متاهة عراقية جديدة في زمن ضائع

متاهة عراقية جديدة في زمن ضائع


14/04/2022

فاروق يوسف

كان متوقعاً أن تسعى الأحزاب الشيعية الخاسرة في الانتخابات الأخيرة إلى إفشال محاولات تشكيل حكومة عراقية جديدة لا تقوم على أساس التوافق الذي يضمن لها حصة فيها.

ذلك ما نجحت فيه حين عطلت جلسات مجلس النواب بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني نتيجة لعدم حضور نوابها تلك الجلسات من غير أن تطرح المشروع الذي وعدت به بديلاً.

وذلك ما دفع التحالف الحزبي المكوّن من الكتلة الصدرية والحزب "الديموقراطي الكردستاني" وتحالف "تقدم" السنّي إلى الإعلان عن فشله والطلب من "الإطار التنسيقي" الذي يضم الأحزاب الشيعيّة الموالية بدرجات مختلفة لإيران القيام بذلك.

هكذا يكون النزاع الشيعي - الشيعي قد انتهى إلى نقطة البدء في سباق لن تكون نتائجه مضمونة، كونها لا تمت بصلة إلى الاستحقاقات الانتخابية وتضرب عرض الحائط الدستور الذي ينص على أن الكتلة السياسية الأكبر في مجلس النواب هي التي يحق لها تشكيل الحكومة بعد أن تعقد تحالفات مع أطراف حزبية أخرى.

الكرة الآن في ملعب القوى الخاسرة. تحوّل غريب حدث من أجل تفادي الصدام مع الأحزاب الشيعيّة الخاسرة التي يقف خلفها "الحشد الشعبي" ومن ورائه "الحرس الثوري" الإيراني.

وإذا ما كان تحالف القوى المنتصرة، شيعةً وأكراداً وسنّةً، قد رفض الانصياع للأوامر الإيرانية بالعودة إلى ما يُسميه العراقيون بنظام الديموقراطية التوافقية، فإنه لم يشأ الذهاب بعيداً في رهانه المستقل والسيادي بحيث يتم استبعاد القوى الحزبية الموالية لإيران من الحكومة وإجبارها على القيام بدور المعارضة. وهو ما ترفضه تلك القوى وترى فيه إيران بداية لأفول وجودها في العراق.

وهكذا انفتحت أبواب متاهة عراقية جديدة يعرف الجميع أنها مثل المتاهات السابقة لن تؤدي دروبها إلى مخرج. لن يكون في إمكان أقلية برلمانية أن تصل إلى نصاب قانوني يؤهلها لتشكيل حكومة. بهذا المعنى فإن اللعبة السياسية هذه المرة ستكتسب الكثير من عوامل السخف والتفاهة. ذلك لأن الزمن الذي مُنح للخاسرين من أجل تشكيل حكومة هو زمن ضائع، لن يكون مفيداً لأحد بقدر ما يعبّر عن عدم شعور الأحزاب بالمسؤولية بسبب ضعف الدولة وعدم احترام الدستور تعبيراً عن الاستخفاف بإرادة الشعب.

كما في لبنان فإن تشكيل حكومة جديدة في العراق يستغرق زمناً غير معلوم، ليس بسبب مفاوضات معقدة تخوضها الأطراف السياسية المتناحرة في ما بينها، بل بسبب تضارب المصالح وهو ما لم يُحسم بعد حتى بعدما سعى الشعب العراقي إلى حسم المسألة من جانبه حين منح أصواته إلى فريق يُعتقد أنه الأقل ضرراً وفساداً. وهو اعتقاد قد لا يكون صحيحاً لأن الفائزين الكبار هم من طينة النظام السياسي القائم.

في كل الأحوال، فإن التخلي الموقت للقوى المنتصرة في الانتخابات، عن حقها في تشكيل الحكومة لا ينبئ في إمكان كسر المعادلة التقليدية بحيث تتمكن القوى الخاسرة من تشكيل الحكومة في مشهد سريالي فريد من نوعه لا يمكن أن يحدث إلا في العراق إن حدث.

غير أن المسألة كلها يمكن اختصارها بتصفية أخيرة للحسابات على حساب الزمن العزيز للشعب العراقي الذي يخسر في كل لحظة فرصة للنهوض وسط رهانات الأحزاب الطائفية التي ليس من مشاريعها أن تبني وطناً أو ترعى مصالح مواطنيه.

لقد خسرت الأحزاب الولائية مدعومة بميليشيات "الحشد الشعبي"، السباق الانتخابي عام 2021 وكان عليها أن تختفي من المشهد السياسي وتعد نفسها لسباق انتخابي مقبل، فإذا بها تطالب بإلغاء الانتخابات مجازاً والعودة إلى تقاسم السلطة من طريق نظام المحاصصة الذي يهبها ما لا تستحقه وهي هبة فساد لا هبة خدمة. أما القوى الحزبية المنتصرة، فإنها حين تتخلى موقتاً عن حقها في تشكيل الحكومة فإنها كما لو كانت تمارس لعبة جر الحبل لاهية عما يعانيه الشعب في انتظار الإصلاح الذي لا يزال البعض يعتقد أنه ممكن إذا ما تمكنت الدولة العراقية من التحكم بسلوكها الإنفاقي.

حكومة تصريف الأعمال فتحت الباب إلى آخره للاستيراد لمناسبة حصول العراق على إيرادات مالية لم يحصل عليها منذ خمسين سنة. أليس ذلك الإجراء مؤشرَ استشراءٍ للفساد؟ تلك مقدمة غير حسنة لزمن عراقي لن يشعر العراقيون فيه بالراحة.

ومن الواضح أن مصطفى الكاظمي يسعى إلى استرضاء الجميع من أجل الحصول على ولاية ثانية. ولأنه ابن النظام وإنْ لم ينتمِ إلى أحزابه فإن معرفته الدقيقة ببنية النظام كونه حاضنة لمصالح الأحزاب تدفعه إلى الرهان على هدر العملة الصعبة من خلال الزيادة في فتح الاعتمادات المالية التي تعود لشركات وهمية أو أنها تقدم عروضاً لصفقات وهمية. ولكن تلك الشركات واجهات اقتصادية للأحزاب التي يدرك الكاظمي أن شيئاً من نشاطها الاقتصادي لا يدخل في الدورة الاقتصادية للدولة، من مصارف متخصصة بتهريب العملة الصعبة إلى إيران ولبنان إلى شركات استيراد معفاة من دفع الضرائب مروراً بأفراد نافذين تخصصوا بغسيل الأموال على مستوى إقليمي.

لذلك يمكن القول إن فتح باب الاستيراد على مصراعيه في بلد يقع ثلث سكانه تحت خط الفقر فيما يحتكر الفقر ثلثه الثاني هو محاولة مفضوحة لجمع المتناحرين إلى طاولة واحدة هي الطاولة الحقيقية التي تشهد المفاوضات من أجل منع تحول تضارب المصالح إلى حرب. فهل سينجح الكاظمي في مسعاه بحيث يرضي الجميع وييسر أمامهم عملية اختياره رئيساً لحكومة جديدة تعبيراً عن امتنانهم له؟

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية