ما هي أبعاد ودلالات جولة ماكرون في عدد من دول القرن الإفريقي؟

القرن الإفريقي

ما هي أبعاد ودلالات جولة ماكرون في عدد من دول القرن الإفريقي؟


18/03/2019

تتزايد أهمية منطقة القرن الإفريقي باضطراد في الأعوام الأخيرة؛ حيث أصبحت ساحة تجاذبات ومنافسة دولية ونقطة التقاء للقواعد العسكرية للدول الكبرى، وتعدّ فرنسا آخر الملتحقين بصراع النفوذ في تلك المنطقة؛ من خلال جولة قام بها رئيسها، إيمانويل ماكرون، في عدد من دول القرن الإفريقي مؤخراً؛ حيث استهل ماكرون زيارته بجيبوتي؛ المستعمرة الفرنسية السابقة والتي تحتضن القاعدة العسكرية الفرنسية الأكبر في العالم، وتابع ماكرون من هناك طريقه إلى إثيوبيا؛ ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان (أكثر من 100 مليون نسمة)، إضافة إلى كينيا التي اختتم بها جولته يوم الخميس الماضي.

جولة ماكرون متأخرة وتعكس ارتباكاً في التعاطي مع تزايد نفوذ قوى صارت تراهن على الدعم الاقتصادي لتأمين مصالحها

وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في خضم السعي الأوروبي الحثيث لجذب الدول الإفريقية في أعقاب توسع الصين في القارة الإفريقية، واستثماراتها البالغة بالملايين، وتأسيسها علاقات تجارية ودبلوماسية جديدة، في إطار المشروع العملاق، المعروف باسم "الحزام والطريق".

ويصف مراقبون جولة الرئيس الفرنسي؛ بأنّها متأخرة، وتعكس ارتباكاً، خاصة في التعاطي مع تزايد نفوذ قوى دولية وإقليمية صارت تراهن على الدعم الاقتصادي لتأمين مصالحها، بعد المفهوم الفرنسي الكلاسيكي الذي يقوم على الحماية الرمزية، وتثبيت مصالح الشركات الفرنسية على حساب اقتصاديات محلية هشّة.

غيله، الرئيس الجيبوتي، في استقبال ماكرون

فرنسا في جيبوتي: إحياء لدور قديم

بدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جولته في القرن الإفريقي بزيارة إلى جيبوتي، وتحتضن جيبوتي، التي تتمتع بموقع إستراتيجي عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، على الطريق المؤدي إلى قناة السويس، إحدى القواعد العسكرية الفرنسية الأكثر أهمية في الخارج، كما تستضيف جيبوتي أيضاً القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة في القارة الإفريقية، كذلك افتتحت الصين، عام 2017، في جيبوتي قاعدتها العسكرية الأولى في الخارج.

أعلنت باريس أنّها ستوفر 100 مليون يورو للمساعدة في التحول الاقتصادي في إثيوبيا

وسعى الرئيس الفرنسي، الثلاثاء الماضي، إلى التأكيد على أهمية فرنسا في مستعمرتها السابقة جيبوتي، مع خوفها المتزايد من دور الصين القوي في إفريقيا؛ حيث توسع نفوذها الاقتصادي والعسكري عبر القارة، وتحدث ماكرون عن شراكة فرنسية "محترمة" في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.

ووصف ماكرون جيبوتي، آخر مستعمرة تحصل على الاستقلال من فرنسا؛ بأنّها "شريك تاريخي وحليف إستراتيجي"، و"نقطة الدخول" إلى منطقة القرن الإفريقي.

وتعدّ جيبوتي، التي تقع بين إثيوبيا وصومالي لاند وإريتريا، التي يبلغ عدد سكانها 980 ألفاً، وفق الأمم المتحدة، جزءاً مهماً من مبادرة "الحزام والطريق" في بكين على طول ما أطلق عليه "طريق الحرير البحري"، وقدمت بكين، في الأعوام الأخيرة، مساعدات اقتصادية وتنموية مختلفة للبلاد، واستثمرت في مشاريع البنية التحتية العامة، بما في ذلك إعادة بناء خط سكة حديد فرنسي الصنع، من عام 1917، يربط جيبوتي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

اقرأ أيضاً: القرن الإفريقي والتسليح.. مخاوف من وقوع الأسلحة بأيدي حركة الشباب المتشددة

وقال ماكرون، في تصريحات صحفية الثلاثاء الماضي، في إشارة إلى الوجود المتزايد للصين في إفريقيا: "لا أريد أن تضعف الاستثمارات الدولية سيادة شركائنا"، في إشارة إلى الديون الصينية المتزايدة على الدول الإفريقية، والتي تمسّ سيادة تلك الدول، وتشير تقديرات مختلفة إلى أنّ ديون جيبوتي للصين تبلغ نحو 1.3 مليار دولار.

وقال دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى لإذاعة صوت أمريكا: "كانت جيبوتي بالنسبة إلى فرنسا حليفاً وشريكاً موثوقاً لفترة طويلة، ولكن هذه الشراكة تواجه الآن منافسة شرسة من الصين".

وكان الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، قد انتقد فرنسا بشكل علني، عام 2015، متهماً إياها بالتخلّي عن جيبوتي، وعن اهتمام ضئيل بالاستثمار فيها.

اقرأ أيضاً: تركيا في القرن الإفريقي ومخاطر عسكرة البحر الأحمر

كما أدّى اتفاق السلام غير المتوقع بين إثيوبيا وإريتريا، عام 2018، إلى خلط أوراق جيبوتي؛ حيث أثار رفع حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إريتريا، والعقوبات الأخرى، في تشرين الثاني (نوفمبر)، قلق جيبوتي، وتتهم الأخيرة إريتريا باحتلال جزء من أراضيها واحتجاز 13 جندياً جيبوتياً.

وأشار مسؤولون فرنسيون، في تصريحات لإذاعة صوت أمريكا، إلى أنّهم أثاروا هذا الأمر في الأمم المتحدة، ويرون أنّه وسيلة لباريس لتأكيد نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، وقال مصدر رئاسي فرنسي آخر لإذاعة صوت أمريكا: "ما تتوقعه منا سلطات جيبوتي هو أن نظل نشطين حتى تتمتع جيبوتي بمكانة كاملة في إعادة تشكيل المنطقة".

آبي أحمد في استقبال ماكرون
فرنسا في إثيوبيا: بناء قوة بحرية في بلد غير ساحلي!

على الجانب الآخر؛ وقعت إثيوبيا مع فرنسا أوّل اتفاق للتعاون العسكري بينهما، الثلاثاء الماضي، وهو اتفاق يتضمن مساعدة الدولة غير الساحلية في بناء قوات بحرية؛ حيث تسعى باريس إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في إفريقيا.

ويريد ماكرون الاستفادة من مزيج من القوة الناعمة لباريس في الثقافة والتعليم، ومن خبرتها العسكرية، لإيجاد موطئ قدم في إثيوبيا، في وقت تشهد الأخيرة فيه انفتاحاً غير مسبوق. وقال ماكرون، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء، آبي أحمد: "إنّ اتفاق التعاون الدفاعي غير المسبوق هذا يوفر إطاراً، ويفتح الطريق بشكل خاص لفرنسا للمساعدة في إنشاء عنصر بحري إثيوبي"، وينصّ الاتفاق على التعاون الجوي والعمليات المشتركة وفرص التدريب وشراء المعدات.

اقرأ أيضاً: إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية في القرن الإفريقي: إنه وقت المصالحة

ويقود آبي  أحمد، الذي تولى رئاسة الحكومة، في نيسان (أبريل) من العام الماضي، إصلاحات سياسية واقتصادية كبرى، شملت العفو عن جماعات المتمردين المنفيين والمصالحة مع إريتريا؛ عدوها المجاور منذ فترة طويلة.

وقامت إثيوبيا بحلّ قواتها البحرية، عام 1991، بعد انفصال إريتريا التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من إثيوبيا، والتي تقع على ضفاف البحر الأحمر، بعد حرب استمرت ثلاثة عقود من أجل الاستقلال.

وقال ماكرون: "نحن هنا في بلد صديق؛ حيث نريد تعزيز وبناء صفحة جديدة في تاريخنا المشترك"،  وأضاف "منذ أن أصبحت رئيساً للوزراء، تغيرت رؤيتنا (لإثيوبيا) بشكل عميق".

اقرأ أيضاً: كيف تُعيد الاستثمارات والتطبيع هندسة الأمن في القرن الأفريقي؟

وأعلن الجانبان أنّ باريس ستوفر 100 مليون يورو للمساعدة في التحول الاقتصادي في البلاد، كما أعلن ماكرون، في زيارته لبلدة لاليبيلا، المعروفة بكنائسها المنحوتة في الصخر، والتي تعود إلى القرن الثالث عشر، عن اتفاقيات لتطوير التراث الثقافي لإثيوبيا، ويكون ماكرون بذلك أول رئيس فرنسي يزور هذه المنطقة المهمة بالنسبة إلى المسيحية، والمصنفة على أنّها جزء من التراث العالمي من قبل منظمة "اليونيسكو".

اتفاق للتعاون العسكري بين فرنسا وإثيوبيا يتضمن مساعدة الأخيرة في بناء قوات بحرية
كينيا: 3 مليارات يورو استثمارات

وفي أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي إلى كينيا؛ أعلن الرئيسان، إيمانويل ماكرون وأوهورو كينياتا، سلسلة من صفقات البنية التحتية بين القطاعين العام والخاص، الأربعاء الماضي، بلغ مجموعها 3 مليارات يورو.

