ما هي خيارات الأكراد لمواجهة العدوان التركي في شرق الفرات؟

ما هي خيارات الأكراد لمواجهة العدوان التركي في شرق الفرات؟


03/01/2021

يرجّح أنّ روسيا وتركيا استغلتا انشغال أمريكا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وعملية انتقال السلطة من دونالد ترامب إلى الرئيس الجديد، جو بايدن، لتحقيق مكاسب على الأرض السورية، والضغط على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتسليم منطقة عين عيسى التي تسيطر عليها، والتي تعدّ عاصمة الإدارة الذاتيّة، التي تتمتع بموقع إستراتيجيّ، على الطريق الدولي "M4"، الذي يقسم شرق شمال سوريا، بغربه.

اقرأ أيضاً: 70 % من الأكراد الشباب في تركيا يواجهون التمييز

شهد شهر كانون الأول (ديسمبر) نهاية العام الماضي، مفاوضات بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية، روّجت له وسائل على الإعلام الروسية والسورية الرسمية على أنّه تمّ التوصل لاتفاق على تسليم "قسد" منطقة عين عيسى لروسيا والنظام السوريّ؛ إذ نشرت وكالة "سبوتنيك" الروسية تقريراً أكّدت من خلاله الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، وجاء في تقريرها: " وافق مسلحو ميليشيا "قسد"، المدعومة من الجيش الأمريكيّ، على تسليم مدينة عين عيسى الإستراتيجية بريف الرقة الشمالي إلى الجيش السوريّ، خلال الأيام القليلة القادمة".

إلا أنّ قوات سوريا الديمقراطية، سارعت إلى نفي الوصول إلى اتفاق يُفضي إلى تسليم منطقة عين عيسى إلى الروس من خلال تصريحات للقائد العام للمجلس العسكريّ في تل أبيض، رياض الخلف، والذي نفى التوصّل لأيّ اتّفاق مع القوّات الرّوسيّة بشأن عين عيسى، مؤكّداً أنّ قواتهم تتصدّى للمحاولات التركيّة في السيطرة على الطريق الدولي"، كما أكّد أنّ "على جميع الأخبار والمعلومات المتداولة حول الوصول لأيّ اتفاقٍ مع القوات الروسية، "لا أساس لها من الصحة"، وأنّ خريطة السيطرة ما تزال على حالها عقب 6 أسابيع من التصعيد العسكريّ التركيّ" وذلك بحسب وكالة أنباء هاوار الكردية.

من الواضح أنّ هناك اتفاقاً وتواصلاً كبيرَين بين الروس والنظام السوري من جهة، والجانب التركي من جهة أخرى، للضغط على قوات سوريا الديمقراطية

وأشار تقرير نشر في صحيفة "الشرق الأوسط"، بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي؛ إلى أنّ أوساط أمريكية مطّلعة رأت أنّ "توصيات" المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، للأكراد، تتجاوز ما وصفه البعض بأنّه "وديعة" سياسيّة من إدارة ترامب لإدارة الرئيس المنتخب، جو بايدن".

هل يشهد الملف السوري تراجعاً في عهد بايدن؟

كما جاء في التقرير؛ أنّ "الأوساط أكدت أنّ مسؤولين كثيرين في فريق الخارجية الأمريكية، المسؤول عن الملف السوري نصحوا الأكراد بالتوجه نحو موسكو في الآونة الأخيرة، ويتوقع هؤلاء بشكل كبير أن يشهد الملف السوري تراجعاً ملحوظاً في اهتمامات إدارة الرئيس المنتخب، بايدن، والذي سيعود ليكون محصوراً بشكل أساسي بمواجهة الإرهاب، فيما مواجهة الحضور الإيراني ستكون قضية إقليمية للاعبين الآخرين".

اقرأ أيضاً: الأكراد في تركيا في قبضة فاشية دينية بحلة عثمانية

وحول مفاوضات روسيا والنظام السوري مع قوات سوريا الديمقراطية، تواصلت "حفريات" مع  عضو المكتب السياسيّ والناطق الرسميّ باسم لواء الشمال الديمقراطيّ، محمود حبيب، وسألته عن أبعاد المفاوضات مع روسيا والنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة عين عيسى؟

محمود حبيب، عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم لواء الشمال الديمقراطي

حبيب قال: "التحالف الحقيقي الذي حدث من قبل هو مع القوات الأمريكية والقوات الأوروبية التي ساعدت قوات سوريا الديمقراطية ودعمتها عسكرياً وجوياً في القضاء على تنظيم داعش. إنّ قوات التحالف بذلت جهداً كبيراً، جوياً واستخبارتياً، لوجستياً، كي يكون هناك انتصار على هذا التنظيم، والتقدم الحقيقي على الأرض".

اقرأ أيضاً: هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟

وأضاف: "أما ما يحدث الآن مع قوات الاتحاد الروسي وقوات النظام، وإذا عدنا لعام 2019، في ذلك العام انسحبت القوات الأمريكية بشكل مفاجئ، وكان قرار الرئيس دونالد ترامب مفاجئاً حتى لوزير دفاعه، بسبب هذا الانسحاب السريع من منطقة شرق الفرات، الذي أتاح للقوات التركية أن تتقدم وتحتل مدينة تل أبيض ورأس العين وتهجّر أكثر من 300 ألف من السكان، وأن ترسل ما يعادل 30 ألف من المرتزقة ليكونوا في مقدمة جيوشها في عملية احتلال أراضٍ سورية، هذه المفارقة الخطيرة التي حدثت جراء الانسحاب الأمريكي دفعتنا بشكل اضطراري كي ندعو قوات الاتحاد الروسي وقوات النظام للوقوف في وجه هذا الاحتلال للأراضي السورية".

الناطق الرسميّ باسم لواء الشمال الديمقراطيّ، محمود حبيب لـ"حفريات": قوات النظام السوري ظلٌ للقوات الروسية، تأتمر بأوامرها، وتتقدم تارة وتتأخر تارة أخرى

وفي نظر حبيب "هذا ليس تحالفاً مع القوات الروسية، لكنّه دعوة للنظام السوري للدفاع عن الأرض السورية، قد نكون مختلفين سياسياً مع النظام السوري، لكننا متفقون على أن الأرض السورية تخص جميع المكوّنات، ومنها النظام، وعلى رأسها، لنقل إنّه هو النظام الشرعي في الوقت الحالي، وهذا ليس قرارنا، لكنّه قرار الأمم المتحدة، إذ ما تزال الأخيرة، إضافة إلى مجلس الأمن، يعترفان بشرعية النظام السوري في سوريا".

اقرأ أيضاً: لماذا ترك ترامب حلفاءه الأكراد فريسة لأردوغان؟

وأردف: "إذاً، كان علينا أن نطلب من قوات النظام الوقوف في وجه احتلال دولة أخرى، وهذا ما حدث، وقد رأت روسيا أنّها فرصة جيدة جداً، وانتهزتها للدخول إلى مناطق في شرق الفرات، ولم يكن لها من قبل أي وجود، قانوني أو عسكري، أو حتى قبول بالدخول إلى شرق الفرات".

ماذا عن القوات الروسية؟

وبالنسبة إلى القوات الروسية؛ فقد دخلت هذه المناطق من خلال تفاهمات مع الجانب التركيّ لإنشاء نقاط على الحدود ونقاط التماس، وبتسيير دوريات مشتركة على طريق "M4"، وبذلك استطاعت أن توقف تقدم القوات التركية.

أما قوات النظام؛ فهي، كما أبلغ حبيب "لا تعدو أن تكون ظلّاً للقوات الروسية، تأتمر بأوامرها، وتتقدم تارة وتتأخر تارة أخرى، كما تشاء القوات الروسية؛ إذ إنّ الأخيرة تتسلّح بشرعية قوات النظام السوري كي تسيطر على مناطق في سوريا، سواء كان في شرق الفرات أو في غيرها".

ويرى حبيب؛ أنّ النتيجة كانت أنّه لم يكن هناك اصطدام أو اشتباك حقيقيّ بين القوات الروسيّة والقوات التركيّة، وعندما حدث اشتباك بين القوات التركية والقوات النظام، استسلمت الأخيرة للقوات، وتمّ أسر أكثر من 17 مقاتل تمّت إعادتهم إلى العاصمة دمشق من قبل الجيش التركي، بحسب قوله.

اقرأ أيضاً: هل ينفّذ الأكراد تهديدهم في إطلاق الدواعش من مخيم الهول؟

ويعتقد الناطق الرسميّ باسم لواء الشمال الديمقراطيّ، أنّ هذا التحالف بين القوى التي لها مصالح على الأرض السورية، وليس تحالفاً بين "قسد" والقوات الروسية والنظام السوري بشكل رسميّ، إنما هو اقتناص للفرص كي نوقف تقدّم الاحتلال التركيّ، ونستفيد من خدمات الجيش الروسي والنظام، هذا ما حدث، ويتكرّر الآن في عين عيسى.

اقرأ أيضاً: الحزام التركماني.. "أبارتايد" أردوغاني بحق أكراد سوريا

وقال أيضاً: "نحن أمام معادلة خطيرة جداً، ويبدو أنّ الاتحاد الروسي وتركيا قد اتفقا على هذا السيناريو، نحن الآن في مواجهة العدو التركي الذي يحاول احتلال مناطق جديدة في شرق الفرات، وهذه المحاولة شديدة الخطورة هذه المرة؛ لأنّ مدينة عيسى يمرّ من خلالها طريق الـ "M4"، الذي يعدّ الشريان الحيوي بين منطقة شرق شمال سوريا وغربها، إذاً؛ هذا القطع الذي تتمناه تركيا وتعمل عليه، تريد من خلاله ضرب التجربة القائمة حالياً في شمال شرق سوريا".

حبيب: المعادلة المطروحة علينا

ورأى حبيب أنّهم يواجهون اليوم مفترقاً خطيراً جداً "المعادلة المطروحة علينا هي؛ إما أن يدخل النظام بشكل رسمي على مناطق عيسى، ويوجد لنفسه مربعاً أمنياً يتحكّم من خلاله بمنطقة عيسى ويتحكم بسكانها وأهلها وأريافها، ويتحكم أيضاً بالطريق الدولي "M4"، أو أن تترك القوات الروسية للقوات الاحتلال التركية بدخول الأراضي السورية، واحتلال قسم جديد، ذو أهمية شديدة، كمنطقة عين عيسى".

وقال حبيب: "حاولنا المناورة في هذا الموضوع، وقد حدثت مفاوضات بين الأطراف الأربعة؛ روسيا، تركيا، النظام السوري، قوات سوريا الديمقراطية، وخلصنا إلى أنّه؛ إما أن تبقى قوات روسيا والنظام في شرق الفرات، وتدافع بشكل جيد عن منطقة عين عيسى، أو أن تنسحب تماماً من منطقة شرق الفرات، وتتركنا بمواجهة العدو التركي، دون أن يكون هناك طرف يعمل على ابتزازنا، وعند هذه النقطة اتفقنا أن تنشر القوات الروسية ثلاث نقاط عسكرية بمحاذاة مدينة عين عيسى والطريق الدولي "M4"".

اقرأ أيضاً: هل تستخدم روسيا الأكراد لمناكفة تركيا؟

ويرى حبيب؛ أنّ تركيا وروسيا "ما تزالان في مناورة معنا وعلينا، كي تحصل كلّ واحدة منهما على مآربها في شرق الفرات؛ فإما أن يكون هناك رضوخ كامل للطلب الروسيّ في إدخال قوات النظام، ورفع علمه على مدينة عين عيسى، والتحكّم بالطريق الدولي "M4"، أو انسحابهم "روسيا والنظام السوري"، وتترك مدينة عيسى لصراع طويل ومرير بيننا وبين القوات التركية".

اقرأ أيضاً: كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟

أما الكاتب السوريّ، شيار خليل، ومدير تحرير مؤسسة "ليفانت" اللندنية، فقال لـ "حفريات": "هناك تضاربات في الأخبار والتصريحات غير الرسمية بخصوص مدينة عين عيسى؛ حيث لم يتم تسليم المدينة إلى الجانب الروسي والنظام، كما تتداول بعد الوسائل الإعلامية، وذلك كان واضحاً، كما رأينا حين نفت "قوات سوريا الديمقراطية" الأنباء التي تتحدث عن موافقتها على تسليم مدينة عين عيسى في ريف الرقة، شمال سوريا، لقوات النظام السوريّ، برعاية روسية، وتزامنت تلك التصريحات مع ضربات عسكرية للجانب التركي وحلفائه من المرتزقة السوريين على مدينة عين عيسى وأطرافها، للضغط على انسحاب قسد منها".

الكاتب السوري شيار خليل

وأضاف: "بحسب المصادر الخاصة التي وردت إلينا؛ الجانبان، الروسي والكردي، لم يصلا إلى اتفاق حول إدارة عين عيسى، وفشلت كلّ المحاولات التي طرحتها "قسد" لسيطرة قوى مدنية من أهل المنطقة عليها بالتزامن مع تواجد المؤسسات الرسمية التابعة للإدارة الذاتية وبإشراف روسي".

إقامة نقاط روسية سورية مشتركة

وتابع: "تأتي تلك الخطوات بعد مفاوضات مع الطرف التركي للتوصل إلى اتفاقات حول إقامة نقاط روسية سورية مشتركة، إلا أنّ تلك الاتفاقات تتعثر بالتزامن مع الضربات التركية ومحاولتها الضغط للانسحاب الكامل من قبل "قسد"؛ حيث تسعى تركيا لفرض هيمنتها على الجانب السوري المجاور لحدودها، وإن لم تنجح بذلك تدفع الروس والنظام للسيطرة عن طريق تكثيف ضرباتها العسكرية على المنطقة".

اقرأ أيضاً: تعطيش الشمال السوري: إستراتيجية تركيا لمحاربة الأكراد

وأردف: "قضية عين عيسى معقدة جداً، فليست هناك أيّة تصريحات أمريكية واضحة حول تلك النزاعات هناك، وبالجانب الآخر تعدّ مدينة عين عيسى ذات موقع إستراتيجي مهمّ، قريب من الطريق الدولية حلب الحسكة، والتي تصل شرق سوريا بغربها، وبالعاصمة دمشق أيضاً، وتعدّ العاصمة الإدارية للإدارة الذاتية منذ السيطرة عليها بدعم التحالف الدوليّ ضدّ داعش، عام 2015، ما يدفعها للتفاوض على عدة جبهات بين النظام والروس والأتراك، إلا أنّ النتيجة في النهاية محكومة بتدخلات الأمريكيين في الملفّ من تحت الطاولة وقلب الأوراق لصالح الإدارة الذاتية بوجه الاحتلال التركي".

اقرأ أيضاً: عامان من الجرائم التركية بحقّ العرب والأكراد في عفرين السورية

ويرى شيار؛ أنّه من الواضح أنّ هناك اتفاقاً وتواصلاً كبيرَين بين الروس والنظام من جهة، والجانب التركي من جهة أخرى، للضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتسليم المنطقة إلى النظام والانسحاب منها، وتلك الفجوة ستبقى موجودة إلى حين استلام الرئيس الأمريكي الجديد لمهامه وفرض اتفاقيات جديدة في المنطقة بالاتفاق مع الروس والضغط على الجانب التركيّ لصالح الإدارة الذاتية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية