مخاوف أوروبية من سيطرة حركة الشباب على الصومال... هل تراجع أمريكا سياستها؟

مخاوف أوروبية من سيطرة حركة الشباب على الصومال... هل تراجع أمريكا سياستها؟


07/09/2021

لم تقتصر نشوة السيطرة على الحكم في أفغانستان على طالبان، فسقوط كابول قد يفتح شهية حركة الشباب الصومالية، وسط مخاوف تسود هذا البلد الأفريقي.

فسيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي أثارت مخاوف خبراء أمن بالصومال، في ظل تشابه الوضع بين البلدين اللذين يستعينان بقوات دولية في حماية المؤسسات الحكومية والدفاع عن المدن الرئيسية.

اقرأ أيضاً: ما علاقة إقالة مدير المخابرات الصومالي بمقتل ضابطة في الجهاز؟

فالمشهد السياسي والأمني في الصومال معقد ومرتبك، وبدأت تتضح مساعي حركة الشباب الإرهابية لتطبيق النموذج الأفغاني داخل الصومال، مستفيدين من الدفعة المعنوية التي حازوها بعد سقوط كابول في قبضة طالبان، رغم أنّ الحركة الصومالية ما تزال تعاني من مشكلات بنيوية مؤثرة، منها القلة النسبية لعدد المقاتلين التابعين لها ما يحول بينها وبين السيطرة الكاملة على غالبية المناطق الصومالية، والانقسامات الداخلية التي تضرب الحركة من آنٍ إلى آخر، بجانب الصراع الجهادي الذي تخوضه مع داعش في الفترة الراهنة، والعلاقات المتداخلة مع القبائل المحلية.

وبالتوازي مع سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، كثفت حركة الشباب وتيرة الهجمات التي تشنها داخل الصومال، فاقتحم مقاتلوها قاعدة عسكرية بمدينة عمارة في إقليم جلمدج (وسط البلاد)، وسيطروا على عدة قرى على الطريق المؤدية إلى مدينة هرارديري الساحلية الاستراتيجية (معقل قراصنة البحار سابقاً)، وفق ما نقل موقع "الصومال الجديد" خلال الأيام الأخيرة.

حركة الشباب الإرهابية تسعى لتطبيق النموذج الأفغاني داخل الصومال، مستفيدة من الدفعة المعنوية التي حازوها بعد سقوط كابول في قبضة طالبان

وبينما يُطلق مسؤولون صوماليون تصريحات متفائلة بشأن قدرة القوات الحكومية على مواجهة حركة الشباب بمفردها، مستندين إلى نتائج المواجهات الأخيرة بين الطرفين، تُروِّج الحركة، عبر منصاتها الدعائية، أنّ مصير مقديشو سيكون كمصير كابول، وأنّ الدعم الخارجي للقوات الصومالية لن يستمر إلى ما لا نهاية، خاصة في ظل الارتباك الذي يُسيطر على الإدارة الأمريكية مؤخراً.

الأمر الذي دفع بعض التقارير الصومالية إلى احتمالية تأجيل الانتخابات بالولايات، التي كان من المقرر عقدها في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بسبب ما تنفذه حركة الشباب من إثارة للرعب والفزع لدى الصوماليين.

 

مسؤولون صوماليون: مصير مقديشو سيكون كمصير كابول، والدعم الخارجي لن يستمر إلى ما لا نهاية، خاصة في ظل ارتباك الإدارة الأمريكية مؤخراً

 

وفي السياق، وجّه المتحدث باسم حركة الشباب الشيخ علي محمود راغي علي طيري تحذيراً لجميع الصوماليين، من التعامل مع مَن وصفهم بـ"الكفار" والمشاركة في الانتخابات.

وقال طيري في تصريح أوردته وكالة "رويترز" قبل 3 أيام: "نحن نحذر شيوخ العشائر من الوقوع فريسة للمؤامرات، من أجل الحصول على حفنة من المال، وتساءل أين أولئك الشيوخ الذين كانوا قبلكم؟ ماذا فعلت لهم الحكومة التي ساهموا في تشكيلها؟ لقد قُتل بعضهم ولا يجد البعض الآخر مكاناً يعيش فيه".

وحذر طيري القبائل الصومالية من استغلالهم من قبل الأعداء، وأوضح أنّ أي شخص يساهم في نشر ما يسمى بـ"الديمقراطية" يُعتبر مرتداً، ويكون هدفاً لمقاتليه.

وعن التجربة الأمريكية في الصومال، تبدو الإدارات المتعاقبة حائرة في التعامل مع حركة الشباب المصممة على مواصلة القتال حتى إقامة نظام بديل داخل البلاد، خاصة مع تغيير أجندات الأمن القومي واستراتيجيات مكافحة الإرهاب الذي يحدث مع تعاقب الإدارات الأمريكية (الديمقراطية/ الجمهورية).

اقرأ أيضاً: مشهد الجهادية الصومالية.. قراءة في الأيديولوجيا والأنماط الفاعلة الرئيسة

فإبّان فترة الرئيس السابق دونالد ترامب اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية التدخل المباشر في الصومال، وتولى نحو 700 جندي من القوات الأمريكية الخاصة تدريب القوات المحلية الخاصة المعروفة اختصاراً بـ"دنب"، وتقديم الدعم اللوجيستي والعملياتي للجيش الصومالي، فضلاً عن توسع القيادة الأمريكية في أفريقيا في شن الهجمات الجوية التي تمت بالطائرات المقاتلة، والطائرات بدون طيار (الدرونز).

إدارة بايدن أدركت أنها بحاجة إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع صعود حركة الشباب من جديد، فعمدت لاتباع سياسة: التدخل وفقاً للضرورة

وإلى جانب التدخل العسكري، عادت واشنطن في 2018 إلى فتح سفارتها في العاصمة الصومالية، بعد نحو 3 عقود من إغلاقها غداة سقوط نظام الرئيس السابق سياد بري في 1991، مؤكدة بذلك دعمها السياسي والعسكري للرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، صاحب الجنسية الأمريكية، وقد تنازل عن الجنسية في آب (أغسطس) 2019.

لكنّ ترامب قرر في أيامه الأخيرة سحب قوات بلاده من الصومال، رغم مطالبة فرماجو ببقائهم، لتتبع الولايات المتحدة استراتيجية "التدخل غير المباشر"، التي أحالت بموجبها المهام الأمنية العسكرية والأمنية للقوات الحكومية وبعثة "أميصوم" الأفريقية، وتوقفت واشنطن عن شن الهجمات الجوية ضد معاقل حركة الشباب، وهو ما منح الأخيرة فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تدعيم صفوفها، ومن ثم العودة إلى الفاعلية العملياتية من جديد، وفق موقع مركز إضاءات، في تحليل للكاتب المتخصص بالتيارات الإسلامية أحمد سلطان نشره يوم 28 آب (أغسطس) الماضي.

 

احتمالية تأجيل الانتخابات بالصومال، التي كان من المقرر عقدها في تشرين الأول  2021، بسبب حركة الشباب التي تنشر الرعب والفزع لدى الصوماليين

 

لاحقاً، أدركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها بحاجة إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع صعود حركة الشباب من جديد، فعمدت لاتباع استراتيجية "التدخل وفقاً للضرورة"، بحسب متطلبات الوضع القائم، التي تركز بشكل أساسي على استئناف هجمات الطائرات بدون طيار، وتقديم الدعم الاستخباري واللوجيستي للقوات الحكومية على الأرض.

غير أنّ الاستراتيجية الأمريكية الحالية تنطوي على عدة مخاطر، خصوصاً أنّ نجاحها مرتبط بمدى كفاءة القوات الحكومية الصومالية التي ما تزال عاجزة عن إحراز النصر الحاسم على حركة الشباب، بجانب وجود احتمالية لأن يؤدي الانخراط الأمريكي في مواجهة الحركة من جديد إلى تحفيز مقاتليها أو خلايا عملياتها الخارجية لاستهداف المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي أو خارجه.

أثبتت التطورات الميدانية التي حصلت بالصومال منذ إتمام الانسحاب الأمريكي أنّ رهان الولايات المتحدة على حلفائها المحليين خاسر

وعلاوة على المخاطر السابقة، تستغل حركة الشباب، ومن خلفها تنظيم القاعدة، التدخل الأمريكي في ترويج سردية الحرب الكونية بين "الكفر والإيمان".

وظهر ذلك بشكل جلي خلال الأيام الماضية، إذ حثّ العديد من أفرع تنظيم القاعدة في بياناتهم بمناسبة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الحركة الصومالية للاقتداء بحركة طالبان الأفغانية ومواصلة القتال حتى السيطرة على مقديشو.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يثق الصوماليون بنزاهة الانتخابات؟

وأثبتت التطورات الميدانية التي حصلت داخل الصومال منذ إتمام الانسحاب الأمريكي في 18 كانون الثاني (يناير) 2021 أنّ رهان الولايات المتحدة على حلفائها المحليين (الحكومة والجيش الصومالي) يبقى رهاناً خاسراً، إذ استغلت حركة الشباب حالة الضعف والوهن التي تعيشها الحكومة وحلفاؤها، والتناحر السياسي الداخلي في البلاد، لتوسيع مناطق سيطرتها وتعزيز مواردها المالية عبر زيادة حجم الأموال والضرائب المفروضة على السكان المحليين، ليصبح إجمالي ما تجمعه الحركة نحو 15 مليون دولار شهرياً؛ أي ما يضاهي حجم الإيرادات الحكومية تقريباً.

 

السفيرة البريطانية في الصومال: هناك مخاوف من حدوث مثل ما حدث في أفغانستان، إذا انسحبت القوات الأفريقية من الصومال

 

وشهدت القدرات العملياتية لحركة الشباب تعافياً واضحاً خلال الأشهر الـ6 التي أعقبت الانسحاب الأمريكي، وارتفعت وتيرة هجمات الحركة خلال تموز (يوليو) الماضي لتصل إلى 83 هجوماً إرهابياً، بزيادة قدرها 20% مقارنة بالهجمات في الشهر السابق حزيران (يونيو) 2021، وركزت تلك الهجمات على استهداف القوات الحكومية الصومالية والميليشيات الموالية لها في المقام الأول، وكذلك القوات التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام "أميصوم" الموجودة في البلاد منذ عام 2007 (يصل عددها حالياً إلى 18 ألف جندي تقريباً من دول أوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي، وكينيا، وبوروندي، ونيجيريا، وسيراليون، وغانا)، ونفَّذ مقاتلو الحركة 5 هجمات داخل كينيا المجاورة التي تنخرط بشكل مباشر في الحرب ضد حركة الشباب.

السفيرة البريطانية في الصومال كيت فوستر

وتنتهج حركة الشباب أسلوب حرب العصابات في مواجهة القوات الصومالية الحكومية، وتعتمد على استخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وهجمات الكر والفر، والكمائن، بجانب عملها على فرض السيطرة على قرى ومدن داخل البلاد، وإقامة حكم تابع للحركة فيها.

بيد أنّ اللافت للنظر في هجمات الحركة هو تركيزها على أهداف عالية القيمة، سواء داخل العاصمة مقديشو أو غيرها من المدن الصومالية المهمة، وهو ما يكشف عن وجود نشاط قوي لجهاز حركة الشباب الاستخباري والمعروف باسم "أمنيات"؛ لأنّ هذه النوعية من الهجمات تتطلب إعداداً ورصداً خاصاً، فضلاً عن تجهيزات استثنائية لإيصال منفذي الهجمات إلى الأهداف المرصودة.

وعلاوة على الهجمات داخل الصومال، شنت الحركة في أوقات سابقة هجمات دامية في بلدان أفريقية، منها أوغندا وكينيا.

أوروبياً، أعربت بريطانيا عن قلقها ومخاوفها بشأن نفوذ حركة الشباب في الصومال، ومن تأثيرها في الانتخابات المقبلة.

 

مسؤول سابق في المخابرات يؤكد أنّ بلاده قد تواجه وضعاً مماثلاً لأفغانستان، إذا لم تعالج الحكومة اعتمادها على القوات الأجنبية في حماية أمن البلاد

 

وعبّرت على لسان سفيرتها في الصومال كيت فوستر، في مقابلة مع إذاعة غوب جوغ المحلية في مقديشو يوم السبت الماضي، عن أملها في أن تكون هناك محادثات يقودها الشعب الصومالي ليكون هناك نظام يمكن للشعب أن يصوت فيه، وذكرت أنه نظام ليس في عملية الانتخابات الجارية، وفق ما نقل موقع "الصومال الجديد".

وأشارت السفيرة إلى أنّ هناك مخاوف من حدوث مثل ما حدث في أفغانستان، إذا انسحبت القوات الأفريقية من الصومال، وقالت: "أعتقد أنّ الوضع في أفغانستان هو شيء تحدث عنه الصوماليون هذا الأسبوع، وهناك دروس يمكن تعلمها، والوضع في أفغانستان مشابه للوضع في الصومال، أؤكد للناس أنه لا توجد خطة فورية لانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، لكنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرر أنه يجب أن يتم تسليم القيادة الأمنية للقوات الصومالية بشكل منظم".

وأوضحت السفيرة أنّ الحكومة الصومالية والاتحاد الأفريقي يجريان محادثات لتنفيذ خطة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال لتسليم المهام إلى أجهزة الأمن الصومالية، التي ستشمل في نهاية المطاف تقديم المشورة والتدريب لقوات الأمن الصومالية.

وفي السياق، يقول خبراء أمنيون إنه إذا حاولت البعثة الدولية في الصومال تسليم الأمن إلى الحكومة في الوقت الحالي، فإنّ العالم يمكن أن يرى تكراراً لتجربة ما حدث في أفغانستان.

وقال المسؤول السابق في المخابرات الصومالية عبد السلام غوليد  لصحيفة "العين" الإخبارية: إنّ بلاده قد تواجه وضعاً مماثلاً لأفغانستان، إذا لم تعالج الحكومة اعتمادها على القوات الأجنبية في حماية أمن البلاد.

وأضاف أنه على الرغم من أنّ الشباب لم تكن لديها القدرة العسكرية التي تمتلكها طالبان، فلا شك في أنها لن تتخلى عن تحفيز عناصرها بما حدث في أفغانستان.

وأوضح غوليد أنّ القوات المسلحة الصومالية تسيطر الآن وتتحمل المسؤولية عن الأمن في معظم مناطق البلاد، بدعم من قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي.

وفي مقابلة مع وسائل إعلام رسمية، رفض مستشار الأمن القومي الصومالي عبدي سعيد علي بشدة مقارنة الوضع في مقديشو وكابول، أو الجيش الصومالي مع القوات الأفغانية.

ورأى أنّ "طالبان والشباب لا تتشابهان في الحسابات الدولية، إذ ترتبط ميليشيات الشباب مع تنظيم القاعدة الذي يخوض حرباً وجودياً ضد العالم".  

جدير بالذكر أنه في شهر نيسان (أبريل) الماضي تولت القوات المسلحة الصومالية قيادة العمليات العسكرية ضد حركة الشباب، وفق خطة الانتقال الأمني التي وافقت عليها الحكومة وبعثة الاتحاد الأفريقي "أميصوم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية