مصر والسودان: علاقات إستراتيجية في مواجهة تحديات القرن الأفريقي

مصر والسودان: علاقات إستراتيجية في مواجهة تحديات القرن الأفريقي


11/03/2021

لا تكتمل قراءة التنامي السريع للعلاقات الإستراتيجية المصرية السودانية دون وضعها في سياق الجغرافيا الشرق أفريقية، وتحديداً منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، التي تشهد أزمتين كبيرتين، ساهمتا في إعادة ترسيم العلاقات بين دول هذه الجغرافيا، سدّ النهضة، والحرب في تيجراي والفشقة، إلى جانب المتغيرات الداخلية لكل دولة، والتي لا تنفصل عن العلاقات الإقليمية.

اقرأ أيضاً: ما الرسائل التي يحملها الاتفاق العسكري بين مصر والسودان؟

وتمثّل قضية مياه النيل أكبر الأزمات، والتي تتبناها إثيوبيا كمدخل لإعادة تهيئة المنطقة، ومنافسة مصر والسودان، وتقف خلف هذه القضية عوامل اقتصادية وأطماع في الأراضي السودانية، وتنافس تاريخي ثقافي ترفعه السياسية الإثيوبية ضدّ مصر والسودان، مع صعود أبي أحمد، الموالي للأمهرا.

اجتماعات الوفد العسكري المصري في السودان

 والأزمة الثانية هي أحلام الهيمنة على الإقليم، والصراعات العسكرية الداخلية في دول شرق إفريقيا، وارتباط هذه الصراعات بدعم دول الإقليم، لتكون أداة نفوذ لكلّ دولة ضد جارتها، وهي الأزمة التي يعالجها السودان باتفاقيات السلام واستعادة الفشقة، بينما وقعت إثيوبيا في فخها بشن حرب على تيجراي، والوقوع تحت هيمنة إريتريا.

تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان تنامياً سريعاً، بتدشين مشروعات تنموية مشتركة، خاصة في مجال النقل والزراعة والصناعة والإصلاح الاقتصادي والتعاون الفني

وإلى جانب ذلك، شهدت عدة دول أفريقية تغيرات داخلية كبيرة، أفرزت قوى سياسية جديدة لها رؤى مختلفة، خاصة في مصر والسودان وإثيوبيا، ما جعل الإقليم محط تنافس شديد، زادها اشتداداً نفوذ الدول الكبرى والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط، ما أدى إلى تكوين شبكات مصالح إقليمية لها امتداد دولي، وهو ما دفع مصر والسودان إلى توحيد الرؤى، بعد اقتناع ساسة البلدين بأنّهما في مركب واحد، في منطقة على صفيح ساخن.

سياسة المحاور الأفريقية

يشهد القرن الأفريقي سياسة محاور إقليمية، في عالم صارت سمته فاعلية الدور الإقليمي على حساب الدور الدولي، وتنبني هذه المحاور على صراعات مجموعة دول ضدّ أخرى، وتتميز بوجود شخصيات كاريزمية تقود المحاور.

وهناك محوران في القرن الأفريقي، الأول هو محور أديس أبابا - أسمرا - مقديشو، والثاني محور القاهرة - الخرطوم، ولكل منهما خصوصية فالأول مبني على أطماع إقليمية، وتحالف لدعم بقاء رؤساء الدول في ظل المعارضة الداخلية لهم، بينما الثاني تجاوز بشكل كبير أزمة الداخل، وبنى تحالفه على مواجهة التحديات النابعة عن المحور الأول، علاوة على وجود روابط تاريخية وثقافية وآمال تنموية.

اقرأ أيضاً: السودان يسترد أملاكاً ضخمة من التنظيم العالمي للإخوان

ويشترك المحوران في وجود صراع مسلح وراء تعزيز علاقاتهم؛ فبالنسبة لمحور أسمرا - أديس أبابا - مقديشو، كانت الحرب في تيجراي هي التي عززت تحالفهم، وكذلك عززت حرب الفشقة تحالف القاهرة - الخرطوم، إلى جانب القضية المحورية وهي سدّ النهضة.

لم تكن حرب تيجراي نزهة كما ظنّ آبي أحمد

وتقف الأطماع الشخصية بشكل أساسي وراء تكوين حلف أسمرا - أديس - مقديشو، حيث يريد الزعماء الثلاثة؛ الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، ورئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، والرئيس الصومالي المنتهية ولايته، فرماجو، البقاء في السلطة عبر قمع شعوب دولهم، وتبني إستراتيجية الهيمنة على القرن الأفريقي، ودخلت الدول الثلاث الحرب ضدّ إقليم تيجراي في إثيوبيا، كحلف واحد.

اقرأ أيضاً: الجيش السوداني يسترد مناطق جديدة بعد معارك على الحدود الإثيوبية... تفاصيل

وتعيش دول المحور السابق أزمات داخلية خطيرة، تهدد النظم الحاكمة، وبقاء هذه الدول؛ ففي إريتريا يواجه نظام أفورقي تحديات كبيرة، وعزلة دولية، ولا يضمن بقاءه سوى القمع المفرط، وفي إثيوبيا تحوّل أبي أحمد من رمز للتغيير إلى ديكتاتور، يبيد الآلاف في سبيل تمكين سلطته، وبعد حرب تيجراي وقمع الأورومو وبني شنقول، باتت البلاد مهددة بشبح الاقتتال العرقي، وفي الصومال وظف فرماجو القوة لقمع معارضيه، ومازال متمسكاً بالسلطة في مغامرة تقود البلاد إلى الفوضى، خاصة بعد حدوث مجاعات في ولاية جوبالاند.

اقرأ أيضاً: لجنة إزالة التمكين في السودان تتحدي الإخوان المسلمين.. كيف؟

في مقابل ذلك، تشهد دول المحور الثاني؛ مصر والسودان استقراراً داخلياً كبيراً، خاصة في مصر، ثم السودان التي نجحت في طي صفحة التمرد العسكري بشكل كبير، وجاء تحرير أرض الفشقة ليعزز اللحمة الوطنية، ويدفع شعبي البلدين نحو تجاوز الخلافات المصطنعة، وتعزيز الروابط التاريخية والثقافية، والدفع نحو المشاركة في التنمية الحقيقية لشعبي البلدين، وهو ما يكشف عنه مسار العلاقات الثنائية خلال العام الأخير، الذي كان الاقتصاد مدخلها الأساسي، قبل التعاون العسكري والسياسي.

تحديات مشتركة

وتقف مجموعة من القضايا المشتركة وراء الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات المصرية السودانية، وهي؛ أزمة سدّ النهضة، والحرب في الفشقة، وأمن البحر الأحمر، والعلاقات الاقتصادية، وعن كل قضية تتفرع علاقات متشابكة، تتداخل مع محاور إقليمية ودولية، بحيث فرضت على مصر والسودان التنسيق التامّ لمواجهة التحديات.

التعاون في مجال الطاقة على رأس اهتمامات مصر والسودان

وشهد مطلع شهر آذار (مارس) الجاري زيارات مصرية سودانية متبادلة، بدأت بزيارة وفد عسكري مصري، رفيع المستوى، بقيادة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق محمد فريد إلى الخرطوم، شهدت عقد مباحثات واسعة، خلصت بالإعلان عن توقيع اتفاق عسكري بين البلدين.

وأثناء زيارة الوفد العسكري، كانت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي في القاهرة، في زيارة استمرت عدة أيام، التقت خلالها بالرئيس السيسي ونظيرها المصري، وشخصيات وصحف مصرية.

اقرأ أيضاً: السودان: المحاصصة عنوان الحكومة الجديدة. ماذا عن الثورة؟

وأعقب ذلك الزيارة المهمة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم في السادس من الشهر الجاري، والتي يصفها الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عبد الكريم بأنّها "جاءت لتجسيد العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، بعد ثلاثة أشهر من التقارب الجاد، والمباحثات المهمة منذ بدء تحرير السودان أراضي الفشقة".

اقرأ أيضاً: تنظيم مسلح في السودان.. ما القصة؟

ويرى المحلل السياسي السوداني، أبو بكر عبد الرحمن، أنّ هناك تحولات كبيرة في القرن الأفريقي دفعت مصر إلى تعزيز علاقتها بالسودان، وهي "أمن البحر الأحمر، وتعقد أزمة سد النهضة بإعلان إثيوبيا عن الملء الثاني دون التوصل لاتفاق، والحرب في إقليم تيجراي، وما تبعها من تحولات سياسية وعسكرية داخل إثيوبيا، والحرب السودانية لاستعادة أراضي الفشقة".

المحلل السياسي السوداني، أبو بكر عبد الرحمن

وحول أمن البحر الأحمر، يردف عبد الرحمن في حديثه لـ"حفريات"، بأنّ هناك تحركات ونشاط عسكري أمريكي روسي هذه الأيام في البحر الأحمر، ومصر تتفوق نسبياً عبر بحريتها علي كثير من دول البحر الأحمر، وبالتالي "أي تحركات وافدة أيًّ كانت تعتبر بالنسبة لها مصدر قلق يهدد التوازن الأمني والاستراتيجي".

ويتابع عبد الرحمن: "القاهرة تيمم شطر الجنوب بإتجاه الخرطوم هذه المرة، وهذا العمل من صميم توازنات المنطقة السياسية والأمنية".

ويرسم الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد عبد الكريم، صورة لمنطقة القرن الأفريقي اليوم مشابهة لما حدث في أواخر ثمانينات القرن الماضي، حين شهد الإقليم تغيرات سياسية كبيرة؛ بزوال نظم سياسية وظهور أخرى، وما تبعها من صراعات حدودية وحروب وعلاقات دولية.

الباحث محمد عبد الكريم لـ"حفريات": ما يحدث الآن هو إعادة تشكيل القرن الأفريقي، في ظلّ هشاشة النظم السياسية لإريتريا والصومال وإثيوبيا وجيبوتي

ويؤكد عبد الكريم لـ"حفريات"، أنّ ما يحدث الآن هو "إعادة تشكيل القرن الأفريقي، في ظلّ هشاشة النظم السياسية لإريتريا والصومال وإثيوبيا وجيبوتي، ووجود مؤشرات على سقوط نظام أفورقي في إريتريا، وفرماجو في الصومال، وربما أبي أحمد في إثيوبيا".

ويردف عبد الكريم، بأنّ هذه التغيرات فرضت على القاهرة والخرطوم، "الدفع نحو تعزيز التعاون، لاستيعاب التغيرات المرتقبة في المنطقة، خاصة أنّها ترتبط بقضيتين حيويتين؛ سدّ النهضة، والحدود السودانية، وذلك ما دفع البلدين إلى توحيد رؤيتهما الإقليمية، وربطها بجغرافيا المنطقة في المقام الأول".

وبمقارنة المحورين ببعضهما؛ يبدو المحور المصري - السوداني أكثر تماسكاً، وفي موقف قوة لحماية مصالحة، بينما يتخبط محور أسمرا - أديس أبابا - مقديشو في علاقاته الخارجية والدولية، ووضع بلدانه الداخلية، ما يجعله عاجزاً عن تشكيل خطر حقيقي على مصر والسودان، خاصة في قضية سدّ النهضة، بعد تنسيق الرؤية المصرية السودانية، ودعم خياراتها السياسية والعسكرية.

التكامل الاقتصادي

وما يعزز قوة العلاقات المصرية السودانية أنّ العلاقات الاقتصادية تأتي على رأس الأولويات بين البلدين، وهي السمة التي افتقدتها السياسة الخارجية لمعظم الدول العربية، بينما استغلها خصومهم مثل تركيا بشكل جيد، لكنّ تحولات الأوضاع الداخلية فرضت التنمية على رأس مطلب تحقيق الاستقرار، وتعزيز العلاقات الدولية.

الباحث المصري في الشؤون الأفريقية، محمد عبد الكريم

وتشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تنامياً سريعاً، بتدشين مشروعات تنموية مشتركة، خاصة في مجال النقل والزراعة والصناعة والإصلاح الاقتصادي والتعاون الفني، وغيرها من المجالات.

وكانت مصر أعلنت عن بدء الربط الكهربائي مع السودان في نيسان (أبريل) العام الماضي، بخط قدره 70 ميجا وات، وزادت إلى 300 ميجا وات، ومن المتوقع وصول الخط إلى قدرة 3000 ميجا وات، العام الجاري، كانعكاس لتعزيز العلاقات بين البلدين.

ولا يزال التبادل التجاري بين البلدين دون المستوى المرغوب، وبلغ 862 مليون دولار في عام 2020، وتستهدف الدولتان مضاعفة هذا الرقم خلال وقت قريب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية