ما مصير خطاب الشعبوية الإسلاموي؟.. دراسة حديثة تجيب

هل ينهار خطاب الشعبوية الإسلاموي نتيجة وعي الشعوب؟

ما مصير خطاب الشعبوية الإسلاموي؟.. دراسة حديثة تجيب


10/10/2023

تتغذى كافة الحركات المتطرفة على الخطاب الشعبوي المفعم بالشعارات الدينية، وتجد في ذلك طريقاً ممهدة لتحقيق أهداف الانتشار الواسعة، وتعبئة أكبر عدد من الأتباع، كما يمكنها من تحقيق مكاسب قوية كتيار معارض عندما تكون خارج السلطة، واليوم تبدو الحركات الإسلامية في حاجة قوية لتوظيف الخطاب الشعبوي من أجل إيجاد موطئ قدم في المشهد السياسي العربي. 

لكن مؤخراً بات من الواضح فشل هذا الخطاب في تحقيق مكاسب للتيارات الإسلامية، خاصة في ضوء حالة الوعي التي تعيشها الشعوب العربية خلال الأعوام الماضية، وانكشاف زيف الخطاب الإخواني بوجه عام، فضلاً عن ثبوت تورط الجماعة في العديد من العمليات الإرهابية. 

من خلال تعامل الإسلاموية مع الكوارث الطبيعية كـ "عقوبة إلهية"، تظهر استراتيجيات التلاعب، خاصةً إذا ما طبقنا هذا المبدأ في ساحات متغيرة؛ أي إنّ الكارثة نفسها يمكن أن تكون عقوبة في مكان، وابتلاءً في مكان آخر، وفق الإيديولوجيا الإسلاموية

الجدل حول الخطاب الشعبوي للإسلاميين فجّره مؤخراً بيان لحزب (العدالة والتنمية)، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في المغرب، إبّان زلزال أيلول (سبتمبر) الماضي، زعم فيه أنّ ما حدث كان "عقاباً إلهياً"، بالقول: "الصواب هو أن نراجع كأمّة ونتبيّن هل الذي وقع قد يكون بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي؟ لأنّ السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنّما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة، والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها". 

الاعتماد على اللّامنطق

تقول دراسة حديثة صادرة مؤخراً عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة: إنّ شيوع الروابط اللّامنطقية في الخطاب الإسلاموي يُعدّ أحد أساسيات هذا الخطاب، وبالعودة إلى سجالات الخطاب مكتوباً ومذاعاً نكتشف أنّ اللّامنطق هو الأداة السحرية في جاذبية خطاب الإسلاموية ونجاحه في استقطاب الجمهور، ذلك أنّ الخطاب العقلاني المنطقي، الخاضع لقوانين السببية لا يجد قوة التأثير نفسها في عواطف الناس، ولا سيّما إن تعلق الأمر بالدين. 

بات من الواضح فشل هذا الخطاب في تحقيق مكاسب للتيارات الإسلامية

وتذكر الدراسة أنّه قبل عامين أرجع رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي عودة انتشار وباء (كوفيد 19) إلى إقالة وزير الصحة المنتمي إلى حركته الإخوانية، عبد اللطيف المكي، مع أنّ الموجة الجديدة كانت عالمية، وليست متوقفة على وجود المكي على رأس الوزارة من عدمه، كما أنّ نجاح البلاد في تخطي الموجة الأولى لم يكن بسبب "بركة" الوزير، ولكن لأسباب موضوعية أخرى. 

سردية العقاب الإلهي في فكر الإخوان 

تشير الدراسة التي أعدها الباحث التونسي أحمد نظيف إلى أنّه بداية من أزمة الشرعية التي دخلت فيها شعوب منطقتنا، بعد دخول الاستعمار الغربي وسقوط الخلافة، شرع قطاع من النخب في الانكماش نحو الانفصال عن الواقع الزمني، وتفسير التراجع الحضاري وتفكك أواصر الشرعية من خلال منظور "العقاب الإلهي". 

وفي هذا السياق، ظهرت جماعة الإخوان المسلمين ممثلة لهذا التيار، الذي تطور وشهد ذروة انفصاله عن الواقع فيما كتبه سيد قطب، جامعاً بين سحر الأسلوب وهلوسات المضمون. وظهرت هذه النزعة الانفصالية في توظيف اللامنطق والعداء للسببية في هزيمة 1967، عندما أعادت الجماعة، ومن ورائها طيف واسع من الجمهور، ما حدث إلى قانون "العقاب الإلهي"، وليس إلى أسباب موضوعية وذاتية يستطيع العقل تحليلها وتالياً معالجتها.

انطلاقاً من الشعار المركزي للإسلاموية في نسختها الإخوانية "الإسلام هو الحل"، يُلاحظ الخطاب الشعبوي المُكثف في هذا الشعار، حيث يتم حل كل مشكلات المجتمع الحديث في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والحياة اليومية بعصا سحرية لدى هذه التيارات

ووفق الدراسة، شكلت سردية "العقاب الإلهي" في أعقاب حرب 1967 الأساس الإيديولوجي الذي قامت عليه موجة الصحوة الإسلاموية، ليس فقط في مصر، بل في عموم الأقطار العربية، ولا سيّما في المغرب العربي. 

إذ شهد تنامي صعود الحركات الإسلاموية، وشعارات "الإسلام هو الحلّ"، القائمة على التبسيط والتسطيح المفرط لمشكلات عميقة ومُعقدة مثل الهوية والتنمية والتقدم. ويبدو أنّ السبعينيات كانت البوابة التي دخلت عبرها أقطار المنطقة عصر الشعبوية الإسلاموية، إن جاز التعبير. مع أنّ مستوى أعمق من التحليل ربما يكشف عن أنّ هذا الخطاب الشعبوي مقصود في ذاته ضمن أساليب التعبئة والدعاية والتأثير.

الشعبوية الإسلاموية

يرى الباحث أنّ الشعبوية مفهوم ملتبس، ويرجع ذلك أساساً إلى أنّ الحركات التي تُوصف بالشعبوية لها خصائص مختلفة اعتماداً على الظروف التي ظهرت فيها، حيث تظهر الشعبوية في أوروبا اليوم في شكل حركات يمينية متطرفة عقيدتها الأساسية العداء للأجانب، فيما تظهر حركات أخرى في شكل جماعات احتجاجية تعارض هيمنة الأوليغارشيات الحزبية والمالية، مُقدمة نموذجاً للسياسة يقوم على الزعامة الكاريزمية للقائد الشعبوي. 

يرى الباحث التونسي أحمد نظيف أنّ الشعبوية مفهوم ملتبس

وفي الحالة الإسلاموية السائدة في منطقتنا العربية والإسلامية، لا تستجيب الحركات الإسلاموية لنموذج الحركات الشعبوية، وفق الدراسة، ولكنّها مع ذلك تمتلك أبعاداً شعبوية في مستوى خطابها السياسي؛ أي إنّها تعتمد خطاباً شعبوياً، لا يخاطب عقول الجمهور ولكنّه يخاطب عواطفهم.

وانطلاقاً من الشعار المركزي للإسلاموية في نسختها الإخوانية "الإسلام هو الحل"، يُلاحظ الخطاب الشعبوي المُكثف في هذا الشعار، حيث يتم حل كل مشكلات المجتمع الحديث في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والحياة اليومية بعصا سحرية لدى هذه التيارات. 

خصائص الشعبوية الإسلامية

بحسب الباحث، لا يمكن الإمساك بنموذج ثابت للخطاب الشعبوي الإسلاموي، حيث إنّه مختلف باختلاف الحركات والجماعات والظروف الموضوعية التي تنشط فيها وداخلها، إلا أننا يمكن أن نحدد بعض الخصائص المشتركة والشائعة لهذا الخطاب، كالتالي:

1- الخلاصية: يقوم البناء العقائدي للإسلاموية على فكرة جوهرية وهي الخلاصية، حيث تطرح الحركات والجماعات الإسلاموية نفسها كمُخلص للناس من بؤس الحاضر، بوصفها تملك الحل النهائي والشامل لجميع مشكلاتهم المادية والمعنوية. 

2- الحقائق البديلة: كي تنجح الإسلاموية في إنتاج خطابها الخلاصي، القائم على المقابلة بين الواقع والمستقبل، تحتاج إلى إنتاج حقائق بديلة لكي يكون هذا الخطاب مقدماً على نحو مقنع ومنطقي.

كي تنجح الإسلاموية في إنتاج خطابها الخلاصي، القائم على المقابلة بين الواقع والمستقبل، تحتاج إلى إنتاج حقائق بديلة لكي يكون هذا الخطاب مقدماً على نحو مقنع ومنطقي

3- العدو الغامض: لكي ينجح الخطاب الشعبوي الإسلاموي في بناء فكرته الخلاصية وحقائقه البديلة، يجب أن ينتج عدوه الخاص، دون أن يكشف عن هويته، ذلك الغموض هو الذي يثير عواطف الجمهور المتلقي، وتحت شعارات مثل "الإسلام في خطر"، أو "المؤامرة ضد الإسلام"، يجد المتلقي نفسه مُجبراً على الانخراط في معركة لا يعرف أطرافها.

4- التلاعب: من هذه الخصائص التلاعب قصد التوظيف، فمن خلال تعامل الإسلاموية مع الكوارث الطبيعية كـ "عقوبة إلهية"، تظهر استراتيجيات التلاعب، خاصةً إذا ما طبقنا هذا المبدأ في ساحات متغيرة؛ أي إنّ الكارثة نفسها يمكن أن تكون عقوبة في مكان، وابتلاءً في مكان آخر، والمعيار الوحيد للتفرقة بين العقوبة والابتلاء هو مدى قرب السلطة أو النظام الذي يحكم ذلك المكان من الإيديولوجيا الإسلاموية.

فلم تظهر سرديات "العقوبة الإلهية" في الزلزال الذي ضرب تركيا قبل أشهر؛ نظراً للقرب بين النظام السياسي هناك والجماعات الإسلاموية، فيما تحولت الكارثة نفسها إلى عقوبة في المغرب، وضمن هذا التلاعب في المعايير، يمكن أن نجد الكثير من النماذج والأمثلة.

مواضيع ذات صلة:

- لماذا تعد "الشعبوية" كلمة مشينة؟
الشعبوية ويمين الإسلام السياسي

ستيف بانون يؤسس للشعبوية الدولية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية