
للمرة الثانية خلال العام الجاري كشفت السلطات الإماراتية في الثاني من آب (أغسطس) الجاري عن ضبط تنظيم سرّي يستهدف إعادة إحياء تنظيم الإخوان، المصنف على قوائم الإرهاب، وذلك بالتخطيط والعمل من الخارج، وتلقي تمويلات من عناصر التنظيم في الداخل، بهدف إعادة التنظيم إلى العمل، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مُلحّاً حول إصرار الجماعة على إعادة نشاطها داخل الأراضي الإماراتية في هذا التوقيت.
بداية، تقول تحقيقات السلطات الإماراتية: إنّ التنظيم السري شكّله الهاربون من أعضاء تنظيم "دعوة الإصلاح"، وهو فرع جماعة الإخوان المسلمين الإماراتي، والمصنف إرهابياً في البلاد، والمقضي بحلّه عام 2013، لإعادة إحياء التنظيم بهدف تحقيق أغراضه ذاتها.
وأشارت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) إلى أنّ جهاز أمن الدولة يتابع الهاربين من أعضاء "دعوة الإصلاح" ممّن صدرت ضدهم أحكام غيابية عام 2013، وأنّ التحقيقات أسفرت عن رصد مجموعتين من أعضاء التنظيم تلاقتا في الخارج، إضافة إلى آخرين استقطبوهم فانضموا إليهم وشكلوا تنظيماً جديداً، وأنّهم تلقوا أموالاً من التنظيم في الإمارات ومن جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى في الخارج.
وكشفت التحقيقات أيضاً أنّ التنظيم أقام تحالفات مع جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى للعمل معها من خلال قطاعات إعلامية واقتصادية وتعليمية، سعياً إلى تقوية صلته بها، ولتوفير جانب من التمويل، وتثبيت وجود التنظيم، وتعزيز أدوات حمايته في الخارج، وتحقيق أهدافه.
شبكة سرّية داخل الإمارات وخارجها
وفق (وام)، فإنّ أعضاء التنظيم الهاربين تواصلوا فيما بينهم في اجتماعات تنظيمية سرّية عبر تطبيقات على شبكة الإنترنت، وفي زيارات متبادلة بين أفراد المجموعتين.
وتضمنت اعترافات المتهم المقبوض عليه من أعضاء التنظيم بيان هيكل التنظيم ونشاطه، وأدوار أعضائه في العمل على تهديد الاستقرار، وقيادة حملات التشويه وخطاب الكراهية، والتشكيك في مكتسبات الدولة، وبث الفتنة بين أبناء البلاد، وتمويل الإرهاب وغسل الأموال، والتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية؛ بهدف زعزعة أمن البلاد، والتحريض ضد مؤسساتها الرسمية، ومهاجمتها في مجال حقوق الإنسان، لإضعافها وهزّ ثقة المجتمعات فيها، وإثارة الرأي العام عبر الإنترنت على صفحات إلكترونية وحسابات وهمية تمّ إنشاؤها لهذا الغرض.
وذكرت وكالة الأنباء الإمارتية أنّ جانباً من أعضاء التنظيم تكفلوا بالتواصل المباشر مع المنظمات الحقوقية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وإمدادها بمعلومات كاذبة ضد السلطات الإماراتية لتضعها ضمن تقاريرها السلبية ضد البلاد.
دلالة التوقيت
ليست هذه الواقعة الأولى التي تتعلق بمحاولات تنظيم الإخوان العودة إلى فرض أجندته داخل الإمارات، ففي العاشر من تموز (يوليو) الماضي قضت محكمة أبو ظبي الاتحادية الاستئنافية، دائرة أمن الدولة، بإدانة (53) متهماً من قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي، و(6) شركات، في القضية رقم (87) لعام 2023 جزاء أمن الدولة، المعروفة إعلاميّاً "بقضية تنظيم العدالة والكرامة الإرهابي"، وبمعاقبتهم بعقوبات تراوحت بين السجن المؤبد والغرامة البالغ قدرها (20) مليون درهم.
عبد الله بجاد العتيبي: "المخطط يحمل كافة علامات التنظيمات السرّية، وطرائقها المعروفة نفسها، وأساليبها المعهودة ذاتها، وتكفي أيّ متابع وخبير مثل هذه التفاصيل ليربطها بتاريخ هذه التنظيمات ليجد نفسه أمام بنية متكاملة تستحق المتابعة والرصد".
وحكمت المحكمة على (43) متهماً بالسجن المؤبد عن جريمة إنشاء وتأسيس وإدارة "تنظيم لجنة العدالة والكرامة" الإرهابي بغرض ارتكاب أعمال إرهابية على أرض الدولة، وبمعاقبة (5) متهمين بالسجن لمدة (15) عاماً عن جريمة تعاونهم مع تنظيم "دعوة الإصلاح" الإرهابي ومناصرته في مقالات وتغريدات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي مع علمهم بأغراضه المناهضة للدولة.
كما حكمت بمعاقبة (5) متهمين آخرين بالسجن مدة (10) أعوام، وتغريم كل منهم (10) ملايين درهم عن جرائم غسل الأموال المتحصلة من جرائم إنشاء وتأسيس تنظيم إرهابي وتمويله، وفق (سكاي نيوز).
ويرى الكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي أنّ المخطط يحمل كافة علامات التنظيمات السرّية وطرائقها المعروفة نفسها، وأساليبها المعهودة ذاتها، وتكفي أيّ متابع وخبير مثل هذه التفاصيل ليربطها بتاريخ هذه التنظيمات ليجد نفسه أمام بنية متكاملة تستحق المتابعة والرصد، وهو ما تصنعه النيابة العامة في الإمارات تحت ظل الدستور والقوانين والأنظمة المرعية.
ويقول العتيبي في مقال نشرته صحيفة (الاتحاد): "قبل (12) عاماً كتب كاتب هذه السطور بحثاً مطولاً عن جماعة الإخوان في الإمارات، ونشر في هذه الصحيفة بتاريخ 6 آب (أغسطس) 2012 بعنوان "الإمارات وتنظيم الإخوان المسلمين السرّي"، وجاء فيه: "كان الإخوان يستخدمون التنظيم المحلي على الدوام بحسب حاجاتهم وأهدافهم، ففي مرحلة معينة كان هذا التنظيم يُستخدم لجباية الأموال، وفي هذا يقول أحد عناصر الإخوان: "يلاحظ أنّ أقطار الخليج والجزيرة ممثلة بثقل يفوق أهميتها بكثير، فحاجة التنظيم الدولي للإخوان للمال تتم تلبيتها من خلال ذلك، فمندوبو السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت يتم دائماً توظيفهم في عملية جباية الأموال للتنظيم الدولي للإخوان".
محمد خلفان الصوافي: "مخطط إعادة إحياء التنظيم لن ينجح، فقد أوقفته الجهود الإماراتية المتواصلة في كشف جميع مخططاتهم الإرهابية".
وهو ما أشار إليه أحد الكوادر الإخوانية كذلك حين قال: إنّ تلك الأموال تُقدّر بالمليارات، ولك أن تتصوّر حجم الأموال التي تمّ تحويلها للإخوان عن هذه الطريق، وهو سبيل واحد، فما بالك بباقي دول الخليج وباقي الأساليب المتبعة للسيطرة على المال وإنفاقه في سبيل تحقيق أغراضهم؟ ناهيك عن جمع أموال الزكاة من جميع أغنياء المسلمين في الخليج، وفق العتيبي.
ويضيف الكاتب السعودي: منطق التاريخ وطبيعة البشر والتصلب الإيديولوجي يثبت في عوامل متعددة أنّ مثل هذه التنظيمات لا تتلاشى بسهولة، ولا تتفكك بمجرد مواجهتها أمنياً، بل الأمر أخطر من هذا بكثير، وقد نشر الرئيس العراقي السابق برهم صالح مقالة تحت عنوان شديد الأهمية؛ وهو "في الذكرى العاشرة للإبادة الإيزيدية... العدالة لم تُحقق وخطر التطرف لم ينتهِ"، وبالفعل فتنظيم (داعش) الإرهابي هو الابن الشرعي لتنظيم جماعة الإخوان الأم، وخطر التطرف لم ينتهِ ولن ينتهي قريباً. وأخيراً فمواجهة دولة الإمارات لهذه التنظيمات السرّية حازمة ومستمرة، فأمن الأوطان واستقرار الدول أولوية كبرى لا يمكن التهاون بها أو التقليل من شأنها.
لماذا الإمارات؟
يقول محمد خلفان الصوافي الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي: إنّ الإمارات من أولى الدول التي أدرجت جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وما تقوم به الإمارات حالياً هو استكمال لحربها ضد الإرهاب في المنطقة ، لافتاً إلى أنّه لا مستقبل لهذه الجماعة في البلدان العربية، وليس بإمكانها العودة بشكل مقبول في المجتمع.
وأضاف المحلل السياسي أنّ مخطط إعادة إحياء التنظيم لن ينجح، فقد أوقفته الجهود الإماراتية المتواصلة في كشف جميع مخططاتهم الإرهابية، لافتاً إلى أنّ تلك الجهود تكللت في مواجهة خطر هذه الجماعة الإرهابية ومساعيها من خلال الأفكار التنويرية ومواجهة فكر تلك الجماعة بالتعاون مع مختلف الدول العربية، بحسب موقع (العرب مباشر).
وفي السياق، تشير دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أنّ "الإمارات والسعودية ومصر نجحت في أن تصبح منارات الفكر الإسلامي والثقافي المعتدل والمنفتح على العالم العربي والإسلامي والغربي؛ الأمر الذي يقلق تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية المتطرفة الأخرى التي تخرّجت في المدرسة الإخوانية.
وتضيف الدراسة: "تمتلك الإمارات قدرات سياسية واقتصادية وثقافية تقف بالمرصاد للفكر الإخواني وتتصدى له منذ أعوام عديدة، ممّا أدى بالتنظيم إلى بثّ الإشاعات والتضليل الإعلامي والتهجم على ما يمتّ بصلة إلى الإمارات والسعودية وجهودهما في مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، ممّا اعتبره الإخوان بمثابة تهديد وجودي مباشر لهم، ولإيديولوجيتهم المتطرفة. وقامت دولة الإمارات بتعزيز مؤسسات وطنية بوسائل؛ منها التعاون الدولي لبناء القدرات، ومنع العنف ومكافحة الإرهاب."