محاولات حثيثة لجعل القدس "قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"

محاولات حثيثة لجعل القدس "قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"


16/11/2020

في محاولةٍ إسرائيلية يائسةٍ لتزييف الحقائق وفرض وقائع جديدة لتهويد المدينة المقدّسة، وتمرير المشاريع الاستيطانية، صادقت اللجنة المحلية للتنظيم والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس على إقامة حيّ استيطاني على أراضي قرية صور باهر، ويشمل المخطط الجديد، إقامة 450 وحدة استيطانية، تقع إلى الجنوب من الحيّ الاستيطاني "منحدرات أرنونا"، الذي شرعت البلدية في تطويره منذ نقل السفارة الأمريكية إليه، ضمن مخطط يشمل إقامة 1500 وحدة استيطانية، وذلك بهدف عزل مدينة القدس وتغيير ملامحها العربية.

القدس محاصرة بالمستوطنات، أبرزها: "معاليه أدوميم"، و"بسغات زئيف" من الشرق، ومن الشمال "جفعات زئيف" و"النبي يعقوب"، ومن الجنوب "جيلو" و"تل بيوت" و"هارحوما" و"بيتار عيليت"

ويمتدّ المشروع على مساحة 57 دونماً من الأراضي الزراعية في قرية صور باهر، وكذلك بناء منشآت تجارية وعامة في المكان، ستلتهم أكثر من 120 دونماً.

وصادر الاحتلال 9 آلاف و471 دونماً من بلدة صور باهر لإقامة المستوطنات وبناء الشوارع الالتفافية، ويحاصر البلدة ثلاثة مستوطنات، هي: "أرمون تسيف" شمالاً، و"هار حوما أو جبل أبو غنيم" جنوباً، و"رامات راحيل" غرباً، وجدار الفصل العنصري شرقاً، ويعاني سكانها من ضائقة سكانية كبيرة، ويعانون، كباقي سكان القدس الشرقية من البيروقراطية، من قبل بلدية الاحتلال الإسرائيلي بالمدينة، التي تعرقل حصول المقدسيين على رخص بناء.

يمتدّ المشروع على مساحة 57 دونماً من الأراضي الزراعية في قرية صور باهر

ويبلغ عدد سكان مدينة القدس 435 ألف نسمة، كما ويقدّر عدد المستعمرين في الضفة الغربية 636 ألفاً و452 مستعمراً، نهاية العام 2016؛ حيث يعيش 222 ألفاً و325 منهم في مدينة القدس وحدها، ويشكّلون ما نسبته 47.5%، وتشكّل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في مدينة القدس معدّلات عالية، بلغت 70 مستعمراً مقابل كلّ 100 فلسطينيّ.

اقرأ أيضاً: لماذا تغزو شركات الاتصالات الإسرائيليّة السوق الفلسطينيّة؟

وبحسب إحصائية مركز أبحاث الأراضي، التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس؛ فإنّ السلطات الإسرائيلية قامت، خلال الأعوام من 2000 إلى 2017، بهدم ألفٍ و706 مساكن بالقدس، وأدّى ذلك إلى تشريد 9422 ألفاً و422 مواطناً، وعلى خلفية بناء الجدار العازل منعت بلدية الاحتلال في القدس المواطنين من إقامة مئات البيوت، إضافة لأضرار الجدار الهائلة على البيئة بمدينة القدس، والذي حرمها من حقّها في الهواء والشمس.

ووفق مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق؛ فإنّ الكنيست الإسرائيلي طرح مشروعاً، عام 1971، يهدف إلى زيادة مساحة مدينة القدس إلى نحو (600 كم2)؛ أي 10% من مساحة الضفة الغربية، بهدف أن تكون مدينة القدس ذات أغلبية يهودية، ويتّخذ مشروع القدس الكبرى البعد الطولي من الغرب إلى الشرق بحدود 45 كم، وبعرض20 كم؛ أي أنّه سيقسم الضفة الغربية شمالاً وجنوباً بشكل نهائي، وهذا تمّ على أرض الواقع، وهي مرحلة (الفصل).

اقرأ أيضاً: قرية فلسطينية تستعين بكاميرات مراقبة لردع المستوطنين الإسرائيليين

ومن المخطط له أن يعيش في مدينة القدس خمسة ملايين شخص، أغلبيتهم من اليهود، وأن يزورها نحو 12 مليون سائح سنوياً، لإنعاش السياحة الدينية للمدينة والسياحة العلاجية، وستتيح الخطة نحو 80 ألف فرصة عمل، تحقيقاً لمبدأ "القدس هي قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"، ولإظهار القدس كمدينة حضارية مزدهرة للشعب اليهودي، قادرة على أن تنافس أهم مدن العالم من الناحيتين السياحية والتجارية.

حملة استيطانية ممنهجة ومسعورة

ووفق المركز؛ فالحلقة الأكبر من هذا المشروع المتدحرج، وهي ما يسمّى مشروع (5800) لعام 2050، ويهدف إلى إقامة مطار دولي كبير في منطقة وادي موسى، وربط مستوطنات شرق القدس بغرب المدينة، بواسطة شبكة من سكك الحديد والجسور، وتوسيع شبكات الطرق لتكون قادرة على استيعاب أعداد أكبر من المسافرين والسياح، إضافة إلى حركة شحن خاصّة إلى الخارج، وإقامة مناطق صناعية جديدة وفنادق وأسواق تجارية.

حملة استيطانية ممنهجة

ويرى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنّا عيسى، في حديثه لـ "حفريات" ؛ أنّ "الحيّ الاستيطاني يأتي ضمن خطة إسرائيلية ترمي إلى توسعة شاملة لكافة المستوطنات المحيطة بمدينة القدس والضفة الغربية المحتلة، بهدف الاستيلاء السياسي على الأراضي الفلسطينية، باستثناء قطاع غزة، وخلق وقائع جديدة على الأرض"، مبيناً أنّ "قرار التقسيم الصهيوني يهدف السيطرة على منطقة الأغوار والساحل الفلسطيني والنقب وتهويد الضفة، وجعلها مناطق تقع تحت السيادة الإسرائيلية، وإنهاء أيّ وجود ديموغرافي فلسطيني في تلك المناطق".

الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنّا عيسى لـ "حفريات"، المجتمع الدولي عاجز عن محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة بحقّ الفلسطينيين

وبيّن عيسى؛ أنّ "مناطق جنوب القدس المحتلة تشهد خلال الفترة الأخيرة حملة استيطانية ممنهجة ومسعورة لتسريع عملية ضمّ المزيد من الأراضي حول مدينة القدس"، لإقامة مشروع القدس الكبرى وتغيير الطابع التاريخي والإسلامي لها، وإطلاق بعض المسميات الزائفة على المواقع الإسلامية والأثرية فيها، كالمسجد الأقصى، الذي يطلق عليه الاحتلال هيكل سليمان، والمصلّى المرواني، الذي تسمّيه إسرائيل "القصر الملكي"، ومسمّيات أخرى عديدة، تهدف إلى تزوير الأصل العربي والإسلامي لتلك الأماكن وتسميتها بمسميات يهودية".

عقاب جماعي

ولفت إلى أنّ "سكان بلدة صور باهر، كغيرهم من السكان في بلدات عناتا وأبو ديس وجبل المكبر والسواحرة الشرقية، ومناطق أخرى عديدة في البلدة القديمة بالقدس، يعيشون ظروفاً مأساوية في ظلّ الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي تعرقل حياة سكانها بعد إحاطة البلدة بالمستوطنات الصهيونية من جهاتها الأربع، لتوسيع نطاق سيطرة بلدية القدس على مساحات واسعة من المدينة، وجعل المدينة المقدسة خارج أيّ اتفاق إسرائيلي فلسطيني مستقبلي".

 فصل القدس عن جسدها فلسطين

ويعطي قانون البناء الإسرائيلي، الصادر عام 1965، صلاحيات للاحتلال بمصادرة المزيد من المنازل والأراضي بالبلدة القديمة بالقدس وهدمها، والاستيلاء على كافة مفاصل ومعالم المدينة حتى حلول عام 2025م، بجعل مدينة القدس خالية من سكانها المقدسيين، وإحلال مكانهم قطعان المستوطنين، وهو عقاب جماعي ينتهك كافة القرارات الدولية، ومن بينها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، ونصّ القرار على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.

وأكّد عيسى أنّ "المجتمع الدولي يقف عاجزاً أمام محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة بحقّ الفلسطينيين، من بينها مصادرة الأراضي وهدم المنازل، مبيناً أنّ المعادلة الدولية تقف الآن مع الجانب الإسرائيلي، مع ضعف السلطة الفلسطينية في اتخاذ الخطوات المطلوبة والملائمة لوقف تلك الاعتداءات المستمرة بحقّ السكان الفلسطينيين بالقدس".

محاصرة بالمستوطنات الإسرائيلية

بدوره، يقول الباحث في شؤون الاستيطان بالقدس، جمال عمرو: إنّ "الاحتلال الإسرائيلي يعتمد سياسة الإغلاق المطلق في البلدة القديمة بالقدس، مستعيناً بخرائط الأراضي والصور الجوية لمراقبة أيّة فجوة في محيط المدينة المقدّسة، لم يجرِ إغلاقها، ليتمَّ إحكام إغلاق تلك الفجوات والثغرات بالبؤر الاستيطانية الجديدة، وإقامة مستوطنات بين المستوطنات الموجودة سابقاً، لتشديد السيطرة على مدينة القدس".

اقرأ أيضاً: هل يقود وقف التمويل الخارجي إلى انهيار السلطة الفلسطينية؟

ويضيف عمرو، خلال حديثه لـ "حفريات": "مدينة القدس المحتلة محاصرة بالمستوطنات، أبرزها: مستوطنة "معاليه أدوميم"، و"بسغات زئيف" من الشرق، ومن الشمال مستعمرة "جفعات زئيف" و"النبي يعقوب"، ومن الجنوب مستوطنة "جيلو" و"تل بيوت" و"هارحوما" و"بيتار عيليت"، ويستغل الاحتلال إحدى الفجوات القريبة من مستوطنة "جيلو" في منطقة وادي الحمص، والتي تشهد هدماً لمنشآت الفلسطينيين ومنازلهم لإقامة مشروعات استيطانية".

فصل القدس عن فلسطين

ولفت إلى أنّ "تركيز الاحتلال الإسرائيلي على منطقة صور باهر في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي والمنازل، يأتي ضمن خطة الاحتلال لمنع أيّ اتصال جغرافي مع مدن الضفة الغربية"، مبيناً أنّ "إسرائيل، منذ احتلالها مدينة القدس، خلال عام 1967، تريد فصل القدس عن جسدها فلسطين، وقطع الأمل بانتماء الفلسطينيين للمدينة المقدّسة، والقضاء على الخطوط التاريخية بين المدن الفلسطينية، وأبرزها مدينة الخليل؛ إذ يعدّ 80% من سكان القدس من أصول خليلية".

وأكّد عمرو أنّ "منطقة صور باهر تعدّ نقطة وصل بين القدس وبيت لحم إدارياً؛ حيث تمّ فصلها عن الأخيرة من خلال مستوطنة جبل أبو غنيم، حتى أصبحت بلدة معزولة بشكل تامّ عن بيت لحم والقدس"، مشيراً إلى أنّها "إجراءات صهيونية ممنهجة لعزل المدينة وتغيير ملامحها العربية والدينية وتهويدها لتمرير المشاريع الاستيطانية".

ويرى عمرو أنّ "المعضلة الأساسية حول الوضع القائم بمدينة القدس كانت بسبب اتفاقية أوسلو، التي تعثّرت بسببها السلطة الفلسطينية ووقعت في فخّها"، مؤكّداً أنّ "المطلوب حالياً هو الانسحاب من تلك الاتفاقيات، وسحب الاعتراف بالعدوّ الإسرائيلي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية