مشروع قانون تعزيز قيم الجمهورية يقطع يد الإخوان في فرنسا... دراسة جديدة

مشروع قانون تعزيز قيم الجمهورية يقطع يد الإخوان في فرنسا... دراسة جديدة

مشروع قانون تعزيز قيم الجمهورية يقطع يد الإخوان في فرنسا... دراسة جديدة


29/08/2024

صدرت عن مركز (تريندز للبحوث والدراسات) 27 آب (أغسطس) الجاري دراسة للكاتب الصحفي والباحث المصري كريم شفيق، بعنوان: "مشروع تعزيز قيم الجمهورية الفرنسية... الإمكانات والتحديات". 

ويرصد الكاتب الأطر القانونية الرامية إلى مكافحة الإسلاموية وتعزيز قيم الجمهورية في فرنسا لردع المخاطر الناجمة عن تسييس الإسلام، وذلك عبر عدة محاور باتت تهدد المجتمعات الأوروبية، بداية من الخطاب الراديكالي المتشدد، واستخدام المساجد والمراكز الثقافية والتعليمية في الاستقطاب والتجنيد والتعبئة، على يد جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي.

الإسلام السياسي لا يُعبّر عن روح الإسلام

يرى الكاتب أنّ الإسلام، وبخلاف النموذج المسيّس للقوى والتيارات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، هو الذي يتعيّن في إطار فئوي، اجتماعي وثقافي، ويعبّر عن كتل أو تكتلات من بيئات ومرجعيات متفاوتة. بالتالي، فإنّ الإجراءات الفرنسية لا تستهدف الإسلام بالمعنى العقيدي، وإنّما تستهدف النسخ المؤدلجة وحمولاتها العنيفة المتشددة، التي تصنع توترات مُتعددة على خلفية الصدامات بين الدولة والهوية والقوانين. 

وتهدف الدراسة، بحسب شفيق، إلى تسليط الضوء على مخاطر الإسلاموية على المجتمع الفرنسي، والتي يمكن أن تتلخص في الانعزالية التي تهدف إلى بناء مجتمع موازٍ يتعارض مع قيم الجمهورية، ويمكن بعد ذلك الهيمنة عليه.

الكاتب الصحفي والباحث المصري كريم شفيق

ويرى الكاتب أنّ الإسلاموية تحمل تهديدات أبعد من فكرة الحروب الثقافية، الناعمة والمستترة. ويرصد ضغوطاتها في سياقات عديدة، محلية وخارجية، عبر بناء حوامل اجتماعية هي بمثابة مجتمعات موازية، في مواجهة مركزية العلمانية، تحت غطاء مواجهة "الإسلاموفوبيا" أو "الرهاب من الإسلام"، "بحيث تتحول الخلافات، في ظاهرها، إلى نزاع وجودي بين الإسلام وفرنسا".

ويؤكد شفيق أنّ الإجراءات الفرنسية، الرامية إلى مكافحة الإسلاموية، تستند إلى إرادة سياسية، تسعى بكل جهد إلى تصفية الجيوب اليمينية الانعزالية، أو ما يُعرف بـ "إسلام الضواحي"، الذي تهيمن عليه مقولات تنظيمات الإسلام السياسي.

بناء مجتمع موازٍ 

وتحت عنوان الاحتماء بالأصولية وبناء اجتماع موازٍ، يفكك شفيق بنية المخاطر التي يحملها النموذج الإسلاموي، الذي يعمل كمفرزة، أو مصنع، "تشكل مقولاته الإيديولوجية أفراداً لديهم رغبة محمومة في الوصول إلى الموت الخلاصي".

ويبين شفيق المعطيات التي دفعت الإدارة الفرنسية، مطلع العام، إلى حظر استقدام الأئمة من الخارج، وترحيل عدد من رموز الإسلام السياسي، مثل الإمام من أصل تونسي محجوب المحجوبي؛ نتيجة تصريحاته المعادية لـ "قيم الجمهورية"، والقيادي بجماعة الإخوان أحمد جاب الله. مؤكداً أنّ ذلك يساهم في العمل على شلّ قدرة الخطاب الصوتي الذي ترتج له مشاعر أبناء الجاليات من المهاجرين، على إحداث التأثيرات السلبية ضدّ "قيم الجمهورية".

ووفقاً للدراسة، يسعى ماكرون نحو تحرير الإسلام من التأثيرات الأجنبية، "عن طريق وضع حد للاستعانة بأئمة من الخارج خلال (4) أعوام، والتركيز على تأهيل أئمة مسلمين فرنسيين، وتوفير الشفافية المالية للمنظمات والجمعيات الإسلامية وأتباعها، بقانون عام 1905 الذي ينظم عمل الجمعيات".

تمدد إخواني 

وفي منعطف مهم للغاية، ترصد الدراسة الكيفية التي أدت إلى تضاعف أعداد جماعة الإخوان في فرنسا منذ العام 2019، وذلك من (50) ألفاً إلى (100) ألف، عبر اعتماد شبكات لا صلة مباشرة معها تنظيميّاً، مثل: "جمعية مسلمي فرنسا"، حيث نجحت جماعة الإخوان في تكوين إمبراطورية مالية وفكرية، منذ عام 1978، بهدف تعميق وجودها وتعزيز نفوذها في المجتمع الفرنسي، كما ارتبط التنظيم بعلاقات مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا.

لقد أدى كل هذا إلى أن تضم فرنسا أكثر من (250) جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منها (51) جمعية تعمل لصالح الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا، وجمعية الإيمان والممارسة، ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة. هذه الجمعيات تمارس نشاطاً سياسياً، وتعمل لصالح الجماعات المتطرفة. وقد اعتمدت دراسة (تريندز) في هذا الرصد على بيانات (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).

ويرى الكاتب أنّ مشروع قانون "تعزيز قيم الجمهورية" يهدف إلى مكافحة الكراهية على شبكة الإنترنت، عن طريق ضمان "المثول الفوري" للمتهمين أمام القضاء. كما جاء في المشروع أنّه يجب على كل جمعية تتلقى دعماً ماليّاً أن "تحترم مبادئ وقيم الجمهورية". ويسعى المشروع كذلك إلى قطع مسارات الأوعية المالية الإخوانية، وسيتم اعتبار التبرعات الأجنبية التي تتجاوز (10) آلاف يورو موارد يجب التصريح بها لجهاز الضرائب. 

تقويض هيمنة الإخوان على المساجد

يستعرض شفيق في دراسته الصادرة عن مركز (تريندز) الفصل المعنون بــ: "ضد الانقلاب"، والذي يهدف إلى تجنب سيطرة المتشددين من الإخوان وغيرهم على المساجد، ومنع أشخاص بعينهم من ارتياد أماكن العبادة "في حال الإدانة بالتحريض على أفعال إرهابية، أو التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف". 

ومشروع القانون سوف يؤدي كذلك، بحسب الدراسة، إلى تقويض هيمنة الإخوان على المدارس الدينية، وستتم "مكافحة مدارس الجمعيات غير القانونية، وإنهاء التعليم في المنزل لجميع الأطفال اعتباراً من سن الثالثة، إلّا لدواعٍ محدودة جداً تتعلق بوضع الطفل أو عائلته. وتوجد فصول أخرى حول منع شهادات العذرية، وتعزيز الترسانة القانونية ضد تعدد الزوجات والزواج بالإكراه.

وعليه، طلب الرئيس ماكرون من "مجلس الديانة الإسلامي"، الممثل الرسمي للمسلمين في فرنسا باتحاداته الـ (8)، الاتفاق على "ميثاق للقيم الجمهورية"، للحدّ من التمويل الخارجي، والعمل على "ألّا يتجاوز الدين دوره الإيماني في حيز الفرد وتوظيفه ودور العبادة في أيّ نشاط حركي/ سياسي وتعبوي".

ولفت شفيق إلى وجود  انقسامات داخلية في مجلس الديانة الإسلامية، فقد رفضت عدة هيئات التوقيع على الميثاق المقترح، منها اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا، وجماعة ميللي غوروش التركية، ومنظمة الإيمان والممارسة؛ الأمر الذي كان مقدمة لإنشاء تكتل آخر عُرف بـ "منتدى الإسلام في فرنسا"؛ لإدارة المساجد وتأهيل الأئمة وتدريبهم مهنيّاً على مواجهة الممارسات المعادية.

ويؤكد الباحث والكاتب المصري كريم شفيق، في نهاية الدراسة، أنّ بوادر التغيير تلوح في الأفق، "بحيث يمكن القول إنّ قطار القضاء على خطط الإسلاموية قد غادر محطته، وإنّ التراجع بات أمراً مستبعداً، في ظل الكشف المستمر عن خطورة البِنى الإيديولوجية لجماعات الإسلام السياسي، ومدى تشابك مساراتها المريبة في الاجتماع والاقتصاد، وبالتبعية السياسة، وفق شبكة معقدة من المصالح والتخادم بينها وبين بعض جماعات وأحزاب اليسار".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية