مع وصولها إلى العاصمة كابول.. هل تعيد طالبان النساء خلف قضبان الاضطهاد؟

مع وصولها إلى العاصمة كابول.. هل تعيد طالبان النساء خلف قضبان الاضطهاد؟


16/08/2021


 مع وصول مقاتلي حركة طالبان المتشددة واحتشادهم حول العاصمة كابول من جميع الاتجاهات وسط انهيار سريع ومفاجئ لقوات الأمن والجيش، تبخرت ملامح الحياة التي اعتادت عليها أفغانستان طوال عقدين، لكن النساء ربما الأكثر تأثراً بعودة طالبان إلى الحكم. 

ورغم إعلان الحركة نيتها احترام حقوق المرأة الأفغانية والسماح لها بالتعليم والعمل "على أن ترتدي الحجاب"، شكك المراقبون بإمكانية التزام طالبان بهذا التعهد، بسبب ممارساتها الفعلية راهناً على الأرض، وبسبب تاريخ أسود من سلوكيات الحركة تجاه النساء.

وقال متحدث باسم الحركة الأفغانية المتشددة، "ننتظر تسليم السلطة سلمياً، ونريدها في أسرع وقت ممكن، وستحترم حقوق المرأة وستسمح لها بالتعليم والعمل، على أن ترتدي الحجاب"، لكن الواقع يبدو عكس ذلك، إذ يروي الأفغان الذين فروا من بيوتهم بعد تقدم طالبان، أنّ "المتمردين يعيدون فرض قيود صارمة على النساء، مما يمحو أي تقدم تم إحرازه في مجال الحقوق والتعليم منذ الإطاحة بهذه الجماعة الدينية من السلطة قبل عقدين من الزمن".

وخلال السنوات الـ 20 الأخيرة، انتعش المجتمع المدني في أفغانستان بشكل كبير، وتولت النساء مناصب عامة في كابول والمدن الصغيرة، وانتشرت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت موجود في كل مكان تقريباً.

هل عادت طالبان إلى سابق عهدها؟

وبدأت الأنباء تتوارد فعلاً عن السلوكيات التي تنتهجها الحركة تجاه المجتمعات في مناطق سيطرتها، بالذات النساء، إذ إن مقاتلي الحركة أمروا النساء في المناطق التي تم احتلالها، بالبقاء في المنزل وعدم الظهور في الأماكن العامة إلا إذا ارتدين "البرقع" ويرافقهم قريب ذكر، مما يشير إلى أنّ الجماعة لم تعدل عن تفسيرها المتشدد للدين الذي أدى بها في السابق إلى حظر تعليم الفتيات والموسيقى، وفق ما أورد موقع "بي بي سي".

ونقل تقرير لمراسل الشرق الأوسط في صحيفة "التلغراف" البريطانية، كامبل ماكديارميد، بعنوان "لا يوجد ضوء في نهاية النفق: طالبان تعيد فرض قيود صارمة على النساء"، نقل عن فريشته فوروغ، وهي امرأة أفغانية تعيش في الولايات المتحدة أسست برنامج "كود تو إنسباير"، لتعليم الفتيات برمجة الكمبيوتر في هرات، قولها: "أشعر بالحزن الشديد لرؤية ما فعلناه جميعاً قد اختفى".

وأضافت "الفتيات اللواتي التحقن بالمدرسة أصبحن خائفات ويائسات، بعد أن اجتاح مقاتلو طالبان المدينة الغربية يوم الخميس، وكان بعض الطلاب قد فروا بالفعل".

مستقبل قاتم

وأثارت عودة طالبان، قلق ناشطات مثل فوزية كوفي، الناشطة في مجال حقوق المرأة والنائبة السابقة وعضو الوفد الأفغاني المفاوض مع طالبان قبل انسحاب الجيش الأمريكي، التي نقل عنها موقع "الحرة" قولها، إنّ "مستقبل المرأة في أفغانستان يبدو قاتماً".

وتتابع كوفي أنّ "النساء في أفغانستان هن الأكثر عرضة للخطر"، موضحة أنّ "المجرمين" الذين حررتهم الحركة من السجون لتعزيز صفوفها "يشكلون الآن تهديداً إضافياً، إلى جانب الرافضين لتمكين المرأة".

وأكد مسؤول حكومي إقليمي أن النساء في المدن التي وقعت تحت سيطرة الحركة "مثل السجينات في منازلهن ولا يمكنهن الخروج".

كما أعربت نساء في رسالة شاركها مكتب روغول خيرزاد، نائب ولاية نمروز، عن مخاوفهن من مستقبل "بلا حق في التعليم، ولا حق في التدريس، ولا حق في العمل". وجاء في الرسالة: "لقد أظهرت حركة طالبان، خلال النظام السابق، أنها لن تسمح للمرأة أبداً بالدراسة والعمل".

وحملت الرسالة مخاوف من احتمال إجبار النساء والفتيات على الزواج من مسلحي طالبان، وهو الأمر الذي أكده تقرير "التلغراف" نقلاً عن رجل أفغاني قال إنه "تلقى أوامر بتقديم ابنته البالغة من العمر 15 عاماً للزواج من أحد مقاتلي طالبان بعد أن اجتاح المتمردون بلدته في حزيران (يونيو).

ورغم أن متحدثاً باسم طالبان نفى هذه التقارير عن الزواج قسري، قائلاً إن "ذلك مخالف للشريعة الإسلامية والثقافة الأفغانية"، قالت كوفي والمسؤول الإقليمي إنهما تلقيا معلومات عن إجبار النساء على "الزواج بالقوة". 

وفي حين أنّ كوفي لا تعتقد أنّ هذه الممارسة منتشرة على نطاق واسع، إلا أنّ "هذا لا يعني أن سوء السلوك لم يحدث، وأنّ من المرجح أن المكتب السياسي لطالبان منفصل عن المقاتلين العسكريين"، عل حد قولها.

الناشطة الأفغانية الحائزة على جائزة "نوبل"، ملالا يوسفزاي، عبرت أيضاً عن مخاوفها من عودة طالبان في تغريدة جاء فيها: "نحن نشاهد بصدمة تامة سيطرة طالبان على أفغانستان. أنا قلقة للغاية بشأن النساء والأقليات والمدافعين عن حقوق الإنسان".

وأضافت ملالا: "يجب على القوى العالمية والإقليمية والمحلية الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة وحماية اللاجئين والمدنيين".

وكادت ملالا تلقى الموت داخل حافلة مدرسية بعد تعرضها لهجوم مسلح نفذته حركة طالبان في باكستان لانتقادها هيمنة الحركة على منطقتها وادي سوات شمالي غرب باكستان من 2007 إلى 2009 ولأنها دافعت عن حق الإناث في التعليم.

حرب على التعليم!

عائشة خورام، الفتاة التي أجبرت على ترك جامعتها، الأحد، قالت لـ "أسوشيتد برس" إنّ الأساتذة قاموا بتوديع الطالبات، لأنهم "غير متأكدين من السماح مرة أخرى للفتيات بالعودة لفصول الدراسة أو استئناف الفصول الدراسية المختلطة".

وكانت خورام تأمل في خدمة بلدها بعد التخرج من الجامعة والعمل مدافعة عن حقوق الإنسان والتطوع وحتى التحدث في الأمم المتحدة. وقالت: "كل ما فعلته كان من أجل الرؤية والمستقبل".

وأضافت خورام: "أخذ الكفاح من أجل حقوقنا والأشياء التي دافعنا عنها خلال عملية السلام المقعد الخلفي... الشيء الوحيد الذي يفكر فيه الناس الآن هو كيفية البقاء على قيد الحياة هنا أو كيفية الفرار".

وعن استهداف الطالبات تحديداً، يقول الدكتور بليغ إسماعيل، في مقاله المنشور في "ميدل ايست أونلاين" أنّ تعليم المرأة لدى كافة التيارات السياسية ذات المرجعيات الدينية يمثل عدواً كبيراً ووحشاً يقف حجر عثرة ضد معظم إن لم يكن كل التيارات الجهادية المسلحة ذات المرجعية الدينية ليس فقط في بلاد الإسلام بل في الديانات الأخرى أيضاً".

ويضيف الكاتب، أن التعليم ومؤسساته لابد وأن يخضع لفكر طالبان وهو تعليم مقصود يخدم أطماعها في النفوذ والسيطرة والتحكم داخل أفغانستان ولا ريب في تهريب هذه الأفكار وتحليقها في بعض الدول العربية الإسلامية عبر جماعات متطرفة كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وولاية سيناء وغير ذلك من جماعات التطرف الديني والفكري معاً.

لا تعليم ولا عمل أيضاً!

عودة طالبان لا تهدد مستقبل الطالبات فقط، إذ تروي فريزة جيجكي وهي واحدة من قرابة 100 ألف امرأة أفغانية فررن من أماكن سيطرة حركة طالبان نحو العاصمة كابول، حيث يشعرن إن العاصمة ستبقى مكاناً آمناً أكثر من بقية المناطق.

تشرح جيجكي في حديثها لـ "سكاي نيوز" أحوال بعض النساء من معارفها، في المناطق التي دخلت تحت سيطرة حركة طالبان، قائلة "كُنت أملك مع زوجي معملاً لتجفيف الفاكهة، في منطقة أيبك التي تقع بين العاصمة كابول ومدينة مزار شريف، ولطبيعة العمل الذي يحتاج لمهارة واعتناء تتميز به النساء، فقد كنا نملك أكثر من 30 ورشة لتجفيف الفاكهة في المناطق بين مدينتي مزار شريف وكندوز، تعمل في كل واحدة منها قرابة 20 امرأة، لكن ومنذ قرابة أسبوع، وبعدما تعرض الريف الشمالي بين المدينتين لاحتلال حركة طالبان، أغلقوا جميع تلك الورش، وطلبوا نساء تلك المنطقة بعدم الخروج من المنزل إلا للحاجة القصوى، الأمر الذي دفعني مع عائلتي للفرار إلى العاصمة كابول، خشية ممارسات مقاتلي الحركة ضدي وضد بنتاي الصغيرتان".

وكانت النساء الأفغانيات قد تعرضن لاضطهاد شديد من قِبل مقاتلي الحركة في النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم (1996-2001)، حينما كانت الحركة تحكم أغلب مناطق البلاد، بما في ذلك العاصمة كابول.

ومنعت النساء وقتذاك من التعليم والعمل، وسُمح بتزويجهن في سنٍ مبكرة، كما خضعن بشكل كامل لسلطة الأبناء والأزواج، وفرض عليهن أنواع محددة من الأزياء، مثل "الجاردو الأفغاني"، الذي هو أشبه ما يكون بكيس قماشي، إلى جانب ممارسات التعنيف الشديدة في حال تجاوزهن لأوامر الحركة.

حدث ذلك رغم أن دستور أفغانستان للعام 1964 كان قد أقر بمساواة الرجال والنساء، ومنح المرأة الأفغانية حقوقاً مساوية تقريباً لحقوق الرجال.

وبعد تحرير أفغانستان من حركة طالبان، استعاد الدستور الذي أُقر في العام 2004 روح دستور عام 1964، بالذات في مساواة المرأة بالرجل وحقوقهن في التعليم والعمل.

وتطورت أحوال النساء الأفغانيات خلال السنوات الماضية، فقد انخفضت نسبة جرائم الشرف والعنف ضدهن إلى قرابة 250 حادثة في العام الواحد، بعدما كانت تزيد عن 5 آلاف حالة في العام الواحد، كذلك صارت نسبة النساء في سوق العمل الأفغانية تتراوح بين 15 إلى 20 بالمائة، والمثير للاستغراب أن نسبتهن في القطاع الخاص كانت تتجاوز نسبتهن في القطاع العام.

ومع سيطرة حركة طالبان على أجزاء واسعة من مناطق أفغانستان، وثقت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان مئات الحالات التي تعرضت فيها النساء لتعنيف ومعاقبة وإعادتهن بالقوة إلى بيوت أزواجهن، فضلاً عن 12 حالة على الأقل لتزويج القاصرات، وطبعاً إغلاق المئات من المراكز التعليمية والإنتاجية التي كانت تنشط فيها النساء.

وتخشى اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق النساء، ومثلها مئات التنظيمات المدنية الأخرى، تخشى أن تفرض الحركة قوانينها المتطرفة في حال إحكام سيطرتها على مختلف مناطق البلاد، بالذات العاصمة كابول.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية