ما موقع الإقليم العفري في الحرب الأهلية الإثيوبية؟

ما موقع الإقليم العفري في الحرب الأهلية الإثيوبية؟


11/11/2021

ربما لو حققت قوات دفاع تيجراي اختراقاً كبيراً في الإقليم العفري، منذ شنت أول هجوم عليه في شهر تموز (يوليو) الماضي، لاتخذت الحرب الأهلية في إثيوبياً منحى آخر، ولكان التوسع داخل إريتريا بديلاً عن التوجه صوب العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، تحقيقاً للحلم التاريخي للتيجراي بالحصول على منفذ على ساحل البحر الأحمر.

وتواجه قوات تيجراي مقاومة شديدة من المقاومة العفرية المدعومة من القوات الفيدرالية، ولم تستطع تحقيق انتصارات عسكرية بعد مرور أربعة أشهر من القتال الشديد، بينما حققت نجاحات كبيرة خلال الفترة ذاتها داخل إقليم أمهرا.

القتال في إقليم العفر

ويخوض الإقليم العفري قتالاً ضد قوات تيجراي على جبهتين؛ الجبهة الشمالية الغربية، والتي شهدت بداية الغزو التيجراوي للإقليم، وتشهد قتالاً شديداً، وتحتفظ قوات تيجراي بسيطرتها على عدة مناطق عفرية، والجبهة الثانية الأحدث في منطقة سيفر (Chifra) الحدودية بين العفر والأمهرا، والقريبة من مناطق القتال الرئيسية للتيجراي داخل إقليم أمهرا، والتي تشهد أعنف المعارك ضدّ القوات الفيدرالية والأمهرية.

جنود من الجيش الشعبي العفري

وحول تطورات القتال، يقول الصحفي والباحث في الشؤون الأفريقية من إقليم العفر، شفاء العفاري: حتى اليوم السابع من الشهر الجاري، وبحسب آخر الاتصالات مع الداخل، تدور معارك شديدة بين العفر والتيجراي في منطقة درسا - جيتا، المحاذية لإقليم أمهرا، بعد استيلاء التيجراي على منطقة جبلية في أمهرا تطل على مناطق عفرية، وتمكنت القوات العفرية المدعومة من القوات الفيدرالية في تحرير المناطق العفرية والتقدم داخل إقليم أمهرا، أمام تراجع التيجراي حتى منطقة سيفرا.

رغم التحالف بين التيجراي وجهة تحرير أوروميا إلا أنّ هناك انقساماً كبيراً داخل القيادة السياسية والعسكرية للجبهة حول دخول التيجراي إلى إقليم أوروميا

وكانت قوات دفاع تيجراي سيطرت على مدينتي ديسي وكومبولشا الإستراتيجيتن، واللتين تقعان على الطريق الدولي بين جيبوتي والعاصمة أديس أبابا، وكذلك الطريق الدولي الذي يصل إلى بقية مدن إقليم أمهرا.

وحول الهدف من تقدم التيجراي داخل الإقليم العفري، يقول العفاري لـ"حفريات": الهدف هو السيطرة على مدينة ميللي الإستراتيجية التي تقع على الطريق الدولي بين جيبوتي وأديس أبابا، وذلك استباقاً للضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لدفع أطراف الصراع للجلوس على طاولة المفاوضات، وحال سيطرتهم عليها ستكون ورقة قوة بيدهم في المفاوضات، ولكن المقاومة العفرية كبدتهم خسائر كبيرة، وأجبرتهم على الانسحاب.

مكاسب إقليمية

ويخوض التيجراي قتالاً على ثلاث جبهات؛ جبهة الطريق الرابط بين عاصمة التيجراي مقلي وأديس أبابا (كاسا - جيتا A2)، ويقع في شرق إقليم أمهرا، وسيطرت قوات دفاع تيجراي أواخر الشهر الماضي على مدينتي ديسي وكومبولشا، وبهذا قطعت الطريق الدولي عن العاصمة، وتحاول القوات الفيدرالية المدعومة بقوات الأقاليم استعادة هاتين المدينتين، ومن هذه الجبهة تتفرع جبهة القتال صوب مدينة ميللي العفرية، والجبهة الثانية في غرب إقليم التيجراي ضدّ القوات الفيدرالية وميليشيات الأمهرا وقوات إريتريا، بجانب جبهة شمال - غرب الإقليم العفري.

قوات عفرية

ويريد التيجراي من السيطرة على مدينة ميللي العفرية تحقيق مركز متقدم على الطريق الدولي الذي يربط بين جيبوتي وإثيوبيا، وكذلك ميناء عصب الإريتري وإثيوبيا، وحال تحقيق ذلك ستتقدم قواتهم صوب مدينة سمرا، ويمكنهم ذلك من تحقيق اتصال مباشر بدولة جيبوتي، والتوغل شمالاً صوب إريتريا لتحقيق حلم الحصول على منفذ بحري، ولكن أمام ذلك المقاومة العفرية، صاحبة التاريخ الطويل في التصدي للتيجراي.

اقرأ أيضاً: احتمالات سقوط العاصمة الإثيوبية بيد التيجراي وحلفائهم

وذكر الصحفي العفاري أنّ جيش تحرير تيجراي (قوات دفاع تيجراي لاحقاً) له أطماع تاريخية في مناطق في شمال الإقليم العفري، وأثناء الحكم العسكري (1974- 1991) خاضت قوات تحرير عفار معارك ضارية مع جيش تحرير تيجراي للدفاع عن الإقليم، وتمكنت من هزيمتهم، ولهذا اعترفوا بالإقليم العفري كاملاً، حتى بعد استيلائهم على السلطة عام 1991.

الصحفي شفاء العفاري لـ"حفريات": جيبوتي ترى في حكومة أبي أحمد مشكلة كبيرة لها، بسبب خططه لتخفيف الاعتماد على موانئها كمنفذ بحري للاستيراد والتصدير

ويعود الصراع العفري - التيجراوي إلى قرون مضت، بحسب الباحث والصحفي العفاري، كون  ساحل البحر الأحمر الغربي من خليج تاجورة في جيبوتي إلى قرب ميناء عصب في إريتريا موطن القومية العفرية، بينما يعيش التيجراي في مناطق حبيسة، ولهذا كان الصراع التاريخي بسبب حلم التيجراي بالحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، وهو الهدف الذي لو تحقق لأمكن للتيجراي إعلان الانفصال عن إثيوبيا.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا: آبي أحمد الخاسر الأكبر في حرب تيجراي

وأشار العفاري إلى أنّ التيجراي يريدون التحالف مع العفر لتحقيق ذلك، أو السيطرة على الإقليم بالقوة، وإذا سقط إقليم العفر فستتقدم قوات تيجراي صوب ميناء عصب داخل إريتريا، وأكد أنّ العفر لا يقاتلون دفاعاً عن حكومة أبي أحمد بشكل مباشر، بل دفاعاً عن أنفسهم وسيادتهم وتاريخهم، ولهذا يستبسلون في القتال ويلحقون هزائم كبيرة بالتيجراي رغم رجحان كفة القوة العسكرية لصالح التيجراي، ولا يتوقع العفاري أنّ يتوسع التيجراي داخل الإقليم العفري بسبب المقاومة العنيفة.

دور جيبوتي

وتشهد المناطق الحدودية بين الإقليم الصومالي والإقليم العفري صدامات مسلحة بسبب الخلاف الحدودي، وتوغل ميليشيات قبائل العيسى الصومالية المدعومة من جيبوتي داخل مناطق العفر، وذكر الصحفي العفاري أنّ هناك تنسيقاً بين الميليشيات العيساوية والتيجراي، وكلما اشتد القتال بين التيجراي والعفر هاجمت هذه الميليشيات المناطق العفرية لتخفيف الضغط على التيجراي.

الصحفي والباحث في الشؤون الأفريقية، شفاء العفاري: هناك تنسيق بين الميليشيات العيساوية والتيجراي

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ جيبوتي ترى في حكومة أبي أحمد مشكلة كبيرة لها، بسبب خططه لتخفيف الاعتماد على موانئها كمنفذ بحري للاستيراد والتصدير، وذلك بالمساهمة في تطوير موانئ في السودان وكينيا وأرض الصومال وميناء عصب في إريتريا، وهو ما سيسبب خسائر كبيرة للاقتصاد الجيبوتي، ولهذا رغم أنّها لم تتخذ موقفاً رسمياً ضدّ حكومة أبي أحمد، لكنّها تعمل على إضعافه عبر تقديم الدعم للتيجراي، وإضعاف العفر لصالح التيجراي.

اقرأ أيضاً: هل تكون الحرب على تيجراي بداية تفكّك إثيوبيا؟

وعقب توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في 2018، سُربت إلى وسائل الإعلام تصريحات لوزير خارجية جيبوتي استنكر فيها التقارب بين الدولتين، وقبل تولي أبي أحمد رئاسة الوزراء كانت جيبوتي على علاقة قوية بالحكومات الإثيوبية منذ العام 1991.

ودخلت جيبوتي في صراع عسكري مع إريتريا حول مناطق حدودية، ولهذا ربما تريد دعم التيجراي في الإقليم العفري لفتح الباب أمامهم لدخول إريتريا عسكرياً، وهو ما يحقق منافع متبادلة للطرفين اللذين يتشاركان العداء للرئيس الإريتري أسياس أفورقي.

مفاوضات متعثرة

وأجرى المبعوث الأمريكي ومبعوث الاتحاد الأفريقي زيارات على مدار الأيام الماضية شملت لقاءات مع رئيس الوزراء أبي أحمد ومسؤولين من جبهة تحرير تيجراي، ضمن مساعي عقد مفاوضات لوقف القتال والجلوس على طاولة المفاوضات، دون تحقيق انفراجة تُذكر، وصرح المبعوثان بأنّ "احتمالات إنهاء الحرب ضئيلة للغاية" بسبب إصرار أبي أحمد والتيجراي على القتال.

وميدانياً حققت قوات جبهة تحرير أوروميا (OLF) انتصارات عسكرية على القوات الفيدرالية، وسيطرت على مناطق تبعد 20 كم عن العاصمة أديس أبابا، وكانت الجبهة عقدت تحالفاً مع قوات دفاع تيجراي لإسقاط أبي أحمد، وذكرت مصادر التيجراي الإعلامية أنّ الحليفين خاضا قتالاً مشتركاً لأول مرة ضد القوات الفيدرالية خلال الشهر الماضي.

فرق نسائية مقاتلة تتبع قوات دفاع تيجراي

ورغم التحالف بين التيجراي وجهة تحرير أوروميا إلا أنّ هناك انقساماً كبيراً داخل القيادة السياسية والعسكرية للجبهة حول دخول التيجراي إلى إقليم أوروميا الذي تقع العاصمة داخله، ويعتبرها الأورومو مدينة تابعة لهم، وحذر الجناح السياسي قوات دفاع تيجراي من دخول العاصمة.

ويرى الصحفي والباحث شفاء العفاري، أنّ الخلاف بين التيجراي والأورومو قد يشكل الأمل الأخير لأبي أحمد لإنقاذ حكمه؛ إذا استغل ذلك ولبى شروط الأورومو، الذين بدونهم لن يتمكن التيجراي من التقدم صوب العاصمة.

ومن جانب آخر، قد لا يتقدم التيجراي صوب العاصمة، ويتخذون من تهديدها وقطع الطرق الدولية عنها ورقة تفاوض من أجل الحصول على الاستقلال أو حكم كونفدرالي.

ويقع الإقليم العفري في شمال شرق إثيوبيا، ويشترك في الحدود الدولية مع إريتريا وجيبوتي، وحدود داخلية مع الإقليم الصومالي والتيجراي والأمهرا والأورومو، ويبلغ عدد سكانه 1.2 مليون نسمة، يدين 95 % منهم بالإسلام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية