نشر موقع "ذا إنترسيبت" الأمريكي حزمة وثائق باللغة الفارسية، قال إنّها وردته من شخص مجهول الهوية، عبر رسالة إلى الموقع جاء فيها: "أريد أن يعلم العالم ما الذي تفعله إيران ببلادي العراق"، وهو ما أظهر أنّ المرسل شخص عراقي، واشتملت حزمة الوثائق على نحو 700 صفحة، توزعت بين تقارير، ورسائل رسمية صيغت من قبل رجالات الاستخبارات الإيرانية، وتقديرات موقف تصف الأحداث السياسية في العراق، بطريقة مفصلة بين عامي 2014 و2015، ولا يُعرف كيف وصلت هذه التقارير إلى يد الشخص الذي يُعتقد أنّه مسؤول استخبارات عراقي.
العراق ولبنان وسوريا مهمة بالنسبة لإيران في تعريفها للأمن القومي الإيراني؛ حيث يشرف الحرس الثوري على تخطيط السياسات الإيرانية فيها
تعدّ الـ "إنترسيبت" مؤسسة إعلامية أمريكية متخصصة بهذا النوع من التحقيقات والتقارير الاستقصائية، ويبدو أنّ إدارة المؤسسة قررت مشاركة هذه البيانات مع صحيفة "نيويورك تايمز"، وصرّحت الصحيفتان بأنّهما عملتا معاً على التأكد من صحة الوثائق المرسلة، وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" في تعليقها على التسريبات: "كان صعود إيران كلاعب قوي في العراق من نواحٍ كثيرة نتيجة مباشرة لافتقار واشنطن إلى أيّة خطة بعد الغزو، وكانت الأعوام الأولى التي تلت سقوط صدام فوضوية؛ سواء من حيث الأمن، أو نقص الخدمات الأساسية، مثل؛ الماء والكهرباء، ومن بين أكثر السياسات الأمريكية كارثية، قرارات تفكيك القوات المسلحة العراقية، واجتثاث كوادر البعث من الخدمة الحكومية، أو القوات المسلّحة الجديدة، وهي العملية التي قادت تلقائياً إلى تهميش السنّة، الذين أصبحوا عاطلين عن العمل، ويشعرون بالاستياء، فشكلوا تمرداً عنيفاً يستهدف الأمريكيين والشيعة، الذين كان ينظر إليهم على أنّهم حلفاء للولايات المتحدة".
وتتابع الصحيفة: ومع اندلاع الحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، نظر السكان الشيعة إلى إيران كحامية، وعندما سيطر تنظيم داعش على الأراضي والمدن، أدى ضعف الشيعة، وفشل الولايات المتحدة في حمايتهم إلى تغذية الجهود التي بذلها الحرس الثوري، والجنرال قاسم سليماني لتجنيد وتعبئة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران.
كانت إيران تعدّ مراقبة النشاط الأمريكي في العراق بعد الغزو الأمريكي حاسمة لبقائها وأمنها القومي، وعندما أطاحت القوات الأمريكية بصدام حسين، نقلت إيران بسرعة بعضاً من أفضل ضباطها من كلّ من وزارة الاستخبارات ومن منظمة الاستخبارات للحرس الثوري إلى العراق، وفق مستشاري الحكومة الإيرانية، وشخص ينتسب إلى الحرس؛ فقد اعتقد القادة الإيرانيون أنّ طهران ستكون على رأس قائمة واشنطن لعواصم تغيير النظام بعد كابول وبغداد، خاصة بعد إعلان الرئيس جورج دبليو بوش؛ أنّ إيران جزء من "محور الشر"، وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية، وهي النسخة الإيرانية من وكالة الاستخبارات المركزية، تحظى بسمعة دولية جيدة باعتبارها وكالة تحليلية ومهنية، لكنها وقعت لاحقاً تحت سيطرة منظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، وهي منظمة أمنية موازية جرى تأسيسها كهيئة مستقلة عن وزارة الاستخبارات عام 2009، بأمر من المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي.
اقرأ أيضاً: فضيحة الوثائق الإيرانية: هكذا عمل "الإخوان" ضد السعودية في اليمن
إنّ كلاً من العراق ولبنان وسوريا، تعدّ دولاً مهمة بالنسبة إلى إيران في تعريفها للأمن القومي الإيراني؛ حيث يشرف الحرس الثوري، خاصة قوة القدس النخبوية، بقيادة الجنرال سليماني، على تخطيط وتطبيق السياسات الإيرانية في هذه الدول؛ لذلك يجري تعيين سفراء إيران في الدول الثلاث من ملاك الحرس الثوري، وليس من وزارة الخارجية، وذلك وفق عدّة مستشارين للإدارات الإيرانية الحالية والسابقة.
كشفت التسريبات عن تأثير طهران على العراق والذي جاء حصيلة أعوام من عمل استخباري قام به جواسيس إيرانيون لكسب ولاء قادة العراق
كشفت التسريبات عن تأثير طهران الهائل على العراق، والذي جاء حصيلة أعوام من عمل استخباري مركّز قام به جواسيس إيرانيون لكسب ولاء قادة العراق، والتسلّل إلى كلّ جانب من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في العراق، رتّب الجواسيس اجتماعاتهم في الأزقّة المظلمة، ومراكز التسوق، أو تحت غطاء رحلات صيد، أو حفلات عائلية، وتربّص المخبرون في مطار بغداد، كي يلتقطوا صوراً للجنود الأمريكيين، ويضعوا علامات التبويب على الرحلات الجوية العسكرية للتحالف، وسار العملاء عبر الطرق المتعرجة إلى الاجتماعات، للتهرب من المراقبة، وحين كان يلزم الأمر، قدموا الرشاوى للمسؤولين العراقيين، وحتى الأمريكيين.
اقرأ أيضاً: وثائق مسربة من استخبارات إيران تكشف دور طهران الخفي في العراق
وتشير التسريبات إلى أنّ ضباطاً من وزارة الاستخبارات والحرس الثوري في العراق عملوا مع بعضهم؛ حيث كان يتم إبلاغهم بالنتائج والمعلومات في مقرهم بطهران، والذي بدوره يعمل على تنظيمها في تقارير للمجلس الأعلى للأمن القومي، وتكشف الوثائق وجود هيمنة إيرانية حقيقية في العراق تتخطى ترتيب التحالفات السياسية ما بين القوى السياسية العراقية، كما هو معروف، وأنّ طهران تفوقت بالفعل على الولايات المتحدة في صراع النفوذ في العراق؛ وبحسب هذه الوثائق فإنّه من الصعب على أيّ سياسي عراقي أن يصبح رئيساً للوزراء دون مباركة إيران، وكان السيد عادل عبد المهدي الذي حصل على رئاسة الوزراء عام 2018، ينظر إليه كمرشح توافقي مقبول لدى كل من إيران والولايات المتحدة، لكن الوثائق المسربة كشفت وجود علاقات خاصة بين عبد المهدي والنظام الإيراني.
وتشرح الوثائق بالتفصيل كيف تحوّل العراق إلى بوابة للقوة الإيرانية، يربط جغرافية الجمهورية الإسلامية للهيمنة من شواطئ الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط؛ بدأ سقوط العراق تحت النفوذ الإيراني منذ الغزو الأمريكي، عام 2003؛ حيث استطاعت إيران بناء شبكة جواسيس وعملاء في معظم المؤسسات السيادية العراقية، سواء المؤسسات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، وتشرف الجهة الإيرانية التي تشرف على العلاقات مع العراق هي الحرس الثوري الإيراني، وليست الحكومة أو وزارة الخارجية، ولعلّه لم يكن مفاجئاً أن تعكس الوثائق الدور الأساسي الذي اضطلع به الجنرال قاسم سليماني، في تعزيز نفوذ طهران داخل العراق. وبحسب الوثائق؛ فإنّ نفوذ الاستخبارات الإيرانية لم يقتصر على مدن جنوب العراق التي يهيمن عليها بشكل كبير جداً؛ بل امتدّ إلى المناطق السنّية والكردية.
لعلّ من أهم ما جاء في مقال "نيويورك تايمز"، وموقع "إنترسيبت" عن الوثائق الإيرانية المسربة بشأن العراق:
- تُظهر الوثائق بعض أدوات إيران، وعملائها المجندين لخدمتها داخل مؤسسات الدولة العراقية، وتبيّن محاولات إيران تجنيد عملاء عراقيين سابقين لوكالة الاستخبارات الأمريكية، بعد انسحاب أمريكا من العراق، للحصول على معلومات دقيقة حول الأنشطة الأمريكية في العراق، وتُظهر الوثائق أيضاً محاولة إيران تجنيد أحد العملاء في وزارة الخارجية الأمريكية، وهذا العميل الذي حاولت إيران تجنيده، كان يمتلك معلومات استخبارية بشأن الخطط الأمريكية في العراق.
تشير التسريبات إلى أنّ ضباطاً من وزارة الاستخبارات والحرس الثوري بالعراق عملوا مع بعضهم وكان يتم إبلاغهم بالمعلومات في مقرهم بطهران
- تبيّن الوثائق كيف تعاونت الاستخبارات العراقية مع طهران في تقديم كلّ المعلومات اللازمة، فيما يخصّ الجانب الأمني العراقي، وتشير الوثائق إلى أنّ العراقيين هم من بادروا بهذه الخطوة، بحجّة أنّ المذهب واحد، وأنّهم شيعة، وبحسب إحدى الوثائق زادت التحركات الإيرانية في العراق بشكل ملحوظ بعد انسحاب القوات الأمريكية، عام 2011؛ حيث قامت إيران بإضافة مخبرين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية إلى جدول الرواتب، ويظهر قسم غير موثق في وثائق وزارة الاستخبارات، أنّ إيران بدأت عملية تجسس داخل وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً؛ حيث بدأت بمقابلة المصدر، وعرضت عليه مكافأة وراتباً، وعملات ذهبية، وهدايا أخرى، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا الجهد قد أثمر شيئاً لطهران، وبينما لم تشر الوثائق إلى اسم المسؤول المستهدف في الخارجية الأمريكية، لكنها وصفته بالقادر على تقديم "رؤى استخباراتية حول خطط الحكومة الأمريكية في العراق، سواء كان ذلك للتعامل مع داعش، أو أيّة عمليات سرية أخرى"، وقد رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على هذه الجزئية.
- تكشف الوثائق حقائق مروعة عن مجزرة جرف الصخر، عام 2014، التي تعدُّ مثالاً حياً على الفظائع الطائفية التي ارتكبتها الجماعات المسلحة الموالية لقوة القدس الإيرانية، والتي أزعجت الولايات المتحدة طوال حرب العراق، وقوضت جهود المصالحة، وتقع جرف الصخر شرق الفلوجة مباشرة في وادي نهر الفرات، وهي منطقة غنية بأشجار البرتقال، وبساتين النخيل، وتمّ اجتياحها من قبل تنظيم داعش، عام 2014، ما منح التنظيم الإرهابي موطئ قدم يمكنه من خلاله شنّ هجمات على المدن المقدسة في كربلاء والنجف، وكانت جرف الصخر أيضاً مهمة لإيران؛ لأنّها تقع على طريق يستخدمه الحجاج الشيعة للسفر إلى كربلاء خلال محرم، وعندما طردت الميليشيات الشيعية مقاتلي التنظيم من جرف الصخر أواخر 2014، حولت المدينة إلى مدينة أشباح؛ فقد قتلت وشردت عشرات الآلاف من أهلها، واقتلعت البساتين وأحرقتها بدعوى منع الإرهابيين من اللجوء إليها، وكانت المواشي تائهة ترعى دون مالكيها، وعثر على العضو السنّي الوحيد في المجلس الإقليمي، مقتولاً برصاصة في رأسه، زادت عملية جرف الصخر وغيرها من الأعمال الدموية، من عزلة السنّة في العراق، ووفق أحد التقارير؛ فإنّ "تدمير القرى والمنازل، ونهب ممتلكات السنّة والماشية، حوّل حلاوة النجاحات ضدّ داعش إلى مرارة"، ويصف تقرير آخر تأثير الميليشيات الشيعية بعد عملية جرف الصخر بشكل خاص: "في جميع المناطق التي تدخل فيها قوات الحشد الشعبي، فرّ السنّة من منازلهم، وتركوا ممتلكاتهم، وفضّلوا العيش في الخيام كلاجئين".
- تكشف إحدى الوثائق أنّ إيران كانت في البداية تشكّ في ولاءات رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، إلا أنّ تقريراً كُتب بعد بضعة أشهر من وصوله إلى رئاسة الوزراء أشار إلى أنّه كان على استعداد تام لإقامة علاقة سرّية مع الاستخبارات الإيرانية، صدر التقرير في كانون الثاني (يناير) 2015، ويصف لقاءً خاصاً بين العبادي وضابط في وزارة الاستخبارات الإيرانية، يُدعى بروجردي، عُقد اللقاء في مكتب رئيس الوزراء "دون وجود سكرتير أو شخص ثالث"، وخلال الاجتماع، تطرق بروجردي إلى الانقسام السنّي -الشيعي في العراق، وقال: "اليوم، يجد السنّة أنفسهم في أسوأ الظروف الممكنة، وفقدوا ثقتهم بأنفسهم، السنّة متشردون، مدنهم مدمرة، ومستقبلهم غير واضح، في حين أنّ الشيعة لديهم أمل، ويستطيعون استعادة ثقتهم بأنفسهم"، ورأى بروجردي؛ أنّ "شيعة العراق يقفون عند نقطة تحوّل تاريخية"، وأنّه "يمكن للحكومة العراقية وإيران الاستفادة من هذا الوضع"، وبحسب الوثيقة فقد عبر رئيس الوزراء عن "موافقته الكاملة" على تقديرات بروجردي، وتزعم إحدى الوثائق أنّ رئيس الوزراء كانت لديه ارتباطات خاصة بالحرس الثوري الإيراني منذ كان يعيش في إيران منفياً، إبان حكم النظام العراقي السابق، ورغم ذلك؛ يبدو بحسب الوثائق أنّ رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، كان هو الشخصية العراقية المفضلة لدى إيران، وجاء في إحدى الوثائق أنّ أبرز مستشاري رئيس البرلمان العراقي السابق، سليم الجبوري، كان إيرانياً، وذكرت "نيويورك تايمز"؛ أنّ "إيران اعتمدت على ولاء العديد من أعضاء مجلس الوزراء العراقي"، ووصفت الوثائق الإيرانية المكتوبة بين 2014 و2017 وزراء البلديات والاتصالات وحقوق الإنسان العراقيين؛ بأنّهم "في وئام تام وواحد مع إيران"، وأشارت إحدى الوثائق إلى أنّ وزير البيئة "يعمل معنا"، رغم أنّه سنّي، أما وزير النقل، بيان باقر جبر، الذي قاد وزارة الداخلية العراقية فوصف بأنّه "قريب جداً". من إيران، ويسمح لإيران باستخدام الأجواء العراقية لإيصال الإمدادات العسكرية إلى سوريا، وورد في إحدى الوثائق تعليق حول وزير التعليم العالي العراقي، يقول: "لن نواجه مشكلة معه".
بحسب الوثائق من الصعب على أيّ سياسي عراقي أن يصبح رئيساً للوزراء دون مباركة إيران
- في إحدى الوثائق يقول مسؤول عراقي إنّه جاء برسالة من رئيسه في بغداد، اللواء حاتم المقصوصي، قائد الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع العراقية، وينقل لضابط إيراني تعبير المقصوصي عن إخلاصه لنظام الحكم الإيراني، وأنّه حمّله أمانة مفادها: "أخبرهم أنّنا في خدمتكم، كلّ ما تحتاجونه هو تحت تصرفكم، نحن شيعة ولدينا عدو مشترك"، ويتابع رسول المقصوصي قائلاً للضابط الإيراني: "كلّ معلومات استخبارات الجيش العراقي، اعتبرها لك"، ويبشّره بأنّ الولايات المتحدة زودت الاستخبارات العراقية ببرنامج للاستهداف السري؛ وهو نظام شديد الحساسية للتنصت على الهواتف المحمولة، ويعرض تسليمه إلى الضابط الإيراني قائلاً: "إذا كان لديك جهاز كمبيوتر محمول جديد، فقم بإعطائه لي حتى أتمكّن من تحميل البرنامج عليه".
- بينت الوثائق المسربة اعتقاد البعض داخل الحكومتين الأمريكية والإيرانية بأنّه يتعين عليهما تنسيق جهودهما ضدّ عدو مشترك، لكنّ إيران، نظرت إلى الوجود الأمريكي المتزايد كتهديد، و"غطاء" لجمع المعلومات الاستخباراتية عن إيران، وكتب أحد الضباط الإيرانيين: "ما يحدث في السماء فوق العراق يُظهر المستوى الهائل لنشاط التحالف"، "يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ الخطر على مصالح جمهورية إيران الإسلامية المتمثلة في نشاطها"، كما تبين الوثائق كيف أسهم صعود داعش، بإيجاد شرخ بين إدارة أوباما، والطبقة السياسية العراقية؛ حيث اشترط أوباما الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي، كشرط لتجديد الدعم العسكري الأمريكي، لاعتقاده أنّ سياسات المالكي الوحشية والحملات القمعية ضدّ السنّة العراقيين ساعدت في صعود المتشددين، وكان المالكي هو المفضل لدى طهران التي نظرت إلى بديله، حيدر العبادي على أنّه أكثر ودية للغرب وأقل طائفية، ولطمأنة طهران أرسل السفير الإيراني، حسن دانشور، محضر اجتماع سرّي لكبار الموظفين في السفارة الإيرانية يثبت فيه أنّ طهران يمكنها الوثوق بالعبادي، وأنّ لدى إيران كثيراً من وزراء حكومته في جيبهم، وترد أسماء الوزراء العراقيين واحداً تلو الآخر مشفوعة بمواقف كلّ منهم المؤيدة لطهران.
تشرح الوثائق كيف تحوّل العراق إلى بوابة للقوة الإيرانية يربط جغرافية الجمهورية الإسلامية للهيمنة من شواطئ الخليج العربي للبحر الأبيض
- تكشف وثيقة أخرى؛ أنّ نيجيرفان برزاني، رئيس وزراء كردستان، التقى كبار المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين إلى جانب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، في بغداد، في كانون الأول (ديسمبر) 2014، ثمّ توجّه على الفور لمقابلة مسؤول إيراني لإخباره بكلّ شيء.
- بحسب الوثائق؛ رأى الإيرانيون في بعض الأحيان قيمة تجارية في المعلومات التي تلقوها من مصادرهم العراقي، وورد في تقرير أنّ الولايات المتحدة مهتمة بالوصول إلى حقل غني للغاز الطبيعي في عكاس، بالقرب من حدود العراق مع سوريا، وأوضح المصدر؛ أنّ الأمريكيين قد يحاولون في نهاية المطاف تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو سوق رئيس للغاز الطبيعي الروسي، وكتب ضابط وزارة الاستخبارات، في برقية إلى طهران: "أوصي بأن يتم استخدام المعلومات المذكورة أعلاه في تبادل مع الروس وسوريا"، وقد كتب البرقية بينما كانت روسيا تصعّد بشكل كبير من مشاركتها في سوريا، وبينما واصلت إيران تعزيزها العسكري هناك، لدعم الأسد.
الوثائق تفضح تواطؤ إيران والإخوان لإضعاف السعودية
تفيد إحدى أهم الوثائق المنشورة بوجود تنسيق وتعاون بين إيران وتنظيم "الإخوان المسلمين" الدولي هدفه إضعاف المملكة العربية السعودية؛ حيث عقد اجتماع بين مسؤولين إيرانيين وبعض قيادات تنظيم الإخوان، عام 2014، عرض فيه الإخوان على طهران التعاون، ومساعدتهم في اليمن ضدّ السعودية، في بداية هذا الاجتماع ذكّر وفد الإخوان، فيلق القدس الإيراني بأنّ تنظيم "الإخوان" يمتلك نفوذاً وحضوراً في معظم دول العالم، وفيما أقرّ بوجود خلافات واضحة بين الجماعة وإيران، التي وصفها بأنّها ممثل الشيعة في العالم الإسلامي، فيما يعدّ الإخوان أنفسهم أنّهم ممثلو السنّة في العالم الإسلامي، دعا وفد الإخوان إلى التركيز على أرضية مشتركة للتعاون، خاصة حول كيفية التعامل مع ما يعتقد التنظيم بأنّه العدو المشترك لكلّ منهما، وهو المملكة العربية السعودية.
ردود الفعل الإيرانية والأمريكية
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنّها طلبت من ثلاثة مسؤولين إيرانيين التعليق على هذه التسريبات، لكنّهم رفضوا تقديم أيّة إيضاحات ذات قيمة؛ حيث رفض علي رضا مير يوسفي، المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة الإيرانية في نيويورك، ومجيد تخت روانتشي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وزير الخارجية محمد جواد ظريف الردّ على طلبات مكتوبة للتعليق على التسريبات، بينما تواصلت الصحيفة هاتفياً مع حسن دانشور، الذي عمل سفيراً لإيران في العراق، في الفترة من 2010 إلى 2017، وكان نائباً لقائد القوات البحرية للحرس الثوري سابقاً، وعند سؤاله عن التسريبات أنكر وجودها تماماً، أو حتى انتشارها، لكنه لم ينكر أنّ إيران لديها معلومات كثيرة حول العراق؛ حيث قال: "نعم، لدينا الكثير من المعلومات من العراق حول قضايا متعددة، خاصة حول ما كانت تفعله أمريكا هناك"، وأضاف: "هناك فجوة واسعة بين واقع، وتصور الأعمال الأمريكية في العراق؛ حيث إنّ لدي الكثير من القصص لأرويها "، ورفض التوضيح أكثر من ذلك، من جانبها؛ أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ الوثائق المسربة حول دور إيران المشبوه في العراق ليست سراً، موضحة أنّ الدور الإيراني في العراق معروف، وقال مصدر في الخارجية الأمريكية: "نتابع عن كثب وثائق "نيويورك تايمز" حول الدور الإيراني في العراق، وأنّ إيران تسعى لتقويض نظام الحكم في العراق، فيما كشفت وزارة الخزانة الأمريكية بدورها أنّ الرئيس الإيراني، حسن روحاني، استولى مؤخراً على نحو خمسة مليارات دولار، من أموال صندوق التنمية الوطني (الصندوق السيادي) في إيران لدعم الإرهاب".
كما تواصلت "نيويورك تايمز" مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، الذي رفض التعليق على ما نسب إليه في هذه الوثائق، وشكك اللواء حاتم المقصوصي فيما نسب إليه من رسائل إلى الإيرانيين في التسريبات، ونفى عمله لصالح إيران، لكنّه أشاد بإيران لمساعدتها في محاربة داعش، وقال إنّه حافظ أيضاً على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. وأوضح: "لقد عملت من أجل العراق، ولم أعمل في أي دولة أخرى"، "لم أكن مدير الاستخبارات للشيعة فقط، كنت مدير الاستخبارات في كلّ العراق"، بينما علّق مسؤول أمريكي سابق على البرقيات المنقولة عن المقصوصي قائلاً: إنّ "الولايات المتحدة أصبحت على علم بعلاقات ضابط الاستخبارات العسكرية العراقية مع إيران، وقصرت وصولهم إلى المعلومات الحساسة".
اقرأ أيضاً: وثائق إيرانية سرية تكشف هيمنة طهران على بغداد بهذه الطريقة
ومن خلال متحدث رسمي، قال نيجيرفان برزاني؛ إنّه لا يتذكر مقابلة أجراها مع أيّ مسؤولين إيرانيين في ذلك الوقت، ووصف البرقية بأنّها: "لا أساس لها من الصحة"، وقال إنّه "ينفي تماماً" إخبار الإيرانيين بالتفاصيل حول محادثاته مع الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين.
لماذا يجري الكشف عن هذه الوثائق الآن؟
تأتي هذه التسريبات بينما تواجه إيران موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق في الداخل الإيراني، شملت معظم مدنها الرئيسة، علاوة على موجات الاحتجاج عمت مناطق نفوذها الإقليمي في كل من العراق ولبنان واليمن، لطالما تعرض الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، للهجوم عام 2009؛ بسبب استجابته الضعيفة للمظاهرات المناهضة للنظام الإيراني، لكنَّ البيت الأبيض ووزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، سارعا هذه المرة للتعبير عن تضامنهما مع الشعب الإيراني، ولعلّ نشر مثل هذه التسريبات في الوقت الحالي يفيد برغبة الإدارة الأمريكية تعميق أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام الإيراني في الداخل والخارج، ولعلّ نشر مثل هذه الحقائق الموجعة من شأنه توسيع وتعميق نطاق المظاهرات في العراق، وباقي مناطق النفوذ الإيراني.
وعلى عكس مظاهرات، عام 2009، عندما طلب قادة الحركة الخضراء من واشنطن عدم التدخل، فإنّه من المرجح أن يحظى الدعم والتدخل الأمريكي بالترحيب من الشعب الإيراني في الشوارع، وبالتالي قد يتلقى مزيداً من التمكين نتيجة لذلك، ورغم أنّ إيران ربما تكون قد هزمت الولايات المتحدة في المنافسة على النفوذ في بغداد، فقد كافحت لكسب التأييد الشعبي في الجنوب العراقي، أما الآن؛ فتواجه طهران تراجعاً قوياً، وبشكل غير متوقع في جميع أنحاء الجنوب، كما أوضحت الأسابيع الستة الأخيرة من الاحتجاجات، وتشهد الأحزاب السياسية العراقية المدعومة من إيران إحراق مقرها الرئيس، واغتيال قيادييها، وهذا مؤشر على أنّ إيران ربما قللت من شأن رغبة العراق في الاستقلال، ليس فقط من الولايات المتحدة، لكن أيضاً من جارتها.
بدأ سقوط العراق تحت النفوذ الإيراني منذ الغزو الأمريكي حيث استطاعت إيران بناء شبكة جواسيس وعملاء بمعظم المؤسسات السيادية العراقية
ومن جانب آخر، يبدو أنّ الإدارة الأمريكية الحالية سعيدة جداً بالصورة الضعيفة والمرتبكة التي ظهرت عليها إدارة الرئيس أوباما الديموقراطية السابقة في ثنايا هذا التسريبات؛ إذ تثبت التسريبات مثلاً علم إدارة أوباما الكامل بأحداث مجزرة جرف الصخر، عام 2014، التي ارتكبتها ميليشيات إيران في العراق، وهو ما يعني أنّ التسريبات ليست فقط إثبات تورط إيران في جريمة إبادة وحملة تطهير طائفي لمدينة كاملة، بل إنّها إثبات أيضاً لتواطؤ إدارة أوباما وتورطها في تجاهل حدوث الجريمة، والتساهل في الردّ عليها، وهي التي كانت تدعي آنذاك عدم وجود أدلة على مزاعم الأهالي المشردين حول وجود حملة تطهير طائفي تقودها الميليشيات الإيرانية في المدينة، وقد تفتح هذه التسريبات المجال واسعاً أمام أهالي الضحايا لتقديم شكاوى قانونية بحقّ الرئيس أوباما وكبار موظفي إدارته بدعوى تقصيرهم في توفير الحماية للمدنيين، وبطبيعة الحال؛ سيؤثر كلّ ذلك سلباً على موقف الديموقراطيين في انتخابات عام 2020 المقبلة، وهو ما يثير التساؤل بشأن ضلوع الإدارة الأمريكية الحالية بحملة التسريبات الأخيرة.