وسيكون من بين العقود المبرمة بين الشركات الفرنسية وكينيا؛ بناء خطّ للسكك الحديدية من العاصمة المزدحمة نيروبي إلى مطار جومو كينياتا الدولي، وهي مسافة تصل حوالي 20 كيلومتراً، ويمكن أن تستغرق ساعتين بالسيارة.

اقرأ أيضاً: مَن يسعى لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي؟

وقال كينياتا، الذي استقبل ماكرون؛ إنّه يأمل في أن تؤدي زيارة ماكرون التاريخية إلى تعزيز الاستثمارات الفرنسية في كينيا وزيادة عدد السياح بين البلدين.

ووقعت شركات فرنسية عقوداً في كينيا، تبلغ قيمتها نحو ملياري يورو (2.26 مليار دولار)، خلال زيارة قام بها، الخميس الماضي، ماكرون، الذي يريد تعميق العلاقات الاقتصادية الفرنسية مع دول شرق إفريقيا، وقال مصدر رئاسي فرنسي: "في كينيا هناك فرصة اقتصادية، ومن ضمن إستراتيجية الرئيس في فرنسا أن نهتم ليس فقط إلى إفريقيا الفرنكوفونية، بل في إفريقيا الناطقة بالإنجليزية".

كينياتا في استقبال ماكرون

وشارك ماكرون، الخميس الماضي، الرئيس الكيني في افتتاح النسخة الإفريقية من "قمة كوكب واحد" المتعلقة بالمناخ، كما انضمّ إلى افتتاح اجتماع أممي حول المناخ.

وبحسب الإليزيه؛ فإنّ "لدى إثيوبيا وكينيا حاجات هائلة في مجال البنى التحتية"، وينتظر البلدان من زيارة الرئيس الفرنسي أن "تضمن قيام شراكة مع مؤسساتنا الفرنسية من دون زيادة ديون البلدين"، خاصة أنّ كينيا تعدّ الاقتصاد الأكثر تقدماً في شرق إفريقيا؛ حيث تتمتع ببيئة عمل ليبرالية وثقافة ريادية، ومع ذلك؛ فإنّ الشركات الفرنسية لا تمثل سوى 1.4% من حصة السوق.

وتعدّ زيارة ماكرون لنيروبي الأولى لرئيس فرنسي منذ استقلال كينيا عن بريطانيا، عام 1963.

ماذا عن رواندا؟

وأفادت تقارير إخبارية عن دعوة وُجّهت للرئيس الفرنسي لحضور الذكرى 25 للإبادة الجماعية في رواندا، والتي من المقرر أن تقام الشهر المقبل، في 7 نيسان (أبريل) المقبل.

تصرّ رواند على أنّ فرنسا دعمت نظام الهوتو وساعدت بتدريب الميليشيات التي نفذت قتل الأقلية العرقية التوتسي والهوتو المعتدلين

وقال وزير الدولة الرواندي للشؤون الخارجية، أوليفييه ندوهنغيري ، لوكالة فرانس برس: "تمت دعوة الرئيس ماكرون لحضور الذكرى الخامسة والعشرين للإبادة الجماعية عام 1994".

ولم يؤكد ماكرون ما إذا كان سيحضر الحدث في العاصمة الرواندية، لكن في حال وافق، سيصبح ماكرون ثاني رئيس فرنسي يزور البلاد منذ الإبادة الجماعية، التي ما تزال تسمم العلاقات بين البلدين.

وتصرّ رواندا على أنّ فرنسا دعمت نظام الهوتو، وساعدت في تدريب الجنود والميليشيات الذين نفذوا قتل الأقلية العرقية، التوتسي والهوتو المعتدلين، وتنفي باريس باستمرار أيّ تورط لها في المذبحة، التي تقول الأمم المتحدة إنها أودت بحياة 800 ألف شخص خلال 100 يوم، بين نيسان (أبريل) وتموز (يوليو) 1994.

اقرأ أيضاً: لماذا تعد جيبوتي الخاسر الأكبر في توازنات القرن الإفريقي الجديدة؟

وفي كانون الأول (ديسمبر)، أسقط القضاة الفرنسيون تحقيقاً طويل الأمد في مقتل الرئيس الرواندي السابق، جوفينال هابياريمانا، في نيسان (أبريل) 1994 ، وهو الحدث الذي أشعل فتيل الدماء، ويمثل التحقيق مصدراً رئيساً للتوتر بين البلدين، بعد اتهام سبعة أشخاص مقربين من الرئيس بول كاجامي في التحقيق الفرنسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية