارمانين إلى موسكو، طرد العديد من الشيشان إلى روسيا، حيث اختفوا منذ ذلك الحين. كانوا كلهم معارضين شرسين لرمزين قديروف، الديكتاتور الشيشاني العنيد. وفيما تُظهر الدبلوماسية الغربية معارضة توافقية فإنها تعطي لتركيا وروسيا ضمانات للتعاون، من خلال ملاحقة مقاتليهما في الشتات تحت ستار الحرب ضد الإرهاب.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية